صفح الفريق المتضرر
ـ تمهيد:
أناط المشرع من حيث المبدأ الملاحقة وحق العقاب بالدولة، فهي التي تمارس 
ـ عن طريق مؤسساتها القضائية ـ حق تحريك الدعوى العامة، ومحاكمة الجناة، وتنفيذ العقوبات بحقهم. ولكنه استثنى من ذلك عدداً من الجرائم التي تمس الحقوق الشخصية مساً مباشراً، فعلق رفع الدعوى العامة على إرادة المجني عليه، وجعل لعفوه بعد الحكم مفعول وقف تنفيذ العقوبة.
فهنالك عدد من الجرائم تتوقف فيها الدعوى العامة على شكوى الفريق المتضرر، نذكر منها: جريمة استيفاء الحق بالذات (م421)، والسفاح بين الأصول والفروع والأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات ومن هم بمنزلة هؤلاء من الأصهرة (م477)، والضرب والجرح والإيذاء إذا لم ينشأ عن أحدهم مرض أو تعطيل عن العمل تزيد مدته عن عشرة أيام (م540)، وخرق حرمة المنزل (م557) والتهديد (م564).
ومن الدعاوى العامة ما يتوقف تحريكها على ادعاء شخصي، كما هو الأمر في جريمة الزنا (م475)، وجرائم الذم والقدح (م572).
وفي جميع هذه الجرائم إذا كانت الدعوى العامة قد أقيمت على أثر الشكوى أو الادعاء الشخصي، ثم عدل المجني عليه عن موقفه وصفح عن الجاني، فإن لصفحه أثرين:
1 ـ تسقط الدعوى العامة إذا لم يكن قد صدر فيها حكم مبرم.
2 ـ ويتوقف تنفيذ العقوبات إذا صدر فيها هذا الحكم.
وما يهمنا هنا هو هذا الأثر الأخير([1]).
ـ صفح المتضرر وتعليق العقوبة: 
لتعليق صفح المتضرر للعقوبة أحكام متعددة نجملها في الآتي:
أولاً ـ إن صفح المجني عليه في الأحوال التي يعلق فيها القانون إقامة الدعوى العامة على تقديم الشكوى أو الدعوى الشخصية يوقف تنفيذ العقوبات التي صدر حكم بها، إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.
ثانياً ـ لا مفعول لصفح المجني عليه على التدابير الاحترازية وتدابير الإصلاح.
ثالثاً ـ لا يحول وقف تنفيذ العقوبات بناء على صفح المجني عليه دون تطبيق الأحكام المتعلقة بوقف التنفيذ، ووقف الحكم النافذ، وإعادة الاعتبار، والتكرار، واعتياد الإجرام.
رابعاً ـ الصفح لا ينقض ولا يعلق على شرط.
خامساً ـ الصفح عن أحد المحكوم عليهم يشمل الآخرين.
سادساً ـ إذا تعدد المدعون الشخصيون فلا أهمية للصفح إلا إذا صدر عنهم جميعاً.

(1) من حق المجني عليه عموماً أن يصفح عن الجاني (أو يعقد صلحاً معه) في جميع الجرائم التي تصيب الإنسان بضرر في جسده أو ماله أو عرضه أو شرفه، لأن دعواه في طبيعتها هي دعوى مدنية تتعلق بالتعويض، ولا تأثير لها على الحق العام. فإذا تصالح الجاني مع المتضرر على بدل مالي أو بدونه فهذا الصلح لا يتناول إلا الحقوق الشخصية، ولا يشمل الجرم الجزائي، لأن المجني عليه لا حق له في العقوبة. ولكن الاجتهاد القضائي سار على عدِّ إسقاط الحق الشخصي سبباً مخففاً للعقوبة ـ في غير الجرائم التي تتوقف فيها الدعوى العامة على شكوى أو ادعاء شخصي ـ يعود تقديره إلى القاضي. ففي جرائم القتل مثلاً غالباً ما تسقط المحكمة من العقوبة ثلثها أو نصفها نتيجة لإسقاط الحق الشخصي. ولعل هذا الموقف مستمد من الشريعة الإسلامية التي تقرر بان الصلح يسقط القصاص مع بقاء حق المجتمع بعقوبة تعزيزية.

Previous Post Next Post