اعتراض العراق على لجنة ترسيم الحدود مع الكويت 1992 وفق قرار 833:
اعترض العراق في بداية الأمر على قرار مجلس الأمن 833 الصادر في 27 أيار / مايو 1993 من خلال رسالة بعثها وزير خارجية العراق الى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 6/6 / 1993, وقد شرحت الرسالة وجهة النظر العراقية والحيف الذي ألحقته اللجنة بحقوق العراق التاريخية في أرضه ومياهه, وبينت الرسالة على أن عمل اللجنة كان بعيدا عن الحيادية والنزاهة, مما دفع رئيس اللجنة للأستقالة من عمله اعتبارا من 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1992 . ( والجدير بالذكر ان رئيس اللجنة قدم استقالته وذلك من خلال رسالته التي وجهها الى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 4 تشرين الثاني / نوفمبر 1992, حيث أبدى شكوكه حول صلاحيات عمل اللجنة ).
كما تضمنت الرسالة اعتراضات العراق كما وردت في الفقرة الرابعة منها وهي(1):
1- ان وصف الحدود الذي اعتمده مجلس الأمن أساسا للترسيم بقراره 687 (1991) , والذي فصل فيه تقرير الأمين العام المقدم استنادا الى الفقرة(3) من القرار المذكور لا يتطرق اطلاقا الى وصف الحدود في منطقة خور عبد الله, وعلى هذا الاساس لا يمكن الاستناد الى ذلك الوصف في أية عملية للتخطيط على النحو الذي قامت به اللجنة, لأن التخطيط لابد ان يستند الى وصف , أي تحديد متفق عليه للحدود بين الأطراف المعنية.
2- ان منطقة خور عبد الله لا ينطبق علها حسب وصف الحدود الذي أعتمده مجلس الأمن بقراره 687 (1991) , صفة البحر الاقليمي لكي يصار الى البحث عن قاعدة تقسيمه بين الدول المتجاورة والمتقابلة طبقا لقواعد قانون البحار.
3- ان منطقة خور عبد الله حتى على افتراض كونها بحرا اقليميا, فأنه يصدق عليها وصف ( الظروف الخاصة), وهو ما أقره الخبيران المستقلان أيضا, مما يسوغ حسب اتفاقية قانون البحار لعام 1982 تعيين حدود البحر الاقليمي بطريقة تخالف قاعدة خط الوسط في حالة عدم الاتفاق بين الطرفين على قاعدة اخرى.ان الحكم المتعلق بحالة ( الظروف الخاصة) هذه يكتسب قوة اضافية لعدم وجود صفة متفق عليها لتحديد الحدود. وبمعنى اخر ان تعيين الحدود في هذه المنطقة يتم لأول مرة , ومن ثم يمكن الأخذ بحالة الظروف الخاصة.
4- ان للعراق حقوقا تاريخية في منطقة خور عبد الله لم يمارس حكام الكويت الملاحة على نطاق واسع فيها, مما يجعلها مستثناة حسب اتفاقية قانون البحار لعام 1982 من قاعدة خط الوسط على نحو ما ذكرناه في (3) انفا .
(1) أنظر رسالة وزير خارجية العراق الى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 6 / 6 / 1993, موسوعة المقاتل, مصدر سابق
5- ليس من حق مجلس الأمن بموجب وظائفه وسلطاته الممنوحة له في ميثاق الأمم المتحدة ان يفرض على دولة عضو تحديدا لحدودها لأن هذا الاختصاص يضع بموجب القانون الدولي الى قاعدة الاتفاق بين الدول ذات العلاقة, ولكونه لا يمت بصلة بالدقة المطلوبة قانونا الى مسائل الحفظ على السلم والأمن الدوليين التي يختص بها المجلس, وبذلك يكون المجلس قد تصرف بصورة تتجاوز نطاق صلاحياته.
اعتراف العراق بترسيم الحدود وفق القرار 833:
لقد ساد التوتر مرة أخرى بين العراق والكويت عام 1994 قبل أن يعلن العراق قبوله لقرار مجلس الامن 833, حيث حشد قواته على الحدود الكويتية, فسارع مجلس الأمن الى اصدر القرار رقم 949 بتاريخ 15 تشرين الأول 1994 الذي أدان فيه الحشود العسكرية العراقية على الحدود مع الكويت, وقد طالب القرار العراق في سحب قواته فورا الى مواقعها الأصلية, كما طالب العراق بأن لا يستعمل قواته العسكرية مرة اخرى بشكل عدواني أو استفزازي لتهديد جيرانه او عمليات الأمم المتحدة في العراق.
وقد تدخلت روسيا بأقناع العراق لسحب قواته أولا ومن ثم اقناع قادته على الموافقة على قرار مجلس الامن رقم 833 الصادر في عام 1993 مع تعهد روسي لتسهيل رفع الجزائات عن العراق, وفعلا وافقت الحكومة العراقية على قبولها بالقرار المذكور, واستنادا لذلك صدر بيان مشترك عن زيارة الوفد الروسي, وقد أودع البيان المشترك لدى مجلس الأمن برسالة مشتركة من المندوبين العراق والروسي بتاريخ 15 تشرين الأول 1994 , وقد أشار البيان المشترك لزيارة السيد اندريه كوزيريف وزير خارجية روسيا ومبعوث الرئيس الروسي بوريس يلسين الى العراق. ودعت روسيا الى اتخاذ خطوات حاسمة من أجل عدم السماح بتصعيد التوتر واعادة الوضع الى مسار الجهود السياسية والدبلوماسية التي من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف الى تحقيق الأمن والاستقرار الوطيد في المنطقة, والى رفع الجزاءات المفروضة على العراق, واقامة علاقات حسن الجوار بين العراق والكويت.
وأعلن العراق رسميا أنه قد أكمل في الساعة 21 من مساء يوم 12 تشرين الأول نقل قواته الى المواقع الخلفية. كما أكد العراق استعداده لأن يحل بشكل ايجابي مسألة الاعتراف بسيادة الكويت وحدودها التي تقررت بموجب قرار مجلس الأمن 833 (1993) (1).
(1)عبد الله, د. جميل, ترسيم الحدود العراقية- الكويتية ودبلوماسية الخروج من البند السابع, العراق تايمز, الثلاثاء , 18 حزيران, 2013
www.aliraqtimes.com/ar/page/18
لكن الأحداث التالية لصدور البلاغ المشترك أثبتت بأن ما نفذ من الجهود الروسية اقتصر على قبول العراق بالقرار 833 ولم يتم تنفيذ أي وعد من روسيا قد ورد في البلاغ المشترك بصدد تطبيق الفقرة 22 من القرار 687 الصادر في 1991 حول الجزاءات المفروضة على العراق. وبتعبير اخر فأن الصفقة السياسية التي تمت بين العراق وروسيا حول قبول العراق بقرار 833 اقتصرت نتائجها على قبول العراق من دون ان تتبعه أية خطوة لرفع الجزاءات كليا أو جزئيا. ولم يكشف النقاب عن الآثار السياسية التي نالتها روسيا في علاقتها مع الولايات المتحدة نتيجة جهودها اقناع العراق بقبوله قرار مجلس الأمن 833(1).
الجوانب القانونية لعمل لجنة ترسيم الحدود:
مما تقدم تبين ان مجلس الأمن ومن خلال تخويل اللجنة التي شكلها في تخطيط الحدود العراقية – الكويتية قد تدخل في موضوع حساس لا يدخل في نطاق صلاحياته, وانما تدخله بهذه الصورة يعد تجاوزا صريحا لحدود صلاحياته المخوله له بموجب الميثاق, كما أنه أمرا غير مألوفا لمجلس الأمن في تعامله الدولي. لأن مسألة الحدود في القانون الدولي تخضع لاتفاق ورضا الأطراف المعنية حتى تتحقق لها صفة الثبات والأستقرار. ونتيجة لهذا التصرف غير المسبوق من مجلس الأمن سجل العديد من المخالفات القانونية على لجنة ترسيم الحدود منها:
1- اعتماد اللجنة في ترسيم الحدود على محضر اتفاق عام 1963, وهذا المحضر كما بينا سابقا لم يكتسب الصفة القانونية, ذلك لأنه لم يصادق عليه من قبل الجهات العليا ذات العلاقة في العراق.
2- الخريطة التي اعتمدتها اللجنة في ترسيم الحدود حسب الوثيقة ( 22412 ), وكما هو معروف فيما ذكرنا سابقا ان هذه الخريطة عبارة عن خريطة طبوغرافية للكويت تم اعدادها في بداية 1988 وجرى تنقيحها عام 1990, وقد سلم هذه الخريطة مندوب الكويت في الأمم المتحدة بتاريخ 28/ 3/ 1991 معتبرا على انها تتضمن اشارة الى الحدود البرية والبحرية, وهذه مخالفة صريحة لعمل اللجنة.
3- تعمدت اللجنة عند ترسيمها للحدود على زحف خط الحدود الى داخل الجانب العراقي, حيث استقطعت أراضي عراقية جديدة ضمت ابار نفطية ومناطق زراعية هذا فيما يتعلق بالجانب البري , وأما في الجانب البحري فقد حاصرت اللجنة الساحل البحري العراقي الضيق اساسا, ثم قامت بأقتطاع أراضي من منطقة أم قصر شملت القاعدة البحرية وبعض منازل المواطنين وضمتها للكويت
4- استندت عملية ترسيم الحدود على عبارات غامضة وفق ما جاء في قرار مجلس الأمن 687, كعبارات المواد المناسبة , واستعمال التكنلوجيا , وعبارة " اتخاذ التدابير اللازمة لتشخيص وفحص المادة المناسبة ذات العلاقة ".
(1)عبد الله, د. جميل, مصدر سابق
5- لا يوجد دور للعراق في اختيار الخبراء المستقلين, لذا لا يستطيع التيقن في حقيقة حياديتهم في اتخاذ قراراتهم عند البدء في ترسيم الحدود, فالعراق في هذه اللجنة ممثلا بعضو واحد من بين خمسة اعضاء.
6- ان تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الى مجلس الأمن لم يتضمن مسألة تخطيط الحدود البحرية, لكن الضغوط التي مورست على اللجنة من الجانب الكويتي جعلت اللجنة ترضخ لادخال الحدود البحرية , وهذا ما أدى برئيس اللجنة مختار كوسوما للاستقالة.
7- ان خور عبد الله لا ينطبق عليه وصف البحر الاقليمي حتى يصار الى اقتسامه مناصفة, وهذا حسب ما جاء في وصف الحدود الذي أعتمدة قرار مجلس الامن 687 لعام 1991, وحتى اذا افترض ان خورعبد الله يصدق عليه وصف البحر الاقليمي, فأنه يصدق عليه وصف ( الظروف الخاصة ) حسب ما أقره الخبيران المستقلان في لجنة ترسيم الحدود. كما يلاحظ ان للعراق حقوقا تاريخية في خور عبد الله منذ أمد بعيد وقبل ان تكون الكويت كيانا مستقلا , وقد أنفق العراق عبر عشرات السنين أموالا طائلة في أعمال الكري وتوسيع القنوات والممرات الملاحية المؤدية الى خور عبد الله, مع اقامة منشئات بحرية وموانئ في منظقة خور الزبير لتأمين انسياب تجارته عبر البحار, فهذه الأمور كلها تجعل خور عبد الله مستثنى من قاعدة خط الوسط حسب اتفاقية البحار لعام 1982.
8- ان الضغوط التي اجبرت العراق على القبول بقرار 833 الخاص بانجاز لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت, فهذا القبول لا يمثل ارتضاء سليما حرا صادرا منه كدولة مستقلة بقدر ما يعتبر بصفته اكراه مورس ضده لحمله على هذا القبول, والأكراه كما هو معروف يعد عيبا من عيوب الرضا والارادة الحرة, لا ينعقد معه التصرف القانوني أيا كان, كما لا يترتب عليه أية آثار أو نتائج قانونية(1).