لم تكن العلاقات الاجتماعية والقانونية في العصور القديمة على المستوى المتطور والمتقدم الذي تعيشه المجتمعات الحديثة الآن سواء أكان ذلك في تنظيمها أم في عموميتها لاعتبارات أهمها بالأساس الشرائع السماوية التي نظمت هذه العلاقات أحسن تنظيم والتي أنزلها الله عز وجل لخير الدنيا والآخرة كذلك التطور الحضاري التي تعايشت من خلاله المجتمعات زمناً بعد زمن ، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن .
لقد كانت المجتمعات في الماضي وبالأخص في العصور القديمة وما يحكمها من تنظيم للعلاقات في شتى المجالات تتميز بسيطرة نزعة القوة والسطو والعنف سواء أكان ذلك في علاقات الأفراد بعضهم ببعض أم في المجتمعات المختلفة كالقبائل والعشائر إذا كان أسلوب القتال هو الذي يحسم هذه العلاقات ويحسم أيضاً المشاكل التي تنشأ ولو كانت لأتفه الأسباب في تنظيمها لتلك العلاقات سواء كان ذلك في الأنظمة الرومانية القديمة أو اليونانية الإغريقية أو بين العرب في شبه الجزيرة قبل الإسلام .
وكانت القاعدة في مجال الوفاء بالالتزامات والديون أياً كان مصدرها عقداً أو واقعة مادية أو قانونية تقوم على جبر المدين على الوفاء إذا لم يكن بماله فبجسده , وكان جسمه هو الضمان لسداد دينه إذ إنه بعد تجريد المدين من أمواله التي لا تكفي لسداد دينه كان المدين يخضع خضوعاً كاملاً لسيطرة الدائن فللدائن أن يسترق المدين ويجري عليه جميع أنواع الأذى والألم فله أن يبيعه في سوق العبيد وله أيضاً حبسه حتى أن له الحق في قتله , ولم يقف الأمر عند ذلك فقد كانت الزوجة و الأولاد أيضاً محلاً لضمان حقوق الدائن فله أيضاً حق البيع والاسترقاق عليهم , وقد كان الورثة عند الرومان مسئولين عن جميع ديون موتاهم ولو زادت عن التركة(2) ونخلص من ذلك أن الأنظمة القديمة كانت تعطي للدائن سلطة على جسم المدين لا على ماله فقط وكان يقصد به في القانون الروماني القديم بالسلاسل التي يربط فيها الدائن مدينه إذا امتنع أو تأخر في الوفاء بدينه .
ويلاحظ في هذا الصدد أن الحق الناشئ من هذا الالتزام يسمى في الفقه بالحق الشخصي الذي يعطي سلطة للشخص على الشخص الآخر وذلك مقابل الحق العيني الذي يعطي سلطة للشخص على الشيء وفي مرحلة لاحقة من تطور القانون الروماني وبموجب قانون الألواح الإثنى عشر فقد أعطى للدائن في مواجهة مدينه دعويين :
الأولى: دعوى إلقاء اليد :
وتنص على انه عند الحكم على المدين بمبلغ من النقود أو إذا اعترف المدين بدين للدائن أمام الحاكم القضائي كان للدائن أن يقبض على مدينه ويحبسه فإذا لم يوف بالدين خلال ستين يوماً كان للدائن ان يقتص منه كرقيق وفاء لدينه _ كما له أن يحتفظ به عنده لاستخدامه والانتفاع بثمرات عمله وله كذلك ان يقتله إرضاء لشهوة نفسه وانتقاماً منه لحرمانه من حقوقه .
الثانية : دعوى أخذ الرهينة :
- كانت تخول الدائن بالنسبة لبعض الديون حق الاستيلاء على أموال المدين وحجزه عنده كرهينة دون أي تدخل من الحاكم أو الالتجاء إلى القضاء لاستصدار حكم الدين.
- هذا وقد احتاج الأمر إلى وقت طويل حتى تنحصر سلطة الدائن على أموال المدين فقط لذلك كان للالتزام عند الرومان مظهران _ الأول _ باعتباره رابطة شخصية بين الدائن والمدين والثاني باعتباره عنصراً مالياً لصالح الدائن على مدينه (3)(4).