صيغة التمويل الوقفي للمشاريع الصغيرة للفقراء. [i]
إن القرض الحسن خصوصا والتمويل الخيري لمشروعات الفقراء عموما يرغب كثيرا من الناس المشاركة والمساهمة فيه غير أن هذه الرغبة في الخير تعترضها عقبتان:
- أولاهما التكاليف اللازمة لإنشاء الوقف أو المهارات والوقت اللازم للتعرف على المستحقين للتمويل الوقفي وتمحيص طلباتهم وإجراءات الصرف  والتحصيل .
- والعقبة الثانية تتمثل في خطر التواء وهو خطر ضياع المال وعدم السداد  .
والوقف النقدي المعروض بالصيغة الجديدة والموجه لتمويل مشروعات صغيرة للفقراء سوف يعنى بتذليل العقبتين السالفتين على كثير من الناس من غير الأثرياء للمساهمة في تمويل مشاريع الفقراء بلا كلفة ولا مخاطرة من خلال قرض حسن للوقف يبقي تحت الطلب أو يقدمونه لفترة محدودة، ويضمن الوقف هذه القروض ويستخدمها الفقراء لتمويل مشاريعهم . [ii]
1- أهمية المشارع الصغيرة  ودور الوقف النقدي  .
المشاريع الصغيرة هي تلك المشاريع التي تحتاج إلى استثمار  بسيط لا يزيد على 15000 دولار أمريكي وموجهة إلى فئات الفقراء والمحتاجين والتي يمكن أن من خلالها تحقيق  دخل كاف ومستمر لهؤلاء الفقراء، هذه المشاريع  ونظرا للفوائد الجمة التي حققتها  في تحسين أوضاع الفقراء فقد استقطبت دعم وتبنيها من قبل المؤسسات التنموية الدولية، فهذه المشاريع تؤدي إلى تحسين كبير في أوضاع الفقراء حيث تصل النسبة إلى أكثر من 20%  من الفقراء وأحيانا تصل إلى 100% من الفقراء الذين تحسنت أوضاعهم  بمباشرة هذه المشاريع. فالدراسات التي قامت بها المؤسسات التنموية الدولية تشير إلى أن الفقراء  لديهم القدرة على الإرتقاء بمستواهم المعيشي، ولكن بسبب عدم تمكنهم من الحصول على الموارد المالية اللازمة للاستثمار فإنهم لايستطعون خلق الفرص  الاستثمارية أو الوسائل لاستحداث مصادر دخل لهم، وبالتالي عدم القدرة على مغادرة دائرة الفقر. [iii]
وقد ظهرت الحاجة الماسة لمثل هذه المشاريع نظرا لأنها تركز على الوصول إلى خمس سكان العالم الذين يعدون  أفقر سكان الأرض، وبالتالي فهم الأكثر إحتياجا.والمشروعات الصغيرة كرافعة رئيسية  للنمو و تشغيل قوة العمل وتقليص البطالة، وهذا مايشكل واحدة من أهم آليات مكافحة الفقر وتقوية البنيان الاجتماعي. [iv]
وقد أولت المؤسسة الوقفية ومن خلال الأوقاف النقدية  أهمية للمشاريع الصغيرة نظرا لدورها الايجابي في محاربة الفقر، فقد كان للأوقاف التركية منذ بداية القرن 15 م      دور مميز في توفير التمويل اللازم لهذه المشاريع، ففي دراسة لـ 1563 وقفا نقديا في مدينة بورصة التركية في الفترة 1697-1805م تبين أن هذه الأوقاف قامت بدور اجتماعي كبير بإقراض العديد من الفقراء مبالغ مالية لبدء مهنة أو شراء أدوات الانتاج. [v]
2-الموقوف عليهم أو المستفيدون من التمويل الوقفي :
هم الفقراء الذين يحتاجون تمويلا إنتاجيا يستطيعون رده من دخلهم المتوقع فهم فئة من الفقراء قادرة على الإنتاج لو أتيح لهم التمويل المناسب فهؤلاء  داخلون في فئة    " المساكين " وتشملهم الزكاة، غير أن كثيرا منهم لا يتلقون من الزكاة ما يخرجهم من وهدة الفقر، وهؤلاء هم الذين يستهدفهم القرض الحسن للوقف، وهذا مما لا شك فيه يسهم في توفير أموال الزكاة لمن أقعدهم العجز عن الكسب.[vi]  
3- صيغ التمويل بالوقف ومقاربة المعيار القرآني :
يمكن للوقف تقديم التمويل بجميع صوره المباحة شرعا إضافة إلى القرض الحسن حسبما تراه إدارة الوقف وإلى الحد الذي تسمح به الموارد الوقفية .
إن صيغ التمويل " باستثناء القرض " تسمح بتحقيق عائد حلال للممول كصيغة البيع بثمن مؤجل أو المضاربة أو المشاركة كل ذلك يسمح باستحقاق الممول " الوقف " حصة من الربح .
وباعتبار الوقف ينطو ي على عمل الخير دون معاوضة فإن القرض الحسن هو أفضل صيغ التمويل والتي تتسق مع أهداف الوقف ومقاصده، غير أن هذا لا يمنع من إفساح المجال للتمويل بالوقف بالصيغ التجارية المباحة بالقدر الذي يسمح بتغطية نفقات التشغيل ويحقق ركن الديمومة في الوقف، ويمكن الزيادة في ذلك لتعزيز موارد الوقف بالتدريج حتى يخدم أعدادا متزايدة من الفقراء، غير أن تقديم التمويل بالوقف بصيغه المباحة شرعا وباستخدام المعايير نفسها التي تستخدمها المؤسسات المالية التقليدية، سوف تكون تكاليفه وضماناته مرهقة للفقراء، إذ تؤكد دراسة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن هذه المشاريع الصغيرة وكذلك الفقراء يدفعون أموالا باهضة للحصول على التمويل اللازم لمشاريعهم، حيث تصل نسبة الفوائد إلى أكثر من 25% من إجمالي القرض، حيث يعجز الفقير  على دفع ما عليه من مستحقات بالنسبة لأية مشاريع يقوم بتمويلها.[vii]
ومن أجل الحفاظ على مقاصد التمويل الوقفي لابد أن يقارب المعيار القرآني في عمل الخير وهو  "...ومن كان غنيا فليتعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف..." [viii] فيقدم التمويل مجانا إن كان هناك متسع لذلك، ويتقاضي أجرا أو يحقق عائدا بالقدر الذي يفي بنفقاته ويضمن استمراريته . [ix]
4- الموارد المالية للتمويل الوقفي.
تأتي الموارد المالية للتمويل الوقفي من أربع فئات هي :
أولا : الواقفون مالا على التأبيد وقد يكون المال الموقوف عقارا يخصص ريعه لغرض الوقف أو للاستخدام المباشر  من إدارة الوقف وقد يكون عينا استعمالية كسيارة أو شاحنة أو آله تقدم للفقير في شكل منيحة مؤقتة أو تؤجر له بأجرة زهيدة .
ثانيا : الواقفون مالا مؤقتا : وهم الفئة المقرضة للوقف إذ يقدمون الوقف قرضا حسنا، قد تكون هذه القروض مؤجلة لفترة محدودة، وقد تكون تحت الطلب يمكنهم سحبها متى شاؤوا، ومن رصيد هذه الأموال الموقوفة على التأبيد والتوقيت يقدم التمويل للمشروعات الصغرى للفقراء .

ثالثا : كفلاء السيولة : إن تمويل المشروعات الصغرى للفقراء  باستخدام التمويل الوقفي قد يصطدم بمشكلة تواجه المصارف عادة وهي مشكلة السيولة، ولتذليل هذه العقبة تأتي الفئة الثالثة وهم كفلاء السيولة لمآزرة الوقف بدعم سيولته من خلال إلتزامها بإقراض الوقف عند الطلب مبلغا معينا لمدة محدودة، حيث يخصص ما يقدمه كفلاء السيولة حصرا لسد نقص السيولة الطارئ بسبب متطلبات السحب.
رابعا : كفلاء التواء : " متبروعوا عجز السداد ": يعتبر ضمان دين الفقير من مجالات عمل الخير وعليه يمكن للواقفين وقفا مؤقتا   أن يساهموا بتوفير الضمان اللازم لديون الفقراء التي يحصلون عليها لبدء مشاريعهم. و الواقع العملي الحالي للمؤسسات المالية الدولية و التي باشرت عملية ضمان ديون الفقراء يثبت أن تسديد الفقراء لديونهم أفضل من تسديد  عملاء البنك، وأن الدراسات أظهرت أن مستوى السداد لدى الفقراء المقترضين قد يصل إلى ما يزيد على  90% من إجمالي القروض المقدمة. [x]
و رغم هذا فقد يعجز متلقي التمويل الوقفي عن السداد بسبب من الأسباب كالإعسار وعدم القدرة على السداد أو المماطلة أو بسبب خيانة، ومن أجل تعويض الوقف ما فقده جراء التواء، تقترح صيغة التمويل بالوقف وجود كفلاء التواء أو متبروعوا عجز السداد، حيث يلتزم كل منهم بالتبرع للوقف بمبلغ معين إذا هلك مبلغ التمويل كله أو بعضا منه، فالكفيل أو المتبرع بتعويض 5 % من أصل القرض ضاعت بسبب عدم السداد يحمي 100% من القروض يقدمها المقرضون للوقف مما يشجع وقف الواقفين واستمرار تدفق القرض الوقفي وبذلك استمرار الوقف وديمومته.[xi]
الخاتمة
إن الوقف المؤقت للمنافع يمكن أن يشكل أحد القنوات المهمة في تلبية الحاجات الأساسية للفقراء حيث يوفر الوقف المؤقت  خدمات الرعاية الصحية والتعليم والإطعام والإسكان كما له القدرة على استيعاب الحاجات المستجدة للحياة المعاصرة، لما يتمتع به هذا النوع من الوقف من المرونة والقدرة على تعبئة الموارد والاستفادة من كل القدرات المادية المتاحة في المجتمع. إضافة إلى وقف المنافع المؤقت كذلك الوقف المؤقت للنقود أو التمويل بالوقف هو أحد قنوات التمويل الواعدة في مجال تمويل المشروعات الصغيرة للفقراء، حيث يتيح الفرصة لشريحة اجتماعية واسعة من صغار الملاك ومتوسطي الدخل بالمشاركة  في توفير الموارد اللازمة للمشروعات الصغيرة للفقراء.

[i] الوقف المؤقت للنقود لتمويل المشروعات الصغرى للفقراء ، فكرة أصيلة ومبتكرة لمحمد أنس الزرقا، قدمها ضمن  أبحاث المؤتمر الثاني للأوقاف، جامعة أم القرى مكة المكرمة، 11ديسمبر 2006.
[ii] محمد أنس الزرقا، الوقف المؤقت للنقود لتمويل المشروعات الصغرى للفقراء، أبحاث المؤتمر الثاني للأوقاف، جامعة أم القرى مكة المكرمة، 11ديسمبر 2006،ص 268 .
[iii] فؤاد عبد الله العمر،إسهام الوقف في العمل الأهلي والتنمية الاجتماعية، الأمانة العامة للأوقاف، الكويت، 2000 ، ، ص180-ص181.
[iv] احمد السيد النجار،الفقر في الوطن العربي،مركز الدراسات السياسية والاستراتجية، القاهرة،2005،ص282.
[v] فؤاد عبد الله العمر،إسهام الوقف في العمل الأهلي والتنمية الاجتماعية، مرجع سابق، ص180-ص181-ص182.
[vi] محمد انس الزرقا، الوقف المؤقت للنقود لتمويل المشروعات الصغرى للفقراء ، المرجع السابق، ص270- ص 271.
[vii]  فؤاد عبد الله العمر،إسهام الوقف في العمل الأهلي والتنمية الاجتماعية، مرجع سابق، ص182.
[viii]  محمد انس الزرقا، الوقف المؤقت للنقود لتمويل المشروعات الصغرى للفقراء ، المرجع السابق، ص 269.
[ix] الآية 6، سورة النساء.
[x] فؤاد عبد الله العمر،إسهام الوقف في العمل الأهلي والتنمية الاجتماعية، مرجع سابق،ص175-ص 176.
[xi] محمد أنس الزرقا، الوقف المؤقت للنقود لتمويل المشروعات الصغرى للفقراء ، المرجع السابق، ص 272-ص 273.
أحدث أقدم