آلية ترسيم الحدود والنتائج السياسية والاقتصادية المترتبة عليها
المبحث الاول
 لجان مجلس الأمن المشكلة لترسيم الحدود 
المطلب الاول
ترسيم الحدود البرية
لقد عقدت لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت جلستها الأولى في نيويورك يومي 23 و24  مايس عام 1991, وانتهت في عرض تقريرها على مجلس الأمن في شأن ترسيم الحدود البرية, حيث تمثلت اختصاصاتها فيما يلي(1):
1- تخطيط الحدود البرية بين العراق والكويت بالاحداثيات الجغرافية لخطوط الطول والعرض, وكذلك التعيين المادي لها على النحو الوارد في المحضر المتفق عليه بين الكويت والعراق" بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف و الأمور ذات العلاقة "  الذي تم التوقيع عليه بين البلدين في بغداد في 4/ 11 / 1963.
2- الاستعانة بالمواد المناسبة, والتي منها الخرائط الواردة في وثيقة مجلس الأمن رقم (22421), وهي مجموعة عن عشر خرائط طبوغرافية بمقياس 1:50000 صادرة عن المديرية العامة للمساحة العسكرية بالمملكة المتحدة.
3- اتخاذ الترتيبات من أجل الصيانة المستمرة للتعيين المادي للحدود وفقا لما جاء في تقرير السكرتير العام تحت رقم (22558) الفقرة (4), وقد يتطلب ذلك قيام هيئات المسح بما يلي:
أ- تفقد الاعمدة والعلامات على الحدود الكويتية العراقية على أساس سنوي.
ب- تقديم تقرير للسكرتير العام بعد كل عملية تفقد للحدود.
ج- رصد مدى كفاية علامات الحدود ووضع أية علامات اضافية.





 
(1) المالكي , زهير جمعة, خور عبد الله بين القانون الدولي والمزيدات السياسية, الحوار المتمدن, العدد:4215, تاريخ النشر 14/ 9/ 2013
Ahewar.org/debate/show

وبعد المناقشات التي عقدتها اللجنة  توصلت الى ترسيم الحدود بين العراق والكويت والتي تشمل ثلاثة مناطق وهي(1):
1- الحدود الغربية:
قامت اللجنة بتخطيط الحدود " من تقاطع وادي العوجة ووادي الباطن شمالا على طول الباطن حتى نقطة تقع على جنوب خط عرض صفوان مباشرة ". وقد ادعت اللجنة انها أعتمدت على ما جاء لوصف الحدود في الرسائل المتبادلة لعام 1932 , التي نصت على أن " من تقاطع وادي العوجة مع الباطن ثم في اتجاه الشمال على طول الباطن".
2- الحدود الشمالية: 
ثبتت اللجنة خط الحدود من" وادي الباطن الى النقطة الواقعة جنوب صفوان ". وقد بينت اللجنة ان خط الحدود الذي ورد في الرسائل المتبادلة عام 1932  هو بين الطرف الشمالي وصفوان, حيث يمتد من نقطة في الباطن الى نقطة تقع جنوب خط عرض صفوان , ثم في اتجاه الشرق لتمر جنوب ابار صفوان وجبل سنام.
3- الحدود بين صفوان الى تقاطع الخورين ( خور عبد الله وخور الزبير):
وقد ذكرت اللجنة ان الحدود في هذا الجزء كان قد ورد نص بشأنه في رسائل عام 1932 على نحو:    " جنوب ابار صفوان وأم قصر تاركة هذه المواقع للعراق وذلك حتى التقاء خور الزبير وخورعبد الله".
كما أدعت اللجنة انها رجعت الى خارطة قد رسمت عام 1936 وقد جاء فيها وصف بياني للحدود وهي  "من النقطة التي يظهر عندها الخط المار بين ملتقى الخورين وصفوان عابرا الخط الساحلي لخور الزبيرعند النقطة الواقعة على بعد 800 م الى الجنوب من النقطة الناجمة عن مد الخط المستقيم من النقطة الواقعة جنوب صفوان الى الملتقى ".
لكن حقيقة اللجنة لم تكن محايدة في مهمتها التي كلفت من اجلها, وقد بان انحيازها للكويت عندما اتخذت قرارا بانشاء منعطف في صفوان, وهي نقطة تسيطر على مجمل مسار الحدود في الجزء الشمالي والشرقي, وقد واصل الخبيران المحاديان التحقق بشأن نقطة انعطاف مسار الحدود في صفوان, لكنهما قاما بتحري الموقع بطريقة تتعارض مع قرار اللجنة في 11 / 7 / 1991 الذي طالب الخبراء التحقق من المعلومات المطروحة لتمكين اللجنة من اتخاذ قرارها بشكل ينصف البلدين في ترسيم حدودهما البرية. حيث رافق ممثل الكويت الخبراء المحايدين في  تحقيقاتهم في منطقة صفوان, الذين اعتمدوا على الرأي الكويتي في مسألة وضع نقطة الانعطاف هذه (2).



 
(1) موسوعة المقاتل, لجنة الأمم المتحدة وترسيم الحدود العراقية- الكويتية, مصدر سابق
(2) مردان, وجدي أنور, الاجحاف في ترسيم حدود العراق مع الكويت, مصدر سابق
وأعتمادا على ما سبق فقد توصلت اللجنة في شأن تخطيط الحدود البرية إلى النتائج التالية:
1- يعتبر العمود الحدودي رقم (1) بين الحدود العراقية – السعودية نقطة البداية للحدود على امتداد ثالوك وادي الباطن, ومن ثم النقطة الثلاثية للعراق والكويت والسعودية.
2- يكون موقع الحدود جنوبي صفوان على مسافة ( 1430) مترا من أقصى الجنوب الغربي لجدار مجمع مركز الكمارك القديم على طول الطريق القديم من صفوان الى الكويت(1).
3- تكون الحدود عند الطرف الشمالي من وادي الباطن, هي نقطة ثالوك الوادي وخط عرض النقطة الواقعة جنوب صفوان.
4- أن تلتقي الحدود جنوب أم قصر في الموقع الذي يتقاطع عنده الخط الحدودي الموضح على الخريطة    1- 5549 من سلسلة 1990 المعدة من قبل المساحة العسكرية البريطانية للشاطئ الغربي لخور الزبير.
5- ان ملتقى خور الزبير وخور عبد الله هو أفضل موقع أمكن تحديده في فترة 1932, وقد حول الى خرائط حديثة باستعمال التصوير الفوتغرافي العمودي.
وقررت اللجنة كذلك مايلي:
1- أن يكون الخط الحدودي في وادي الباطن ممثلا في أجزاء خطوط مسقيمة طول كل منها حوالي 2 كم على الأكثر تقترب الى أدنى نقطة في الوادي.
2- أن يكون الخط الحدودي من النقطة الموجودة في أقصى الطرف الشمالي من وادي الباطن الى النقطة جنوب صفوان هو الخط الذي يمتد بطول خط العرض المشترك للنقطتين(1).
3- أن يكون الخط الحدودي من النقطة الواقعة جنوب صفوان الى النقطة الواقعة جنوب أم قصر هو أقصر خط بين النقطتين.
4- أن يكون الخط الحدودي من النقطة الواقعة جنوب أم قصر على الساحل ثابتا, وأن يتبع خط ينابيع المياه المنخفضة حتى النقطة المقابلة مباشرة والأقرب الى ملتقى خور الزبير وخور عبد الله.





 
(1) الصباح, د. ميمونة خليفة , الحدود الكويتية – العراقية حقيقة قائمة , مجلة سجل الأحداث الجارية لمنطقة الخليج والجزيرة العربية , العدد: 8, الكويت, 1998, ص135

وقد واجهت لجنة ترسيم الحدود صعوبات عند وضع علامة الحدود في المنطقة الواقعة جنوب صفوان      ( الجزء الشمالي ), حيث قيل أنه كانت هناك لوحة وانها وضعت على الطريق القديم جنوب مركز كمارك صفوان بكيلو متر واحد , وقد وضعت في هذا الموقع كعلامة حدودية بين العراق والكويت من قبل الوكيل السياسي في الكويت " مور" , وبقيت هذه اللوحة منذ تثبيتها عام 1923 وحتى تم رفعها من قبل الشرطة العراقية عام 1932, وقد رفعت عدة مرات ثم يعاد تثبيتها بعد زحزحتها نحو الشمال, لكنها رفعت  نهائيا عام 1939 (1) .
وفي عام 1940 طرح موضوع اللوحة من جديد عندما أحتجت الحكومة العراقية على اجتياز قوة مسلحة كويتية يرافقها ضابط بريطاني يدعى " آرنولد جالواي " منطقة الحدود داخل العراق وقامت بوضع لوحة داخل الأراضي العراقية على أساس كحد فاصل بين العراق والكويت. وقد بعثت وزارة الخارجية العراقية مذكرة الى السفارة البريطانية في بغداد تستنكر هذا الاجراء الذي قام به الضابط البريطاني. وقد جاء في مذكرة وزارة الخارجية العراقية المرقمة 2635/ 7/ 13363 بتاريخ 25 جزيران/ يونيو 1940 " بإن الوزارة تسترعي النظر الى أن السلطات الكويتية  قد اجتازت الحدود العراقية بسلاحها والتصرف بوضع علامات حدود كيفية وهذا يعتبر خرقا لحرمة الحدود " ثم ذكرت المذكرة بأنه صدرت الأوامر للسلطات العراقية برفعها من المكان التي وضعت فيه.
وقد أجابت السفارة البريطانية على مذكرة وزارة الخارجية العراقية  " كانت السلطات الكويتية  (حوالي سنة 1923) قد وضعت هذه الركيزة لتكون علامة بين العراق والكويت, وقد بقيت هذه الركيزة في محلها حتى يوم 25 حزيران/ يونيو 1932عندما قامت الشرطة العراقية في رفعها , ثم أعادتها بعد أن لفت نظرها إلى أن الركيزة المذكورة كانت قد وضعت من قبل حكومة الكويت وهي ملك لها "(2).
يتضح مما تقدم أن اللوحة قد وضعت بتدبير بريطاني, ولا شأن للسلطة الكويتية في ذلك الوقت, حيث كانت الكويت في عام 1923 لا يتجاوز نفوسها بضعة آلاف محاطين بسور ثالث يغلق أبوابه عند المساء, وقرية صغيرة عند الجهراء أغلب ساكنيها من البدو الرحل. فمن غير المعقول أن تندفع الكويت بحدودها نحو الشمال وهي لا تمتلك حتى مقومات إمارة صغيرة, لا سيما وأن حاكم الكويت في عام 1923 الشيخ أحمد الصباح لا يعرف حدوده مع العراق ويطالب الوكيل السياسي البريطاني في الكويت " مور" بشكل الحدود مع العراق, والملفت للنظر ان الوكيل السياسي أيضا لا يعرف شكل الحدود, فكتب للشيخ أحمد يستفسر عن خط الحدود الذي يطالب به(3).





 
(1) الفيل, د. محمد رشيد , مصدر سابق, ص 282
(2) أرشيف وزارة الخارجية العراقية, " مذكرة وزارة الخارجية العراقية للسفارة البريطانية تحت رقم              2635/ 7 / 12364 بتاريخ 25 حزيران 1940".
(3) العاني, د. عبد الكريم , مصدر سابق, 108

وعند مجئ لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود أثار المندوب الكويتي مسألة هذه اللوحة المزعومة ومكان تثبيتها,حتى أصبحت مرجعا أعتمدته اللجنة أخيرا في ترسيم حدود القسم الشمالي " من وادي الباطن الى النقطة الواقعة جنوب صفوان ". لكنها وجدت نفسها أمام ثلاثة أراء في تفسير الموضع التي وضعت فيه اللوحة هي:
 1- رأي العراق في مذكرت حكومته المقدمة الى السفير البريطاني في بغداد بتاريخ 25 حزيران 1940, والذي يحدد هذه اللافته أو اللوحة ب 1250 م جنوبي مبنى الكمارك القديم.                    
2- رأي الكويت التي ترى أن اللوحة تبعد 1000م فقط عن موقع الكمرك القديم في صفوان
3- والرأي الأخير ما سجله العقيد ديكسون الوكيل السياسي البريطاني في الكويت انذاك في رسالته المؤرخة في 27 كانون الثاني 1935, حيث يرى أن نقطة الحدود الشمالية للكويت مع العراق تقع على بعد ميل واحد أي بما يساوي ( 1609م ) . وأخيرا أنتهت لجنة الأمم المتحدة الى تعيين الحدود في المنطقة في نقطة تقع الى جنوب صفوان على بعد 1430 متر(1).
ألا أن العراق رفض تفسير مسار خط الحدود جنوبي صفوان, متهما الكويت بتحريك مواقع التنقيب ومواقع قوات الحدود ومراكزها لأكثر من سبعين كيلومترا, وأبدى اعتراضه المطلق على الأدلة المساحية, ولم يعترف نهائيا باحداثيات خطوط الطول والعرض.
وبعد ان أكملت لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود البرية , أصدر مجلس الأمن في 26 اب 1992 قراره (773) الذي رحب فيه بتقرير اللجنة المتعلق بالحدود البرية, كما حثها على تخطيط الجزء الشرقي من الحدود الذي يشمل الحدود البحرية في أقرب وقت ممكن لتنجز بذلك مهمتها بالكامل.
ثم بعدها خططت احداثيات الحدود البرية ماديا ب (106) نصب يبعد بعضها عن بعض 2كم تقريبا الى جانب 28 علامة متوسطة.
والنصب الأول هو العمود القائم الذي يحدد ملتقى النقاط الثلاث للعراق والكويت والسعودية, ويكون ارتفاع العمود 4 م, وفي كل موقع يوجد شاهد على الجانب العراقي وشاهد اخر على الجانب الكويتي. والحقيقة ان اللجنة لم تكن محايدة في عملية ترسيم الحدود, حيث نقلت الحدود في القسم الشرقي بنحو 600 م لصالح الكويت, ونتيجة لذلك أضيف للكويت مساحة تقدر حوالي 120كم2 من ضمنها اجزاء من منطقة أم قصر, مع خمسة ابار نفطية من حقل الرميلة(2).





 
(1) المالكي, زهير جمعة , مصدر سابق
(2) عبد الحسن, أروى هاشم, مصدر سابق, ص143

المطلب الثاني
الأساس الذي اعتمدته اللجنة في ترسيم الحدود 

ان الحدود العراقية – الكويتية طيلة العقود الماضية كانت مبهمة ولم يجري تثبيها على الارض منذ فرض الحماية البريطانية على الكويت عام 1899, وكذلك الاتفاقية التي جاءت بعدها بين الدولة العثمانية والحكومة البريطانية التي تطرقت الى رسم الحدود بين الطرفين, والتي لم يصادق عليها لاندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914.
كما أن الحدود لم ترسم بين البلدين حتى بعد انتهاء الدور العثماني في المنطقة وخضوع العراق للاحتلال البريطاني وقيام النظام الملكي , وقد جرت مراسلات بين رئيس وزراء العراق السيد نوري السعيد والمندوب السامي البريطاني في بغداد أشارت الى ان نوري السعيد  قد وافق على خارطة الحدود التي اقترحتها بريطانيا على تركيا قبل اندلاع الحرب العالمية الاولى. لكن موافقة نوري السعيد لم تكتسب الصفة القانونية حيث كانت فقط مراسلات ولم ترتقي الى صيغة المعاهدة او الاتفاقية.

 وفي عام 1951 دفع بالبريطانيين  في تعاملهم  الغير منصف في تثبيت الحدود بين البلدين فاكدوا على ان نقطة الحدود المارة جنوب صفوان تقع على بعد ألف متر جنوب مركز الكمارك العراقي, وكان هذا التحديد بمثابة تفسير بريطاني للرسائل المتبادلة عام 1932 الا ان العراق رفض هذا الاقتراح(1).  في الوقت الذي كان فيه مركز الكمارك الكويتي جنوب المطلاع الذي يبعد بمسافة أكثر من 80 كم من موقع المركز الكويتي الان. 

أما المحضر المتفق عليه بين البلدين عام 1963, الذي اعتمد بدوره على مراسلات عام 1932 التي لم تشر الى تحديد الحدود بأكثر من قولها " على طول الباطن – وعند جنوب صفوان " وظلت لسنوات طويلة لا يعرف خط مسار الحدود أين هو على الارض, لكن كل ما يشير الى ذلك هولوح خشبي أقامته السلطات البريطانية في الكويت عند جنوب أقصى شجرة نخيل جنوب صفوان(2). ولايزال السبب غير معروف عن العلة التي دفعت بالمقيم السياسي البريطاني جون مور لأختيار هذه البقعة عام 1923 في وقت لا تزال الكويت مدينة صغيرة لا تخرج حدودها عن اطار السور المحيط بها. لكن هذا اللوح قد تم ازالته وقام اهالي صفوان بزراعة النخيل جنوب مدينتهم , بعدها اصبح من الصعب التعرف من جديد على اشارة خط الحدود.







 


 (1) السرجاني , خالد , مصدر سابق
(2) بركات, د. محمد, مشكلات الحدود العربية, ط1, أطلس للنشر والتوزيع, القاهرة, 2005, ص 124

لقد سعى مجلس الامن طبقا للفقرة (3) من القراره 687 لعام 1991 تشكيل لجنة لترسيم الحدود بين العراق والكويت وفقا لمعطيات مبهمة وغير واضحة المعالم, كما انه تجاهل اي حدود وقتية وواقعية حيث أعطيت اللجنة صلاحية اتخاذ القرارت بالأغلبية  بغض النظر عن الاعتراضات العراقية. وقد تشكلت اللجنة من رسامي الخرائط المحايدين أحدهما سويدي هو ( أيان بروك) وهو مدير بهيئة المساحة السويدية, والآخر نيوزلندي هو( وليم روبرتسون) وهو المدير العام لهيئة المساحة ومعلومات الأراضي في نوزلندا, ومحاميا دوليا هو وزير خارجية اندنوسيا السابق السيد (كوسوما أتماجا) بصفته رئيسا للجنة, كما مثل العراق الدكتور رياض القيسي, ومثل الكويت السيد طارق رزوقي,  وأمينا عاما للجنة هو السيد ( مكليوس بنفر) الذي هو كبير الرسامين بالأمانة العامة للأمم المتحدة. أما الأساس الذي أعتمدته اللجنة في ترسيم الحدود فينحصر بالنقاط التالية:
1- من الأمور التي أعتمدت عليها اللجنة هو تفسير الحدود التي أقترحتها بريطانيا عام 1951 التي حددت خطا مستيقما من جنوب صفوان الى ملتقى المثلث لخور الزبير وخور الصبية وخور شتيانه, الا انه أنحرف في صورة أبقت للعراق المنفذ المائي السابق كله, لكن في التخطيط الجديد عمدت اللجنة الى تخطيط الحدود على خط مستقيم من دون انحراف, الذي ادى الى استقطاع جزء من المجرى الأسفل لخور الزبير داخل الأراضي الكويتية(1).
2 – لقد أعتمدت اللجنة في ترسيم الحدود على محضر اتفاق عام 1963, وهذا بدوره اعتمد على مراسلات 1932, ورغم انهما لا يملكان القيمة القانونية كما بينا سابقا, فضلا على انها قد تطرقت الى حدود غامضة حيث لم تشر الى أكثر من قولها ( الى طول وادي الباطن وعند جنوب صفوان), وكان الغموض في تفسير خط الحدود  قد تسبب أحيانا في اندلاع التوترات بين البلدين في العقود الماضية. لأنه لاتوجد علامات حدودية على طول الحدود, كلما في الأمر هو لوح خشبي وضعته السلطات البريطانية في الكويت عند شجرة نخيل تقع حنوب صفوان(2).
3- اعتمدت اللجنة على الخريطة الواردة في وثيقة مجلس الأمن (22412) في ترسيم الحدود, والخريطة المذكورة قد سلمها مندوب الكويت في الأمم المتحدة الى الأمين العام بتاؤيخ 28/3/ 1991, بدعوة انها تتضمن اشارة الى الحدود الكويتية – العراقية, وأن حكومة الكويت تعترف بهذه الخريطة بأعتبارها تمثل المحضر الموقع بين الطرفين لعام 1963, والذي أعترف العراق بموجبه بالكويت دولة مستقلة, وبالحدود التي وردت في مراسلات عام 1932.


 
(1) راضي, إيناس محمد, ترسيم الحدود الرعاقية – الكويتية بعد إزمة الخليج, كلية القانون, جامعة بابل, تاريخ النشر: 23/9/ 2013                                                                                                                         uobablyon.edu,iq
(2) السرجاني , خالد, ترسيم الحدود العراقية – الكويتية بعد أزمة الخليج الثانية, مجلة السياسة الدولية, مركز الاهرام, ع11, القاهرة, ص232 وما بعدها.

بينما الواقع يشير عكس ذلك حيث ان هذه الخريطة لا تتعدى كونها خريطة طبوغرافية للكويت تم اعدادها بدقة عام 1988 وجرى تنقيحها في عام 1990, على أعتبارها واردة في المحضر المشار اليه لعام 1963, بينما المحضر لم يشر الى أية خريطة سواء هذه الخريطة او غيرها, وتفاصيل المحضر منشورة بشكل كامل في الوثيقة المرقمة 7063 من سلسلة معاهدات الأمم المتحدة لعام 1964 المجلد 485. لذا لا يوجد أساس قانوني لهذه الخريطة التي أعتبرت مرجعا اساسيا لعمل اللجنة في ترسيم الحدود البرية والبحرية(1).
4- بعد تسوية عام 1961 أثر مطالبة عبد الكريم قاسم بضم الكويت, ونزول القوات العربية التابعة للجامعة العربية للدفاع عن الكويت, أتخذت قوات الجامعة العربية خط يسير بموازاة الحدود الدولية الوهمية وفقا للتفسير البريطاني عام 1951 والخط هو أصلا الخط الذي رسمته القوات البريطانية للدفاع عن الكويت خلال ازمة 1961, وقد استخدمته فيما بعد قوات الجامعة العربية التي عهدت اليها مسؤولية الدفاع عن الكويت بعد موافقة القوات البريطانية على الانسحاب من الكويت.
 وبعد انتهاء الازمة وذلك بزوال حكم عبد الكريم قاسم, مد العراق نفوذه الى خط قوات جامعة الدول العربية بعد رحيلها, وخلال الستينات والسبعينات قام العراق بحفر الابار النفطية فوق هذا الخط الحدودي الواقع مباشرة عند الطرف الجنوبي لحقل الرميلة, في حين توسع ميناء أم قصر عبر الخطوط الوهمية الى خط الجامعة العربية, كما أستمر التمدد العمراني يتسع جنوبا في اواخر السبعينات(2), ولم تبدي الكويت أي اعتراض سواء عن طريق الوسائل الدبلوماسية, أو عن طريق المنظمات الأقليمية أو الدولية, كالجامعة العربية , أو عن طريق هيئة الأمم المتحدة. بيد ان اللجنة المكلفة بترسيم الحدود لم تلتفت الى خط الحدود الذي رسمته القوات البريطانية للدفاع عن الكويت في ازمة عام 1961 استنادا للمقترح البريطاني عام 1951 , ومن ثم اتخذته بعد ذلك قوات الجامعة العربية خط دفاعي عن الكويت بعد انسحاب القوات البريطانية , ورسمت الحدود حسب الخارطة التي سلمتها الكويت الى اللجنة.
5- كما عمدت لجنة ترسيم الحدود الى الاعتماد على صور يعود تاريخها الى عام 1940 تبين فيه موقع الكمارك العراقي القديم في صفوان, كما اعتمدت أيضا على المسح الذي  تم للمنطقة عام 1942 بناء على تكليف من وزارة الهند البريطانية, وهو المسح الذي يحدد خطي العرض والطول لنقطة الكمارك, كما اعتمدت اللجنة على المراسلات التي تمت بشأن شجرة النخلة التي كانت تقع جنوب صفوان, وقد توقعت اللجنة ان النخلة تقع على بعد ميل جنوب مركز الكمارك العراقي , أو على مسافة ألف خطوة جنوب النخلة التي لم تعد موجودة اليوم. وقامت اللجنة بترسيم خط الحدود الجديد على أساس صيغة الحدود التي وردت في مراسلات عام  1932, وهي صيغة مبهمة لم تحدد سوى مسألتين, الأولى نقطة التقاء الحدود الكويتية – السعودية – العراقية, والثانية خط الحدود جنوب صفوان, وهذه مبهمة أيضا وقد خضعت لتقديرات اللجنة(3).

 
(1) ثامر, د. محمد, مصدر سابق, ص106
(2- 3) السرجاني , خالد, مصدر سابق

والجدير بالذكر ان الخرائط التي أعتمدتها اللجنة على أساس مراسلات 1932 ماهي الاخرائط قديمة , رسمتها الشركات النفطية البريطانية التي كانت تجوب المنطقة بحثا عن النفط, حيث أهتدت الى منابع النفط في حقل الرميلة النفطي وأمتداداته في المنطقة التي قامت بأدخالها ضمن الاراضي التي ربما تخضع يوما للكويت , وفعلا تم لها ما أرادت حيث جاء الترسيم الجديد وفق ما تنبئت به الشركات النفطية البريطانية, وأدخلت المنطقة ضمن الحدود الكويتية, وباشرت الكويت بحفر الابار النفطية في الطرف الجنوبي من حقل الرميلة والتي أطلقت عليه في الجانب الكويتي بحقل الرتقة. والغريب ان اللجنة أعتمدت على هذه الخرائط التي تفتقر الى الدقة, وتنقصها البيانات الدقيقة كما انها تفتقر ايضا الى الاحداثيات الصحيحة, فهي غير مقبولة من الناحية الفنية او القانونية.
6- أعتمدت اللجنة على خط الوسط في ترسيم خور عبد الله, وحسب قرار مجلس الأمن 687 لعام 1991 ان خور عبد الله لا يصدق عليه صفة البحر الاقليمي لكي يصار الى تقسيمه بين الدول المتجاورة والمتقابلة طبقا لقواعد قانون البحار, وقد أعترض رئيس اللجنة السيد ( مختار أتماجا) على صلاحية اللجنة في تخطيط الحدود البحرية, وقد أوضح أن تخطيط الحدود البحرية ليس من اختصاص اللجنة, ولا من واجباتها, وان الاحداثيات في قطاع خور عبد الله لم تجر الاشارة اليها لا في المرتسمات القديمة ولا في الجديدة , وبالتالي عدم وجود أي تحديد للحدود البحرية يمكن أن تتخذه اللجنة في هذا الخصوص. ونتيجة للاخلال الواضح في عمل اللجنة قدم السيد رئيس اللجنة استقالته الى المستشار القانوني للأمم المتحدة, وقد عبر عن وجهة نظره وتحفظاته على شروط صلاحية اللجنة(1).
Previous Post Next Post