موقف الكويت من ترسيم الحدود بين العراق والكويت
بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم (833) عام 1993, بالموافقة على قرار لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت, رحبت حكومة الكويت بهذا القرار واعتبرته قرارا ملزما لكلا الطرفين ولا رجعة فيه حيث سبق لكل من العراق والكويت قبول شروط تحكيمها بدون قيد أو شرط , كما أكدت ان لجنة ترسيم الحدود لم تحرم العراق من موانئه الخليجية, بل انها حرمت الكويت بالكامل من- خور الزبير- ولم تعترض على ذلك.
وقد وصف مجلس الوزراء الكويتي برسالته الى الامين العام للامم المتحدة بطرس بطرس غالي بتاريخ 17 حزيران 1993 هذا الانجاز, على أنه انجاز تاريخي للمنظمة الدولية, ويمثل اضافة ناصعة الى نجاحاتها, وتجسيدا حيا لدورها في تدعيم السلام والعدل في العالم. كما أشاد مجلس الوزراء بجهود رئيس اللجنة الدولية واعضائها في ترسيم الحدود بين البلدين تنفيذا للفقرة الثالثة من قرار مجلس الأمن المرقم (687) 1991 واعتبار قراراته نهائية, والتأكيد من جديد على قراراته لضمان حرمة الحدود بين العراق والكويت , وكذلك تكيد اللجنة بتخطيط الحدود بين الكويت والعراق وفقا لقرارات مجلس الامن 687 و 689 لا تقوم من خلال عملية توزيع الحدود للأراضي بين الكويت والعراق , بل انجاز العمل التقني الضروري لتحديد احاثيات بين البلدين استنادا للأتفاقية القائمة, وما قدمته كل منهما من مستندات وادلة ووثائق لتدعيم حجتها الى اللجنة التي تعتبر قراراتها نهائية منذ صدورها , ومطالبة كل من العراق والكويت باحترام حرمة الحدود الدولية التي خططتها اللجنة وباحترام الحق في المرور الملاحي وفقا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة .
كما اشاد مجلس الوزراء الكويتي برسالته الى الامين العام بقرار مجلس الامن الذي يعتبر تدعيما للشرعية الدولية التي تسهم في اشاعة السلام والعدل الدوليين. كما طالب مجلس الوزراء الكويتي بضرورة حث العالم لمواصلة الضغط على النظام العراقي لتنفيذ جميع قرارات مجلس الامن ذات الصلة, لا سيما ما يتعلق منها بسرعة الافراج عن الاسرى والمحتجزين الكويتين ورعايا الدول الاخرى(1).
(1) انظر رسالة المندوب الكويتي محمد أبو الحسن للأمين العام للأمم المتحدة الذي أصدره مجلس الوزراء الكويتي بشأن بتاريخ 17 حزيران/ يونيو 1993S/25863 انتهاء لجنة تخطيط الحدود بين العراق والكويت من اعمالها, تحت رقم
وأعرب أيضا الشيخ صباح الأحمد الصباح، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية الكويت، في رسالة وجهها الى الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي بتاريخ 24 مايو 1993، عن تقدير الكويت واعتزازها بالدور التاريخي والرائد الذي تضطلع به الأمم المتحدة، في ترسيخ قواعد العدل والسلام، وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في العالم, وقد أعتبر هذا الانجاز اسهاما في انهاء عملية ترسيم الحدود بين العراق والكويت, والتي مثلت تهديدا خطيرا وحقيقيا للأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم, كما أثنى في رسالته على دور الشرعية الدولية في ارساء قواعد النظام الدولي الجديد وفق مبادئ الحق والعدل (1).
وصرح المندوب الدائم للكويت لدى الأمم المتحدة، محمد عبدالله أبو الحسن، بأن تصويت مجلس الأمن، في مصلحة مشروع القرار، يعد ضمانا معنويا للأمن والاستقرار في تلك المنطقة، فهو صادر بمقتضى الفصل السابع من الميثاق، وهو مرحب بقرارات لجنة ترسيم الحدود، ويعبر مجدداعن صفتها النهائية، ويؤكد ضمانها من قبل المجلس، وبجميع الوسائل الممكنة وبموجب الميثاق.
ان أمن دولة الكويت وسلامتها واستقلالها، هو جزء لا يتجزأ من أمن العالم وسلامته. وإن ما أنجزته الأمم المتحدة، ليس انتصارا للكويت فحسب، بل هو انتصار للأمم المتحدة، وللشرعية الدولية، ولكل ما هو حق وعدل في عالمنا. إن مجلس الأمن، باتخاذه هذا القرار، قد بارك اغلاق ملف طالما كان مدعاة لعدم الاستقرار والعدوان في منطقتنا. واذ نعرب عن أملنا أن تغلق الملفات الأخرى المترتبة على العدوان العراقي، فاننا نحذر من أن مماطلات النظام العراقي في تنفيذ كامل الالتزامات الأخرى الواردة في قرارات مجلس الأمن، هي نفسها القنبلة الموقوتة التي يجب مراقبتها ونزع فتيلها(2).
(1) أنظر رسالة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي للأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي بتاريخ 24/ مايو / 1993
(2) أنظر رسالة مندوب الكويت الدائم محمد أبو الحسن الى رئيس مجلس الامن
في 28/ مايو/ 1993s/25865 تحت رقم
وذكر بيان أصدرته السفارة الكويتية في لندن بتاريخ 28 ابريل 1993جاء فيه, أن لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود الكويتية – العراقية مشكلة وفقا لقرار مجلس الامن رقم 687 الذي قبله العراق, وهي ليست الاولى من نوعها فهناك لجان دولية مماثلة شكلت لحل قضايا حدودية مثل لجنة الحدود بين بولندا وتشيكوسلوفاكيا ( اتفاق فرساي), ولجنة الحدود بين النمسا والمجر ( اتفاقية سان جرمان ), ولجنة الحدود بين اليونان وتركيا, وكانت قرارات هذه اللجان نهائية وملزمة باعتبارها صادرة من سلطة دولية تتصف بالكفاءة والحياد التام. و أضاف البيان لقد أقرت اللجنة الدولية ترسيم الحدود بين الكويت والعراق استنادا الى الوثائق والمذكرات والخرائط المعترف بها دوليا, والاتفاقات المتبادلة عام 1932 التي اكدها محضر الاجتماع بين الحكومتين عام 1963, وتم ايداع هذه الوثائق لدى منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية اقرارا أو التزاما بها وهي اتفاقات لا تسقط بالتقادم كما يحلو للبعض في تردد هذه الاقاويل.
وذكر بيان السفارة ان قرارات لجنة ترسيم الحدود قد اعادت الى الأذهان بطلان ادعائات النظام العراقي بزحف الكويت على اراضية واستيلائها على حقول نفطية, لكن الواقع كما تزعم السفارة ان العراق هو الذي زحف على الاراضي الكويتية وحفر فيها ابار نفطية وأقام فيها منشئات في محاولة لفرض سياسة الامر الواقع.
واضاف البيان أن ترسيم الحدود بين الكويت والعراق حرم دولة الكويت بالكامل من – خور الزبير- الواقع قبالة الساحل الكويتي ولم تعترض الكويت على ذلك. وأدعى البيان بأن موانئ العراق لن تتأثر بترسيم الحدود بين الدولتين وانما هو في الحقيقة لرفع التجاوزات التي فرضها العراق على الكويت.
ومن ثم ذكر البيان ان الكويت تتمسك بحقوقها وترفض التنازل عن أي شبر من أراضيها من خلال المبادئ الأربعة التي وهي:
1- أن الكويت ترفض المساومة على أرضها.
2- أن نيات العراق التوسعية مستمرة حيال الكويت, وهي العقبة الاساسية في اغلاق هذا الموضوع نهائيا.
3- أن شعارات القومية العربية ومصالح العروبة التي رفعت لا تعني سوى مصالح العراق وحده.
4- أن العراق لا يمتلك أية حجة بادعاء الحق, والمسألة لا تعدو أطماعا فالعراق ازاء رفض الكويت المساومة عرض التنازل عن جزيرتي وربة وبوبيان, ثم طلب استئجار جزيرة وربة(1).
(1) السرجاني , خالد , مصدر سابق
مناقشة ردود الافعال الكويتية:
لا تخفي حكومة الكويت ابتهاجها وسرورها بما قدمته لها لجنة ترسيم الحدود بين العراق والكويت من اراضي استقطعت من العراق واضيفت الى الكويت بدون وجه حق, كما اضيفت الى الكويت ابار نفطية استقطعت من حقل الرميلة الجنوبي, اضافة الى محاصرة العراق بحريا من خلال الترسيم الجديد الذي بموجبه تمددت حدود الكويت البحرية حيث أعتبر خط الحدود يمر من منتصف خور عبدالله مما جعل هذا الخط عائقا أمام حركة السفن العراقية الداخلة والخارجة للمواني العراقية.
وقد جاءت ردود الفعل الكويتية متباينة, منها ما أقتصر على الاشادة بمواقف مجلس الامن الذي يعد انجازا حضاريا للمنظمة الدولية وللشرعية الدولية التي ساهمت في تدعيم السلام والامن الدوليين, وتطالبه ايضا بممارسة الضغط على النظام العراقي لتنفيذ جميع قرارات مجلس الامن ذات الصلة.
وبعضها حمل الكثير من المغالطات التاريخية كما جاء في بيان السفارة الكويتية في لندن, حيث وصف اللجنة بالكفاءة والحياد التام وما ترسيمها للحدود الا استنادا للوثائق والمذكرات والخرائط المعترف بها, وانجاز اللجنة لترسيم الحدود بهذا الشكل ماهو الا بطلان ادعائات العراق, حيث أن العراق هو الذي زحف على الاراضي الكويتية واستولى على ابار نفطية فيها.
بعض الملاحضات على بيان السفارة الكويتية في لندن:
1- من الناحية القانونية الكويت دولة معترف بها في المجتمع الدولي وعضو في هيئة الأمم المتحدة, وأيضا عضو في جامعة الدول العربية , وليس من حق احد إلغائها, والنظام العراقي اتخذ قرارا غير صائبا في احتلال دولة عربية مدته بالمال والمساعدات المختلفة في فترة حربه مع ايران.
2- احتلال الكويت جريمة ارتكبت بحق الشعب الكويتي, لكن الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب العراقي كانت اكبر بكثير, حيث كانت جريمة ابادة الجنس البشري. فالحصار الدولي ضد العراق كان جريمة ضد الانسانية استمرت ثلاثة عشر سنة بتحريض واكاذيب حول قضية الأسرى والمفقودين والتعويضات والتفتيش واسلحة الدار الشامل.
3- لا يوجد في تاريخ مجلس الأمن أنه أصدر قرارات ملزمة مثل ما فعل ضد العراق, قراراته كلها كانت بعنوان العقوبة والانتقام وليس حفظ الأمن والسلم الدوليين, لقد خرج مجلس الأمن عن مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة. وفي تاريخ مجلس الأمن لا نجد ما تعامل به مع الدول الاخرى بنفس أسلوب تعامله مع العراق, ففي تعامله مع الدول الأخرى نجد عمله اقتصر على ما يلي (1):
أ- فرض مجلس الامن عقوبات ضد روديسيا عام 1966 وعام 1977 بسبب اعلانها الاستقلال من طرف واحد عن بريطانيا.
ب- فرض عقوبات على النظام العنصري في جنوب افريقيا بسبب سياسته العنصرية ضد السكان الأصليين للبلاد.
ج- وضد صربيا عام 1991 بعد المجازر التي أرتكبت ضد مسلمي البوسنة .
أما اعتماد مجلس الأمن في ترسيمه للحدود الكويتية – العراقية على الوثائق والمذكرات والخرائط المعترف بها كما تزعم السفارة في بيانها, فهذا عار من الصحة ولا يثبت أمام الحقائق التاريخية التي أرخت لمسألة الحدود العلاقات العراقية- الكويتية في تلك الفترة, ما عدا اتفاقية عام 1963 بين الحكومة العراقية انذاك والحكومة الكويتية والتي استندت الى مراسلات عام 1932 بين رئيس وزراء العراق نوري سعيد والمندوب السامي البريطاني في بغداد " فرنسيس همفريز" . كما ان رئاسة الوزراء في ذلك الوقت لم تعرض رسالة موافقة رئيس الوزراء في رسالته الى المندوب السامي البريطاني في بغداد على السلطة التشريعية لمناقشتها وتقدير أهميتها بما يتلائم مع مصلحة البلد العليا. اذن هي مجرد مراسلات لا تدخل في الاطار القانوني للمعاهدات أو الاتفاقيات التي تكون ملزمة لأطرافها بعد التصديق عليها(2).
وأما اتفاقية 1963 التي تشبثت فيها الحكومة الكويتية وقامت في ايداعها في الأمم المتحدة , لكنها لا تمتلك الصفة القانونية لانها لم يصادق عليها من قبل السلطة العليا في العراق, حيث انها لم تعرض على مجلس قيادة الثورة السلطة العليا للعراق في ذلك الوقت, كما انها لم تعرض على رئيس الجمهورية للمصادقة عليها. لذلك فهي لا تكتسب الصفة القانونية للاتفاقيات والمعاهدات الملزمة لاطرافها بعد التصديق عليها(3).
كما اعتبرت السفارة في بيانها ان مزاعم العراق في زحف الكويت على أرضه والاستيلاء على حقول نفطية ليست بالحقيقة, وانما العراق هو الذي قام بالزحف على أراضي كويتية وحفر ابار نفطية فيها.
لكن هذه مزاعم مجافية للواقع حيث كانت دائرة الجوازات الكويتية في ستينات القرن الماضي في منطقة "المطلاع" القريبة من الجهراء التي تبعد عن الحدود الحالية ( مخفر جوازات العبدلي ) بحدود 90 كم, وقد أمتدت الحدود الكويتية على الجانب العراقي منذ عام 1963 مع ابداء عدم المبالاة من جميع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق. ولا يزال الكثير من العراقيين وغيرهم ممن سافر للكويت في ذلك الوقت يحتفطون بجوازاتهم التي تحمل ختم المطلاع(4).
(1) الياسري سلام, مشكلة الحدود مع العراق, تاريخ النشر 30/ 7/ 2010
kitabat@kitabat.com
(2) سرحان, د. عبد العزيز محمد, مصدر سابق, ص940
(3) العاني, د. عبد الكريم, مصدر سابق, ص243
(4) أنظر الوثيقة رقم ( 14) في الملحق
و أما قرار مجلس الامن رقم 899 في 4 اذار / مارس 1994 المثير للسخرية دليل على تجاوزات مجلس الامن على حرمة الاراضي العراقية, حيث ان القرار المذكور يتعلق بتعويض العراقيين الذين أصبحت أملاكهم وأراضيهم حسب الترسيم الجديد داخل الاراضي الكويتية(1). لكن هناك أسئلة تثار في هذا المجال:
كيف زحفت هذه الاملاك الى حدود دولة ثانية ؟ هل من المعقول أن العراقيين تملكوا منذ عقود من الزمن أملاك وأراضي في دولة غير دولتهم؟
كما أن مجلس الأمن لم يكتف بأستقطاع أجزاء واسعة من الأراضي العراقية والحاقها للكويت , فقام بفرض منطقة منزوعة السلاح بين الطرفين حسب الفقرة الخامسة من القرار 687 الصادر في عام 1991, وبموجب هذا القرار اصبحت المنطقة المنزوعة السلاح بعمق 10 كم في الجانب العراقي و5 كم في الجانب الكويتي(2).