أسباب العدالة الإصلاحية ومبرراتها
العدالة الإصلاحية الجنائية هي استجابة منظمة للاعتداءات تركز على إصلاح الضرر اللاحق بالضحايا والمعتدين والمجتمع، بحيث يتم من خلالها تحديد الضرر واتخاذ الخطوات الكفيلة بإصلاح مرتكب الضرر وتعويض الضحية والمجتمع، وبمشاركة من جميع الأطراف الذين لهم علاقة بذلك، بهدف تشجيع المجتمعات المحلية على مشاركة حكوماتها في التعامل مع الجريمة.
ويتجلى ذلك بصورة أوضح عندما يكون مرتكب الجرم من فئة الأحداث، بحيث تبدأ نظرية العدالة الإصلاحية من خلال النظر إلى الأسباب التي تدفع بالمجتمع إلى اعتبار بعض السلوكيات الإجرامية، وتقوم الحكومات بذلك لمنع إلحاق الضرر بالصالح العام والناس والشخص الذي يرتكب أي جرم يلحق الضرر والأذى بالمجتمع والأفراد.
من هنا نجد أن نظام العدالة الجنائية التقليدي يركز بشكل أساسي على الجريمة (الفعل) أما نظام العدالة الجنائية الإصلاحية يركز على المعتدي والضحية والمجتمع (الأفراد)، كون الجريمة تلحق الضرر بالأشخاص والعلاقات وبهذا الصدد تعتبر العدالة الإصلاحية وسيلة لإصلاح تلك الأضرار قدر الإمكان ويتحمل المعتدي نصيبه من التكفير عن ذنبه.
لنجد أن نظام العدالة الإصلاحية وعلى ضوء فلسفة العقاب الحديثة له منظور إصلاحي هدفه جبر الضرر الناجم عن الجرم المرتكب دون التركيز على العقوبات فقط.
وبناءً على ما تقدم يمكن إيجاد مبررات استخدام العدالة الإصلاحية الجنائية وأسبابها بما يلي:
1- إن من الأسباب الموجبة للأخذ بنظام العدالة الإصلاحية كونها تركز على الضرر الذي لحق بالمجتمع، وتمكن الضحايا من حيث إعادة الإعتبار لهم من خلال مساعدتهم على الإفصاح عن احتياجاتهم والمساهمة الفعالة أو تهدف إلى أن يتحمل مرتكب الجرم مسؤولية أفعاله، وحثه على إصلاح الضرر الذي ألحقه بالضحايا والمجتمع وإعادة الأمور إلى نصابها، أي أنها تحقق الشراكة الفعلية في التعامل مع الجرم المرتكب وتداعياته.
2- تساعد المجتمع والضحية ومرتكب الجرم على القيام بأدوار فاعلة، وتعمل على صيانة حقوقهم جميعاً.
3- تهدف إلى إعادة إندماج الأطفال سواء كانوا في نزاع مع القانون أو ضحايا، في مجتمعاتهم، كونها –أي العدالة الإصلاحية- تراعي المصالح الفضلى للطفل.
4- تحقق العدالة الإصلاحية أفضل السبل لتحقيق مفهوم الوقاية المجتمعية من الجريمة.
5- تساعد على التخفيف من ازدحام المحاكم والسجون، حيث ثبت ومن الواقع العملي أن حالات التوقيف وقضاء مدة المحكومية في المؤسسات العقابية الناجمة عن نظام العدالة التقليدية أفرزت العديد من المشاكل والسلبيات المتمثلة باكتظاظ المحاكم والسجون، هذا الاكتظاظ الذي ينجم عنه تبادل الأنماط الجرمية عند اختلاط النزلاء مع بعضهم البعض بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية الأخرى المتمثلة بالشذوذ الجنسي (اللواط) وما شاكل ذلك.
6- إن الأخذ بأساليب العدالة الإصلاحية يساعد الحكومات على زيادة الوصول إلى العدالة والشفافية، من خلال تمكينها على معالجة انعدام ثقة الناس في تطبيق العدالة، لأنها تشرك المزيد من الأطراف في عملية تطبيق العدالة وذلك من خلال إشراك الضحية والمعتدي في حل النزاع بينهما، كما تسهل العدالة الإصلاحية سبل التوصل إلى مستويات أعلى من رضا الطرفين عن الطريقة التي يتم التعامل بها مع قضيتهما وتخلق فهماً أكبر لطرق سير عملية تطبيق العدالة بين أفراد المجتمع وتبين علاقات تعاون أقوى بين مؤسسات المجتمع المدني والحكومات الأمر الذي يخلق نوع من الحوار والمساءلة بين الحكومة والمجتمع، يضاف لذلك أن مشاركة المواطنين في عملية تطبيق العدالة ستخفض احتمالية الفساد والظلم الذي قد ينجم عن احتكار أحد الأطراف بالسلطة.
7- يساعد الأخذ بنظام العدالة الإصلاحية على احترام حقوق الضحايا من خلال الاعتراف باحتياجاتهم وحقوقهم.
8- تساهم العدالة الإصلاحية بخفض معدلات الجريمة، كونها تسمح بهامش من الحوار والنقاش بشكل أوسع مما هو معمول به خلال المحاكمات التقليدية الأمر الذي يساعد على تحديد الظروف الاجتماعية التي تقود إلى الجريمة من أجل معالجتها.
9- تكون قضايا الأحداث قليلة الخطورة بالمقارنة مع الجرائم المرتكبة من قبل البالغين، فإن إمكانية الإصلاح وإعادة الإندماج تتحقق من خلال العدالة الإصلاحية بمعدلات أكبر.
10- تساعد العدالة الإصلاحية على تخفيف الكلفة الاقتصادية الناجمة عن إجراءات العدالة الجنائية التقليدية، كون العدالة التقليدية تتطلب تقدم خدمات قضائية وجهود رسمية وإيداع وتوقيف الأمر الذي يترتب عليه إضافة كلفة اقتصادية تتحمل الدولة الجزء الأكبر منها، الأمر الذي يمكن تفاديه من خلال العدالة الإصلاحية.
11- تساهم العدالة الإصلاحية بإشراك مؤسسات المجتمع المدني مشاركة فعالة في تطبيق بعض مجريات العدالة من خلال تنفيذ بعض برامج العدالة الإصلاحية من خلال مؤسسات المجتمع المدني مثل برامج التحويل والمساعدة القانونية والعمل النافع للمجتمع وبرامج الرعاية والتأهيل.
12- إن الأخذ بأساليب العدالة الإصلاحية، تساعد على تحقيق الأطر الخاصة بالمفهوم القائل بأن "الحدث الجانح لا خلاص لمجتمعه منه ولا غنى لمجتمعه عنه" بمعنى أن الطفل في نزاع مع القانون (الحدث) هو فرد من أفراد المجتمع ومن واجب المجتمع التعامل مع قضاياه وهمومه ومشاكله بفلسفة جديدة تقوم على العمل من كل ما شأنه من أجل إعادة إندماجه بالمجتمع وإصلاحه وتهذيبه، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه على أفضل وجه إلا من خلال الأخذ بأساليب العدالة الإصلاحية.
13- أن الأخذ ببرامج العدالة الإصلاحية في أي مجتمع يتماشى مع المعايير الدولية التي تهدف بدورها إلى التركيز على إعادة الإندماج والتأهيل والأخذ بأساليب التدابير غير الاحتجازية.
14- إن العدالة الإصلاحية تواكب وتتماشى مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتي تشهدها مجتمعات البلدان المستهدفة من الدراسة.
15- وعلى صعيد الجهات التي تتعامل مع الأحداث، فإن برامج العدالة الإصلاحية تفتح الباب أمام إنشاء القضاء المتخصص بالأحداث ويتيح للقاضي مرونة أكبر في التعامل مع قضايا الأحداث ضمن المبادئ الأساسية للمحاكمات العادلة.
16- كما تساعد العدالة الإصلاحية على تطوير دور مراقب السلوك في مختلف مراحل العملية القضائية، سعياً للارتقاء بالعملية القانونية والتنفيذية بما يضمن رقابة ورعاية أعلى لمصالح وحقوق الطفل.
17- بالإضافة لما أسلفنا، نجد أن العدالة الإصلاحية يتم اللجوء إليها بهدف إيجاد نوع من المقاربة ما بين النصوص التشريعية والتطبيق العملي، بمعنى أن تدابير الإصلاح وإعادة الإندماج والتأهيل يمكن أن نري نتائجها العملية بعكس العدالة التقليدية التي ثبت في العديد من البلدان أنها غير قادرة على تنفيذ أي تدبير إصلاحي بشكل كامل.