تقسيم الأدوار بين النساء والرجال في فلسطين: أشارت جميع المجموعات البؤرية الخاصة بالنساء كما الرجال على حد سواء، الى أن هناك تقسيما واضحا للادوار في فلسطين بين الرجال والنساء رغم تفاوته بين القرى والمدن، والمستويين الثقافي والاقتصادي. وبينت النتائج بان الأغلبية العظمى من الرجال ونسبة لا باس بها من النساء يؤمن بالتقسيم التقليدي لادوار الرجال والنساء. والإيمان السائد أن دور المرأة الرئيسي في الحياة هو إنجاب الأطفال ورعاية شؤونهم وإدارة أمور ومهام البيت الرئيسة بينما يكون دور الرجل الإشراف العام على أمور الأسرة، وحمايتها من أية تهديدات خارجية، ورعاية الحاجات المادية الاقتصادية لها وأخذ القرارات في الأمور العامة وخاصة ذات الشأن والمصيرية منها. وقال احد المشاركين في احدى المجموعات البؤرية ان " المرأة مسؤولياتها تربية الاولاد، تنظيف المنزل والطبخ، ومسؤولية الرجل هي اعالة الاسرة واتخاذ القرارت لانه اقدر على ذلك كون المرأة عاطفية".
وهكذا نرى أن التقسيم التقليدي الذي يرى ان ادوار المرأة الرئيسة تنحصر داخل حيز جغرافي محدد وهو البيت وادوار الرجل تمتد لتكون أدوارا إشرافية وعامة داخل البيت والعالم الخارجي هي السائدة.
ودلت المجموعات أن مهام البيت جميعها بما يشمل التنظيف والطبخ والترتيب وما إلى ذلك ينظر إليها كأنها مهام أولية خاصة ومنحصرة في واجب المرأة تجاه اسرتها- بغض النظر عن واجبات المرأة الأخرى. وبينما أشار بعض الرجال إلى قيامهم ببعض المهام المنزلية إلا أن هذا الوضع ننظر إليه كحالة اضطرارية في حال وجود وضع صحي أو اجتماعي آخر يمنع المرأة من القيام بكل المهام وحدها- وهكذا يمكن الإشارة إلى انه الوضع الاستثنائي وليس النمط العام.
وأشادت بعض النساء بأدوار أزواجهن داخل البيت لكن الوضع أشير إليه "كمساعدة" في القيام بمهام منزلية محددة ( غالبا البسيط منها) ولم ينظر إليه كمشاركة متكافئة وعادلة.
وكان من الملاحظ أن غالبية الرجال الذين شاركوا في القيام ببعض المهام المنزلية داخل بيوتهم توقفوا عن ذلك تماما في حال بلوغ بناتهن جيلا يمكنهن القيام بالمهام المنزلية، كما ورأوا في "استقلاليتهم" بتصريف بعض شؤونهم الخاصة في بيوتهم كتحضير قهوة لأنفسهم أو تحضير الحمام خاصتهم ضربا من المساعدة. الامر الذي يشير إلى أن بعضا من التغييرات الجارية على مستوى الأداء مرده الضرورة التي تحتمها الحياة وليس على مستوى الإيمان الفكري بالمشاركة الحقيقية بين الأزواج.
وعدم التغيير النوعي في المفاهيم يمثل غالبية الرجال ونسبة مرتفعة من النساء في فلسطين، وكان من الواضح أن للنساء الدور الأكبر في تربية أبنائهم الا انهن لم يشرن الى انهن قمن او يقمن بتربية ابنائهن على مفهوم المشاركة والعدالة داخل المنزل وخارجه.
وأشارت جميع المجموعات الى انه كلما اقتربت البيئة من الطابع الريفي وكلما قلت نسبة تعلم المرأة والرجل على حد سواء كلما كان التقسيم التقليدي للأدوار أكثر حدة. ففي المجموعات داخل المدينة وبوسط النساء العاملات المتعلمات كانت هناك دلالة واضحة على تغيير إيجابي في التقسيم التقليدي للأدوار، لكننا نجد أن الهيمنة العامة لخطاب التقسيم التقليدي يصعب على بعض الرجال المشاركة، علما بأنهم يمارسون بعض المهام المنزلية مع زوجاتهم داخل البيوت.
واشارت النساء غير المتزوجات المتعلمات والعاملات إلى الوضع الأصعب من بين الجميع، حيث لا يراعي الأهل أو المجتمع كونهن عاملات وبعدم زواجهن ينظر إليهن في غالب الاحيان "كربات بيوت" ويطلب منهن القيام بكافة الأعمال المنزلية في بيوت أهاليهن دون إخوانهن الذكور الذين يحصنهم عملهم خارج المنزل من العمل داخله.
عمل المرأة: تدل المجموعات على أن تغييرا حصل في نوعية عمل المرأة خارج إطار بيتها- فبينما اعتادت النسوة في فلسطين سابقا العمل ضمن الحيز الجغرافي لأملاك الأسرة خاصة في الزراعة وتربية الدواجن أو النسيج مما أعطاها قيمة هامة كايد عاملة شريكة في الاقتصاد المنزلي. إلا أن تغيير الحيز الجغرافي في فلسطين، ومصادرة الأراضي ووصول الملكية الخاصة للأراضي الزراعية حدها الأدنى وزيادة الاعباء الاقتصادية أدى إلى تراجع نسبة ممن يعملن في الاقتصاد المنزلي وزيادة اللواتي يخرجن للعمل في القطاعات المختلفة. وهذا ما تؤكده بيانات جهاز الاحصاء المركزي، حيث أن نسبة مشاركة النساء في قوة العمل ارتفعت من 7%- 15% خلال السنوات الخمس عشرة الماضية ( مقارنة مع نسبتهن التي تقارب 30% في بعض الدول العربية) إلا أن النظرة لمشاركة المرأة في قوة العمل اختلفت بين الرجال والنساء بشكل كبير. فبينما نظر الرجال إلى خروج المرأة للعمل خارج بيتها كضرورة اقتصاديا ملحة - وليس حقا- أي إلى حاجة آنية نتيجة الظروف الاقتصادية القاهرة وبغياب الحاجة تنتهي الضرورة- رأت غالبية النساء في عملهن خارج البيت نوعا من تحقيق الذات وإقرار العدالة الاجتماعية وخطوة في سبيل الحصول على الاستقلالية الفكرية وبنسبة قليلة فقط الاستقلالية المادية.
ونرى أن الأغلبية العظمى من الأسر التي قوبلت في المجموعات رأت في الرجل هو المسؤول الاقتصادي عن الأسرة وهكذا تظل إدارة الأمور الاقتصادية في يديه رغم عمل المرأة . بمعنى أن عمل المرأة وتحولها إلى مصدر شريك مدر للدخل لم يضمن لها في غالبية الأحيان الاستقلالية المادية حيث يبقى الرأي الفاصل للرجل في كيفية إدارة مصروفات الأسرة والتحكم في الدخل على الاغلب. 
ويفضل معظم الرجال وقسم كبير من النساء عمل المرأة في وظائف تقليدية خاصة في مجال التربية والتعليم والوظائف الحكومية- بينما يرجع الأغلبية السبب الرئيس في تفضيلهم هذا الى" محدودية قدرات المرأة الجسدية" وإبداعها في مجال التربية وهي مهمة رافقتها عبر الأجيال، وينسب البعض الأمر إلى أن الوظائف الحكومية والعمل في التعليم يوفر للمرأة الوقت الكافي للقيام بالمهام المنزلية وبنفس الوقت مصدرا للدخل وتربية الأطفال دون معيق كبير. وقد يعود السبب إلى وضوح سلم الأجور مما يضمن عدم الاستغلال المادي للنساء في أماكن عملهن كما يحدث في وظائف أخرى.
ومن الجدير بالذكر أن تدني أجر المرأة مقارنة بالرجل في القطاع الخاص، ساعد في ارتفاع عدد النساء العاملات في هذا القطاع ولكن لا يمكن الاخذ به على انه مؤشر تحسن في وضعية المرأة بقدر ما هو اساءة واستغلال واضح لهن من قبل المشغلين (من ناحية ساعات العمل والأجور وعدم توفيرالحقوق الاجتماعية الدنيا كأذن الولادة والإجازات المرضية).
ويرى الكثير من الرجال أن النساء تنافسهم على فرص العمل الامر الذي يزيد من نسبة البطالة حسبما يرون لدى الرجال في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.  كما يرى عدد من الرجال المبحوثين ان خروج المرأة الى ميادين العمل ادى الى تفكك الاسرة، محملين المرأة المسؤولية عن ذلك دون الرجل، ومعللين ذلك لغيابها الطويل عن المنزل والاطفال وشعورهم بان الرجل يفقد شيئا من مكانته وسلطته داخل البيت عند عمل المرأة.
وبغياب بيئة حاضنة كدور رعاية أطفال بأسعار معقولة ونظام تحفيز وقانون ضمان اجتماعي يشجع على عمل النساء من ناحية ويضمن لهن حقوقهن الاجتماعية من ناحية أخرى ودون تغيير جذري في مفهوم عمل المرأة كحق وليس كحاجة سيحرم المجتمع الفلسطيني من نصف كوادره الاجتماعية. وهذا ما اكدت عليه نتائج دراسة اجرتها مؤسسة الفا العالمية والمعلوماتيه واستطلاع الرأي. والتي اشارت الى ان 74% من المجتمع يرى عمل المرأة حاجة وليس حقا[1].
تعليم المرأة: أشارت المجموعات إلى تغيير في مفهوم التعليم بالنسبة للفتيات في فلسطين بان هناك دلالة واضحة على ان مفهوم تعليم الفتيات تحول إلى حق يسعى الأهل إلى ضمانه لبناتهم- وأصبح هاجس الأهل الأول ضمان تعليم بناتهم خاصة المدرسي منه. وغلّب جميع المشاركين أهمية تعليم الفتيات على زواجهن، إلا أن أكثرهم رأى في التعليم " سلاحا" للفتاه يحميها من المخاطر المستقبلية الممكنة، بينما رأى في تعليم الشاب مفتاحا للوصول إلى عمل ومناصب والرقي بوضع أسرته الاقتصادي مستقبلا.
أما بالنسبة للتعليم الجامعي فكان هناك ارتفاع طردي وملحوظ في نسبة تعلم الفتيات في فلسطين إلا أن الأسرة تراه ثانويا وتضمنه في حال توافر الإمكانات الاقتصادية أولاً وضمان تعليم الذكور إن استطاعوا ثانيا. لذا يبقى حق تعليم الفتيات الجامعي ثانويا لحق إخوانهن في التعليم أولا. وأيضا أشير إلى أن فرص الزواج للفتيات ترتفع في حال كون الفتاه متعلمة والأفضل من ذلك موظفة إذا يرتبط الأمر بمساعدة الرجل اقتصاديا في إدارة شؤون الأسرة.
وكما العمل، كذلك التعليم الجامعي حيث يجمع أغلبية الرجال إلى ضرورة انخراط الفتيات في مواضيع جامعية معينة مثل العلوم الانسانية والصحية وليس ترك المجال مفتوحا أمام غالبيتهن بتشكيل اختياراتهن بما يتناسب مع رغباتهن وقدراتهن.
وأشاد غالبية الرجال ممن اشتركوا في المجموعات البؤرية بأهمية التعليم الجامعي للمرأة اذا أتيحت لها الفرصة، لكنهم ربطوا هذه الأهمية بزيادة قدرة المرأة على تربية أبنائها مستقبلا ومتابعة واجباتهم المدرسية بأفضل حال وما إلى ذلك. بمعنى انه رغم وجود تغيير على مستوى الممارسات فيما يخص تعليم النساء إلا انه في غالبية الأحيان ينظر الى الموضوع وكأنه سلاح مستقبلي وعامل مفيد لمهمة النساء الأساسية ألا وهي التربية وليس حقا أو أساسا من أسس العدالة الاجتماعية للمرأة كإنسان. بمعنى أن التغيير السلوكي لم يرافقه تغيير عقائدي فكري وبنيوي بما يكفي. بهذا المعنى ايضا خلص الباحث زياد يعيش في دراسة اجراها حول التفاوض حول السلطة والرجولة داخل الأسر التي تعيش في ظل أزمة، بان مكانة المرأة والمكاسب المحققة اجتماعيا كانت متغيرة بتغير الظرف السياسي[2]. اي انها ظرفية او مشروطة.
وضعية المرأة: يختلف الرجال والنساء في تقييمهم للتغيير الحاصل على وضع النساء في فلسطين فبينما يرى جميع الرجال، المشتركين في المجموعات البؤرية، أن وضع النساء تحسن في جميع الميادين من ناحية حرية التنقل والتعليم والعمل وحق الميراث واللجوء لسلطة القانون لمنع العنف ضدهن ووجود ضمانات حقوقية لهن وغيرها، ترى النساء بغالبيتهن أن التغيير وان وجد أحيانا فهو سطحي وغير مكتمل أو كاف، بل انه للأسوأ في أحيان كثيرة. فعلى سبيل المثال ترى النساء أنهن لم يكسبن حرية التنقل، لا بل الحق بالتنقل والمقترن بموافقة ولي الأمر أو الزوج, وما يعملن به او يكتسبنه من دراسة اكاديمية كسلاح لهن، لا يعدو عن كونه تكريس للمكانة الفوقية للرجل وفي مجالات محددة تضمن هيمنته. أما العمل فلم يضمن حقوقهن إذ بخست قيمتهن في ميادين عدة كما ولم تكتسب الاستقلالية المادية بالدرجة المرجوة. ولا تزال المرأة محرومة من الميراث وان كان الأمر يتم من خلال التخجيل لها وتفعيل مقولات مثل " بدك رجال ولا بدك المال". رغم وجود قوانين إلا أن تطبيقها لا يزال بائسا حيث تغيب الضوابط العملية لتفعيلها. وأشارت نساء عدة إلى أن فرض نمط لباس معين خاصة في غزة وفرض مظاهر "التدين" الزائد هي ممارسات تسيء الى حرية اختيار النساء لطريقة حياتهن وتفرض عليهن نمط حياة عنوة لا يتماشى ومفاهيمهن.
ومن الملاحظ أن العديد من الرجال أشاروا إلى وجوب تحسين وضع النساء وزيادة الاحترام لهن والاستفادة من كفاءتهن وعدم ممارسة العنف تجاههن لان ذلك ليس فقط حقا لهن بل أيضا لان العنف ليس من شيم الرجولة. وبرر الرجال بان ممارساتهم قد لا ترقى لمستوى إيمانهم ومعتقداتهم (وليس العكس) بوضعهم النفسي والاجتماعي والسياسي المتردي- بمعنى أن الرجل المقهور فاقد الشعور بحريته وقيمته لا يستطيع توفير تلك القيم للنساء من حوله.
تجدر الإشارة الى انه في مجالات عدة خلال اللقاءات كانت هناك فجوة واضحة بين "التصريحات" فيما يخص موضوع النوع الاجتماعي وحقوق المرأة والإنسان عموما، وبين الممارسات الشخصية حين طلبت أمثلة محسوسة لذلك- وكان حجم الفجوة أكبر في مجموعات منطقة غزة. حيث أن الممارسات تجاه النساء بدت أكثر تقليدية وأقل انفتاحا، رغم انه على المستوى الفكري والثقافي بدا أن الوعي مرتفعا. مثل تلك الفجوة بين التصريح الذهني والممارسة السلوكية هو أمر منتشر في ميادين عدة لدى البشر وفسره علماء النفس، ويبدو انه في حالة الممارسات المجتمعية ضد المرأة تزداد مثل هذه الفجوة.
من جهة ثانية من الواضح أن غالبية النساء يسعين إلى الوصول إلى " تفاهمات" فعلية بخصوص إدارتهن لشؤونهن الذاتية وذلك من خلال واقع الممارسة اليومية وبشكل فردي، ولم يتم تلمس الحماسة لاحقاق حقهن العام كجزء من المجتمع فتبقى النجاحات على المستوى الفردي ويصعب تعميمها على المستوى العام. وقد فسر بعض الرجال كما النساء في المجموعات البؤرية ذلك بان اي محاولة من المرأة باتخاذ خطوة ضد مفاهيم اجتماعية سائدة له ثمن باهظ تدفعه هي واسرتها دون غيرها من النساء. وذكرت نساء كثيرات أنهن لا يزلن في وضعية "المطالبة بحقوقهن وليس في وضعية الحسم و"المجابهة من اجل" الحصول على تلك الحقوق.
عموما يبدو أن حقوقا أساسية مفهومة ضمنا وبديهية في قاموس حقوق الإنسان مثل الحق في الاختيار والتعليم والعمل وحرية التنقل والميراث وغيرها تم ضخمه في حيزنا العام، فحين يتم الحصول على بعض، ولو اليسير منها، يعتبر الأمر انجازا في قاموسنا الفلسطيني، وتبقى مقارنة المجتمع عامة لمدى التغيير أو الانجاز في مستوى تحصيل مثل هذه الحقوق مقارنة بالماضي وليس مع ما يجب السعي إليه والوصول له مستقبلا.
المؤسسة الدينية: أشار المشاركون بشكل واضح إلى أهمية المؤسسة الدينية ودورها المفصلي فيما يخص موضوع النوع الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية، لكن هذا الدور يبقى في إطار الممكن وليس الفعلي في ضوء غياب المؤسسة الدينية ورجال الدين وعدم اخذهم أدوارهم المرجوة في الميدان، اضافة الى تفاوت القراءة الدينية بين رجال الدين لقضايا النوع الاجتماعي.
كغيرنا من المجتمعات العربية الشرقية يولى النص الديني أهمية خاصة، ولما يقوله رجال الدين مكانة مرموقة، تفوق في أحيان عدة غيرهم من الخطباء والناشطين الاجتماعيين والسياسيين. أغلبية الدعاة وشيوخ الدين هم من الرجال، كما أن أغلبية المصلين في المساجد هم من الرجال، لذا بوجود رجال دين يعملون على تحقيق العدالة الاجتماعية والإنسانية من خلال منابرهم المختلفة، سيكون الأثر كبيرا على الرجال عموما والمجتمع ككل.
وأشار الرجال كما النساء إلى القيمة الايجابية التي يوليها المجتمع للمؤسسة الدينية ولرجال الدين، والى إيمانهم الشديد أن تفعيلهم بما يتماشى مع الأهداف العادلة والإنسانية لموضوع النوع الاجتماعي سيؤدي إلى تغيير جذري في المجتمع، لما تحظى به المؤسسة الدينية من احترام وقدرة على التأثير.
اما التأويلات والتفسيرات الخاطئة للنص الديني وتحويره لتضخيم الفجوة بين الرجال والنساء، وزيادة هيمنة المجتمع الرجولي على نسائه، وإساءة استخدام المقولات الدينية للحد من حرية المرأة واحترام كيانها ومكانتها حتى تلك التي أتيحت لها وفق الشرائع الدينية هو أمر منتشر  للغاية في المجتمع الفلسطيني، وبغياب تصد واضح من قبل أصحاب الشأن ورجال الدين خاصة ستؤول الأمور للأسوأ بالطبع. ونورد فيما ياتي جوابا للشيح يوسف دعيس القائم باعمال قاضي القضاة على أحد أسئلتنا في مقابلتنا الفردية معه:
-           ما هو مفهومك للعدالة، المساواة بشكل عام؟
الإسلام هو دين العدل ولا يوجد فوارق في إعطاء الحقوق، وهو مبني على أساس إنساني بحت بغض النظر عن الدين أو الجنس أو العرق. والإسلام ساوى بين الإنسان والإنسان في أمور ثلاثة: الحرية والتكريم والإنسانية، يعني هو إنسان يعامل كانسان، وهو حر مطلق، والتكريم بان الله كرم بني ادم بغض النظر عن ماهيته. فالنفس بالنفس والعين بالعين.
-         كيف يصف النص الديني وضع المرأة من ناحية حقوقها وواجباتها؟ وما الفرق في الادوار دينيا؟ الرجاء إعطاء أمثلة.
الرجال والنساء متساوون أمام الله من ناحية التكليف، إلا أن هناك بعض التفاصيل التي يرى فيها البعض ممن يقرأ الدين على غير علم، عدم مساواة كما في حال إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين في ميراث الأبناء، رغم انهما يتساويان في حال الأب والأم أو في حال الإخوة من أم، وقد تأخذ الأم الميراث كاملا. إذن، فهي ليست ثابتة كما يدعي البعض بان للذكر ضعف الأنثى في الميراث. وعندما بين الله السبب رده إلى نفسه ولحكمته بأننا لا نعرف أبناءنا أيهم انفع واقرب إلينا ولم يردها كون هذا ذكرا وتلك أنثى. والمرأة لها حق كامل بالتعامل في التجارة، والعمل، والتعليم، والانتخاب، والسياسة، والزواج بالقبول أو الرفض أو حتى أن تعرض نفسها للزوج من رجل. وهي تبرم العقود والمعاهدات، ولها ذمة مالية منفصلة عن الرجل، ولها حق النفقة من الزوج حتى وان كانت غنية، وما تقدمه من مال فهو صدقه على زوجها. ولها الحق والواجب في المشاركة في المعارك السياسية والاجتماعية وحتى الجهادية. وقد يعود اختلاف التفاسير لفهم النصوص لاسباب عدة، منها اختلاف الزمان، والمكان، والواقع-الظرف، او حتى ادراك الفرد نفسه، حيث يختلف إدراك البشر ومنهم علماء الدين. ولكن إذا كان النص واضحا وصريحا ولا يوجد دليل شرعي ينطق بما نطق به رجل الدين فهذا اتباع للهوى وشطط.
مما ورد أعلاه يظهر جليا أن المؤسسة الدينية قد تكون سلاحا ذا حدين فيما يتعلق بموضوع النوع الاجتماعي، فكلما كان لرجل الدين ثقافة أوسع ووعي أشمل بالموضوع، كلما زادت إمكانياته على التأثير ايجابيا، لما هو في صالح حقوق الإنسان عموما ووضع المرأة خصوصا. ونرى في فلسطين مؤخرا بعضا من المبادرات المحمودة في هذا المجال، وان كانت لا تزال محدودة ومنها وفق ما ذكر على لسان القائم باعمال قاضي القضاة، إنشاء دائرة الإرشاد والإصلاح الأسري للنظر في قضايا الخلافات الأسرية ولفض الأمور العالقة في قضايا الطلاق، كما وان العمل جار على إصدار كتيب للتوعية الجسدية والجنسية بما يتماشى مع الدين والعلم للشبان والشابات المقبلين على الزواج، وإقرار بعض القوانين لتعزيز حقوق المرأة كتعيين قاضيات شرعيات، ومبادرة قانون إلزام الزوج إخبار زوجته والحصول على موافقتها في حال أراد الزواج بزوجة ثانية. وان كانت هذه المبادرات ما زالت محدودة، وكما ذكر الشيخ تدار غالبا من قبل متطوعين يفتقرون للمهنية المرجوة وللدعم المالي المطلوب، إلا أنها دلالة واضحة لأهمية قيام المؤسسة الدينية بواجبها تجاه الموضوع ذاته.
الاحتلال، والسلطة، والاحزاب السياسية: نرى ان جميع المشاركين في المجموعات البؤرية وممثلي المجتمع المحلي أشاروا بلا استثناء إلى أن الاحتلال ساهم سلبا في وضع النساء في فلسطين، وذلك من نواح عدة أهمها:
القهر الممارس على الرجال والمس برجولتهم وشعورهم العام بالعجز وزيادة نسبة البطالة بينهم وعدم استطاعتهم الإيفاء بواجبات أسرهم، كما السابق، انعكس سلبا على جميع أفراد الأسرة وخاصة النساء، وهن الزوجات والبنات والأخوات للرجل. فقد الرجل شعوره في السيطرة على عالمه الخارجي فاشتد في ممارسة السيطرة على عالمه الداخلي وهو الأسرة وعندما شعر بالعجز والاضطهاد من قبل المحتل مارس السطوة والقهر تجاه أفراد أسرته، وعندما فقد منزلته الاجتماعية والاقتصادية مارس عنفا اكبر تجاه أبناء بيته خاصة النساء.
من جانب آخر فان زيادة الشعور بالخطر المحدق من الخارج، من الطرقات والحواجز وصعوبة السفر والتنقل، والحد من الشعور بالراحة في العبور داخل الحيز الجغرافي، أدى إلى زيادة التشدد في التعامل مع النساء واخضاعهن في بيوتهن ومنعهن من التنقل لمناطق "بعيدة" نسبيا ( وان كان في فلسطين أصبح للبعد مفهوم زمني أكثر منه جغرافي او دلالة على مسافة). واضطرت النساء إلى البحث عن أماكن تعليم وعمل قريبة من بيوتهن، وضعفت الشبكة الاجتماعية المحيطة بهن وقدرتهن على التنقل بحرية. وقال احد المشاركين في احدى المجموعات البؤرية " بطّلنا نشارك في العمل العام ونخاف على ابنائنا وبناتنا اذا خرجوا من البيت. وين بدنا انروح ولمين نشكي. فصار الواحد بدو يحمي بيته وعرضه واذا كان محظوظ يوفر لقمة عيش عياله".
واكد المبحوثون على القول بان الاحتلال وظف قيما اجتماعية بطريقة سلبية (الحرية وشرف الاسرة) مما أدى إلى زيادة الممارسات القمعية ضدهن. ان انكفاء القوى السياسية واستمرار الاحتلال وممارساته القمعية، وشخصنة جزء من هذه الممارسات وتكرارها داخليا تجاه أبناء الشعب الواحد، وغياب الشعور بالانتماء إلى العام، وضعف الرادع الأخلاقي بالإضافة إلى ضعف سيادة القانون أدى إلى تراجع عام وكبير على مستوى العمل الجماعي ككل، كما افاد المبحوثون في المجموعات البؤرية كتفسير لظاهرة نكوص المجتمع نحو قيم سلبية غابرة ضد الأضعف في المجتمع (والمرأة المثال الأكثر وضوحا لذلك).
ان الاحتلال الجاثم على صدور جميع أفراد المجتمع اثر سلبا على النساء والرجال على حد سواء، وتبقى النساء الأكثر ضررا بعيون المبحوثين، كونهن الأضعف في القاعدة المجتمعية للأسف.
اختلفت اراء المبحوثين ومواقفهم من الاحزاب السياسية وقضية المرأة، فيما اجمعوا على دور سابق لهذه الاحزاب في الماضي، رأى البعض منهم تراجعا واضحا لدور هذه الاحزاب حاليا، مما زاد من الفجوة بينها وبين جماهيرها، وعمق الشعور بعدم الثقة بالعمل الجماعي او الحزبي وحتى الشعبي. اما من حيث الموقف من السلطة فيما يخص قضايا المرأة، فقد ركز المبحوثون على ان هناك قصورا في القوانين التي تخص المرأة، وان وجدت، فلا توجد اليات واجراءات موضوعية تعكسها على الصعيد العملي. فكما افاد احد المشاركين في احدى المجموعات البؤرية قائلا " تتعرض النساء للضرب والتعنيف نتيجة الفقر، وحتى صرنا نسمع عن قضايا مثل سفاح القربى دون رادع فلو كان هناك قانون لحمى المجتمع والاسرة وعاقب الجاني وكان رادعا". اضافة الى القضايا الاخرى التي بدورها تنعكس سلبا على المرأة ودورها، كالضمان الاجتماعي، ومحاربة الفساد، والامن، وغيرها. الا ان البعض رأى سبب ذلك أن فلسطين هي دولة غير كاملة السيادة ومن هنا من غير العادل الحكم على السلطة وأدوارها كما لو كانت سلطة لدولة مستقلة. وفي وضع كهذا وبغياب الثبات الأمني والاقتصادي والاستقلالية السيادية قد تتماشى السلطة في بعض الأحيان مع قيم وأعراف مجتمعية سائدة إذ لا يمكنها القيام بتغييرات جذرية قد تتنافى مع الأعراف السائدة دون ضمان تغيير قاعدي ولو أساسي أولا. وراى البعض بان السلطة لم تأت من الفراغ وانما هي انعكاس لواقع اجتماعي قائم وتكثيف واضح لموازين وقوى اجتماعية واقتصادية وسياسية. ان هذا كله لا يبرر التقاعس في سن بعض القوانين المساندة لحقوق المرأة كإنسان ولكن من العدالة ذكره.
المؤسسات الفاعلة في قضايا النوع الاجتماعي: استطاعت نسبة عالية من الحاضرين تسمية مؤسسات نسويه وأخرى ناشطة في مجال تمكين النساء وحقوقهن. والانطباع العام بخصوص المؤسسات الفاعلة، كان ايجابياوأشيد بعملهن خاصة في مجال التنمية والتمكين الاقتصادي.
وعموما كانت النظرة تجاه الأندية النسوية ايجابية جدا، إذ انها وفرت الترفيه والثقافة والتدريب المهني والتوعية وبعضا من المشاريع الاقتصادية، وذلك في كل من غزة والضفة الغربية على حد سواء.
من ناحية أخرى ورغم وجود عشرات المشاريع التي تخص التوعية بحقوق المرأة ونبذ العنف مثلا، إلا أن السؤال يبقى مطروحا بخصوص مدى التغيير الفعلي والإفادة على ارض الواقع التي نجحت تلك المشاريع في تحقيقه. وكما يبدو لم يتحقق سوى تغيير محدود على مستوى المفاهيم كما على مستوى الممارسات خاصة فيما يتعلق بالرجال. ويبدو أن كم المشاريع لم يحقق التغيير المرجو في مجال التوعية والتثقيف وتبقى المشاريع كما لو انها تطرح وجهة نظر للتفكير أكثر من كونها تطرح بديلا يتبناه الرجال وبعض النساء.
اما جمهور الهدف على الاغلب لهذه المؤسسات فهو جمهور النساء مما غيب الكثير من الرجال من المساهمة في هذه المشاريع. على سبيل المثال المؤسسات الناشطة في مجال العنف ضد النساء وتقديم يد العون لهن بأغلبيتهم لا يستقبلن رجالا كجمهور مستهدف. اما تلك التي تطرح قضايا النوع الاجتماعي وتقيم الدورات الارشادية فتستهدف النساء بالأساس، وزد على ذلك أن مؤسسات مجتمعية كثيرة ترسل ممثلات نساء فقط لحضور محاضرات وبرامج في موضوع النوع الاجتماعي وكأن المقصود بالنوع الاجتماعي هم النساء فقط.
ويمكننا القول ان نشاطات المؤسسات عموما في مجال النوع الاجتماعي  وان استطاعت استقطاب جمهور واسع ونجحت في تمكين النساء معنويا، وأحيانا اقتصاديا، إلا أنها أخفقت في سماع حاجات الرجال واحتواء مخاوفهم، والاستجابة إلى حاجاتهم في المضمار نفسه، وبهذا تكون في أحيان كثيرة قد كرست مفهوم الفصل بدل الدمج، وزادت من شعور الرجال بالغربة والتهديد من نجاح النساء حولهم، إذا لم يرفد هذا التغيير بالمرافقة المرجوة للرجال أيضا.
ونشير إلى أن العديد من المؤسسات الناشطة في مجالات تمكين المرأة سعت إلى إجراء التغيير في فضائها الخاص، وليس على المستوى العام كما ينبغي، وتناولوا قضية المرأة على انها تخص المرأة وحدها وليست قضية مجتمع كوحدة واحدة، وقضايا عامة وكان من الواجب العمل عليها في مستواها العام. كما افاد احد المبحوثين في اللقاءات الفردية حول موضوع العنف حيث فقال: ان العنف في إطاره العام هو عنف القوي تجاه الضعيف، وسطوة صاحب السيطرة على فاقدها، وهي بذلك موضوع يخص الطفل والعامل والمسن والمرأة على حد سواء, من هنا فالعمل على موضوع العنف يجب أن يكون ضمن العمل في سياقه العام وليس الخاص، وتحديده بالمرأة فقط أو اقتصاره عليها.
أضف على ذلك، أشار العديد إلى تكرار المواضيع التي تطرحها المؤسسات في موضوع النوع الاجتماعي، وفي غالبية الأحيان تتعلق بالعنف الممارس ضد النساء، وقضية الزواج المبكر والميراث وغيرها من المواضيع المكررة على المستوى التوعوي. مثل هذا التكرار في المواضيع أو طريقة الطرح التي غالبا ما تكون محاضرات وأيام دراسية نظرية، أدى إلى شعور المجتمع بالملل وعدم الوصول إلى الفائدة المرجوة. من ناحية أخرى  ثمن الغالبية تلك المشاريع التوعوية التي تضمنت جانبا عمليا أو اقتصاديا شارك فيه الرجال والنساء على حد سواء وأوصوا بتعميم مثل هذه التجارب.
كما أشير إلى أن العديد من المؤسسات نشطت في نفس المجال، وفي نفس المنطقة  دون التنسيق اللازم فيما بينها، ورغم أن تكثيف النشاطات كانت له اثاره الايجابية من ناحية، إلا أن غياب التنسيق أدى إلى التكرار مقابل اغفال حاجات ومواضيع ومناطق جغرافية أخرى كان من الممكن العمل عليها.

 اعتدال الجريري، فداء البرغوثي، المرأة والعمل. 2010، الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني.[1]
[2] Yaish Z., Negotiating Authority and Masculinity in Households Living in Crisis Situation: The Case of Palestinian Male Breadwinners Losing Jobs, 2010. Faculty of Graduate Studies at Birzeit University, Palestine
Previous Post Next Post