الجنة والنار
والجنة هي دار الجزاء العظيم، والثواب الجزيل، الذي أعده الله لأوليائه وأهل طاعته،وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص، ولا يعكر صفوه كدر، وما حدثنا الله به عنها، وما أخبرنا به الرسول ^ يحير العقل ويذهله، لأن تصور عظمة ذلك النعيم يعجز العقل عن إدراكه واستيعابه كما في الحديث القدسي الذي رواه الشيخان: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت،ولا خطر على قلب بشر»
وتظهر عظمة النعيم بمقارنته بمتاع الدنيا، فإن متاع الدنيا بجانب نعيم الآخرة تافه حقير، لا يساوي شيئاً. ففي صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله ^: «موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها». ولذا كان دخول الجنة والنجاة من النار في حكم الله وتقديره هو الفلاح العظيم، والفوز الكبير، والنجاة العظمى
ومع تنوع نعيم أهل الجنة وكثرته فإن أعظم ما يُعطاه أهل الجنة رضوان الله والنظر إلى وجهه الكريم فعن أبي سعيد قال: قال رسول الله ^: «إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً»([220]).
ورؤية الله هي الغاية القصوى في نعيم الآخرة، والدرجة العليا من عطايا الله الفاخرة وقد صرح الحق تبارك وتعالى برؤية العباد لربهم في جنات النعيم والكفار والمشركون يحرمون من هذا النعيم العظيم، والنظر إلى وجه الله تعالى هو من المزيد الذي وعد الله به المحسنين وقد فسرت الحسنى بالجنة، والزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، يشير إلى هذا الحديث الذي رواه مسلم وذكرناه قيل قليل.
ورؤية الله في الجنة رؤية حقيقية، لا كما تزعم بعض الفرق التي نفت رؤية الله تعالى بمقاييس عقلية باطلة، وتحريفات لفظية جائرة، قال الطحاوي رحمه الله: «والرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية، وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه، وكل ما جاء في ذلك الحديث الصحيح عن رسول الله ^ فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سَلِم في دينه إلا من سلّم لله عز وجل ولرسوله ^. وردّ علم ما اشتبه عليه إلى عالمه».
وأما النار فهي الدار التي أعدها الله للكافرين به، المتمردين على شرعه، المكذبين لرسله، وهي عذابه الذي يعذب فيه أعداءه، وسجنه الذي يسحن فيه المجرمين وهي الخزي الأكبر، والخسران العظيم، الذي لا خزي فوقه،
والنار هي دار العقاب الأبدي للكافرين والمشركين والمنافقين النفاق الاعتقادي، ولمن شاء الله من عصاة الموحدين بقدر ذنوبهم ثم مآلهم إلى الجنة، وللنار دركات بعضها أسفل من بعض، وأسفل الدركات هي دار المنافقين ونار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم على ما جاء في حديث أبي هريرة الذيَ أخرجه الشيخان عن النبي ^ قال: «ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم»([221]).