أقسام المشقة عند الشاطبي :
أولاً : المشقة غير المعتادة:
 وهي التي لم تكن مألوفة ولا معتادة في تكاليف الشارع, ومنه يعلم أن الشارع لم يقصد التكليف بالمشاق والإعنات فيه, ولهذا لم نجد في التكاليف الشرعية مشقة هي خارجة عن المعتاد, وهذا النوع من المشقة الخارجة عن المعتاد التي لم يقصدها الشارع في تكاليفه "يكون خاصاً بالمقدور عليه إلا أنه خارج عن المعتاد في الأعمال العادية بحيث يشوش على النفوس في تصرفاتها ويقلقها في القيام بما فيه تلك المشقة", وهذه المشقة الخاصة الخارجة عن الاعتياد على نوعين :
الأول :المشقة المختصة: أي أن تكون هذه المشقة مختصة بأعيان الأفعال الملكف بها؛ بحيث لو وقعت مرة واحدة لوجدت فيها مشقة, وقد وضعت الرخص الشرعية المشهورة لهذا الموضع من المشاق, مثل: الصوم في المرض, والسفر, ونحو ذلك.  
الثاني :المشقة العامة : وهي المشقة التي لا تكون مختصة "ولكن إذا نظر إلى كليات الأعمال والدوام عليها صارت شاقة ولحقت المشقة العامل بها". ويظهر هذا في النوافل الذي يزيد فيها المكلف فوق الحد الذي يحتمله وتلحقه بذلك المشقة بالدوام عليها, وفي هذا جاءت بعض النصوص النبوية التي تنبه على مقصد الشارع في مثل هذا النوع من المشاق, مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لن يمل حتى تملوا". وهذا النوع من المشاق غير مقصود, للشارع,

 ويدلل الشاطبي على عدم قصد الشارع للمشاق بجملة من الأدلة منها:
الأول : النصوص الدالة على ذلك, مثل قوله تعالى " وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ الّتِـي كانَتْ عَلَـيْهِمْ " وقال تعالى "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"  "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ  مِنْ حَرَجٍ" "يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا"وفي الحديث: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً, فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه".
الثاني: ما ثبت من مشروعية الرخص التي ترخص الفطر والقصر والجمع وغيرها, وما جاء من النهي عن التكلف والتعمق في التكاليف الشرعية, والنصوص الشرعية في ذلك كثيرة, ولو كان الشارع قاصداً في التكليف المشقة والإعنات لما أذن في الرخص قصد التخفيف.
الثالث : الإجماع على عدم وقوعه وجوداً وفي ذلك دلالة على عدم قصد الشارع لذلك.
الرابع : لو وقع الإعنات والمشقة وكان مقصوداً شرعاً لحصل في الشريعة التناقض والاختلاف وذلك محال, فإنه إذا كان وضع الشريعة على قصد الإعنات والمشقة, وقد ثبت أنها موضوعة على قصد الرفق والتيسير كان الجمع بينهما تناقضاً واختلافاً وهي منزهة عن ذلك.
ثانياً : المشقة المعتادة:  وهذا النوع من المشقة مألوف ومعتاد في تكاليف الشارع, وهي كما قرره الشاطبي: ما كان "خاصاً بالمقدور عليه, وليس فيها من التأثير في تعب النفس خروج عن المعتاد في الأعمال العادية, ولكن نفس التكليف بها زيادة على ما جرت به العادات قبل التكليف شاق على النفس؛ ولذلك أطلق عليه اسم التكاليف". فإطلاق المشقة على هذا النوع من التكاليف من حيث دخول المكلف في أعمال زائدة على ما اقتضته تكاليفه في مجاري العادات في الحياة الدنيا. ولهذا فلا نزاع كما يرى الشاطبي في أن الشارع قاصدٌ للتكاليف بما يلزم فيه كلفة ومشقة, ولكن هذه المشقة محتملة في مقدور المكلف لا تسمى في العادة المستمرة مشقة, ولا يفهم من قصد الشارع التكليف بما فيه مشقة معتادة قصده أيضاً طلب المشقة من جهة نفس المشقة, بل من جهة ما في ذلك من منافع ومصالح عائدة على المكلفين, ونقل الشاطبي الإجماع في ذلك بقوله: "والإجماع أن الشارع يقصد بالتكليف المصالح على الجملة".
هذا من جهة المشقة المعتادة, أما من جهة المكلف بها, وهو الإنسان المكلف, فعليه أن لا يقصد المشقة في التكليف, وإنما عليه أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل,وما يقرره الشاطبي من جهة قصد المكلف هو أنه "إذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة فقد خالف قصد الشارع من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة. وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل, فالقصد إلى المشقة باطل", بل إن ذلك قد يوقع المكلف في الإثم لمناقضته لمقصد الشارع, وإذا كان الشارع لا يقصد المشقة غير المعتادة في التكاليف الشرعية, فإنه لا شك قاصد رفع الحرج عن المكلفين.
Previous Post Next Post