فهل كل فاقد للعقل غير مكلف ؟
حقيقة أن المسألة محل تفصيل في الجملة نقول نعم فاقد للعقل غير مكلف هذا إجمالا ً وهذا محل اتفاق لكن عندما ننظر لكل مسألة بعينها نجد أن للعلماء كلام حول جملة من مسائل فاقد العقل فنجد:
أولا ً : المجنون فاقد للعقل فهل المجنون مكلف ؟ طبعا ً الجنون كما يذكر العلماء هو اختلال العقل بحيث يمنع من جريان الأفعال والأقوال على نهجها الصحيح إلا نادرا ً فهذا يسمى مجنون إن فعل فعلا ً لم يفعله على وجهه الصحيح المعتاد للبشر أو المعتاد للناس بشكل عام وإن كان قد يفعل بعض الأفعال التي تجري على النهج المعتاد لكنها أفعال قليلة فيحكم
عليه بالجنون والجنون على قسمين :
õ جنون أصلي , وجنون عارض
الجنون الأصلي: معناه أن يولد الإنسان من وقت ولادته فاقد للعقل وهذا النوع في الغالب لايرجى معه الشفاء
الجنون العارض:ومعناه أن يبلغ الإنسان وهو سليم العقل وكامل الفهم ثم يطرأ له الجنون بعد ذلك فهذا النوع في الغالب يرجى له الشفاء والإفاقة من هذا الجنون فهو كأي مرض يصيب الإنسان.
وكل من الجنون الأصلي والجنون العارض قد يكون ممتد وقد يكون غير ممتد بمعنى أن يكون مطبق وقد يكون غير مطبق أي أن يكون ممتد معه طول حياته وقد يكون غير مطبق وغير ممتد فيزول في مرحلة من مراحل العمر وهذا فيما يتعلق بأقسام المجنون .
س---- جاء العلماء إلى قضية تكليف المجنون هل هو مكلف ؟
ج------- هناك خلاف ضعيف فهناك من يقول وهم الجمهور بأن المجنون غير مكلف مطلقا ً وطبعا ً هذا القول بنوه على قضية واستدلوا عليه بعدم فهم. للدليل السابق للنبي عليه الصلاة والسلام وأيضا ً بأن المجنون لا يفهم الخطابات الواردة من الشرع ولا يدرك ويعلم الفعل المكلف به وكيفية امتثاله ولا توجد منه غالبا ً نية وقصد صحيح ولذلك مثل هذه الأمور شروط للتكليف فلا بد منها وهي تنتهي بالمجنون ولذلك يكون غير مكلف .
** هناك قول في المسألة وهي أن المجنون مكلف مطلقا ً وهذا ذكره ابن تيمية وحكاه عن بعض الناس في كتابه ( المسودة في أصول الفقه ) حكاه عن بعض الناس ولم يحكيه لشخص معين والحقيقة أن الدليل هنا الذي استدل به من قال بتكليف المجنون بمضمون الاعتراض الذي أورده من قال بتكليف الصبي أو من يعترض على الجمهور بقولهم عدم تكليف الصبي المميز وهناك من يقول إن الصبي المميز مكلف بإخراج الزكاة من ماله ومكلف بقيم المتلفات فكيف تقول إنه غير مكلف هنا من يقول المجنون مكلف فيقولون بأن المجنون قد توجه إليه الخطاب بإخراج الزكاة والخطاب بدفع قيمة المتلفات ودفع عروش الجنايات ولو لم يكن مكلفا ً لما وجه إليه خطاب ولما أخذت منه تلك الحقوق من ماله ثم أن الزكاة وقيم المتلفات وعروش الجنايات تثبت في ذمة المجنون وهذا يفيد بأنه مكلف لأنه لو لم يكن مكلفا لما ثبتت في ذمته.
الحقيقة أن الجواب عن هذا سبق معنا في الجواب عن مسألة قضية تكليف الصبي المميز والمجنون فنقول إن هذه الواجبات إنما وجبت لوجود خطابين في حق المجنون: (سبق شرحه في الموضوع السابق)
الخطاب الأول خطاب تكليف وهو خطاب من باب خطاب الوضع حيث أنه من قبيل ربط الأحكام بأسبابها فالشرع وضع أسبابا تقتضي أحكاما ً ترتب عليها تحقيقا ً للعدل ومراعاة ً للمصالح فهذا لا تكليف فيه بمعنى أنه يقال للمجنون إذا بلغ مالك النصاب وجبت عليك الزكاة فهذا خطاب ربط وليس فيه تكليف على المجنون
والخطاب الثاني خطاب بإخراج الزكاة من مال الصبي وإخراج قيم المتلفات من مال الصبي وهذا خطاب متوجه إلى ولي المجنون القائم على رعايته لإخراج هذه الأمور من ماله فليس هناك خطاب بالتكليف
للمجنون
ومعنى هذا أن المجنون تثبت له أهلية الوجوب بالذمة كما قلنا ولا تثبت أهلية الأداء وبهذا نعود مرة أخرى إلى تقسيم الحنفية وبهذا التقسيم نخرج من هذا الإشكال وهذا الخلاف .
× فالمجنون نعم مكلف ببعض الأمور وغير مكلف بأمور فتكليفه بأمور هو من باب خطاب الوضع والذي نحصره فيما يسمى بالوجوب بالذمة فالمجنون لديه ذمة هذه الذمة اكتسبها باكتساب صفة الإنسانية فيكون إذنً مطالبا ً وتثبت بذمته هذه الواجبات لكن هل هو مطالب بأدائها بنفسه ؟ لا .
لماذا ؟ لأنه قد انتفت بحقه أهلية الأداء إذن من المطالب بأدائها ؟
هو وليه وإذا لم يكن له ولي نقول حتى يفيق فإذا فاق صار مطالب بالأداء إذا لم يفق سقط عنه الواجب لأنه لا تكليف إلا مع القدرة والاستطاعة ولا يكلف الله نفسا ً إلا وسعها هذا إذن فيما يتعلق بالدليل الثاني والجواب عنه في تكليف المجنون هناك من يفرق بين الجنون المطبق والممتد سواء كان أصليا ً أو عارضا ً والجنون غير المطبق أو غير الممتد .
فالجنون المطبق الممتد معه طول حياته قالوا هذا غير مكلف مطلقا ً أما الجنون غير المطبق فالمجنون يفيق أحيانا ً وممكن أن يفيق في حالة من الحالات ويعيد إليه عقله فقالوا هذا يمكن أن يكون مكلفا ً وحمل بعض العلماء ما على هذا رواية وردت عن الإمام أحمد بقوله "إن المجنون يقضي الصلاة والصوم" قالوا نحمل كلام الإمام أحمد على أنه يرى أن المجنون جنونا ً غير مطبق مكلف أما المجنون جنونا ً مطبقا ً فهو غير مكلف وحمل رواية الإمام على هذا
ودليل هذه الرواية أن عدم تكليف المجنون المطبق هو الدليل للجمهور الذي سبق
وذكرناه في المذهب الأول ودليل تكليف المجنون غير المطبق فهو قالوا أنه يمكن أن يعقل ويفهم الخطاب في حال إفاقته فحينئذ ٍ ينبغي أن يكون مكلفا ً ويجاب عن هذا بأن إفاقة ليست واضحة ً جلية حتى نكلفه أثناء تلك الإفاقة فلا يمكن الوقوف على أول وقت الإفاقة وأول وقت فهمه للخطاب ونظرا ً لعدم معرفتنا لذلك بالتحديد فإنه يستحيل أن نقول إن المجنون بهذه الحالة يمكن أن يكون مكلفا ً .
õ إذا عدنا إلى تقسيم التكليف وتقسيم الأهلية الذي ذكرناه فيمكن أن ينتفي هذا الخلاف تماما ً .
× فمن يقول إن المجنون غير مكلف وهم الجمهور نحمل كلامهم على أنه ليس لديه أهلية الأداء فهو غير مكلف من هذه الناحية أي لا يلزمه الأداء لكنهم لا ينفون عنه أهلية الوجوب التي يقول أصحاب المذهب الثاني بأنه من خلاله يستحق أن يكون المكلف واجبا ً في ذمته هذا الأمر.
× وفي المقابل أصحاب القول الثاني الذين يقولون إن المجنون مكلف نحمل كلامهم على أنهم يقصدون بذلك أن لديه أهلية وجوب يعني لديه ذمة من خلالها يمكن أن نأمره ببعض الأمور مثل الزكاة ودفع قيم الأمور التي أتلفها وهذا الجمهور لا ينفونه أبدا بل يقولون نعم هذه تثبت بذمته ولذلك ينتفي حقيقة الخلاف في هذه المسألة إذا نظرنا إلى قضية تقسيم الأهلية إلى قسمين: أهلية أداء وأهلية وجوب في الذمة .
×× هذا فيما يتعلق بتكليف المجنون وينبني على هذا حقيقة ً أن نقول إن الجنون يسقط العبادات كلها لأن المجنون فاقد للقدرة التي يتمكن بها من إنشاء العبادات على النهج الذي اعتبره الشارع وهو أداؤه بنية مع قوة العقل والبدن ولا يلزمه أيضاً قضاء العبادات التي مرت عليه في أثناء جنونه وقبل إفاقته إلا أن بعض العلماء يقولون إذا كان مجنونا ً جنونا ً غير ممتد وغير مطبق كما ورد عن الإمام أحمد في رواية عنه فإنه في هذه الحالة يمكن أن يكلف بالقضاء .
الجنون أيضاً يسقط العقوبات فلا يلزم المجنون لو قتل أحدا ً قصاص ولا يلزمه أيضاً تقطع يده لو سرق مثلا ً ونحو ذلك فلا يلزمه شيء من هذا لكن لا يعني هذا أنه يسقط عنه التكليف مطلقا بل نقول مادام لديه أهلية وجوب في الذمة فمعنى هذا أنه تجب عليه بعض الأمور في ذمته ويلزم وليه بأدائها عنه فلو أنه قتل شخصا ً وجب عليه الدية ولو أنه أتلف مال غيره وجب عليه ضمان هذا المتلف ليس لأنه مكلف ولكن لأن لديه أهلية وجوب في الذمة وهذا الوجوب في الذمة نسميه أهليه ناقصة من خلالها يمكن أن نوجب على المجنون جملة من الواجبات هذا فيما يتعلق بتكليف المجنون.
õ من المسائل التي يذكرها العلماء في قضية تكليف
فقدان العقل مسألة تكليف المعتوه والمعتوه مأخوذ من العته وهي آفة ناشئة عن الذات توجب خللا ً في العقل فيصير صاحبه مختلط الكلام فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء وبعض كلامه يشبه كلام المجانين فهذا يقال بأنه معتوه
والفرق بين الجنون والعته:
1) أن المعتوه له عقل ولكنه ضعيف عن إدراك فهم الخطاب وأما المجنون فإنه لا عقل له .
2) أن المعتوه قد يكون مميزا وقد يكون غير مميز بخلاف المجنون فلا يكون مميزا ً أبدا.
3) أو أن العته لا يصاحبه تهيج واضطراب بخلاف الجنون فقد يصاحبه تهيج واضطراب.