نظرة الاسلام للتخلف
 الاتجاه الإسلامي في فلسفة التغيير الاجتماعي نجده في فكر (مالك بن نبي) حيث يرى أن الدين هو مركب الحضارة، وبواسطته يمكن إعادة التركيب إذ أن الانطلاق من القاعدة الدينية  ينعكس على باقي مناشط الحياة وسلوكيات الأفراد وخاصة الأثر الكوني للدين وأنه الأساس في جميع التغيرات الإنسانية الكبرى، وأن نجاح أي أمة هو الأخذ بتلك السنن لمواجهة واقعها المستقبلي، ويرى مالك: إن الإنسان هو الفاعل الذي تبدأ منه عملية التغيير الاجتماعي وأن دور هذا الإنسان في المجتمع لا يتوقف على حفظ النوع بل هو خليفة الله في أرضه، وهذه الوظيفة الاستخلافية توجب إجراء عملية تغيير نفسي واجتماعي يخضع لها الإنسان من خلال الثقافة المستمدة أنساقها من العقيدة الدينية ليكون الأقدر على القيام بدور الفاعل في بناء مجتمعه والوصول للحضارة على أساس التعادل بين الروح والمادة، فإذا اختل هذا التعادل في جانب أو في آخر كانت النقطة خطيرة لأنها تؤذن بالخلل الثقافي والاجتماعي والسقوط الحضاري.
والقرآن الكريم ركز على العامل العقائدي باعتباره عاملاً حاسماً بإمكانه أن يغير مجرى الأحداث ويبدل من سير المجتمعات رغم توفر الإمكانات المادية ووجود الشروط البيئية المواتية.
لقد سجل التاريخ العلاقة الجدلية القائمة بين العامل العقائدي وبين تطور المجتمعات سلباً وإيجاباً، وتاريخ المجتمعات الإسلامية بالذات خير شاهد على ذلك كما أبرز ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، لقد لاحظ أن هناك علاقة طردية بين صفاء العقيدة وتقدم المجتمعات وبالعكس، فكلما كانت العقيدة صافية كلما تحقق وساد الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي وازداد المجتمع قوة وتفوقاً وبقدر ما تضطرب العقيدة بقدر ما تسير المجتمعات نحو الاضطراب سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لقد طبق ابن تيمية هذه القاعدة في تفسير تفكك المجتمعات  الإسلامية ابتداء من دولة الأمويين التي ظهرت فيها البدع الكلامية إلى دولة العباسيين وما بعد العباسيين، حيث ظهر الإلحاد وتفشت المظاهر المرضية في الدين كشكل الطرق الصوفية وتحولت العقيدة من مصدر قوة إيجابية للهمم ودافعة للتقدم إلى سلبية.
Previous Post Next Post