شـــروط التكليــــف 
شروط التكليف منها ما يتعلق بالشخص المكلف نفسه ومنها ما يتعلق بالفعل المكلف به , لأن منها شروط تشترط في الشخص المكلف حتى يصل إلى درجة التكليف , وهناك شروط تشترط في الفعل حتى يكون الشخص مكلفا به .
فالعلماء أو الأصوليون يقسمون الشروط بهذا التقسيم في الغالب أمور متعلقة بالمكلف وأمور متعلقة بالفعل المكلف به .
وبعض الأصوليين يعرض عن ذكر هذه الشروط تفصيلا لكنه يتكلم عن ما يتعلق بالمكلفين (أحوال التكليف)
ثم يتكلم عن( أحوال الفعل المكلف به)

فيتكلم عن أحوال التكليف من حيث مثلا .. تكليف الصبي , تكليف النائم , تكليف المجنون والساهي ... الخ, ويتكلم عن أيضاً ما يتعلق بتكليف الفعل بالمكلف به مثل: التكليف بالشاق والتكليف بالمحال ونحو ذلك. فنستفيد من تلك المباحث أننا نأخذ منها قضية شروط التكليف .


لما كان المقصود من التكليف حصول الامتثال من المكلف وذلك بقدرته على إيقاع ما  كلف به على جهة الطاعة , ولما كانت هناك أفعال لا تدخل تحت قدرة المكلف , وهناك مكلفون عاجزون عن القيام بما كلفوا به اقتضت إرادة الله تعالى أن يعلق التكليف بشروط معينة ترفع الحرج عن المكلفين وتمكنهم من الامتثال .

هذه الشروط يمكن أن تقسم قسمين :
×     شروط ترجع إلى المكلف.
×  شروط ترجع إلى المكلف به .

س---- ما الشروط التي ترجع إلى المكلف ؟
ج----- الحياة
 كون المكلف من الثقلين
 البلوغ


هذه الشروط عددها العلماء واختلفوا في تعدادها ومنهم من يذكر بعضها وأكثرها ومنهم من يقل في ذكرها لكونه يرى أن هذه الشروط شروط معلومة قطعا ولا يحتاج إلى التنبيه عليها لكن نحن أيضاً نحتاج إلى التنبيه على شيء منها .
الشرط الأول/  الحيـــــاة
فلا بد من أن يكون الشخص على قيد الحياة , إذ لا يمكن تكليف الميت أبدا , وإن جاز أن تبقى عليه آثار التكليف , وقد نقل القاضي أبو بكر الباقلاني الإجماع على عدم تكليف الميت , والزركشي ذكر فرعا على عدم تكليف الميت فروعا منها .. قال ( أنه لو وصل عظم الميت بنجس لم ينزع على الصحيح ) لأن الميت صار ليس أهلا للتكليف بعد موته ولذلك لا ينزع منه هذا الشيء النجس . وأيضا من الفروع التي ذكرها على عدم تكليف الميت أو فاقد الحياة ( لو ماتت المعتدة فإنه يجوز تطييبها على الصحيح نظرا لأن الخطاب سقط بالموت فلم تصير هذه المرأة مكلفه بعد الموت )

وأما بقاء أثر حكم التكليف بعد الموت فله أمثله .. منها مثلا عدم جواز تكفين الرجل بكفن حرير , وتحريم تطييب الميت المحرم وإزالة شعره وظفره , وأيضا من آثار تعلق التكليف بعد الموت تعلق الثواب والعقاب به على ما قدم من عمل . هذه أمور متفق عليها .
فالميت لا يكلف بما يكلف به الحي لكنه يبقى له آثار تكليفه في حال الحياة بعد الموت , وهذه الآثار ذكرنا جملة منها .
الحقيقة أن هذه الأمور التي بقي أثرها بعد الموت ليست متوجهة إلى الميت التي ذكرنا من أمثلتها عدم جواز تكفين الرجل بكفن حرير وتحريم تطييب الميت المحرم وإزالة شعره وظفره وتعلق الثواب والعقاب وما قدم من عمل , جزء من هذه الآثار لا تتوجه إلى الميت وإنما هي خطابات متوجهة إلى المكلفين الأحياء الذين يقومون بغسله وتكفينه , فالحقيقة لا منافاة بين هذه وبين اشتراط الحياة لصحة التكليف , وجمهور الأصوليين لم يتعرضوا لهذا الشرط وهو شرط الحياة لأنهم أعدوه شرطا طبيعيا لا حاجة لذكره .

الشرط الثاني/ ((كون المكلف من الثقلين))
وهذا الشرط نص عليه الزركشي في البحر المحيط وفي وقت اعرض عن ذكره الكثير من العلماء , وإعراض كثير من العلماء عن ذكر هذا الشرط لأنه يوجد اتفاق على عدم تكليف الحيوان والجماد , لذلك لا داعي من أن يذكر مثل هذا الشرط .

المراد بالثقلين هما / الإنس والجن كما هو معلوم
 ونقل عن القاضي البكر الباقلاني أنه حكى الإجماع على هذا الشرط أن هذا شرط متفق عليه ولابد أن يكون المكلف من الثقلين . على أن هناك من يقول بأن الحيوانات جميعها مكلفة كالإنسان , بل أن هناك أيضاً من يقول بتكليف الجمادات كالجبال والأشجار وغيرها .. إلا أن العلماء أعرضوا عن ذكر هذا الخلاف أو المخالفة لأن هذا خلاف مناقض ويصادف الإجماع  لأن هناك إجماع على عدم تكليف الحيوانات والجمادات , وأيضا لمنافاة هذا الأمر للعقل السليم , لكن من يقول بعدم تكليف الجمادات والحيوانات يشكل عليه ما ورد في الحديث من اقتصاص الشاة الجماء  من الشاة القرناء يوم القيامة فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام  قال : (لتؤدون الحقوق لأهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء)  المقصود بالشاة الجلحاء / الشاة التي لا قرن لها ) من الشاة القرناء (المقصود بالقرناء / التي لها قرن ) ))

 لكن يقال في الجواب عن هذا الإشكال قد أجاب عنه الإمام النووي في شرحه للحديث في صحيح مسلم قال : ((هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها أيضاً يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين وكما يعاد الأطفال والمجانين ومن لم تبلغه الدعوة وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة . قال الله تعالى "وإذا الوحوش حشرت" وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجراءه على ظاهره عقل ولا شرع كما قال النووي وجب حمله على ظاهره .
قال العلماء : وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب , وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة .

أحدث أقدم