مسائل متعلقة بالمحرم 

المسألة الأولى : أقسام المحرم باعتبارات مختلفة , وما يترتب على هذا التقسيم .
المسألة الثانية : في مالا يتم ترك الحرام إلا به ويشمل بيان المراد بهذه المسألة وصورها وأمثلتها .

المسألة الأولى :   قسم العلماء المحرم أقسام متعددة باعتبارات مختلفة  :
·       باعتبار تعلق النهي به.
·       باعتبار قوة دليله.
·       باعتبار ذاته  .

 س---- ما  أقسام المحرم باعتبار تعلق النهي به أو باعتبار تعلق التحريم به؟
ج------ قسمان هما : المحرم لذاته والمحرم لغيره :
1) أما المحرم لذاته فهو ما حرمه الشارع بأصله ابتداء لقبح عينه , أي من حيث النظر لأصله , فلو نظرنا إلى منشأ الحرمة أو منشأ النهي وسببه لوجدنا أنها عين ذلك المحل يعني حرم لذاته بالنظر إلى ذاته نظراً لما اشتمل عليه من مفسدة راجعة إلى ذاته ,
 فمثلاً الميتة والدم والخنزير هذه أمور محرمة فعندما نتأمل نجد أن تحريم أكلها إنما كان لأجل ذاتها , أو لقبح عينها فهذه نسميها محرمات لذاتها أو لعينها وكما يعبر عنها بعضهم بالمحرم لوصفه. فهذا يُعبر عنه بالمحرم لذاته أو لعينه أو لوصفه .
فحرمتها لأجل أنها أمور قبيحة في ذاتها, حرمها الشارع ابتداء, ولم يحرمها لأجل عوارض أو ملابسات أخرى خارجة عنها وإنما لأجل ذاتها .

2) المحرم لغيره : هو ما حرمه الشارع لأمر خارج عن ذاته, ويسمى المحرم لكسبه ويسمى المحرم لعارض ويسمى المحرم سداً للذريعة , فكل هذه العبارات يعبر بها عن القسم الثاني وهو المحرم لغيره .
والمقصود بالمحرم لغيره أنه أمر في الأصل ربما يكون مباح , لكن عرضت له مفاسد وأمور تجعل مفسدته غالبة على مصلحته فيُقال حينئذ بتحريمه ، أو أنه أمر في الأصل مباح ولكنه فُعل على صفة مكروهة أو محرمة فيُقال أن هذا من قبيل المحرم لغيره ولم يحرم لأجل ذاته , وإنما حرم لأجل غيره وهذا الغير هو أنه ارتبطت به مفسدة تجعله محرماً أو باطلا .

فمثلاً أكل أموال الناس بالباطل حرام , ولكن ليست الحرمة ناشئة فيه عن أخذ المال نفسه لأن أخذ المال بين الناس مباح بطريق البيع ونحو ذلك إذا كان على سبيل التراضي , فأصلاً في ذاته ليس محرماً ولكن لما ارتبط بكونه أخذ بالباطل كالأخذ بالغش وبالحيلة ونحو ذلك فإته في هذه الحالة يكون محرماً لكنه محرم لغيره وليس بذاته, فالحرمة ليست ناشئة عن أكل المال نفسه وإنما لكون المأكول ملكاً للغير, فالمحل وهو المال قابل للأكل في الجملة, كأن يأكله صاحبه أو غيره بإذنه لكن لما ارتبط بطريق محرم صار محرماً .
س--- وهذا القسم المحرم لغيره جعله العلماء على ثلاثة أنواع , أذكرها؟
ج------ النوع الأول: محرم لغيره منهي عنه لصفته مثل نهي الحائض عن الصلاة لتلبسها بالحدث المانع , ونهيه صلى الله عليه وسلم  عن بيع الملاقيح لجهالة المبيع ونحو ذلك.
النوع الثاني :محرم لغيره منهي عنه لأمر لازم له مثل صيام يوم العيد لما يلازمه من إعراض عن ضيافة الله تعالى النوع الثالث : محرم لغيره منهي عنه لأمر خارج عنه غير ملازم له ، مثل الوضوء بالماء المغصوب أو الصلاة في الأرض المغصوبة .


 س------ وبالنسبة للتحريم هنا للأنواع الثلاثة هل هو مؤثر في الفساد والبطلان ؟
ج----  الحقيقة هنا أن العلماء لديهم تفصيل في هذا المقام :
المحرم لذاته وهو القسم الأول هذا باتفاق العلماء لا يصلح سبباً شرعياً لترتيب الآثار عليه , فلا يصلح سبباً نرتب عليه الآثار, لأن الأسباب شرعية مشروعة وأسباب غير مشروعة , فالأسباب المشروعة يمكن أن يترتب عليها آثار ,
 والأسباب الغير مشروعة لا يترتب عليها آثار فالمحرم لذاته لا يترتب عليه آثار مثلا من باع ميتة أو لحم خنزير أو باع خمر مثلاً فإن هذه المعاملات تعد باطلة وغير صحيحة من أصلها ويجب نقضها ويأثم فاعلها لأن مثل هذه الأمور من قبيل المحرمات لذاتها والمحرمات لذاتها باتفاق العلماء لا يمكن أن نرتب عليها آثار.


س----  أما المحرم لغيره كما قلنا على أنواع, أذكرها؟
ج-------- النوع الأول: محرم لغيره منهي عنه لصفته : مثل نهي الحائض عن الصلاة لتلبسها بالحدث المانع فالصلاة في أصلها مشروعة ولكن حصل النهي عنها لتلبس المرأة الحدث فصارت الصلاة هنا محرمة ليست لذاتها وإنما محرمة لغيرها لأجل أنه ارتبط بها أمر آخر جعلها محرمة . بيع الملاقيح جهالة المبيع , فالبيع في الأصل مباح لكنه ارتبط بأمر فيه جهالة وهو أمر محذور ومنهي عنه فصار البيع في هذه الحالة محرماً لغيره .

النوع الثاني : محرم لغيره منهي عنه لأمر لازم له مثل نهي صيام يوم العيد , فمن صام يوم العيد لاشك أنه معرض عن ضيافة الله تعالى ففي هذه الحالة هل يصح هذا الصوم أم لا يصح سيأتي فيه تفصيل.

النوع الثالث : محرم لغيره منهي عنه لأمر خارج عنه غير ملازم له ، مثل الوضوء بالماء المغصوب أو الصلاة في الأرض المغصوبة .فإن الوضوء بالماء المغصوب الأصل أن الإنسان يتوضأ بماء مباح والأصل أن الإنسان يصلي في أرض مباحة له لكن قد يحصل أن يفعل هذا شخص من الأشخاص وهذا الفعل التبس بأمر منهي عنه لأن الغصب منهي عنه فالتبس الوضوء هنا بأمر منهي عنه فحين إذ صار منهي عنه, والصلاة في هذه الحالة منهي عنها ,
 لكن الغصب هنا داخل أجزاء الصلاة أو خارج أجزاء الصلاة ؟ الحقيقة أنه خارج أجزاء الصلاة وخارج أجزاء أركان الصلاة فهو أمر خارج عن هذا الأمر المحرم لغيره , وهذا الخروج غير ملازم أي ليس هناك تلازم بين الصلاة والغصب ولا بين الوضوء والغصب , فالأصل أن الإنسان يتوضأ بماء مباح ويصلي في مكان مباح .


ç الخلاصة هنا ç : وعلى كل حال إذا أتينا إلى ما يترتب على هذه الأمور على المحرم لغيره فإننا نجد :
النوع الأول : اتفق العلماء على أن الفعل فاسد وباطل فلا يترتب عليه أي أثر من الآثار الشرعية المحمودة.
النوع  الثاني : وهو المحرم لغيره لأمر لازم له هذا أيضاً قال العلماء أنه يترتب عليه فساد وبطلان العمل الملازم له فمثلاً صوم يوم العيد يقول جمهور العلماء بأن هذا الصوم باطل وغير منعقد أصلاً
 يخالف في هذا الحنفية فيقولون بالتصحيح هنا أن النهي لا يدل على الفساد ولا على البطلان في هذه الحالة بل يمكن أن يُصحح العمل المترتب على هذا وتصحيحهم له بأنه يقع في الذمة بإمكان الإنسان أن يلزمه الفطر هذا اليوم ثم يلزمه القضاء بعد ذلك فهذا وجه التصحيح عندهم بالنسبة لهذه المسألة بالذات .
النوع الثالث : محرم لغيره منهي عنه لأمر خارج عنه غير ملازم له ، الجمهور على أن هذا الأمر لا يترتب عليه الفساد والبطلان بل يصح العمل المرتبط بهذا إلا ما أُثر عن الإمام أحمد بأنه يقول بفساد العمل الذي من هذا النوع فمثلاً الوضوء بالماء المغصوب الجمهور يقولون صحيح مع الإثم و الصلاة في الأرض المغصوبة
الجمهور يقولون الصلاة صحيحة مع الإثم وأثر عن الإمام أحمد أنه يقول بفساد ذلك لأن الصلاة والوضوء هنا باطل وفاسد مع الإثم ويلزمه أيضاً أن يعيد الوضوء وأن يعيد الصلاة وكما قلنا قبل ليس ما اشتهر عن الإمام أحمد في هذه المسألة أنه يقول بذلك فقط لا هناك أيضاً غيره من العلماء أُثر عنهم القول بالفساد والبطلان في هذه الحالة .

س----- هذه المسألة وهي مسألة المحرم لغيره هل يدل على الفساد أو النهي هل يدل على الفساد تُبحث  بشكل أوسع في ما يأتي في مسائل النهي لأن مسائل النهي أو من أشهر مسائل النهي أو باب النهي هل النهي يدل على الفساد ؟
ج--------  ولذلك عندما يأتي الكلام على هذه المسألة يقولون إذا كان المنهي عنه منهياً عنه لذاته يعني من قبيل المحرم لذاته فهذا يكون المنهي عنه فاسداً باتفاق العلماء , وأما إذا كان المنهي عنه منهياً عنه لغيره فهذا فيه تفصيل والتفصيل بحسب الأنواع الثلاثة التي ذكرنا قبل قليل والمأثور عن الإمام أحمد أنه يقول بالفساد لجميع هذه الأنواع الثلاثة , النوع الأول باتفاق أنه يدل على الفساد ,

 النوع الثاني كما قلنا يقول الجمهور بفساده والحنفية يقولون بعدم فساده , النوع الثالث كما قلنا يقول بفساده الإمام أحمد والجمهور لا يقولون بفساده وهناك من وافق الإمام أحمد على هذا الأمر.
õ تنبيه يجدر الإشارة إليه في الكلام على المحرم لغيره : فنقول أنه لا يعد من المحرم لغيره ما أُحل تارة وحرم تارة أخرى , فإن كثيراً من المحرمات تجوز في أوقات للضرورة الشرعية وتحرم في باقي الأوقات فهذه لا نقول أنها من قبيل المحرم لغيره بل هي من قبيل المحرم لذاته , مثلاً الميتة قد تحل في حال الضرورة ثم تعود إلى التحريم فهذه ليست من قبيل المحرم لغيره بل تبقى من قبيل المحرم لذاته . فالمحرمات التي حرمت وأبيحت في حال للضرورة فهذا يبقى من قبيل المحرم لذاته ولا يصح أن يقال أنه من قبيل المحرم لغيره فتبقى على أصلها وهي محرمة لذاتها .


س---- لذلك كما قيل هناك خطأ أخطأ فيه بعض العلماء بأنهم جعلوا المعازف من قبيل المحرم لغيره لا لذاته  لماذا ؟
ج----- قالوا بحجة أنها تباح في بعض الأحوال كما يباح مثلاً الدف في العرس و الحرب مثلاً قال ما دام أنها تباح في أحوال وتحرم في باقي الأحوال فهذه جعلها بعضهم من قبيل المحرم لغيره قال لأن التحريم هنا متفاوت فيمكن أن تحرم في أحوال وتباح في أحوال كما قلنا في شأن الميتة , لكن الحقيقة أن التحريم في المعازف منصب على ذاتها وليس من أجل غيرها إذ أنها في الأصل من آلات اللهو أو من قبيل اللهو المحرم ولذلك ورد النهي عن المعازف مطلقاً دون تعليل لوصف معين فالرسول عليه الصلاة والسلام قال في الحديث ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) وأما بالنسبة ما يباح الاستماع له كالدف مثلاً في الحرب وفي العرس فهذا إنما يباح للمصلحة الغالبة وليس فيما يباح استثناء , وما يباح استثناء لا يصح القياس عليه , فشتان بين صورة تحريم المعازف وبين صورة تحريم أكل أموال الناس بالباطل فأكل أموال الناس بالباطل من قبيل المحرم لغيره أما استماع المعازف من قبيل المحرم لذاته فلذلك جرى التنبيه .
فالتفريق بين المحرم لذاته والمحرم لغيره ينبني عليه كبير فائدة في النظر في كلام الفقهاء .
Previous Post Next Post