دخول المكروه في الأمر :
عبر عنها بعض العلماء بقولهم هل المكروه مأمور به ؟ .
والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى هذه المسألة بهذه العبارة وبهذه الصيغة تكون محل استغراب . ولذلك استغرب بعضهم إيراد الأصوليين لهذه المسألة بهذا العنوان . وهل يدخل المكروه في الأمر أو هل المكروه مأمور به . الأولى أن نقول هل المكروه منهي عنه . لكن أن نقول هل هو مأمور به هذه المسألة كان فيها غرر لكن الحقيقة ينبغي أن نعلم مرادهم بقولهم هل المكروه مأمور به أو هل يدخل المكروه في الأمر . فإذا علمنا المقصود بحقيقة هذه المسألة فإنه يزول هذا الاستغراب . فما المقصود في هذه المسألة؟
** المقصود في هذه المسألة أنه إذا أتى المكلف بالمأمور به على صفه مشتملة على أمر مكروه . فهل يجزي هذا الفعل أولا يجزئ
. فإذن حقيقة هذه المسألة هل يدخل المكروه تحت مطلق الأمر أو لا؟ .
فلو جاء الخطاب مثلا بأمر من الأمور فهل تدخل الصورة المؤداة له مع الكراهة تحت هذا الأمر ويعتبر صاحبها ممتثلا وفعلها مجزئا أو لا يعتبر كذلك؟ .
هذه المسألة وقع الخلاف فيها بهذه الصورة . وقد عبر عنها بعضهم بالأمر هل يدخل المكروه في الأمر أو هل المكروه مأمور به هذه المسألة بهذا التعبير قد تكون محل استغراب . لكن إذا عرفنا المقصود بها لا تكون محل استغراب هنا
لأن المقصود إذا فعل المكلف شيئا مأمور به ولكن فعله على صفة مكروهة . فهل يجزئ أو لا يجزئ .
من يقول أن المكروه يمكن يدخل في الأمر وأن المكروه يمكن أن يكون مأمور به يقول أنه يجزئ ومن يقول أن المكروه لا يدخل في الأمر فإنه لا يجزئ . هذه خلاصة الخلاف في المسألة .
الخلاف هنا بين الجمهور من جهة
القائلين بأن المكروه لا يدخل في الأمر بمعنى أن من أتى بفعل مأمور به على صفة مشتملة على أمر مكروه فإنه لا يجزئه
. من جهة أخرى بين الحنفية يقولون الحنفية إن المكلف إذا أتى بفعل مكلف به على صفة مكروهة فإن هذا الفعل يجزئه. وبناء على هذا يكون المكروه غير مأمور به عند الجمهور بمعنى لا يدخل في الأمر المطلق . وعند الحنفية المكروه مأمور به ويدخل في الأمر المطلق بمعنى أنه إذا فعله المكلف بصفة مشتملة على كراهة فإنه يجزئه هذا الفعل .
ç الجمهور استدلوا بـ :
1) بعدم دخول المكروه في الأمر وعدم الإجزاء بهذه الحالة بأنهم قالوا إن المكروه منهي عنه نهيا غير جازم . والنهي يقتضي ترك الفعل .أما الأمر فإنه يقتضي إيجاد الفعل فيلزم من ذلك أن الأمر والنهي متضادان وإذا كان متضادين فإنه لا يمكن أن يطلب ترك الشيء في حين أنه يطلب فعله . أي يستحيل أن يكون الشيء مأمورا به منهيا عنه في وقت واحد بعبارة مختصره .
2) دليلهم الثاني قالوا أنه يوجد تنافي بين حقيقة الأمر وحقيقة المكروه . فالأمر هو استدعاء وطلب والمأمور به مستدعى ومطلوب فعله مثل الواجب والمندوب أما المكروه فهو مطلوب الترك إذن ليس مستدعى ولا مطلوب فعله . فيكون المكروه منهي عنه .
3) استدلوا في دليل ثالث إذا كان المباح ليس مأمورا به كما سبق رجحنا هذا في مذهب الجمهور . مع أنه ليس منهيا عنه فمن باب أولى المكروه لا يدخل تحت الأمر ولا يكون مأمور به مع زيادة على كونه منهي عنه.
الخلاف بين الجمهور والحنفية في هذا إذا أردنا أن نرجح يظهر في الترجيح في هذه المسألة ننظر الدليل الذي ثبتت به الكراهة فهل ثبتت الكراهة لأجل ورود النص الذي ينهى عن هذه الصفة بعينها . فهنا ينبغي أن يقال بعدم الإجزاء . وإن كان ثبوت الكراهة من جهة مخالفة الصفة للمندوب فينبغي أن يقال بالإجزاء
.
õ== من ثمرات الخلاف بين الجمهور وبين الحنفية في هذا المقام قالوا لو طاف مكلف على غير طهارة أو طاف منكس يعني منكوس أي جعل البيت على يمينه بدل أن يكون على يساره فهنا هل يدخل الأمر الوارد بقوله تعالى "فليطوفوا بالبيت العتيق"؟
اختلف العلماء في ذلك فالجمهور يقولون الأمر مطلق لا يتناول المكروه . ومعنى هذا أن فعل المكلف بهذه الصورة لا يجزئ .
الحنفية يقولون إن الصفة تدخل في هذا الأمر المطلق وفعل المكلف في هذه الحالة مجزئ مع الكراهة .
õ== الثمرة الثانية :قالوا لو توضأ مكلف وضوءا منكسا دون ترتيب هل يدخل هذا في الأمر المطلق الوارد في الوضوء ويجزئ أو لا ؟. الجمهور يقولون لا يجزئ . والحنفية يقولون إنه يجزئ . بناء على ما ذكرنا .
õ== الثمرة الثالثة : مثل من صام يوم الشك تطوعا .الجمهور يقولون لا ينعقد لأن الصوم مكروه في هذه الحالة فلا يدخل في الأمر المطلق فلا يكون صومه منعقدا . والحنفية يقولون أن من صام يوم الشك فإن صومه ينعقد مع الكراهة بناء على أن المكروه يدخل في الأمر المطلق .
نختم على مسائل المكروه .