صعوبات مشاكل الاملاء في اللغة العربية
هنالك عوامل تعمل على تعزيز هذه الصعوبات وتلك المشكلات، وتزيد هموم مادة الإملاء في العربية، وربما كان أبرز هذه العوامل ما يأتي:
·   قلة الخبرة العلمية والعملية عند طائفة كبيرة من أولئك المعلمين الذين يباشرون تدريس فن الإملاء العربي،  ومثل هذا الواقع ينعكس على المتعلمين، فيؤدي إلى حدوث خلل في إتقان رسم الحروف، والزهد في التعلم، والاستهانة بمادة الإملاء.
·   تعثر معلم الإملاء في أثناء نطق الكلمات والحروف التي يقوم بإملائها على تلاميذه، وفشله في إخراج الأصوات من مخارجها الأصلية، وإعطاء الحروف حقها من الشدة والرخاوة، والجهر والهمس، والتفشي وعدمه.
·        وكذا، مراعاة أحوال التلاميذ وأوضاعهم من حيث سهولة الاستماع وصعوبته، وما شاكل ذلك.
·   استهانة بعض التلاميذ أحياناً بالأخطاء الإملائية التي يقعون فيها، والتجاوز عن تصويبها، ولا يقومون بالبعد عنها، بل تجد الكثيرين منهم يكررون الوقوع فيها، ومن هنا يصبح التفكير في الأساليب والوسائل التي تحفزهم على الكتابة الصحيحة، وتنفرهم من الوقوع في الخطأ، والنظر إلى الخطأ على أنه نقيصة.
·   الضعف في بعض المسائل النحوية والصرفية التي تؤثر في رسم بعض الألفاظ، ومثل هذا الضعف يؤدي إلى شيوع الخطأ وتوسيع دائرته، فترى بعض التلاميذ يكتبون عبارة: "إن شاء الله" موصولة هكذا: "إنشاء الله"، وبعضهم يجعلون الهمزة الواقعة في أول الكلمة "همزة قطع" دائماً، وبعضهم يجعل "تاء التأنيث" المفتوحة المتصلة بالفعل الماضي تاء مربوطة، مثل: "قالة" في: "قالت"، ومثل هذا خطأ فاحش.
·   شيوع بعض اللهجات عند بعض التلاميذ، كالخلط بين حرفي: الضاد والظاء، وحرفي: القاف والكاف، وحرفي الذال والزاي، وحرفي القاف والغين، وحرفي: الهمزة والعين، وغيرها، ونجد مثل الخلط ينتشر في المدن، باعتباره مظهراً من مظاهر التمدن، وهو خطير على اللغة، ويمكن أن يوقع التلميذ في الخطأ، إذا كتب كما يلفظ.
·   رداءة الخط المتفشية عند الكثيرين من المعلمين والتلاميذ، وربما ترجع هذه الرداءة إلى الجهل بقواعد الخط العربي وأصوله، والزهد في تعلم فنونه، ومعرفة أنواعه، والتدرب على الكتابة، ومحاكاة النماذج الجميلة منه، وهذا الجهل بالخط يؤدي – دون شك – إلى رسم بعض الحروف – في أثناء الإملاء – رسماً خاطئاً.
·   قصر تعلّم الإملاء العربي –  في الغالب – على تلاميذ المرحلة الأساسية في مدارسنا، وهي مرحلة مبتدئة في اكتساب المهارات التعليمية، ولا يستطيع التلميذ في هذه المرحلة أن يتحرى الدقة في أعمال، وهو في عجلة من أمره، لا يكاد يعرف الاستقرار والتركيز والمتابعة، وينبغي للمتعلم أن يبقى على صلة وثيقة بالإملاء والكتابة، حتى يبرأ تماماً من عيوب الخطأ، وحتى يتخرج في الجامعة.
·   قصر متابعة الكتابة والإملاء على معلم اللغة العربية دون غيره، فمهمته مكافحة الخطأ الذي يقع فيه المتعلم، وتصويبه، وإقالة عثرة المخطئ، أما غيره من المعلمين، فلا شأن لهم في معالجة هذه المسألة. وهذا التهاون الماثل في المدارس، يؤدي إلى تفاقم هذه المسألة، والجرأة على الوقوع في الخطأ.
·        تأثر بعض المعلمين والتلاميذ برسم المصحف، وهو رسم لا يقاس عليه في كتابة كثير من الألفاظ.
·   مشاركة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة في نشر بعض الأخطاء اللغوية وترسيخها والخلط في كتابة همزات الوصل والقطع، والألف اللينة في الأسماء والأفعال الثلاثية وغيرها كالموسيقا.
·   وتتعدد أوجه الكتابة الإملائية في اللفظة الواحدة أحياناً، وهذا التعدد مرتبط بتعدد الآراء والأحكام في المسائل النحوية والصرفية، فهنالك ألفاظ عربية لها أكثر من وجه في الإملاء، وهذا من شأنه أن يفتح أبواب التأويل والتقدير والاختلاف في رسمها الإملائي ([1]).
·   ومن هذا التعدد مسألة تلك الألفاظ المبدوءة بهمزة التي دخلت عليها "همزة الاستفهام"، كقولهم: أإنك؟، أأبوك؟، أأكرمك ؟ أأجيب عن السؤال ؟ أأؤيد كلامك؟
ويذهب النحويون في مسألة كتابة همزة الكلمة المفتوحة أو المضمومة، أو المكسورة، ثلاثة مذاهب:
أولها: أن تكتب على ألف إن كانت مفتوحة، فلا أثر لهمزة الاستفهام العارضة في رسمها، فتكون بذلك في أول الكلمة تقديراً، أو على حرف من جنس حركتها، حملاً على الاعتداد بالهمزة العارضة على أنها متوسطة تقديراً.
والأحسن أن تكتب هذه الهمزة على "ألف" دائماً، فلا يلتفت إلى الحرف العارض في مسائل العربية – غالباً -، وفي هذه الكتابة تيسير على المتعلمين.
وثانيها: أن تزاد ألف مد لتيسير أمر النطق، والتخفف من الثقل الناجم عن الجمع بينهما، ذلك أن "الهمزة" أصعب الأصوات العربية نطقاً، فهي حرف حلقي يقبل التخفيف، فيجري تحويله إلى واو أو ياء.
تقول: آ أنت؟ آإنك؟ آأجيبك؟ ويبدو التكلف والثقل واضحين في هذه الأمثلة، إذ يمكن الاستغناء عن هذه الألف المزيدة بهمزة مطولة، ويظهر ذلك في الهمزة المفتوحة بعد همزة الاستفهام، نحو: آكرمت صديقك ؟ وآعطيته الكتاب؟ وآخبرته بذلك؟ وغير ذلك.
والثالث: أن يستغنى بالهمزة المطولة عن الهمزتين، إذا كانت الثانية منهما مفتوحة، أما إذا كانت مضمومة، فإنها تقلب واواً، على أن تكون مسبوقة بهمزة ممدودة، وأما إن كانت مكسورة، فإنها تقلب ياءٍ على أن تكون مسبوقة بهمزة ممدودة أو غير ممدودة، نحو: آوكرمك ؟ أوكرمك؟ أيدا؟ وآيذا؟ ([2])
ويبدو أن الوجه الأول أيسر قراءة واستجابة للحكم النحوي الذي ينص على عدم الاعتداد بالعارض.
ويؤثر تحقيق أمن اللبس في رسم بعض الألفاظ العربية، و لاسيما تلك الألفاظ التي يغاير لفظ في رسم بعض الألفاظ العربية، ولا سيما تلك الألفاظ التي يُغاير لفظها كتابتها، أو تلك الألفاظ التي اعتمد فيها الرسم للتمييز بينها وبين غيرها، وهو رسم تغاير فيه هذه الألفاظ الأصل والقياس.
من ذلك – مثلاً – قطع ألف الموصل في الأفعال المبدوءة بها، إذا سمي بها، نحو: أكتب، إنطلق، وما شاكلها، لتلحق نظائرها من الأسماء والأعلام عند النحويين([3])؛ وسبب ذلك، تحقيق أمن اللبس بين الفعل والعلم المسمى به.
ومن ذلك أيضاً، حذف همزة "ابن" في مواضع، وإثباتها في أخرى، إذ تحذف حين تقع بين علمين غير مفصولة عن أحدهما، أو كنيتين مصدرتين بأب أو أم ليس بابن أو ابنة أو بنت، أو لقبين يغلبان على الاسم، وأن تكون نعتاً للأول الذي يجب حذف تنوينه، وأل تقع في أول السطر، وألا تضاف إلى ضمير، يقول الحموز: "... والسبب في حذفها – إذا توافرت تلك القيود – يعود إلى تحقيق أمن اللبس، إذ يتعرف بحذفها كونها صفة للعلم الأول، لا بدلاً أو خبراً عنه، وشتان ما بين الصفة والخبر، أو الصفة والبدل، إذ تعد الصفة شديدة الاتصال بموصوفها، فلا ينوي فصلها عنه، لأن الصفة والموصوف كالصلة والموصول من حيث الافتقار، فكأنهم جعلوهما كالاسم الواحد، ولا يتفق مع ابن يعيش الذي يذهب إلى أنها حذفت لكثرة الاستعمال، رغبة في التخفيف"([4])، وعرض حسن شحاتة مشكلات الكتابة، وأجمل هذه المشكلات بما يأتي([5]): الشكل، ويعني به وضع الحركات القصار على الحروف: الضمة والفتحة والكسرة، وقواعد الإملاء التي تتمثل بالكشف عن: الفرق بين رسم الحرف وصوته، وارتباط قواعد الإملاء بالنحو والصرف، وتعقد قواعد الإملاء وكثرة الاستثناء فيها، والاختلاف في هذه القواعد، واختلاف صورة الحرف موضعه من الكلمة، والإعجام، ووصل الحروف وفصلها، واستخدام الصوائب القصار، والإعراب، ثم اختلاف هجاء المصحف عن الهجاء العادي.
وحين فسدت الألسنة، وفشا أمر الأخطاء اللغوية والإملائية، وغدا ظاهرة خطيرة مخيفة، أحس اللغويون والتربويون بحجم المشكلة، فشرعوا في دراستها دراسة شاملة، ووقفوا على أبعادها وملابساتها، أخذوا يلتمسون الحلول التي تحمي المتعلمين، وتنقذهم من شر هذه الآفة.

([1]) انظر: الحموز/ فن الإملاء / 1/147.
([2]) انظر: الحموز / فن الإملاء /1/155-156.
([3]) الأزهري/ شرح التصريح على التوضيح/2/220، وانظر: الحموز/فن الإملاء/1/160.
([4]) الحموز / فن الإملاء /1/162، وانظر: الاستراباذي / شرح الشافية / 3 / 331
([5]) حسن شحاته / 101 – 119، وانظرا: سليم الروسان / قواعد الكتابة والترقيم والخط / 5 – 10، الحموز / فن الإملاء / 1 / 143 -202، وموسوعة الشامل في الكتابة والإملاء / 24-30.
Previous Post Next Post