الإملاء: مفهومه وأبعاده ومشكلاته
ذكروا أن الإملاء هو ([1]): "تحويل الأصوات المسموعة، والتعبير عنها برموز مكتوبة، تترجم ما يدور في ذهن الإنسان، وما يتبادله مع الآخرين من حديث؛ لأجل الرجوع إليها عند الحاجة، والقدرة على الاحتفاظ بها إلى زمن آخر، أو نقلها إلى الآخرين الذين لم يشهدوا الحديث، ولم يستمعوا إليه".
وأنه([2]): "هو الرسم الصحيح للكلمات، والكتابة الصحيحة تكتب بالتدريب والمراس المنظم، ورؤية الكلمات الصحيحة، والانتباه إلى صورها، وملاحظة حروفها ملاحظة دقيقة، عند الطالب مهارة في كتابة الكلمات بالشكل الصحيح".
ويحتل الإملاء منزلة مرموقة بين فروع اللغة؛ لأنه الوسيلة الأساسية للتعبير الكتابي، وهو الطريقة الصناعية التي اصطنعها الإنسان في أطوار تحضره؛ ليترجم بها عما في نفسه، لمن تفصله عنهم المسافات الزمانية والمكانية، ولا يتيسر له الاتصال بهم عن طريق الحديث الشفوي([3]).
وليس الإملاء مادة منفصلة عن فروع اللغة العربية الأخرى، بل يرتبط بها ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن الخطأ في الرسم الإملائي يفضي – بالضرورة – إلى صعوبة قراءة المكتوب، وغموضه وإبهامه.
والكتابة الصحيحة وسيلة لوضوح الفكرة، وفهم المعنى([4]).
وقواعد الإملاء نظام لغوي معين، موضوعه الكلمات التي يجب فصلها، والتي يجب وصلها، والحروف التي تزاد، والتي تحذف، والهمزة بأنواعها المختلفة، سواء أكانت مفردة، أو على أحد حروف اللين الثلاثة، والألف اللينة، وهاء التأنيث وتاؤه، وعلامات الترقيم، واصطلاحات المواد الدراسية، والتنوين بأنواعه، والمد بأنواعه، وقلب الحركات الثلاث، وإبدال الحروف، واللام الشمسية والقمرية([5]).
على أن هنالك أخطاء إملائية تتكرر، ويقع فيها التلاميذ، وحتى الكتاب والصحفيون، ولعلّ أهم المشكلات والصعوبات، التي يشيع فيها الخطأ في الكتابة العربية: حذف بعض حروف اللفظ التي تؤدي إلى مغايرة المكتوب للمنطق، مثل: هذا وهذه وهؤلاء، ولكن، وغيرها من المسائل، فيكثر مثل هذا الحذف لكثرة الاستعمال، وزيادة بعض حروف الكلمة التي تؤدي إلى مغايرة المكتوب للمنطوق فيها، مثل: عمرو، ومائة، وقالوا، وما شاكلها، وسبب هذه الزيادة – في الغالب – هو تحقيق أمن اللبس بين ما زيدت عليه وغيره، ومنها أيضاً تعدد صور الحرف الذي تقع عليه الهمزة، إذ تقع على ألف، أو واو، أو ياء، وقد ترسم على سن صغيرة، وقد تكون بلا صورة على المطّة أو المتسع، وقد تكون منفردة، ووجود صورتين في العربية لحرف الألف اللينة التي تقع متطرفة، هما: الألف العصرية أو العمودية، ثم الياء المهملة، ووجود صورتين في العربية لحرف الهمزة حين تقع في أول الكلمة، هما: همزة الوصل، ثم همزة القطع، والفصل والوصل اللذان يقعان في بعض الألفاظ، مثل: لم، مم، عم، ممن، حينئذ، وغيرها، ووقوع بعض الحروف ذات المخارج والوصف التي تكون قريبة في الكلمة العربية،  ومثل هذا القرب يؤدي إلى وجود اللبس بينها حين نكتبها، كما يحدث في: الضاد والظاء، والقاف والكاف، وفي: الذال والثاء والسين، والتقاء الساكنين الذي يؤدي إلى حذف الياء، أو الواو، أو الألف، أو ألف الوصل، في بعض التراكيب اللغوية، وهي مسألة لغوية تجعل الكلمة الملفوظة على خلاف المكتوبة.
ومما تحذف فيه "الياء" أول الساكنين قوله تعالى([6]): ﴿وكذلك يحيي الله الموتى﴾، ومن حذف الواو أول الساكنين، حذف واو الجماعة، على شاكلة قوله تعالى([7]): ﴿ولا تتخذوا الكافرين أولياء﴾، ومن حذف الواو الأصلية، قوله تعالى([8]): ﴿ يوم يدع الداع إلى شيء نكر﴾، ومن حذف الألف الأصلية لكونها مقلوبة من الياء، قوله تعالى([9]): ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾، وغير ذلك من مواضع الحذف المختلفة([10]).
وهنالك ألفاظ لها أكثر من وجه في الرسم الإملائي، ومثل هذه الألفاظ تسهم في تفاقم مشكلات الإملاء العربي وزيادة صعوبته، ومن أمثلة هذه المشكلات: إسقاط اللام الشمسية من الأسماء المعرفة بها، وخاصة إذا سبقت هذه الأسماء بحروف الجر أو العطف، وشيوع الخطأ في كتابة الأعداد، وفي الأسماء الستة، وفي الأمثلة الخمسة، وحذف ألف الأسماء والأفعال المبدوءة بهمزة وصل، وخاصة إذا كانت مسبوقة بجار أو عاطف، حذف همزة "ابن" و "ابنة" في المواقع التي يمنع فيها الحذف، وإسقاط همزة الوصل وهمزة القطع التي تقع في الأسماء في كثير من الأحيان.

([1]) موسوعة الشامل في الكتابة والإملاء/17.
([2]) أساسيات في تعليم مبادئ الإملاء والترقيم/7.
([3]) ياسر سلامة / كيف نتعلم الإملاء/7.
([4]) انظر: أساسيات في تعليم مبادئ الإملاء/10.
([5]) حسن شحاتة/أساسيات في تعليم الإملاء/8.
 ([6]) سورة البقرة/73.
([7]) سورة النساء/144.
([8]) سورة القمر/6.
([9]) سورة فاطر /8.
([10]) الحموز/ فن الإملاء/1/144-145.
أحدث أقدم