موقف ديكارت: وجود الغير غير ضروري لوجود الأنا ووعيه بذاته. 
لقد اعتمد ديكارت على الشك من أجل بلوغ الحقيقة؛ وهكذا فقد شك في كل شيء إلا في حقيقة واحدة، بديهية ويقينية، وهي أنه يشك‘ أي يفكر، وبالتالي فهو يقينا يوجد كذات أو كجوهر مفكر. إن وجود الأنا كفكر وكوعي هو وجود يقيني لا يطاله الشك مادام أنه موضوع لإدراك حدسي مباشر، أما وجود الغير كذات مفكرة وواعية فلا يتم إثباته إلا عن طريق الافتراض أنه شبيه للأنا، وبالتالي فوجود الغير في فلسفة ديكارت يتم التوصل إليه عن طريق استدلال قياسي، وكل ما يحصل عن طريق الاستدلال فهو قابل للشك. 
إن الوعي عند ديكارت هو حضور الذات إزاء نفسها، لذلك يصعب إدراك الغير كوعي آخر من طرف وعيي أنا. وهذا ما جعل ديكارت يسقط فيما يمكن تسميته بعزلة الذات مادام أنه متأكد من ذاته وحدها، في حين يبقى وجود الغير مجرد وجود افتراضي، جائز ومحتمل. 
2- موقف هيجل: إثبات وجود الأنا لا يكون إلا من خلال الصراع مع الغير. 
ضد الموقف الديكارتي شيد هيجل فلسفة للوعي يحتل فيها مفهوم الغير موقعا مركزيا. فكل شيء بالنسبة لهيجل يحمل نقيضه في ذاته كشرط لتحقق وجوده واستمراريته. هكذا فوجود الأنا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال وجود نقيضه أي الأنا الآخر أو الغير. فلا يمكن للوعي أن يعرف نفسه إلا من خلال انفتاحه على كل ماهو آخر بالنسبة إليه؛ أي أن الوعي يبحث عن وساطة بينه وبين معرفته لنفسه، وهذا ما ينعته هيجل بمفهوم التوسط (La médiation) . 
وباعتبار الموجودات الطبيعية مجردة من الوعي، فهي موضوعات لإشباع حاجات الوعي الطبيعية، لذلك فهي تغرقه في الحياة العضوية وتجعله لا يتجاوز درجة الإحساس المباشر بالذات، ولهذا أيضا فهي لا تصلح كوساطة تمكن الوعي من تحقيق معرفة كاملة بنفسه. 
 إن الوعي الآخر (الغير) هو الوحيد القادر على القيام بدور التوسط بين الأنا ومعرفته بذاته؛ ذلك أن الأنا يسعى إلى الاعتراف به من طرف الآخر. غير أن هذا الاعتراف يتم من خلال عملية الصراع التي تقوم بين الأنا والغير، والتي تنتهي بإخضاع أحد الوعيين للآخر وإجباره على الاعتراف له بوجوده. وبذلك تنشأ العلاقة الإنسانية الأولى، علاقة السيد بالعبد. 
وهكذا فليس للأنا وجودا حقيقيا إلا من خلال علاقته بالأنا الآخر (الغير) وليس قبلها. فوجود الغير شرط ضروري لوجود الأنا؛ مادام أن كلا من السيد والعبد يتوقف وجود أحدهما على وجود الآخر. 

أحدث أقدم