عدم التركيز الإداري في التشريع المصري.
لقد أقر المشرع المصري التفويض كوسيلة لعدم التركيز الإداري، شريطة أن تتوافر شروط معينة:  -

(1)   وأول هذه الشروط أنه لا تفويض إلا بنص صريح من المشرع، بمعنى أن التفويض له طابع استثنائي، والقضاء الإداري مستقر على ذلك.

فمحكمة القضاء الإداري أعلنت في إحدى أحكامها بأن " القاعدة المستقرة فقهاً وقضاءً، أنه إذا أنيط بسلطة إدارية اختصاص معين بمقتضى المبادئ الدستورية أو القوانين أو اللوائح، فلا يجوز لها أن تتنازل عنه أو تفوض فيه إلى سلطة أو جهة أخرى لأن مباشرة الاختصاص عندئذ تكون واجبة، من الناحية القانونية، عليها وليس حقاً لها بجواز أن تعهد به لسواها، إلا أنه يستثنى من ذلك الحالة التي يقرر فيها القانون إمكانية التفويض حيث يكون هذا التفويض مستمداً مباشرة من القانون.

والاختصاص الذي يتحدد بقانون لا يجوز النزول عنه أو الإنابة فيه إلا في الحدود وعلى الوجه المبين في القانون، كما لو كان ثمة قانون يرخص بالتفويض.

(2)   والشرط الثاني- الذي يتفرع عن المبدأ السابق يمكن في أن التفويض، دائماً، له طبيعة جزئية، حيث أن التفويض في كامل الاختصاصات مخالف للقواعد العامة إلا إذا أجاز المشرع الوضع العكسي. ففي هذه الحالة، يجب احترام إرادة المشرع لأنه هو الذي ينشئ الاختصاص، وهو الذي يحدد من له أن يمارسه في حدود القواعد الدستورية.

(3)   والشرط الثالث – اللازم لشرعية التفويض – يكمن في احترام القاعدة التي تقرر أنه " لا تفويض في التفويض " ومعنى ذلك أن من قوّض إليه ممارسة اختصاصات ما يجب عليه أن يمارسها بنفسه شخصياً، وعلى ذلك، فإنه لا يستطيع أن يعيد التفويض في هذه الاختصاصات، حيث أن هذا التفويض في التفويض لا يجوز، شرعاً. فالتفويض غير مسموح به قانوناً إلا في اختصاص أصيل يستمده رجل الإدارة من القانون مباشرة.

(4)   وأخيراً، إن التفويض في المسئولية غير جائز، وذلك أن الرئيس الذي يفوض مرءوسيه في ممارسة بعض اختصاصاته، يظل مسئولاً عن هذه الاختصاصات مع المفَوّض إليها ممارستها، وذلك نابع من مسئولية عن أعمال مرءوسيه، سواء أكانت اختصاصات أصلية مستمدة من القانون مباشرة، أو كانت اختصاصات مستمدة من قرارات التفويض.

(5)   والتفويض – بالمعنى السابق- يفترق عن الحلول، حيث أن هذا الأخير يفترض أن صاحب الاختصاص الأصيل قد تغيب عن العمل، أو قام لديه مانع يحول دون ممارسته لاختصاصاته، وفي هذه الحالة، يحل محل هذا الشخص من عينه المشرع لذلك، وتكون له نفس سلطات الأصيل. كل ذلك بعكس المُفوَّض إليه الذي يمارس الاختصاصات التي فُوَّض في ممارستها فقط، وفي المدة المحددة لذلك، مع قابلية التفويض للإلغاء من قِبلَ الأصيل في الوقت الذي يراه مناسباً.

وإذا كانت الحلول ، كالتفويض، لا يجوز إلا إذا نظمه المشرع، بحيث لو أغفل المشرع النص عليه لأصبح مستحيلاً من الناحية القانونية، إلا أنه ليس لصاحب الاختصاص الأصيل أن يعقب على القرارات الصادرة عن من حل محله بصفته رئيساً لهذا الأخير. 
وعلى ذلك إذا رأى الأصيل أن تصرفات الشخص الذي حل محله غير مشروعة وغير ملائمة، فما عليه، إذا أراد إلغاءها إلا أن يتوجه إلى السلطة الرئاسية المشتركة، أو إلى الجهة القضائية المختصة بحسب الأحوال، كل ذلك بعكس المبادئ التي تحكم علاقة الرئيس بالمفوَّض بالمرءوس المفوَّض إليه.

هذا، وقد حرص الدستور المصري الحالي في مادته رقم 82 على تنظيم مسألة الحلول محل رئيس الجمهورية ، حيث جاء بها " إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية".

صحيح أن النص الدستوري أستخدم كلمة " أناب "، مما قد يوحي بأن المسألة تتعلق بالتفويض وليس بالحلول، إلا أن ذلك مردود عليه بالقول بأن التفويض بطبيعته جزئي، ولا يشمل أبداً كامل اختصاصات الأصيل، في حين أن المادة المذكورة تتكلم عن كل " اختصاصات" رئيس الجمهورية. فضلاً عن ذلك، هذه المادة تعالج الحالة التي يمتنع على رئيس الجمهورية فيها، مؤقتاً ، مباشرة اختصاصاته، وهي تعالج بذلك حالة الحلول، لأن التفويض يفترض عدم غيبة الأصيل، وقيامه بمباشرة اختصاصاته.
أحدث أقدم