إن التفكير في مفهوم الغير،  يفتح المجال أمام إعادة النظر في مفهوم الشخص كذات مستقلة بنفسها، فالأنا لا يتعرف على هويته ولا يدرك حريته إلا من خلال الغير(سارتر)، بل إن الغير يسكن الأنا(كريستيفا) و يؤشكله،و قد يهدده في حميميته و كينونته (هايدجر) و هو من يمنحه قيمته الأخلاقية (غوسدورف) و به يكتسب إنسانيته، و ينسى أنانيته و تمركزه حول ذاته (أ.كونت)، بل إن العالم لن يكون موجودا وجودا موضوعيا، و لن يكون بالإمكان قيام أي نوع من المعرفة به في غياب الغير (هوسرل). 
وفي عصرنا الراهن، تطرح علاقة الذات بالغير مفارقات جمة ..ففي الوقت الذي اختزلت فيه المسافات نتيجة لتطور وسائل الاتصال و التواصل، و اكتشفت المجاهيل بتقدم العلوم و التقنيات، وأصبح العالم قرية صغيرة، و تنامى لدى أفراد النوع البشري الوعي بأهمية التضامن و التشارك كسبيل لحفظ النوع من الانقراض أمام العوامل المهددة المتزايدة يوما عن يوم، فإن العلاقة مع الغير لا تزال مطبوعة في الغالب بالتوتر و الصراع و عدم الاعتراف، ولا زال الإنسان يقتل الإنسان من أجل "حفنة من الدولارات". 
 هل يتعلق الأمر إذن بطبيعة إنسانية ثابتة، تخترق كل الأزمنة و الحقب، أم هي مجرد حالة عابرة سيتكفل الزمن القادم بالقضاء عليها، وهل سيأتي يوم يعيش فيه الإنسان حالة سلام و ازدهار و تقدم و يقضي على كل عوامل الصراع و التخلف و الركود.. لن يكون بإمكاننا الجواب إلا إذا استقرأنا بعدا آخر من أبعاد الإنسان هو البعد التاريخي أو الوجود في الزمن.
Previous Post Next Post