تدبير الأموال في الاسلام
من القضايا التي يجب أن تهتمَّ بها الأمّة هو تحقيق التدابير الماليّة الكفيلة بحفظ أموال أبنائها، وتنميتها، وحسن التصرّف فيها، لأنّ ذلك - بإذن الله تعالى- كفيل بأن يصل بهم إلى حال الرشد في الإنفاق، وبالتالي إلى حال الميسرة والكفاية والعيش الرغيد، بدَل أن يكونوا مسرفين مبذّرين، وبالتالي عالة، فقراء، يعانون الحرمان، والتَّضييق في الأرزاق.
أهميّة المال في الإسلام وحرمته :
المال هو: كلّ ما يمكن أن يُملك ويُنتفع به على وجه شرعيّ معتاد[1].
ويخرج بذلك الأشياء التي لا يتعامل بها، إمّا بحكم العادة كالأشياء التافهة التي لا يُؤبَه بها ولا يلتفت إليها، أو التي لا تدخل في دائرة التعامل بطبيعتها. ويخرج أيضاً في نظر الشرع ما جُرِّد في الدِّين من أيّ قيمة ماليّة كلحم الخنزير، والخمر، والربا، والنجاسات المحرَّمة، وغيرها.
والمال عصب الحياة، وأساس العمران، وعماد الحضارات[2]. وهو عماد قيام الحياة، قال الله تعالى: ]وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً[[3]. وبوجوده لا يرهق وجه الفرد بالسؤال، ولا الجماعة بالاستجداء. وحبّه غريزة بشريّة، قال الله تعالى: ]وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً[[4]. وهو من الضروريّات الخمس للإنسان، التي من دونها تعمّ الحياة الفوضى والاضطراب ويلحقها الشقاء، وهي: الدِّين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
يقول الإمام الغزاليّ: "مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكلّ ما يتضمّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلّ ما يُفَوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة"[5].
وإذا أُحسن استغلال المال كان وسيلة لنيل السؤدد بين الأمم، ومن أهمّ أسباب السعادة الإنسانيّة الدنيويّة بحيث يعطي بهجة للحياة وينظّم شؤونها. وهو من أهمّ ما يُناط به بقاء الأفراد والشعوب.
والإسلام يحفظ المال وينمّيه، أي يأمر بحفظه وتنميته بشتّى وسائل التنمية المشروعة.
والمال مال الله، والإنسان مستخلف فيه، قال الله تعالى:] وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ[[6] وقال : ]وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ[[7].
والواجب التصرّف فيه وفق شرط الله، أي أحكامه التي نظّمت التعامل في الأموال، فمن التزم بذلك نجا، ومن تعدَّى خسر، وظلم نفسه، وظلم الناس من حوله.
ولا يَحِلُّ لأيّ فرد من أفراد المسلمين، سواء أكان حاكما أم محكوما، أن يبذِّر مال الله، أو يتصرّف فيه بغير وجه حقّ شرعيّ، سواء أكان مال الدولة العامّ، أو مال الفرد الخاصّ[8].
وقد أجمع العلماء على تحريم أكل أموال الناس بغير سبب شرعيّ، قال الحطَّاب[9]:" التعديّ على رقاب الأموال سبعة، لكلّ قسم منها حكم يخصّه، وهي كلّها مجمع على تحريمها".
وكلّ النصوص تحرّم ذلك ، منها :
- قوله تعالى:] وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بالإثم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[[10].
- وقوله تعالى:]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً[[11].
وأكل المال بالباطل في هذه النصوص يعني تناولها وتعاطيها بما لا يحلّ شرعاً ولا يفيد مقصوداً.[12]
وقال الجصَّاص[13]: " وأكل أموال الناس بالباطل من وجهين:
- أحدهما: أخذه على وجه الظلم والسرقة والخيانة والغصب وما جرى مجراه.
- والآخر: أخذه من جهة محظورة، نحو القمار وأجرة الغناء والقيان والملاهي والنائحة، ونحو الخمر والخنزير، وما لا يجوز أن يتملكه، وإن كان بطيب نفس من مالكه. وقد انتظمت الآية حظر أكلها من هذه الوجوه كلّها".
وقال الأستاذ محمد رشيد رضا[14]في بيان معنى الباطل: " إنّه ما لم يكن في مقابلة شيء حقيقيّ، وهو من الباطل والبطلان، أي الضياع والخسارة؛ فقد حرّمت الشريعة أخذ المال من دون مقابلة حقيقيّة يعتدّ بها ورضى ممّن يؤخذ منه".
وجاء في السنّة النبويّة تأكيد حرمة أكل مال المسلم بالباطل، ومنها:
- قوله - صلّى الله عليه وسلّم- في حجّة الوداع: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ… "[15].
- وقوله - صلّى الله عليه وسلّم- : " كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ" [16].
- وقوله - صلّى الله عليه وسلّم-: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ"[17].
- وقوله - صلّى الله عليه وسلّم-: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه"[18].
وهذه النصوص وغيرها تفيد عدم جواز التعرّض لأموال الناس بغير حقّ، سواء بالأكل، أو التضييع، أو الإتلاف، أو غير ذلك من الأسباب[19]، كما تفيد -من باب أولى- حرمة التعرّض لأموال النفس بمثل ذلك.