نظرية ابن الهيثم في الإبصار
في الواقع وكما في صدر كتاب "المناظر" لابن الهيثم في "كيفية الإبصار بالجملة" إذ يوفق بين النظر الطبيعي والنظر التعليمي ، حيث يبحث الأول في كائنات متخيلة وجودها ذهني (الخط النقطة، السطح)،والثاني يبحث في امور كمية . ونرى ان ابن الهيثم اعتمد على العلم الطبيعي في استقراء احوال الموجودات كما تظهر في الواقع والتعليمي لتفسير الظواهر المشاهدة. لهذا نجده يبحث في معرفة كيفية وقوع الظواهر بدل أسبابها وهذا ما يؤكده تحليل كتاب المناظر، ففي المقالة الأولى: بين كيفية الإبصار، وفي المقالة الثانية:المعاني التي يدركها البصر وكيفية إدراكها، وفي المقالة الثالثة: شرح لكيفية أغلاط الإبصار .
نستنتج إذن أن نظريته هي تركيب لنظرية أصحاب الشعاع ونظرية أصحاب الطبيعة، بمعنى عدم وجود قطيعة بين نظريته والنظريات السابقة عليه، ليس يعني هذا أنه يأخذ بتلك النظريات دون نقد.
اعتبرابن الهيثم أن صور الموجودات تنتقل إلى البصر عبر الأجسام المشفة، ولكنها لا تدرك إلا بالاعتماد على الخطوط الوهمية الممتدة من سطح المبصَرإلى مركز البصر، ولتفسير ذلك اعتمد على تجارب حسية، عقلية و اصطناعية. فارتباط هذه الثلاثية مكٌن ابن الهيثم من إنشاء أجهزة وآلات .
إن التجربة العلمية هي نظرية تعيد صياغة الظواهر اصطناعيا ، أما التجارب العقلية فهي التي تخضع إلى مبدأ نظري ولو ان الواقع الحسي يكذّبها . ومن بين اهم التجارب الاصطناعية التي اعتمدها ابن الهيثم اعتباره الضوء شيء مادي لذا فهو ينعكس (يرتد ) إذا سقط على الأجسام الصقيلة.ولإثبات فرضياته فقد كان يقوم بالتجارب مثل إسقاطه لكرات من حديد على ارتفاعات مختلفة ليتوصل إلى مقدار ارتدادها ، وفي السياق ذاته أضاف قانون الانعكاس وانعطاف الضوء والذي لا يتم آنيا ، وإنما يستغرق زمنا معينا محدودا وبسرعة محدودة، وأن هذه الأخيرة تختلف حسب المشف( الألطف/ الأغلظ).
أما التجارب الحسية ، فاعتمد في تفسير ذلك على دور المخيلة في تكوين المعرفة العلمية، فهي ليست دائما حافظة للصور وإنما نشاط منتج للنماذج والتجارب، يقول ابن الهيثم في هذا الصدد :”كل مبصَر يدركه البصر فإن القوة المميزة تتخيل مقدار بعده وتتخيل السموت التي تحيط بالمبصَر ومقدار قاعدته التي هي المبصَر فيحصل لها من هذا التخيل مقدار المبصَر‟[1] . يتضح ان قوة التمييز تتخيل معاني الإبصار والعلاقات التي تربط بينها ولا يتم إدراك معاني الإبصار إلا بتفقد جميع أجزائه ، فإذا تحققت صورة المبصَر وتكرر إدراكها فإنها تتشكل في المخيلة ، وما يتشكل فيها هو الهيئة المؤلفة من جميع أنواع معاني البصر. فالمخيلة تقوم بتجريد الصور الكلية للأشخاص ولكنها تقوم بتمييز المعاني من خلال القياس.
وعلى مستوى التجارب العقلية فيقول ابن الهيثم " المبصرات التي في عالم الكون والفساد قابلة للتغيير في الوانها وأشكالها وفي أعظامها وفي هيئاتها وفي ملاستها و في خشونتها وفي ترتيب أجزائها وفي كثير من المعاني الجزئية التي تكون فيها لأن طبيعتها مستحيلة متغيرة ولأنها مع ذلك متهيئة للانفعال بما يعرض فيها من خارج"[2]. هنا يبرز لنا أهمية الظاهر والخفي في المبصرات ، ولإدراكها يجب التمييز بينهما ، وهذا الأخير يقتضي التحرر من العادة وتجاوز الإدراك الحسي إلى التأمل العقلي ، ولهذا فعملية الإدراك الحسي ترجع إلى الصور المتشكلة في المخيلة و إن تشابهت ، ونظرا لسرعة إدراك المبصرات وربط الصور الجزئية بالكلية فقد يحدث الغلط وهذا راجع إلى تشابه أحد المعاني في المبصَرَات .
ولهذا فإن إدراكاتنا قد تتعرض للخطأ ،فحقيقة المبصرَات تحتاج إلى تفحص وتفقد جميع معانيها ومقاومة كل ما من شأنه تشبيه المبصرات بالصور المتشكلة في المخيلة . وهذه الأخيرة أساس تجريد الصور الكلية ولكنها كذلك أساس تمييز المعاني الموجودة في المبصرات اعتمادا على القياس ، وهنا نلاحظ ابن الهيثم يميز في أغلاط البشر بين الإدراك المحقق والإدراك بالبديهية حيث يقول :”إن إدراك البصر للمبصَرات يكون على وجهين إدراك بالبديهية وإدراك بالتأمل وذلك أن المبصِر إذا لاحظ المبصَر فإنه يدرك منه المعاني الظاهرة التي فيه في حال
ملاحظته، ثم ربما تأمله من بعد ذلك وربما لم يتأمله ويتفقد جميع أجزائه فقد أدرك منه صورة غير محققة إما هي صورته الحقيقية، وكثيرا ما يدرك البصر المبصَر وينصرف عنه من غير تأمل فإذا أدرك البصر المبصَر ولم يتأمله فهو يدرك منه صورة غير محققة وهو يدركها بالبديهية.‟[3]. فهدف المعرفة من خلال هذا النص إدراك الوجود في فرديته وتغييره، بينما الحقائق الكلية المهملة للمعاني الجزئية والقابلة للتغيير فهي لن تؤدي إلا إلى الغلط؛ أما فيما يخص حاجة الإدراك الحسي إلى الزمن فقد أشار إليه كما يلي: ”فيتبين من هذه الحال أن إدراك مائيات جميع المبصرات ليس يكون إلا في زمان... فإدراك مائية المبصَرات والإدراك بالمعرفة والإدراك بالتمييز والقياس ليس يكون إلا في زمان، إلا أنه قد يكون ذلك في أكثر الأحوال في زمان يسير المقدار، وفي زمان لا يظهر للناظر ظهورا بينا‟[4].
يعتبر ابن الهيتم في بنائه لنظريته لعلم البصريات أن المعرفة العلمية نسيج من العلاقات مصدره المخيلة، مع التأكيد على البحث في كيفية الإبصار وكيفية إدراك المعاني المبصَرة وضرورة الخطأ وتعدد الحقائق مع ربطه التمييز بالزمن.
[1] - ابن الهيثم، المناظر، المقالة الثانية، ص154
[2] - ابن الهيثم، المناظر، المقالة الثانية، تمييز إدراك البصر ص 196
[3] - ابن الهيثم، المناظر، المقالة الثانية، إدراك البصر للمبصَرات ص 184
[4] - ابن الهيتم، المناظر، المقالة الثالثة، كيفية إدراك المعاني الجزئية، ص 126.
في الواقع وكما في صدر كتاب "المناظر" لابن الهيثم في "كيفية الإبصار بالجملة" إذ يوفق بين النظر الطبيعي والنظر التعليمي ، حيث يبحث الأول في كائنات متخيلة وجودها ذهني (الخط النقطة، السطح)،والثاني يبحث في امور كمية . ونرى ان ابن الهيثم اعتمد على العلم الطبيعي في استقراء احوال الموجودات كما تظهر في الواقع والتعليمي لتفسير الظواهر المشاهدة. لهذا نجده يبحث في معرفة كيفية وقوع الظواهر بدل أسبابها وهذا ما يؤكده تحليل كتاب المناظر، ففي المقالة الأولى: بين كيفية الإبصار، وفي المقالة الثانية:المعاني التي يدركها البصر وكيفية إدراكها، وفي المقالة الثالثة: شرح لكيفية أغلاط الإبصار .
نستنتج إذن أن نظريته هي تركيب لنظرية أصحاب الشعاع ونظرية أصحاب الطبيعة، بمعنى عدم وجود قطيعة بين نظريته والنظريات السابقة عليه، ليس يعني هذا أنه يأخذ بتلك النظريات دون نقد.
اعتبرابن الهيثم أن صور الموجودات تنتقل إلى البصر عبر الأجسام المشفة، ولكنها لا تدرك إلا بالاعتماد على الخطوط الوهمية الممتدة من سطح المبصَرإلى مركز البصر، ولتفسير ذلك اعتمد على تجارب حسية، عقلية و اصطناعية. فارتباط هذه الثلاثية مكٌن ابن الهيثم من إنشاء أجهزة وآلات .
إن التجربة العلمية هي نظرية تعيد صياغة الظواهر اصطناعيا ، أما التجارب العقلية فهي التي تخضع إلى مبدأ نظري ولو ان الواقع الحسي يكذّبها . ومن بين اهم التجارب الاصطناعية التي اعتمدها ابن الهيثم اعتباره الضوء شيء مادي لذا فهو ينعكس (يرتد ) إذا سقط على الأجسام الصقيلة.ولإثبات فرضياته فقد كان يقوم بالتجارب مثل إسقاطه لكرات من حديد على ارتفاعات مختلفة ليتوصل إلى مقدار ارتدادها ، وفي السياق ذاته أضاف قانون الانعكاس وانعطاف الضوء والذي لا يتم آنيا ، وإنما يستغرق زمنا معينا محدودا وبسرعة محدودة، وأن هذه الأخيرة تختلف حسب المشف( الألطف/ الأغلظ).
أما التجارب الحسية ، فاعتمد في تفسير ذلك على دور المخيلة في تكوين المعرفة العلمية، فهي ليست دائما حافظة للصور وإنما نشاط منتج للنماذج والتجارب، يقول ابن الهيثم في هذا الصدد :”كل مبصَر يدركه البصر فإن القوة المميزة تتخيل مقدار بعده وتتخيل السموت التي تحيط بالمبصَر ومقدار قاعدته التي هي المبصَر فيحصل لها من هذا التخيل مقدار المبصَر‟[1] . يتضح ان قوة التمييز تتخيل معاني الإبصار والعلاقات التي تربط بينها ولا يتم إدراك معاني الإبصار إلا بتفقد جميع أجزائه ، فإذا تحققت صورة المبصَر وتكرر إدراكها فإنها تتشكل في المخيلة ، وما يتشكل فيها هو الهيئة المؤلفة من جميع أنواع معاني البصر. فالمخيلة تقوم بتجريد الصور الكلية للأشخاص ولكنها تقوم بتمييز المعاني من خلال القياس.
وعلى مستوى التجارب العقلية فيقول ابن الهيثم " المبصرات التي في عالم الكون والفساد قابلة للتغيير في الوانها وأشكالها وفي أعظامها وفي هيئاتها وفي ملاستها و في خشونتها وفي ترتيب أجزائها وفي كثير من المعاني الجزئية التي تكون فيها لأن طبيعتها مستحيلة متغيرة ولأنها مع ذلك متهيئة للانفعال بما يعرض فيها من خارج"[2]. هنا يبرز لنا أهمية الظاهر والخفي في المبصرات ، ولإدراكها يجب التمييز بينهما ، وهذا الأخير يقتضي التحرر من العادة وتجاوز الإدراك الحسي إلى التأمل العقلي ، ولهذا فعملية الإدراك الحسي ترجع إلى الصور المتشكلة في المخيلة و إن تشابهت ، ونظرا لسرعة إدراك المبصرات وربط الصور الجزئية بالكلية فقد يحدث الغلط وهذا راجع إلى تشابه أحد المعاني في المبصَرَات .
ولهذا فإن إدراكاتنا قد تتعرض للخطأ ،فحقيقة المبصرَات تحتاج إلى تفحص وتفقد جميع معانيها ومقاومة كل ما من شأنه تشبيه المبصرات بالصور المتشكلة في المخيلة . وهذه الأخيرة أساس تجريد الصور الكلية ولكنها كذلك أساس تمييز المعاني الموجودة في المبصرات اعتمادا على القياس ، وهنا نلاحظ ابن الهيثم يميز في أغلاط البشر بين الإدراك المحقق والإدراك بالبديهية حيث يقول :”إن إدراك البصر للمبصَرات يكون على وجهين إدراك بالبديهية وإدراك بالتأمل وذلك أن المبصِر إذا لاحظ المبصَر فإنه يدرك منه المعاني الظاهرة التي فيه في حال
ملاحظته، ثم ربما تأمله من بعد ذلك وربما لم يتأمله ويتفقد جميع أجزائه فقد أدرك منه صورة غير محققة إما هي صورته الحقيقية، وكثيرا ما يدرك البصر المبصَر وينصرف عنه من غير تأمل فإذا أدرك البصر المبصَر ولم يتأمله فهو يدرك منه صورة غير محققة وهو يدركها بالبديهية.‟[3]. فهدف المعرفة من خلال هذا النص إدراك الوجود في فرديته وتغييره، بينما الحقائق الكلية المهملة للمعاني الجزئية والقابلة للتغيير فهي لن تؤدي إلا إلى الغلط؛ أما فيما يخص حاجة الإدراك الحسي إلى الزمن فقد أشار إليه كما يلي: ”فيتبين من هذه الحال أن إدراك مائيات جميع المبصرات ليس يكون إلا في زمان... فإدراك مائية المبصَرات والإدراك بالمعرفة والإدراك بالتمييز والقياس ليس يكون إلا في زمان، إلا أنه قد يكون ذلك في أكثر الأحوال في زمان يسير المقدار، وفي زمان لا يظهر للناظر ظهورا بينا‟[4].
يعتبر ابن الهيتم في بنائه لنظريته لعلم البصريات أن المعرفة العلمية نسيج من العلاقات مصدره المخيلة، مع التأكيد على البحث في كيفية الإبصار وكيفية إدراك المعاني المبصَرة وضرورة الخطأ وتعدد الحقائق مع ربطه التمييز بالزمن.
[1] - ابن الهيثم، المناظر، المقالة الثانية، ص154
[2] - ابن الهيثم، المناظر، المقالة الثانية، تمييز إدراك البصر ص 196
[3] - ابن الهيثم، المناظر، المقالة الثانية، إدراك البصر للمبصَرات ص 184
[4] - ابن الهيتم، المناظر، المقالة الثالثة، كيفية إدراك المعاني الجزئية، ص 126.
إرسال تعليق