نشأة قرطاجنة
وكان تأسيس قرطاجنة في آخر القرن لتاسع قبل الميلاد. انه في سنة 814 قبل
الميلاد مسيح عليه السلام.  فجدت عليسة وجد أصحابها في بناء مدينتهم. وسموها
)قرب حدشت( ومعناها القرية الحديثة ثم تطور هذا الاسم فصار بع ذلك قرطاجنة.
وقد وجدت عليسة وقومها من البربر كل مساعدة في بناء المدينة. أنهم يقومون لهم
بقطع الأخشاب من الغابات، وبمدهم بمواد البناء وبالعمل كإجراء ناشطين مخلصين في
بناء المدينة وتعميرها. وقد استطاعت عليسة وقومها بنشاطهم وبراعتهم، وبمساعدة
البربر ان ينشئوا مدينتهم في سرعة وإتقان، واستطاعوا ان يعمروها، فاشتهر أمرها،
فانتقل الفينيقيون المستقرون في مراكزهم بساحل المغرب الطويل إليها. فصارت هي
عاصمتهم، وهي سوقهم الأكبر، ومرفؤهم الأثير.
وكانت عاصمة الفينيقيين قبل قرطاجنة، واكبر مدينة لهم في المغرب هي عوتيقة.
وكانت في غرب قرطاجنة. وكانت في تلك العهود مرفئا كبيرا في البحر. وكان البحر
متصلا بها قبل ان يردم، ثم تقلص لبحر عنها بما تراكم فيه من الردم بالأودية لتي تنصب
فيه سيما وادي مجردة، ولما نشأت قرطاجنة رحلت طوائف كبيرة من الملاحين والتجار
وذوي المواهب واليسار من عوتيقة إلى قرطاجنة فاستوطنوها، كما انتقل إليها جماعات
كبيرة من الفينيقيين من قراهم المنبثة في الساحل فاستقروا بها، فاتسع بهم نطاقها،
وغزر جمعه،وكانوا من الأسباب في عمرانها السريع، وتقدمها ورقيها.
وكانت قرطاجنة في القرن الأول والثاني من عمرها وفي لنصف الأول من القرن الثالث
في طفولتها،وعلى البساطة في الحياة، وفي درجة متوسطة في الحضارة، إلى ان نكبت
صور عاصمة الفينيقيين في المشرق بالبابليين الذين سيطروا عليها في النصف الأول
من القرن السادس قبل الميلاد، وبالفرس الذين جعلوها تحت نفوذهم، وعقلوها عن الحركة
والنشاط، وقيدوه بقيود العبودية. وكان ذلك في النصف الأخير من القرن السادس قبل
الميلاد. ثم تسلط عليها اسكندر لأكبر في لقرن لرابع قبل الميلاد فهدمها. ان هذه المحن
التي توالت على )صور( في المشرق كانت سبب تقدم لقرطاجنة في المغرب. لقد نتقل
أهل صور، سيما الأغنياء والعلماء وكبار التجار والصناع والفلاحين، وذوو المواهب ولاقتدار
إلى قرطاجنة فسكنوها، وجعلوه وطنهم الدائم، وواصلوا نشاطهم فيها، فانتفعت
قرطاجنة كل الانتفاع بهم، فتغير حالها في القرن السادس قبل الميلاد ولبست شبابها،
وبلغت أقصى ما وصلت إليه في لحضارة والعمران، وفي الغنى والقوة.
وكان القرن السادس بعد نشأة قرطاجنة بقرنين ونصف –كان ذلك القرن هو لعصر
الذهبي لقرطاجنة وهو أيام شبابها وعزها واستقرارها ، وخلوها من المنافسين والأعداء
الأقوياء الذين يزاحمونها، ويعكرون صفوها بالحروب ولازمات.
وقد نتقل إلى قرطاجنة والى أطراف الدولة البونيقية كثير من سراة البربر ورؤسائهم
الذين يؤثرون الحضارة والنعم، ويختارون لسكنهم العواصم المتحضرة، والنواحي
المتمدنة الجميلة،  فشاركوا في حضارة قرطاجنة، وحضارة الدولة البونيقية كلها، وكنوا
من أسباب عمرانها وتقمها وازدهارها؛ كما انتقل إلى قرطاجنة والى الدولة البونيقية
جماعات من اليونانيين،ومن الرومان. ومن الإسبان، ومن سكان مختلف الجزر والشواطئ
في البحر الأبيض المتوسط فاستقروا بها، فانتفعت قرطاجنة والدولة البونيقية بهذه
الأجناس كلها، واستخدمتهم في مختلف أعمالها، وأكسبتهم من ثقافتها، فكانوا
عمالا، وصناعا بارعين فيها.
وكانت نشأة قرطاجنة في آخر القرن التاسع قبل الميلاد هي بداية نشأة الدولة
البونيقية في افريقية. ان الفينيقيين لم يقتصروا على قرطاجنة وحدها بل فاضوا على
شمال افريقية وانبثوا في وسطها فامتزجوا بالبربر كل الامتزاج، واتسعت حدود دولة
قرطاجنة فوصلت في المغرب إلى طبرقة، وفي الشرق سرت الأكبر، وفي الجنوب إلى قابس.
فأصبح شمال القطر التونسي اليوم، ووسطه وجنوبه،وساحل طرابلس إلى سرت الأكبر
تابعا لقرطاجنة، هي عاصمته، والرأس الذي يدبر أموره، ويسوسه في مختلف نواحيه.
وكما تأثير البربر بالفينيقيين واخذوا علمهم وحارتهم، تأثر الفينيقيون المستقرون
في قرطاجنة وافريقية بالبر، وأثرت ليبيا 36 في مزاج الفينيقيين، واخذوا كثيرا من العادات
البربرية، وسرت في لغتهم كثير من الكلمات البربرية، واقتبسوا في كتابتهم بعض
حروف البربر ، كما اخذوا بع طقوس ينهم. هذا إلى تزوج الفينيقيين بالبربريات، فتكون
في افريقية جنس عليه طابع ليبيا. فيه من فينيقيا خصائصها، ومن المغرب ميزاته.
فسمى لذا أولئك الفينيقيون المستقرون في قرطاجنة،والذين استوطنوا افريقية
والمغرب بونيقيين، وسميت دولتهم التي نشأت بنشأة قرطاجنة بالدولة البونيقية. وهذا
الاسم مقتبس من ليبيا وفينيقيا. وكانت افريقية تسمى قبل هذا الاسم المزجى )بليبيا
فينيقيا(.
انه لم يعد اغلب سكان العاصمة والمدن في دولة قرطاجنة بربرا خاصا، ولا فينيقيين
صرحاء، بل هم من الدماء الفينيقية والدماء البربرية التي امتزجت، وهم أبناء فينيقيا
والمغرب يحملون طابعها الذي امتزج بطابع المغرب فصار شيئا فريدا، وصبغة ممتازة تبعد
بعض الابتعاد عن صبغة فينيقيا الأصلية وطابعها.

Post a Comment

Previous Post Next Post