حضارة الدولة البونيقية وعظمتها
كانت الدولة البونيقية قد ورثت الحضارة الفينيقية وزادت عليها، فازدهرت كل الازدهار
في كل النواحي، وكانت على الرقي والجمال في كل الأركان. وكانت افريقية في عهدهم
مثال الحضارة والجمال والرخاء. وكان يحج إليها عشاق الحضارة والجمال، والمترفون الذين يرغبون في الرفاهية والنعيم والبهاء، فيجدون فيها ما لا يجدون في غيرها من الأمم التي
سبقتها إلى الحضرة، وتنسيهم افريقية أوطانهم بحسنا وحضارتها فيتخذونها مقرا
دائما.
وكانت الدولة البونيقية دولة العمل والنشاط والرحلة والاقتباس من غيرها. لا تجمد
على المألوف، ولا تركد في رقعتها فيكون لها نوع واحد من لحضارة، بل تضرب في بلاد الله الواسعة فتختلط بالأمم المتمدنة كالمصريين. والأشوريين، والإغريق، والهنود والصينيين، وغيرهم، فتقتبس من حضارتهم وأساليبهم في العمل أحسن ما عندهم، فتضيفه إلى ما عندها، لذلك أسرعت في طريق الحضارة، ووصلت فيها القمة في أمد قصير.
وكانت حارة الدولة البونيقية ولية حضارات الأمم التي اختلطت بها، ولكنها تحمل
طابعها. لق هضمت تلك الحارات وصاغتها صياغة جديدة على حسب مزاجها، وتقاليدها، وحاجاتها، لذلك نسبت الحضارة إليها، لأنها أثرت فيها، ورتقت بها، وأصبحت شيئا ممتازا يحمل طابعها، ويل عليها.
التجارة
كانت الدولة البونيقية دولة تجارية ممتازة، فأثرت بالتجارة الثراء الواسع، وكانت
أسواقها البونيقية الرابحة سبب الغنى العريض، والرخاء البالغ الذي كانت عليه.
وكان البونيقيون ابرع الأمم في التجارة. وكانت شخصية تجارية ممتازة حببتهم الأمم،
وفتحت الأسواق العالمية الرابحة لهم. وكان يرحب بهم للتجارة حتى منافسوهم
الإغريق والرومان، ويعجبون بهم، ويتتلمذون لهم في أساليب التجارة الرابحة وطريق
امتلاك قلوب الأمم فتفتحت لهم أسواقها.
وكان البونيقيون قد احتكروا تجارة الخوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط في القرن
الخامس والرابع والنصف الأول من القرن الثالث ق.م . وكانت دولتهم قد حجرت على
الإغريق والرومان في المعاهدات التي عقدتها مهما ان ينزلوا بسردينيا، أو شواطئ ليبيا
وافريقية للتجارة، فاحتكرت التجارة في هذه البقاع لنفسها،وأصبحت أسواقها الرائجة
لا يزحمها فيها احد.
وكانت قرطاجنة اكبر سوق في العالم. وكانت أنواع البضائع من مختلف أنحاء الدنيا
مكدسة فيها. وكان التجار من مختلف أقطار العالم يقصدونها للتجارة ويقيمون
فيها.
السكة البونيقية
وكانت تجارة البونيقيين إلى القرن الخامس بالمقايضة، يأخذون بضاعة ببضاعة. ثم
ضربوا سكة لهم في القرن الخامس في صقلية وفي القرن الرابع 46 ضربوا سكتهم في
قرطاجنة فصاروا يتعاملون بها أيضا في الأسواق.
وكانت البضائع البونيقية من مصانعها الكبيرة، وصناعتها الزاهرة، وثمار أرضها
الخصبة مما عمرت به أسواقها، وأشاع الغنى والرخاء فيها.
وكانت الطبقات المثقفة في المدن البونيقية، وسراتها، وأغنياؤها يشتغل معظمهم
بالتجارة، لذلك ترقت التجارة فيها، وحازت دولتهم قصب لسبق في مضمارها. هذا إلى
أسطولهم التجاري الكبير، وبراعتهم في الملاحة، وغرامهم بالمغامرات البحرية، والأسفار إلى البلدان النائية، وموقع افريقية الممتاز. انها وسط بين الشرق والغرب، تستطيع ان تمد أيديها إلى كليهما.
الفلاحة
وكانت ارض المغرب فلاحية. فيها كل أسباب الخصب والنماء، سيما شمال افريقية
حيث نشأت قرطاجنة. ان وادي مجردة الكبير يتفق فيها. فاستغل البونيقيون مياهه في
الفلاحة، سهولة الخصبة للزراعة، كما امتلكوا اغلب أراضي افريقية، انتزعوها من البربر بوسائل مختلفة، فازدهرت الفلاحة فيها كل الأزهار. وكانوا يتقلون من مختلف جهات العالم كل ما يليق بجو المغرب من الأشجار المثمرة، والمزروعات الجيدة، ومن الرياحين وأشجار الزينة. كما اعتنوا بما وجدوه من مزروعات البربر: الشعير والقمح، وأشجارهم:
التين والزيتون فأكثروا منها، ونشروها في كل أنحاء افريقية. فصارت افريقية بنشاطهم
وعملهم، وبراعتهم في الفلاحة مثلا أعلى في الخصب وأزهار الفلاحة للبربر، فحذوا حذو البونيقين في أساليب الفلاحة فاعتنى البربر وعمرت أراضيهم، وعم الجمال كل أنحاء المغرب، بالمزارع الواسعة، والحدائق الغناء التي صارت ترصع أنحاءه بفضل البونيقيين الذين اخذوا بأيدي البربر فنهضوا نهضتهم الكبرى.
ومن الأشجار التي نقلها البونيقيون إلى المغرب فانتشرت في جنوبه كل الانتشار
النخل ! فإنهم حملوا إلى جنوب افريقية أنواعه الممتازة فانتشرت منه إلى كل أنحاء
الجنوب في المغرب، وأدرك البربر بذكائهم مزايا النخلة وبركاتها عليهم فاعتنوا بها،
ونشروها في الجنوب، فصار المغرب من معان التمر الجيد الممتاز الذي لا يوجد في أنحاء العالم الأخرى. ونقل البونيقيون إلى المغرب أشجار الجوز واللوز والرمان وغيرها.فانتشر فيه انتشارا كبيرا. وكانوا ينقلون ثماره إلى الأمم المجاورة،مع زيت الزيتون، والتمر، والتين المجفف، وغيرها من غلل المغرب الممتازة، فيكون إقبالا كبيرا في الأسواق عليها لما تمتاز به
ثمر المغرب من حلاوة ونكهة، وطول بقاء.
ان الفضل في أزهار الفلاحة في المغرب للبونيقيين، وان انتشار غرس الزيتون وأحسن
الطرق لاستخراج الزيت منه يرجع إلى البونيقيين لا إلى الرومان كما يدعى المستعمرون المتعصبون ! ا الرومان لم يرغبوا في المغرب فيحتلوه إلا لخصبه وكثرة خيراته وغناه الواسع، وحضارته الراقية بفضل الدولة البونيقية، والدول البربرية التي عاصرتها في آخر عمرها وورثت حضارتها، وواصلت عمالها بعها في كل الميادين ! ان الرومان تدفعهم بطونهم لامتلاك الأوطان، فلو كان المغرب بلادا فقيرة حالية ما حثتهم نفوسهم بالاستيلاء عليه. بل كانوا يهربون منه ولو ترامى عليهم.
لق برع البونيقيون كل البراعة في الفلاحة وكانوا أساتذة العالم فيها. وقد وضعوا
فيها التليف القيمة: منها كتاب )ماقون( الذي ألفه في الفلاحة في آخر القرن السادس
ق.م. وقد أعجب به الرومان فأمرت حكومتهم بترجمته إلى اللغة اللاتينية، كما انتفع
به البربر، وكان مما ورثوه من علوم البونيقيين.
الصناعة
وقد اعتنى البونيقيون بالتعدين، وبرعوا فيه كل البراعة فاستخرجوا من مناجم
المغرب الغنية الحديد والنحاس والرصاص وغيرها، فصنعوا منها أنواع الأواني والآلات
والأسلحة،وأنواع الحلي من أقراط وأساور، وخواتم، وغير ذلك.
كان البونيقين قد أفادت أسفارهم صناعتهم فتعرفوا إلى معادن المواد الخام الجيدة
الرخيصة في مواطنها، فحملوها إلى افريقية، فصنعوا منها كل ما تستلزمه حضارتهم
الراقية، وما تحتاجه الشعوب التي يتاجرون معها؛ كما استوردوا العبيد فاستعملوهم
في الصناعة فظفروا بالأيدي العاملة الرخيصة، فحصلوا على الربح الكثير بتكاليف
قليلة. فائروا بالصناعة أيضا، فكانت من أسباب غناهم البالغ. وقد استطاع البونيقيون
بأسفارهم إلى أوروبا واسيا،وافريقية «ان يستوردوا العاج والجلود من ليبيا، والعبيد من
السودان، خشب الأرز من صور. والبخور واللبان من بلاد العرب، والنحاس من قبرص،
والحدي من ألبا والصفيح من )كورنوول( بانجلترا، والنبيذ من بلاد الإغريق، والفضة من اسبانيا، والذهب والأحجار الكريمة من جزائر ملابار، والشمع والعسل من كورسيكة،والراتيج من شمال ايطاليا، والكهرمان من البلطيق، والكبريت من صقلية 47 » هذا غيرما يستخرجونه من مناجم المغرب الغنية من مختلف المعادن النفيسة وما ينتجه لهم المغرب من مواد الخام التي لا تحصى.
الحياكة والصباغة
وقد اعتنى البونيقيون بالحياكة فبرعوا فيها كل البراعة. لق زرعوا الكتان والقطن
في المغرب، وربوا فيه دود القز، فاستخرجوا منه الحرير، كما انتفعوا بصوف المغرب
الجيد، فصنعوا ثياب الحرير، والصوف، والقطن، والكتان. كما صنعوا الزرابي المزركشة الجميلة، والوسائد المطرزة البديعة: وقد نوه الشاعر اللاتيني )حرميت( من شعراء القرن الخامس ق.م. بزرابي قرطاجنة الجميلة ووسائدها المطرزة الرائعة كما أعجب الأمم بسائر منسوجاتها فانتشرت في الأسواق، كما برعوا في الصباغة، وصنعوا الثياب الأرجوانية الفاخرة التي لا يلبسها إلا الملوك والأمراء.
الدباغة
واعتنى البونيقيون بالدباغة. فصنعوا الأحذية الجميلة،والسروج المذهبة، واغمده
السيوف المزركشة، وأنواعا أخرى من المرافق وضروب الزينة.
الصياغة
وبرع البونيقيون في الصياغة. فصنعوا من الذهب والفضة أنواعا من الحلي الجميلة
المرصعة بالجواهر الكريمة. وكانت النساء في افريقية وفي المغرب يتزين بأنواع الحلي.
فوجدن في حلي قرطاجنة، ما يضاعف جمالهن الفتان، وحسنهن البارع.
صناعة الزجاج
وأتقن البونيقيون صناعة الزجاج، وأخذوها عن المصريين فزادوا فيها، فترقت على
أيديهم. وكانوا يصنعوا من الزجاج الأواني المزخرفة وغيرا، والنوافذ الملونة، وضروب الزينة
للأبنية والإنسان.
الفنون الجميلة
وكان للبونيقيين غرام بالفنون الجميلة. فبرعوا في النقش على الصخور، والخشب،
والنحاس، وفي صنع الدمى الجميلة من العاج والعظام، وفي صنع التماثيل، وفي
التصوير،كما برعوا أيضا في شؤون الزينة. فقطروا العطور الأريجة، وكانت عطور المغرب
ممتازة لذكاء رائحتها، وتعدد أنواعها. وأنها إلى الآن أحسن ما يقتنى المرء من العطر
الفواح المنعش.
الفن المعماري
وقد برع البونيقيون في البناء والتخطيط، فانشأوا القصور البديعة، وحفوها بالحدائق
الغناء المرصعة بأنواع الأشجار، والزهور والريحان. كما انشأوا الديار العالية ذات ست
طبقات. وكانت ديارهم بالسطوح كما نرى الديار العربية اليوم بالمغرب. وانشأوا المدن
العامرة لتي كنت مثالا في النظافة والنظام والجمال، والأمن. فيها الميادين الواسعة،
للاجتماعات الشعبية، والحمامات الساخنة الواسعة الفخمة تراها عامة في أنحاء
المدن للشعب، وخاصة في قصور الأغنياء المترفين. ان المغرب سيما افريقية. لازال إلى
اليوم أكثر بلاد الإسلام اعتناء بالنظافة، وغشيان الحمامات الساخنة الفخمة الساترة
الأمينة الموجودة في كل أنحاء البلاد.
ان البونيقيين امة النشاط والعمل والأسفار. من كان حب العمل، والطموح، ومخالطة
المم المتمدنة طبيعته، يبلغ أعلى الرجات في العلم، والمدنية، والرقي. ويقتبس حسنات
الأمم ويسعد بها !
كانت الدولة البونيقية قد ورثت الحضارة الفينيقية وزادت عليها، فازدهرت كل الازدهار
في كل النواحي، وكانت على الرقي والجمال في كل الأركان. وكانت افريقية في عهدهم
مثال الحضارة والجمال والرخاء. وكان يحج إليها عشاق الحضارة والجمال، والمترفون الذين يرغبون في الرفاهية والنعيم والبهاء، فيجدون فيها ما لا يجدون في غيرها من الأمم التي
سبقتها إلى الحضرة، وتنسيهم افريقية أوطانهم بحسنا وحضارتها فيتخذونها مقرا
دائما.
وكانت الدولة البونيقية دولة العمل والنشاط والرحلة والاقتباس من غيرها. لا تجمد
على المألوف، ولا تركد في رقعتها فيكون لها نوع واحد من لحضارة، بل تضرب في بلاد الله الواسعة فتختلط بالأمم المتمدنة كالمصريين. والأشوريين، والإغريق، والهنود والصينيين، وغيرهم، فتقتبس من حضارتهم وأساليبهم في العمل أحسن ما عندهم، فتضيفه إلى ما عندها، لذلك أسرعت في طريق الحضارة، ووصلت فيها القمة في أمد قصير.
وكانت حارة الدولة البونيقية ولية حضارات الأمم التي اختلطت بها، ولكنها تحمل
طابعها. لق هضمت تلك الحارات وصاغتها صياغة جديدة على حسب مزاجها، وتقاليدها، وحاجاتها، لذلك نسبت الحضارة إليها، لأنها أثرت فيها، ورتقت بها، وأصبحت شيئا ممتازا يحمل طابعها، ويل عليها.
التجارة
كانت الدولة البونيقية دولة تجارية ممتازة، فأثرت بالتجارة الثراء الواسع، وكانت
أسواقها البونيقية الرابحة سبب الغنى العريض، والرخاء البالغ الذي كانت عليه.
وكان البونيقيون ابرع الأمم في التجارة. وكانت شخصية تجارية ممتازة حببتهم الأمم،
وفتحت الأسواق العالمية الرابحة لهم. وكان يرحب بهم للتجارة حتى منافسوهم
الإغريق والرومان، ويعجبون بهم، ويتتلمذون لهم في أساليب التجارة الرابحة وطريق
امتلاك قلوب الأمم فتفتحت لهم أسواقها.
وكان البونيقيون قد احتكروا تجارة الخوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط في القرن
الخامس والرابع والنصف الأول من القرن الثالث ق.م . وكانت دولتهم قد حجرت على
الإغريق والرومان في المعاهدات التي عقدتها مهما ان ينزلوا بسردينيا، أو شواطئ ليبيا
وافريقية للتجارة، فاحتكرت التجارة في هذه البقاع لنفسها،وأصبحت أسواقها الرائجة
لا يزحمها فيها احد.
وكانت قرطاجنة اكبر سوق في العالم. وكانت أنواع البضائع من مختلف أنحاء الدنيا
مكدسة فيها. وكان التجار من مختلف أقطار العالم يقصدونها للتجارة ويقيمون
فيها.
السكة البونيقية
وكانت تجارة البونيقيين إلى القرن الخامس بالمقايضة، يأخذون بضاعة ببضاعة. ثم
ضربوا سكة لهم في القرن الخامس في صقلية وفي القرن الرابع 46 ضربوا سكتهم في
قرطاجنة فصاروا يتعاملون بها أيضا في الأسواق.
وكانت البضائع البونيقية من مصانعها الكبيرة، وصناعتها الزاهرة، وثمار أرضها
الخصبة مما عمرت به أسواقها، وأشاع الغنى والرخاء فيها.
وكانت الطبقات المثقفة في المدن البونيقية، وسراتها، وأغنياؤها يشتغل معظمهم
بالتجارة، لذلك ترقت التجارة فيها، وحازت دولتهم قصب لسبق في مضمارها. هذا إلى
أسطولهم التجاري الكبير، وبراعتهم في الملاحة، وغرامهم بالمغامرات البحرية، والأسفار إلى البلدان النائية، وموقع افريقية الممتاز. انها وسط بين الشرق والغرب، تستطيع ان تمد أيديها إلى كليهما.
الفلاحة
وكانت ارض المغرب فلاحية. فيها كل أسباب الخصب والنماء، سيما شمال افريقية
حيث نشأت قرطاجنة. ان وادي مجردة الكبير يتفق فيها. فاستغل البونيقيون مياهه في
الفلاحة، سهولة الخصبة للزراعة، كما امتلكوا اغلب أراضي افريقية، انتزعوها من البربر بوسائل مختلفة، فازدهرت الفلاحة فيها كل الأزهار. وكانوا يتقلون من مختلف جهات العالم كل ما يليق بجو المغرب من الأشجار المثمرة، والمزروعات الجيدة، ومن الرياحين وأشجار الزينة. كما اعتنوا بما وجدوه من مزروعات البربر: الشعير والقمح، وأشجارهم:
التين والزيتون فأكثروا منها، ونشروها في كل أنحاء افريقية. فصارت افريقية بنشاطهم
وعملهم، وبراعتهم في الفلاحة مثلا أعلى في الخصب وأزهار الفلاحة للبربر، فحذوا حذو البونيقين في أساليب الفلاحة فاعتنى البربر وعمرت أراضيهم، وعم الجمال كل أنحاء المغرب، بالمزارع الواسعة، والحدائق الغناء التي صارت ترصع أنحاءه بفضل البونيقيين الذين اخذوا بأيدي البربر فنهضوا نهضتهم الكبرى.
ومن الأشجار التي نقلها البونيقيون إلى المغرب فانتشرت في جنوبه كل الانتشار
النخل ! فإنهم حملوا إلى جنوب افريقية أنواعه الممتازة فانتشرت منه إلى كل أنحاء
الجنوب في المغرب، وأدرك البربر بذكائهم مزايا النخلة وبركاتها عليهم فاعتنوا بها،
ونشروها في الجنوب، فصار المغرب من معان التمر الجيد الممتاز الذي لا يوجد في أنحاء العالم الأخرى. ونقل البونيقيون إلى المغرب أشجار الجوز واللوز والرمان وغيرها.فانتشر فيه انتشارا كبيرا. وكانوا ينقلون ثماره إلى الأمم المجاورة،مع زيت الزيتون، والتمر، والتين المجفف، وغيرها من غلل المغرب الممتازة، فيكون إقبالا كبيرا في الأسواق عليها لما تمتاز به
ثمر المغرب من حلاوة ونكهة، وطول بقاء.
ان الفضل في أزهار الفلاحة في المغرب للبونيقيين، وان انتشار غرس الزيتون وأحسن
الطرق لاستخراج الزيت منه يرجع إلى البونيقيين لا إلى الرومان كما يدعى المستعمرون المتعصبون ! ا الرومان لم يرغبوا في المغرب فيحتلوه إلا لخصبه وكثرة خيراته وغناه الواسع، وحضارته الراقية بفضل الدولة البونيقية، والدول البربرية التي عاصرتها في آخر عمرها وورثت حضارتها، وواصلت عمالها بعها في كل الميادين ! ان الرومان تدفعهم بطونهم لامتلاك الأوطان، فلو كان المغرب بلادا فقيرة حالية ما حثتهم نفوسهم بالاستيلاء عليه. بل كانوا يهربون منه ولو ترامى عليهم.
لق برع البونيقيون كل البراعة في الفلاحة وكانوا أساتذة العالم فيها. وقد وضعوا
فيها التليف القيمة: منها كتاب )ماقون( الذي ألفه في الفلاحة في آخر القرن السادس
ق.م. وقد أعجب به الرومان فأمرت حكومتهم بترجمته إلى اللغة اللاتينية، كما انتفع
به البربر، وكان مما ورثوه من علوم البونيقيين.
الصناعة
وقد اعتنى البونيقيون بالتعدين، وبرعوا فيه كل البراعة فاستخرجوا من مناجم
المغرب الغنية الحديد والنحاس والرصاص وغيرها، فصنعوا منها أنواع الأواني والآلات
والأسلحة،وأنواع الحلي من أقراط وأساور، وخواتم، وغير ذلك.
كان البونيقين قد أفادت أسفارهم صناعتهم فتعرفوا إلى معادن المواد الخام الجيدة
الرخيصة في مواطنها، فحملوها إلى افريقية، فصنعوا منها كل ما تستلزمه حضارتهم
الراقية، وما تحتاجه الشعوب التي يتاجرون معها؛ كما استوردوا العبيد فاستعملوهم
في الصناعة فظفروا بالأيدي العاملة الرخيصة، فحصلوا على الربح الكثير بتكاليف
قليلة. فائروا بالصناعة أيضا، فكانت من أسباب غناهم البالغ. وقد استطاع البونيقيون
بأسفارهم إلى أوروبا واسيا،وافريقية «ان يستوردوا العاج والجلود من ليبيا، والعبيد من
السودان، خشب الأرز من صور. والبخور واللبان من بلاد العرب، والنحاس من قبرص،
والحدي من ألبا والصفيح من )كورنوول( بانجلترا، والنبيذ من بلاد الإغريق، والفضة من اسبانيا، والذهب والأحجار الكريمة من جزائر ملابار، والشمع والعسل من كورسيكة،والراتيج من شمال ايطاليا، والكهرمان من البلطيق، والكبريت من صقلية 47 » هذا غيرما يستخرجونه من مناجم المغرب الغنية من مختلف المعادن النفيسة وما ينتجه لهم المغرب من مواد الخام التي لا تحصى.
الحياكة والصباغة
وقد اعتنى البونيقيون بالحياكة فبرعوا فيها كل البراعة. لق زرعوا الكتان والقطن
في المغرب، وربوا فيه دود القز، فاستخرجوا منه الحرير، كما انتفعوا بصوف المغرب
الجيد، فصنعوا ثياب الحرير، والصوف، والقطن، والكتان. كما صنعوا الزرابي المزركشة الجميلة، والوسائد المطرزة البديعة: وقد نوه الشاعر اللاتيني )حرميت( من شعراء القرن الخامس ق.م. بزرابي قرطاجنة الجميلة ووسائدها المطرزة الرائعة كما أعجب الأمم بسائر منسوجاتها فانتشرت في الأسواق، كما برعوا في الصباغة، وصنعوا الثياب الأرجوانية الفاخرة التي لا يلبسها إلا الملوك والأمراء.
الدباغة
واعتنى البونيقيون بالدباغة. فصنعوا الأحذية الجميلة،والسروج المذهبة، واغمده
السيوف المزركشة، وأنواعا أخرى من المرافق وضروب الزينة.
الصياغة
وبرع البونيقيون في الصياغة. فصنعوا من الذهب والفضة أنواعا من الحلي الجميلة
المرصعة بالجواهر الكريمة. وكانت النساء في افريقية وفي المغرب يتزين بأنواع الحلي.
فوجدن في حلي قرطاجنة، ما يضاعف جمالهن الفتان، وحسنهن البارع.
صناعة الزجاج
وأتقن البونيقيون صناعة الزجاج، وأخذوها عن المصريين فزادوا فيها، فترقت على
أيديهم. وكانوا يصنعوا من الزجاج الأواني المزخرفة وغيرا، والنوافذ الملونة، وضروب الزينة
للأبنية والإنسان.
الفنون الجميلة
وكان للبونيقيين غرام بالفنون الجميلة. فبرعوا في النقش على الصخور، والخشب،
والنحاس، وفي صنع الدمى الجميلة من العاج والعظام، وفي صنع التماثيل، وفي
التصوير،كما برعوا أيضا في شؤون الزينة. فقطروا العطور الأريجة، وكانت عطور المغرب
ممتازة لذكاء رائحتها، وتعدد أنواعها. وأنها إلى الآن أحسن ما يقتنى المرء من العطر
الفواح المنعش.
الفن المعماري
وقد برع البونيقيون في البناء والتخطيط، فانشأوا القصور البديعة، وحفوها بالحدائق
الغناء المرصعة بأنواع الأشجار، والزهور والريحان. كما انشأوا الديار العالية ذات ست
طبقات. وكانت ديارهم بالسطوح كما نرى الديار العربية اليوم بالمغرب. وانشأوا المدن
العامرة لتي كنت مثالا في النظافة والنظام والجمال، والأمن. فيها الميادين الواسعة،
للاجتماعات الشعبية، والحمامات الساخنة الواسعة الفخمة تراها عامة في أنحاء
المدن للشعب، وخاصة في قصور الأغنياء المترفين. ان المغرب سيما افريقية. لازال إلى
اليوم أكثر بلاد الإسلام اعتناء بالنظافة، وغشيان الحمامات الساخنة الفخمة الساترة
الأمينة الموجودة في كل أنحاء البلاد.
ان البونيقيين امة النشاط والعمل والأسفار. من كان حب العمل، والطموح، ومخالطة
المم المتمدنة طبيعته، يبلغ أعلى الرجات في العلم، والمدنية، والرقي. ويقتبس حسنات
الأمم ويسعد بها !
إرسال تعليق