اللغة البونيقية وأدبها
وكانت اللغة البونيقية هي الفينيقية قد داخلتها كثير م الكلمات البربرية
ولهجاتها، فصارت تسمى البونيقية لأنها مزيج من اللغتين. كم تأثر الخط البونيقي
بالخط البربري فاقتبس بعض حروفه.  والبربر شعب قوي الشخصية لا تتصل بهم امة إلا
ويؤثرون فيها، ولو كانت أكثر منهم حضارة، وأرقى في المعرفة ! كما ان البونيقيين شعب
مغرم بالكمال، يأخذونه من كل جنس، ويلتقطونه من كل مكان. وقد اعتنى البونيقيون
بلغتهم فترقت وغزرت مادتها، وصقلتها أذواقهم، فصارت منسجمة ببيئتهم المترف،
ومجتمعهم المتحضر. وكانت لغتهم هي العربية محرفة في لهجته وفي كثير من جمله
بما داخلها من البربري والمصري القديمة، والإغريقية، والأمم التي اختلط بها البونيقيون
واختلطت بهم.وكان البونيقيون يضيفون إلى لغتهم كل ما راقهم من الألفاظ، وبعد
ان يعربوه، ويخضعوه لقواعد لغتهم ولهجتها. وقد رتقت لغتهم فاتسعت لحضارتهم
الراقية، ومصالح دولتهم الكبرى.فكانت هي اللغة الرسمية للدولة، يكتبون بها في
الدواوين، ويحطبون بها في الأماكن العام، ويؤلفون بها الكتب لعلمي. وهي لغة الأب،
والأغاني، وبها يقع التخاطب في الأسواق، والسمر في المجامع ويلي البونيقية في الأهمية
وكثرة الاستعمال اللغة البربرية، فإنها لغة السواد الأعظم من أهل لمغرب.
إقبال البربر على اللغة البونيقية ومحافظتهم عليها
وكانت اللغة البونيقية لما داخلها من البربرية ولهجة البربر، ولعذوبتها ورشاقتها،
وخفتها على اللسان، قد راقت البربر وأعجبوا بها؛ ورأوها مفتاح العلم المتعطشين
إليه، وسبب الاتصال بالبونقيين الذين يعجبون بحضارتهم، فاقبلوا عليها، فتعلموها،
فانتشرت انتشارا واسعا في كل أنحاء المغرب، وأتقنها الرجال والنساء من البربر، ونشأت
ناشئتهم وهي تتكلم لغتين وتحسنها،البربرية والبونيقية. وقد ظلت اللغة البونيقية
منتشرة في البربر يتكلمون ويكتبون بها إلى ان جاءت العربية فحلت محلها، وذلك في
لقرن السابع المسيحي بعد ثمانية قرون ونصف م انقراض الدولة البونيقية وزوالها من
الوجود.
وقد برع البونيقيون في كل العلوم التي تستلزمها التجارة والصناعة، والملاحة،
فوضعوا فيها التالف القيمة بلغتهم. وقد ضاع أكثرها في حريق قرطاجنة.ولو بقيت
لظفرت الإنسانية بكنوز نفيسة، وثروة علمية تزيدها أشواطا إلى الأمام. أما الأب فأرى
انه كان ضعيف في اللغة البونيقية لان هذه الأم كان غرامها بالتجارة والصناعة، ومثلها
الأعلى الذي يوجهها ويكيف أمورها ماي، وهو جمع أكثر ما يمكن من المال، فاعتنوا أكثر
بكل ما يحقق مثلهم الأعلى في المال. والعلوم، سيما التجارة، والملاحة، والصناعة هي
لوسيلة الكبرى لتحقيق أموالهم الكبرى في ميدان المال والاقتصاد. أنهم أم يتغلب
فيها الإدراك على الوجدان. لهذا أرى ان الأب كان ضعيفا عندهم، وعنايتهم بالعلم كانت
أكثر،  وكعبهم في مجاله كان أعلى. وعلى انه لابد ان يكون لهم أب جميل للدعاية
السياسية، والتجاري، وللاغاني الشعبي، ولتحلية الأسمار العذبة في قصورهم البديعة.
والتربي والتهذيب. ولا يمكن لأمة ان تبلغ الذروة في الماديات مهما كان ضعف وجدانها، ولا
يكون لها أب يعبر عن ذلك الوجدان.
لقد ورث الرومان علم البونيقيين، وترجموا كتاب )ماقون( في الفلاحة، لان العلم
بضاعة عالمية لكل الأمم، واعرضوا عن الأدب البونيقي، وقتلوه بكل وسيلة في المغرب
لأنه لعظمة هذه الأمة التي أزالوها من الوجود. وفي العهد الروماني بالمغرب دخل البربر
في عهود الجهل والظلمات، فضاع منهم كثير من تراث البونيقيين،ومنه ما حفظوه من
أدبهم. ولما جاءت العربية وحلت محل البونيقيين في المغرب اندرست البقايا القليلة
من أب البونيقيين كالأمثلة السائرة، والكنايات، والحكم، وزالت بزوال اللغة البونيقية
وانقراضها. واقبل البربر على العربية فأتقنوها، وقدسوها، وصارواهم حماتها وأسوارها
الحصينة في المغرب الكبير !!
هذه جملة قصيرة في حضارة هذه الدولة العظمى تصور لك شخصيتها، أثارها
العظيمة في المغرب، ولو أطلقنا العنان للقلم فحللنا عناصر شخصية هذه الأمة
العظمى، وتتبعنا أدوارها كلها لملأت هذا المجلد واربت عليه.
هذه هي الدولة البونيقي ! كانت عظيمة، قوية بمالها، علمها، وكثرة مستعمراتها !
فلماذا استطاع الرومان ان يقضوا عليها ؟! كان ذلك لأمراضها النفسية، وللهرم الذي
تمكن فيها، ولاستيفائها لحياتها، ولفتوة الرومان وقوتهم، ولمناطحة الإغريق لها وهي في
الكهولة فعجلوا بشيخوختها.
ما هي الأمراض النفسية التي قيدت الدولة البونيقي للرومان فأجهزوا عليها، وفي
أي حروب حرقوا قرطاجنة ودمروها. ورفعوا الصخرة الكبير وكروا بها رأس دولتنا فزالت
من الوجود؟! أين البربر الأوفياء. أين الأمازيغ الأبطال!؟ لم يحفظوا دولتهم من الذئاب
العاتية! لقد أضاعتهم قرطاجنة، وخسرت ودهم، وجعلتهم أعداءها! وذلك لسوء
حظها ! ! بماذا خسرت ودهم ومتى؟

Post a Comment

Previous Post Next Post