أفضليات وسلبيات طرق التكاثر، البقاء والانتخاب الطبيعي
في التكاثر اللاتزاوجي، تتشابه أفراد النسل فيما بينها وتشبه الأبوين. لذلك توجد لطريقة التكاثر هذه أفضلية في بيئات حياتية شروطها ثابتة ولا تتغيّر (في البحر مثلاً). إذا نجح الأب في العيش في البيئة، وأنجب أفراد نسل أيضًا، فهذه دلالة على أنّ صفاته ملاءمة جيّدًا للشروط الحياتية في هذه البيئة. لذلك من المرجّح أن تنجح أفراد نسله أيضًا، التي تشبهه، في العيش في نفس البيئة الحياتية وفي إنجاب أفراد نسل.
في التكاثر التزاوجي، تختلف أفراد النسل فيما بينها وعن الأبوين. لذلك توجد لطريقة التكاثر هذه أفضلية عندما تتغيّر الشروط البيئية. إذا تغيّرت الشروط البيئية، هناك احتمال بأن تكون لبعض أفراد النسل على الأقلّ صفات تلائمها للعيش في الشروط الجديدة، ولذلك تبقى وتعيش في البيئة وتضمن وجود النوع. لذلك، عندما يعنى المزارعون في تحسين الأنواع- الحصول على مخلوقات "محسَّنة" بمدى أكبر (تتحلّى بصفات مرغوب فيها من ناحية المزارع)- يستعملون عشائر تتكاثر بالتكاثر التزاوجي، لأنّها تحوي تفاوتًا كبيرًا بين أفراد النسل. بهذه الطريقة يستطيع المزارعون اختيار أفراد النسل ذات الصفات المرغوب فيها، من بين جميع أفراد النسل، ومن ثمّ مكاثرة الأفراد المختارة فقط.
مع مرور الزمن تغيّرت الظروف على سطح الكرة الأرضية. فترات الجليد تبدّلت وجاءت مكانها فترات ذوبان للجليد، الفترات الحارّة والجافّة تبدّلت وجاءت مكانها فترات باردة وماطرة، مناطق الغابات تحوّلت إلى صحارٍ وما شابه. هذه التغيّرات حدثت ببطء خلال مئات آلاف السنين، وفي نفس الوقت طرأت تغيّرات على صفات المخلوقات الحيّة. لكنّ المخلوقات الحيّة لا تستطيع تغيير صفاتها الوراثية بمبادرتها، كإنبات فروة سميكة أو تغيير مبنى الأوراق. إذًا، كيف تغيّرت؟
في كلّ عشيرة من المخلوقات الحيّة التي تتكاثر بالتكاثر التزاوجي، هناك تفاوت بين الأفراد: رغم أنّ جميع الأفراد في العشيرة متشابهة، إلاّ أنّ هناك فروقًا بينها. هذه الفروق هي المسؤولة عن التغيّرات التي تحدث في الأنواع خلال الأجيال: عندما تتغيّر الشروط البيئية، يموت معظم الأفراد في العشيرة، لأنّها لم تعد ملاءمة للبيئة الجديدة. لكن في حالات كثيرة تنجح بعض الأفراد في البقاء والعيش في البيئة الجديدة أيضًا، بفضل صفات خاصّة تنفرد بها. صحيح أنّ هذه الأفراد هي أقلّية ضئيلة، لكنّها تنجح في البقاء والتكاثر وأن تنقل إلى أفراد نسلها صفاتها الخاصّة، التي تمكّنها من البقاء. الفرد الذي لا تلائم صفاته الشروط الجديدة، ينقرض ولا يُنجب أفراد نسل. وبهذه الطريقة تتغيّر العشيرة، وصفات الأفراد الباقية، التي كانت أقلّية في العشيرة، تتحوّل إلى أغلبية ويزداد عددها في العشيرة. هذه هي عملية الانتخاب الطبيعي: "انتقاء" الصفات الخاصّة الملاءمة للبيئة وتحوّلها إلى أكثر انتشارًا، مكان الصفات الأخرى التي لم تعد ملاءمة للبيئة.
إذًا، تتغيّر العشائر خلال الزمن، ويمكن خلال آلاف الأجيال أيضًا أن تنتج أنواع جديدة. هذه العملية التي تتغيّر فيها العشائر والتي تتطوّر فيها أنواع جديدة، تسمّى التطوّر (النشوء والارتقاء).
على سبيل المثال، انتشرت في إنجلترا في الماضي فراشات عثّ ذات أجنحة فاتحة اللون. عندما بدأت الثورة الصناعية وازداد استعمال أفران الفحم كمصدر للطاقة وللحرارة، تفاقم تلوّث الهواء. كمّيات كبيرة من السناج غطّت الأجواء وأدّت إلى تحوّل حيطان البيوت إلى غامقة اللون. على أثر ذلك، صارت فراشات العثّ الفاتحة اللون بادية للعين على خلفية الحيطان الغامقة اللون، ممّا أدّى إلى اكتشافها من قِبل العصافير بسهولة ومن ثمّ إلى افتراسها. فراشات العثّ الغامقة اللون لم تُفترَس بسهولة، وعدد كبير منها نجح في البقاء وأنجب أفراد نسل أيضًا. النتيجة: بعد زمن معيّن، تغيّرت عشيرة فراشات العثّ وتحوّل لونها إلى غامق.
إرسال تعليق