مشكلة العمالة الناعمة في البيت السعودي
لكل مجتمع مشكلاته التي تنبع من مجموعة ظروفه المتعايش معها ، بعض هذه المشكلات يظل هادئاً كامناً في أعماق المجتمع ذاته ، بينما البعض الآخر يخرج عن دائرة كمونه و يتفجر بقوة ليصل إلى سمع المجتمع و يشده إليه .
  و العمالة  عموماً ثم العمالة  الناعمة  خاصة  من  المشكلات  أو الظواهر المشكلة  التي  تفجرت بوعي على السطح الاجتماعي السعودي في الآونة الأخيرة و لقيت من المناقشات و الدراسات ما جعلها تحتل موقع القلب من المشكلات جميعها .
 ونقصد بمصطلح العمالة الناعمة الأيدي المستأجرة المستقدمة من خارج البلاد و التي تعمل في أمور الخدمة في المـنازل – عـلى مختلف أشكالها - و كذلك قيادة السيارات كـالـخـادمـة و المربية و السائق .
و ظاهرة استعانة الأسرة السعودية بالمربيات و الخادمات ليست من الظواهر الاجتماعية المستجدة في المجتمع السعودي فقد كانت هذه الظاهرة موجودة لكنها كانت محدودة و تقتصر على الأسر التي تنتمي للمستويات الاجتماعية والاقتصادية  العليا . وكان الخدم و الخادمات من نفس المجتمع أو ممن قدموا إليه و يقيمون به إقامة دائمة .
إلا أن الظاهرة برزت في وقتنا الحاضر و لم يعد استخدام العمالة الناعمة قاصراً على فئة معينة في المجتمع ،  فقد ازدادت نسبة الاستعانة بهؤلاء الخادمات و الخدم فلا نكاد نجد بيتاً يخلو من خادمة واحدة على الأقل ، فقد أدى ارتفاع مستوى الدخل لدى الفرد السعودي إلى خلق احتياجات جديدة جعلتها ظروف المعيشة التي يعيشها بعض الأفراد أموراً ضرورية ، فلم يعد رب الأسرة الذي يكون مشغولاً لساعات متأخرة من الليل قادراً على تلبية احتياجات أسرته بالتالي كان لا بد من البديل وغالبا ما يكون السائق هو ذلك البديل . ولم يقتصر الأمر على الزوج بل تجاوزه إلى الزوجة التي ما تفتأ عن المطالبة بإيجاد الخادمة أو المربية التي تقوم بشؤون البيت   و الأولاد .
وقد بدأت هذه الظاهرة تأخذ شكلها الواضح والملموس في السنوات الأخيرة لدى كافة  أطراف المجتمع  حيث بدأت  تتناولها الصحف و المجلات السعودية على أنها ظاهرة خطيرة تستحق الدراسة و التمحيص ،  كما اتفق الجميع على أنها  أحد الظواهر السيئة التي ولدتها الطفرة المادية في المجتمع السعودي خاصة و في المجتمع الخليجي بصفة عامة .
و تشير الدراسات إلى أن المملكة العربية السعودية تعتبر الأولى بين دول الخليج في استقدام هذا النوع من العمالة وأن نسبة ما يصل إليها من الخادمات مقارنة بدول الخليج الأخرى يصل إلى 90%  ، وعليه تبرز حجم المشكلة و ذلك أن البيت السعودي الواحد قد يستقدم أكثر من خادمة بل أكثر من جنسية ما بين سيلان و الفلبين و تايلند ...الخ وما يرتبط بهذا من مساوئ مختلفة .
و يضع كثير من الباحثين علاقة بين خروج المرأة للعمل خارج المنزل في المجتمع السعودي واستقدام العمالة الناعمة ، و إن كان هذا افتراض يحتاج مزيداً من التحقق لأن مساهمة المرأة السعودية في سوق العمل ما زال ضئيلاً لا يتعدى (2,2 %) بينما نسبة الأسر التي يوجد لديهن خادمات في مدينة الرياض مثلاً (23 %) من الأسر وذلك حسب تقرير المسح السكاني والاقتصادي الذي أجرته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض .
كما تبين الدراسات أن (11.8%) من الأسر السعودية تستعين بأكثر من خادمة و مربية في المنزل ، بالرغم من أن الدراسات الاجتماعية الإمبريقية أثبتت أن الغالبية من الأسر السعودية مستقدمي العمالة الناعمة لديها من الإمكانات خاصة البنات و البنين ما يجعلها تستغني كلية عن المستخدمين ، وأن هناك نسبة (21.8%) من الأسر تستخدم العمالة الناعمة كنوع من التقليد و حب التظاهر ، وأن نسبة (20%) من الأسر السعودية تستخدم هذا النوع من العمالة كنوع من الترف و الغنى .
- أسباب انتشار ظاهرة العمالة الناعمة:
أظهرت البحوث الإمبريقية التي قامت بدراسة هذه الظاهرة أن هناك مجموعة من الأسباب و العوامل التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة لعل أهمها العوامل التالية :
1- أسباب اجتماعية تاريخية مرتبطة بترفع المواطن السعودي عن العمل اليدوي و بتأثير العدوى تركت المرأة السعودية أعمال البيت كالكنس والطبخ...الخ .
 2- عمل المرأة وتعليمها .
 3- كبر حجم المنزل ومرافقه .
 4- المكانة الاجتماعية : حيث أصبح حرص الأسرة الخليجية على اقتناء الكماليات مقياساً لمستوى الأسرة ومكانتها لذلك كانت الخادمة استكمالاً لصورة الكماليات فعدم وجودها يعتبر مجالاً للاتهام بالبخل مما يجعلها تحرص على اقتنائها حفاظاً على مكانتها.
 5- كثرة زيارات ربة المنزل كأحد المظاهر الاجتماعية الضرورية التي تحرص عليها الأسرة الخليجية .
 6- انخفاض أجور الخدم و ارتفاع دخل الأسرة .
 7- غفلة الأسرة عن سلبيات الخادمة التربوية .
 8- عدم القدرة على التنظيم لانشغال الأسرة بكثير من الأعباء التي تفوق طاقتها .
 9- سهولة استقدام الخدم لسهولة الضوابط الروتينية التي وضعتها الدول الخليجية .
10- عدم وجود البدائل بسبب انشغال المرأة وعدم تفرغها للعناية ببيتها وأولادها أو بسبب مرضها أو تقدمها في السن .
11- كبر حجم الأسرة أو زيادة عدد الأطفال و المسنين داخلها بحيث لا تستطيع الأم وحدها القيام برعايتهم .
- الآثار السلبية لوجود العمالة الناعمة في المنازل السعودية :
إذا كان للعمالة آثارها الإيجابية فإن المشكلات الناجمة عنها والآثار الاجتماعية المترتبة على وجودها في المنازل السعودية لا يمكن حصرها بشكل عام- خاصة العمالة غير المسلمة والتي تعيش مع الأسرة في مسكن واحد وتخالطها طوال الأربعة والعشرين ساعة - وذلك لخصوصية تلك المشاكل واختلافها من منزل إلى آخر ، إلا أن هناك مشكلات عامة بدأت تظهر على المستوى العام والتي سنعرض لبعضها بشكل موجز فيما يلي :
اللغة :
حيث تعمد بعض الأمهات بإسناد مهمة تربية الأولاد والإشراف عليهم إلى الخادمات اللاتي يحاولن التحدث مع الأطفال وهم في سن اكتساب اللغة . كما قد يتحدث الأطفال لغة الخادمة قبل أن يتحدثوا لغتهم العربية مما يساهم في غرس قيم غريبة في ثقافة الطفل العربي المسلم .
الدين :
  معظم الخدم قادمون من بلاد يمثل المسلمون فيها نسبة قليلة ، ولهذا فإن أغلبهم غير مسلمون. فاستخدامهم داخل المنازل قد يؤدي إلى الاحتكاك بهم والاختلاط معهم وذلك يورث مودتهم والأنس بهم ، وهذا يناقض العقيدة الإسلامية الصحيحة ، حيث أن الخادمة غير المسلمة تقوم بتأدية طقوس دينها داخل الأسرة ، مما يجعل الأبناء يتأثرون بأشياء مخالفة للدين، مما يترتب عليه أثار سلبية بالنسبة للجانب الديني من التنشئة الاجتماعية للأطفال ، خاصة في مرحلة التنشئة الاجتماعية الأولية ، وذلك لكون عمل المربية وثيق الصلة بالطفل ، واحتكاكها به قوي ، وينعكس ذلك على التمسك بأداء الشعائر الدينية ، واحترام القيم الإسلامية ، كما يتنافى مع أهداف التربية الإسلامية للطفل.  وهذا يجعلنا نخشى أن تكون الأجيال القادمة جاهلة بلغتها ودينها .
النزاع الأسري :
وقد يكون صغر سن الخادمة سبباٌ جوهرياً في إحداث مشاكل عديدة في الأسرة تنشأ بين الزوجين ، وذلك بدافع الغيرة من جانب الزوجة .
كما أشارت نتائج بعض الدراسات إلى أن وجود الخادمة يسهم في جعل فتيات المستقبل يعزفن ويتأففن عن القيام بالأعمال اليدوية المتمثلة في الأعمال المنزلية و يعتبرنها من أعمال الخادمات الأمر الذي يسبب مشكلات أسرية بين الزوجين .
الصحة :
بعض الخادمات قد يلجأن إلى أساليب ملتوية في الحصول على البطاقات الصحية - وذلك بدافع الفقر والرغبة في تحسين مستوى المعيشة - وهن في الأصل يحملن أمراضاً معدية تكتشف بعد قدومهن واختلاطهن بالأسرة مما ينشأ عنه الكثير من الخوف والقلق على صحة الأسرة .
الكسل :
حيث أن بعض الأمهات يعتمدن كلياً على الخادمة في إدارة شؤون المنزل بينما تتفرغ الأم لأعمال أخرى لا تهم المنزل في شيء مما يخلق بذلك جيلاً اتكالياً سلبي التصرف والتدبير لاسيما وأن البنات يقلدن أمهاتهن و يجدن كل شيء معد لهن بدون كلفة أو عناء مما يخلق فيهن حب الإتكالية .
خطرهم على المحارم والأعراض :
قد تكمن خطورة هذه الفئة من العمالة الأجنبية في أنها تسكن مع الأسرة في مسكن واحد حيث تثق الأسرة في الخدم ثقة كبيرة و يتساهلون معهم إلى حد التفريط  و اللا مبالاة  بالعواقب والنتائج  المترتبة على ذلك ،  فقد يصل في  بعض الأحيان أن تصبح الخادمة أو المربية هي سيدة البيت و المتصرفة في شؤون الأسرة ، و ذلك لغياب الوالدين وانشغالهم سواء لضرورة أو غيرها ، وتركهم مسئوليتهم الأولى في الأشراف على الأسرة و تربية الأبناء على الآخرين .
وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن الخلوة بالنساء الأجنبيات لما يترتب على ذلك من مفاسد في الدين و العرض و النسل و الشرف ، وهذا يتضمن خلوة السائق بمحارم الأسرة ، أو خلوة رب الأسرة بالنساء من الخدم ، مما يؤدي إلى انتهاك المحارم والأعراض .
خطرهم على الأمن :
وذلك نظراً لأن مجموعة من العمالة الوافدة قد تأتي من مجتمعات تتفشى فيها الجريمة والإباحية وقد يكون البعض منهم من ذوي السوابق ومن محترفي الإجرام ، لذا قد يشكل ذلك خطراً كبيراً على أمن الوطن و المواطن .
 تؤثر الخادمة من خلال احتكاكها بالطفل على قيم وعادات الطفل العربية المسلمة.
وهناك العديد من المشكلات التي يمكن أن تنشأ عن الخدم كالسرقة حيث يعمد بعض الخدم إلى سرقة مخدوميهم ـ إذا ما وجدوا الفرصة مناسبة لذلك ـ كما قد يلجأ البعض إلى إفشاء أسرار الأسرة التي يعمل لديها ، وقد تكون بعض الأسرار في غاية الأهمية مما يترتب عليه مشاكل عديدة لتلك الأسرة .  وكذلك من المشكلات ما يرتبط بالآثار و الأضرار الجسمية التي يتسبب فيها الخدم للأطفال ، ومساهمة الخادمة في إضعاف العلاقة بين الطفل وأمه نتيجة قيامها بتلبية طلباته التي يفترض على الأم تلبيتها  و كذلك التأثير السلبي على النمو اللغوي و النفسي عند بعض الأطفال ، إضافة إلى الخسائر المادية التي يلحقها الخدم بالممتلكات و الأثاث المنزلي نتيجة الإهمال واللامبالاة ...الخ من المشكلات العديدة التي تدعونا إلى القول أن ظاهرة الخدم في المنزل السعودي ذات أبعاد اجتماعية عديدة قد ينشأ عنها العديد من المشكلات و التغييرات في بنية الأسرة السعودية وعاداتها وتقاليدها وحتى لغتها و دينها ، ما لم تؤخذ بعين الاعتبار من الجهات المسؤولة بوضع الحلول المناسبة لها أو الحد النهائي ووضع الضوابط الكفيلة بترشيد الاستقدام ، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتعاون المواطنين أنفسهم مع الجهات المختصة ، وذلك لا يحدث إلا بالتوعية الشاملة و التثقيف المستمر ومن خلال تبصير المواطنين بالأضرار و المشكلات التي يمكن أن تنجم عن استقدام مثل هذا النوع من العمالة الناعمة في وسائل الإعلام المختلفة وهو ما أوصت به العديد من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع بجوانبه المختلفة ، و التي أكدت على أهمية و خطورة دور بعض المؤسسات الاجتماعية في المجتمع والتي من أهمها :  الأسرة ـ المسجد ـ المدرسة ـ وسائل الإعلام ، في مواجهة الآثار السلبية للعمالة الأجنبية عامة و العمالة الناعمة خاصة والتصدي لمشكلاتها المتعددة .


موضوع ذات صلة 

مشكلة العمالة الناعمة في البيت السعودي

بحث كامل عن العمالة المنزلية

ايجابيات العمالة المنزلية

دراسة عن العمالة المنزلية

مشكلة العمالة المنزلية

أثر العمالة المنزلية على الأطفال

اسباب استقدام العمالة المنزلية

تعريف العمالة المنزلية

مقال عن العمالة المنزلية
Previous Post Next Post