جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الخارج

    تناول قانون العقوبات المطبق في فلسطين هذا النوع من الجرائم ضمن نصوص مواد القسم الاول من الباب الثاني والذي جاء بعنوان الجرائم المضرة بالنظام العام ، مقسما الى مجموعة من الفصول، تناول الفصل الثامن الخيانة وغيرها من الجرائم التي تقع على سلطة الحكومة ، في حين تناول الفصل التاسع الجرائم المخلة بالدستور  وبالنظام الاجتماعي الحالي، ثم توالت فصول نفس القسم لتناول الجرائم المتعلقة بالتجمهر والعصيان وتكدير الصفو والطمأنينة العامة وغير ذلك.
    ونظرا لقدم نصوص مواد قانون  العقوبات المطبق والمتعلقة في جزء منها بالجرائم الواقعة على النظام السائد وقت صدوره فنرى أنه لا حاجة لتناولها لعدم توافر محل تطبيقها .
    وعليه نتاول اهم الجرائم الماسة بالنظام العام من جهة الداخل في حدود ما يمكن تطبيقه .

الفصل الاول: الجرائم المخلة بالدستور وبالنظام الاجتماعي الحالي 

المبحث الاول : إنشاء الجمعيات غير المشروعة

    ارتبط نشوء المنظمات الأهلية بمفاهيم العمل الخيري والتطوعي منذ القديم تحت صيغ متعددة كالوقف والزكاة وغيرها من أشكال العطاء الإنساني والتي تشكل قيما مشتركة في الثقافة العربية والإسلامية في كل بلدان العالم.
    وفي السياق التاريخي يمكن القول أن بدأ النشاط الخيري التطوعي في البلاد العربية ظهر مع بداية العشرينات من القرن الماضي وأتخذ شكل تنظيمات وجمعيات خيرية بدافع الخير والإحسان واستجابة لظروف محلية وإقليمية حيث ساهمت هذه المنظمات في تقديم مساعدات اجتماعية وصحية وإنسانية بدافع ذاتي وعلى أساس الشعور بالواجب وعمل الخير.
    ومن الناحية العملية تمثل المنظمات الأهلية قوة دفع جديدة نسبياً على مستوي العمل التنموي إلى جانب الدولة والقطاع الخاص خاصة مع بداية ثمانينات القرن العشرين وفي كثير من الدول يتم تضمين الإسهامات الاقتصادية والاجتماعية لهذه المنظمات ضمن الحسابات القومية ومن خلال عدة مؤشرات أبرزها إسهام هذه المنظمات في توفير فرص العمل والقضاء على البطالة والقيمة الاقتصادية لعمل المتطوعين مقاسه بمتوسط أجور العاملين في الساعة وعدد وطبيعة المستفيدين من خدمات هذه المنظمات وقيمة مشروعاتها وإسهامها في توليد الدخل القومي.
    وهناك جدل مفاهيمي حول التسمية الصحيحة والدقيقة لهذه المنظمات فهناك من يطلق عليها القطاع الثالث Third sector  أو القطاع التطوعي voluntary sector أو المنظمات غير الحكومية أو غير الربحية، وفي هذا المجال يمكن أن نشير إلى أنماط التعريفات دون الدخول في تفصيلها فهناك تعريف قانوني وتعريف اقتصادي ومالي وتعريف وظيفي وأخيراً تعريف هيكلي إجرائي.

تابع ... المبحث الاول : إنشاء الجمعيات غير المشروعة 

    ولقد برهنت التطورات المعاصرة على الصعيدين العالمي والعربي على أهمية المنظمات الأهلية كآلية لتحقيق ديمقراطية المشاركة وتعبئة المواطنين في المجالات المختلفة وتأكيد الحقوق والدفاع عنها وانفتاح المجتمع المدني وتحريره من كافة القيود ومن ثم تنظيم القدرة على إنجاز تنمية اجتماعية واقتصادية وسياسية حقيقية تستند إلى آمال الناس واحتياجاتهم وأحلامهم ورؤياهم.
    وتتمثل أبرز العوامل المحفزة لنشأة العمل الاجتماعي الأهلي والتطوعي في الأفكار المعينة في الاتجاهات الخيرية والإنسانية المنبثقة عن الأديان السماوية، وللقيم الدينية في المنطقة العربية تأثير كبير على العمل الأهلي حيث تعد الجمعيات الخيرية هي أقدم أشكال النشاط الأهلي امتداداً لنظام الزكاة ومفهوم الصداقة الجارية الذي تتمثل في الوقف في الإسلام، وانعكاس لقيم التكامل الاجتماعي التي تحث عليها الأديان وقد قامت هذه المنظمات الدينية بدور كبير في نشر التعليم والثقافة الدينية وتقديم الخدمات والمساعدات الاجتماعية.
    فالمنظمات الأهلية أذن ما هي إلا نتاج إرادة شعبية داخلية واستجابة لاحتياجات مجتمعية لا تتعدى علاقتها بالدول علاقة الإشراف والرقابة .
    ويتعاظم دور المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني في المجتمعات المتقدمة، ويمتد إلى مختلف مجالات الشأن العام، فلا تكاد تجد جانباً من جوانب الحياة إلا وهناك جمعيات ومجموعات تطوعية توجّه جهودها للاهتمام به، بدءاً من الشأن السياسي وانتهاءً بقضية الرفق بالحيوان.
    ولا شك أن وجود هذه المؤسسات الأهلية في تلك المجتمعات، هو من أهم مقومات قوتها واستقرارها، وتجديد الحيوية والنشاط في أوساطها، وهو مظهر لإحساس الناس بالمسؤولية تجاه قضايا الحياة، والتصدي لتحمل أعبائها، ومع قوة حكوماتهم ووفرة إمكانياتها، لكنهم لا يلقون الأعباء كاملة على كاهل الحكومات، بل يشاركونها إدارة مختلف شؤون الحياة، وفي القضايا الاجتماعية بالذات تنتزع هذه المؤسسات الأهلية زمام المبادرة، وترى نفسها أولى وأقدر من الحكومات على مواجهتها.
    ولهذا جميعه كان لا بد على المشرع الفلسطيني أن يتدخل لوضع القواعد القانونية التي تنظم أهم الجوانب القانونية للمنظمات الأهلية، هذا التدخل التشريعي برز في صدور قانون المنظمات الأهلية الفلسطيني رقم (1) لسنة 2000م والذي صدر بمدينة غزة بتاريخ 16/1/2000

تابع ... المبحث الاول : إنشاء الجمعيات غير المشروعة

    ولكن احيانا قد يكون الهدف من انشاء الجمعيات غير مطابق لحقيقة طبيعتها ويطلق على هذه المنظمات سمة المنظمات غير الحكومية وقد تبدو منذ الوهلة الأولى كذلك بدافع التسمية، غير أن أمر هذه المنظمات ينطوي على خداع واضح، فقد تكون غير حكومية داخل فلسطين ولكنها حكومية مئة بالمئة من حيث تمويلها الخارجي وأهدافها ورعايتها أي أنها حكومية لصالح حكومة الخارج، ذلك أن المنظمات الأجنبية التي توكل إليها مهمة مخاطبة هذه المنظمات في الخارج هي امتداد حكومي واضح.
    يقول جون كلارك: (تقوم الحكومة الأمريكية من خلال وكالة المساعدات (US. Aid) بالتأثير بشكل كبير على المنظمات غير الحكومية وعلى صياغة أهداف هذه المنظمات بحيث تندرج ضمن سياساتها الخارجية وأهدافها من المساعدات...).
    الأمر نفسه ينطبق على المؤسسات الغربية الأخرى التي تعمل في هذا المجال مثل مؤسسة فريدريك إيبرت الألمانية، أو نيومان الأمريكية، أو منظمة (F. A. F. O) النرويجية التي أدارت مفاوضات أوسلو، أو وكالة المساعدات الأمريكية لما وراء البحار، أو مؤسسة (NOVEBH) الهولندية، أو من الاتحاد الأوروبي بصورة مباشرة كما حصل في بيان الـ(55) الذي أعلن في صفحته الأولى بأنه ممول من الاتحاد الأوروبي.

تابع ... المبحث الاول : إنشاء الجمعيات غير المشروعة

    ولعل أفضل ما يعبر عن واقع هذه المنظمات في أراضي الضفة الغربية وغزة تصريحات السيد زكريا عبد الرحيم - المسئول في السلطة الفلسطينية- الواردة في مقابلة أجرتها معه جريدة القدس في أيلول عام 2000م حيث قال: (لقد استلمت المنظمات غير الحكومية العاملة في المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية 400 مليون دولار منذ عام 1994م، وقد صرف من هذا المبلغ 160 مليون دولار على نشاطات حقوق الإنسان والديمقراطية هناك)، وقال أيضاً: (1000 منظمة غير حكومية مسجلة لدى وزارة الداخلية الفلسطينية، وأن 200 منها موجودة في القدس وأنشطة هذه المنظمات تغطي الخدمات الاجتماعية، كالعناية بالمعاقين، المساعدة في التعليم، الصحة والشؤون الزراعية) ، واقترح السيد زكريا في نهاية حديثه أن تتجه نحو المشاريع الإنتاجية، ثم أضاف: (لا يمكن لوزارة الداخلية التدخل بشكل تعسفي في أنشطة هذه المنظمات، وقد صدر قانون عن السلطة في العام 2000م تضمن ضرورة استيفاء طلبات التسجيل الشكليات القانونية فقط كي يتم إشهار وتسجيل المنظمة).
    لقد اعتبر هذا الأمر من قبل القائمين على هذه المنظمات حالة متطورة أي أنها لا تتطلب الترخيص بل التسجيل فحسب وقد تم لاحقاً في العام 2006م إيقاف العمل به من قبل حكومة حركة حماس في قطاع غزة.
    هنا تكمن إحدى المشكلات الأساسية لهذه المنظمات لأن عدم التدخل في نشاطها جعلها لا تخضع إلى أي نوع من أنواع المساءلة، فالدولة المانحة لا تسأل عن ذلك، وبما أن هذه المنظمات لا يحميها أي نظام كالأنظمة التي تعمل على أساسها المنظمات الشعبية أو الاتحادات المهنية، فإن المقصود إذاً هو أن يتصرف المسئول بالأموال التي حصل عليها كأنها أموال خاصة، فليس هناك لا في الخارج ولا في الداخل من يسأله عن مصيرها، إنها بعبارة صريحة لا تخضع إلى أي نوع من أنواع المساءلة مما يؤشر إلى استعدادها لأن تكون بؤرة للفساد والإفساد.
    ولقد تبين من خلال استطلاع للرأي نفذه الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) في الفترة ما بين 15 و18 حزيران عام 2006م حول أشكال ومظاهر الفساد التي اطلع عليها بعض المعنيين بنشاط المنظمات الأهلية الفلسطينية عموماً، أن هذه المنظمات تعاني من الفساد بنسب كبيرة، فقد أفاد 86.5 % من أفراد العينة أن المنظمات الأهلية تعاني من الفساد وإن كان بدرجات مختلفة.

تابع ... المبحث الاول : إنشاء الجمعيات غير المشروعة

    ولذلك نجد ان قانون العقوبات المطبق في فلسطين قد جرم إنشاء هذا النوع من الجمعيات ضمن نص المادة 69 منه، محددا المقصود بالجمعيات الغير مشروعة بنصه: يقصد بعبارة "جمعية غير مشروعة"
    (أ) كل جماعة من الناس مسجلة كانت أو غير مسجلة، تنشط أو تحرض أو تشجع بنظامها أو بما تقوم به من الدعاية أو بغير ذلك على ارتكاب أي فعل من الأفعال غير المشروعة التالية:
    (1) قلب دستور فلسطين بالثورة أو بالتخريب.
    (2) قلب الحكومة القائمة في فلسطين أو حكومة أية بلاد متمدنة أو أية حكومة منظمة أخرى باستعمال القوة أو العنف.
    (3) تخريب أو إتلاف الأموال في فلسطين أو الأموال المستعملة في التجارة مع أية بلاد أخرى أو في فلسطين نفسها، أو الأموال التي تخص أو تؤخذ بأنها تخص جمعية ترمي إلى تنشيط أو تشجيع أي مبدأ من المبادئ أو الأمور المشار إليها في هذه المادة.
    (ب) كل جماعة من الناس، مسجلة كانت أو غير مسجلة، تنشط أو تشجع بنظامها أو بما تقوم به من الدعاية أو بغير ذلك على ارتكاب أي فعل يرمي أو يؤخذ بأنه يرمي إلى تحقيق نية الفساد حسب المعنى المحدد لها في المادة 60 من هذا القانون.
    (ج) كل جماعة من الناس يقضي عليها القانون المرعي الإجراء تبليغ نظامها إلى الحكومة وتخلفت عن ذلك أو استمرت على عقد اجتماعاتها بعد انحلالها بمقتضى القانون المذكور.
    وتشمل هذه العبارة أيضاً كل فرع أو مركز أو لجنة أو هيئة أو شعبة لجمعية غير مشروعة وكل مؤسسة أو مدرسة تديرها جمعية غير مشروعة أو تدار تحت سلطتها.

تابع ... المبحث الاول : إنشاء الجمعيات غير المشروعة

    وعليه يتحدد الركن المادي لهذه الجريمة في انشاء أي جمعية او فرع أو كيان يغض النظر عن تسميته القانونية أو الاجتماعية يمارس نشاط أو تحرض أو يشجع بنظامه أو بما يقوم به من الدعاية أو بغير ذلك على ارتكاب أي فعل من الأفعال السابقة، وبغض النظر اذا كان هذا الشكل قد استقام من الناحية القانونية بتمام اجراءات تسجيله أم لا، وبغض النظر كذلك اذا اتخذ هيكلا خاصا متعلقا بإدارته أو لم يأخذ.
    وقد تتحقق محاولة ارتكاب هذه الجريمة بمجرد السعي او محاولة اتيان أحد الافعال المشار اليها، دون الوصول الى تمام اكتمالها لسبب خارج عن الجاني أو الجناة حال التعدد.
    كما يتحقق الركن المعنوي للجريمة بتوافر النية عند البدء في تنفيذ الركن المادي بصوره السابقة، أو قد يتوفر بعد تحقيق أحد صور هذا السلوك.
    ويعاقب المشرع كل من كان متجاوزاً السنة السادسة عشرة من عمره وانتسب لعضوية جمعية غير مشروعة وكل من اشغل وظيفة أو منصباً في مثل هذه الجمعية أو قام بمهمة معتمد أو مندوب لها، أو زاول مهنة التعليم في أية مؤسسة أو مدرسة تديرها جمعية غير مشروعة أو تدار أو يظهر بأنها تدار تحت سلطتها، باعتبار أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة سنة واحدة.

تابع ... المبحث الاول : إنشاء الجمعيات غير المشروعة

    كما يعاقب المشرع كل من نشط أو شجع غيره بالخطابة أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى، على القيام بأي فعل من الأفعال التي تعتبر غير مشروعة بمقتضى المادة 69 السابقة، باعتباره أنه ارتكب جنحة، ولا يقف الامر عند هذا الحد بل اعتبر المشرع ان أي اعانة لاحد الجمعيات غير المشروعة يعتبر جريمة بنصه في المداة 72 ”كل من أعطى أو دفع تبرعات أو اشتراكات أو إعانات لجمعية غير مشروعة أو جمع تبرعات أو اشتراكات أو إعانات بالنيابة عن مثل هذه الجمعية أو لحسابها، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة ستة أشهر.
    كما اعتد المشرع بفعل الدعاية للجمعيات غير المشروعة باعتباره جنحة طبقا لنص المادة 73 بنصه ”كل من طبع أو نشر أو باع أو عرض للبيع أو أرسل بالبريد كتاباً أو نشرة أو كراساً أو إعلاناً أو بياناً أو منشوراً أو جريدة لجمعية غير مشروعة أو لمنفعتها أو صادرة منها، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة ستة أشهر أو بغرامة قدرها خمسون جنيهاً أو بكلتا هاتين العقوبتين“.

Previous Post Next Post