السياسة المالية هي جوهر عملية التنمية الشاملة
مقدمة:
تمثل التنمية الاقتصادية إحدى الاهتمامات  الكبرى للدول المتقدمة والنامية على حدّ سواء و  تحتل التنمية في البلدان النامية أهمية أكبر باعتبارها الخيار الرئيسي والوحيد للتحرر من التخلف عن الركب الاقتصادي المتقدم. ومن هذا المنطلق وضعت الدول " التنمية" قضيتها الأولى ومعركتها الرئيسية، وفي سبيل ذلك جندت مواردها المتاحة سواء المادية أوالبشرية لتحقيق ذلك الهدف الكبير. وقد تباينت تلك الدول في الإستراتيجيات التي تبنتها أملا في الوصول إلى الاستراتيجية المثلى الكفيلة بتحقيق طموحاتها الاقتصادية واللحاق بالدول ذات الاقتصاد المتقدم.
ولما كانت عملية التنمية عملية واعية  وتزداد أهمية هذا الوعي بالنسبة للمجتمعات النامية التي تعاني من التحديات الهائلة والمعقدة في الوقت الذي لا تتمتع إلاّ بمقدرات وموارد محدودة، فإنّه لابد من أن يكون الإختيار الوحيد هو التشبث بالمنهجية العلمية و الاحترافية من قبل صانعي السياسات الاقتصادية الكلية. و التي تشمل مجموعة من السياسات كالسياسة المالية والسياسة النقدية والائتمانية وسياسة سعر الصرف والسياسة التجارية.  و من هذا المنطلق تحتل السياسة المالية مكانة هامة بين السياسات الأخرى لأنها تستطيع أن تقوم بالدور الأعظم في تحقيق الأهداف المتعددة التي ينشدها الاقتصاد الوطني، وذلك بفضل تعدد أدواتها التي تعد من أهم أدوات الإدارة الاقتصادية في تحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء على المشاكل التي تعوق الاستقرار الاقتصادي،  و هذه المكانة التي تحتلها السياسة المالية اليوم في الفكر الحديث لم تحدث طفرة واحدة فقد كان دورها باهتا في العصور القديمة، أما في الفكر التقليدي كان مطلوبا منها أن تكون محايدة تماما اتساقا مع طبيعة الفكر السائد أنذاك. وبقي حال السياسة المالية على هذا الوضع إلى أن ظهر في الأفق الأزمات الاقتصادية، وبصفة خاصة الأزمة العالمية التي اجتاحت العالم سنة 1929، إلا يمكن انه يمكن القول بأن التطور الأعظم الذي لحق بالسياسة المالية قد نبع من الإسهام الكبير للاقتصادي الكبير جون ماينرد كينز في مؤلفه "النظرية العامة في العمالة والفائدة والنقود"، مع تأكيده على فشل آليات السوق وحدها في علاج المشاكل الاقتصادية وخاصة مشكلة الكساد العظيم، وما ترتب عليه في الواقع العملي من ضرورة تبني أراء كينز الخاصة بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والانتقال من نطاق الدولة الحارسة إلى نطاق الدولة المتدخلة بسياسات مالية مناسبة.
ومنذ ذلك الحين اكتسبت السياسة المالية دورا أكثر أهمية وأصبحت أداة رئيسية من أدوات السياسة الاقتصادية في توجيه مسار الكيان الاقتصادي، ومعالجة ما يتعرض له من هزات وأزمات فضلا عن ما لها من اثر في التنمية لاقتصادية. لذا أصبح على السياسة المالية أن تحدث توازن لمالية الدولة بما يتفق ويتلاءم مع توازن الاقتصاد الوطني وبهذا المعنى يصبح التوازن متعدد الوجوه وتزداد أنواعه بالاتجاه من الكم إلى النوع وكذلك كلما اندمجت الموازنة ضمن الإطار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد وهذا هو الوجه الصحيح لتوازن الموازنة العامة باعتبارها برنامجا ماليا يعمل على تنفيذ خطة الدولة الاقتصادية الاجتماعية لخدمة السياسة العاملة ومصالح الاقتصاد الوطني.
مفهوم السياسة المالية
تعرف السياسة المالية بأنه الأسلوب الذي تنهجه الحكومة في تخطيط نفقاتها وإيراداتها. كما يمكن تجسيد هذا الأسلوب من خلال الميزانية العامة للدولة. ولا بد أن نشير للدور التقليدي للدولة كان يقتصر على تقديم الخدمات الأساسية الأولية للمواطنين (الأمن، الصحة، البنية التحتية للمجتمع بشكل عام ...) إلا أنه مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت والتي أدت بنفس الوقت إلى تعدد وتنوع احتياجات الأفراد من الخدمات سواء في المجال الصحي أو الاجتماعي أو في مجال التعليم، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ضرورة إيجاد توازنات فيما يخص الخدمات المتعلقة بالقطاعات المذكورة من قبل الدولة.
و تعرف أيضا بأنَّها مجموعة السياسات المتعلقة بالإيرادات العامة و النفقات العامة بقصد تحقيق أهداف محددة[1].
بينما يعرفها البعض بأنَّها سياسة استخدام أدوات المالية العامة من برامج الإنفاق و الإيرادات العامة لتحريك متغيرات الاقتصاد الكلي مثل الناتج القومي، العمالة، الادخار، الاستثمار، و ذلك من أجل تحقيق الآثار المرغوبة و تجنب الآثار غير المرغوبة فيها على كل من الدخل و الناتج القوميين و مستوى العمالة و غيرها من المتغيرات الاقتصادية[2].
كما تعرف بأنَّها مجموعة الأهداف و التوجهات و الإجراءات و النشاطات التي تتبناها الدولة للتأثير في الاقتصاد القومي و المجتمع بهدف المحافظة على استقراره العام و تنميته و معالجة مشاكله و مواجهة كافة الظروف المتغيرة.
و مما سبق يمكن القول أن السياسة المالية هي السياسة التي بفضلها تستعمل الحكومة برامج نفقاتها و إيراداتها العامة و التي تنتظم في الموازنة العامة لإحداث آثار مرغوبة و تجنب الآثار غير المرغوبة على الدخل و الإنتاج و التوظيف أي تنمية و استقرار الاقتصاد الوطني و معالجة مشاكله و مواجهة كافة الظروف المتغيرة.
و بناءً على ما تقدم يمكن القول بأن هذا التغير النوعي في دور الدولة أدى إلى ضرورة الاهتمام بسياسات الإنفاق العام وبالتالي ضرورة إيجاد المصادر التمويلية اللازمة لتمويل الإنفاق المذكور (سواء أكان هذا الإنفاق إنفاقاً جارياً أو إنفاقاً استثمارياً). و تلجأ الدولة إلى عملية التدخل والتأثير على حجم الطلب الكلي وكذلك التأثير على مستوى التشغيل وبالتالي الدخل القومي من خلال استخدام أساليب السياسة المالية. كذلك يمكن إيجاد التوازن في ميزانية الدولة سواء من حيث النفقات والإيرادات من خلال اللجوء إلى آليات السياسات المالية، يجب أن نتذكر أن أحد أهم هذه الأدوات (الضرائب، الرسوم، القروض داخلية أو خارجية).

[1]  وجدي حسين، المالية الحكومية  والاقتصاد العام، الإسكندرية، 1988، ص431.
[2] - محمود حسين الوادي، زكرياء أحمد عزام، المالية العامة والنظام المالي في الإسلام، دار الميسرة للنشر والتوزيع، عمان، 2000،ن ص182.

Previous Post Next Post