دور الوقف وأهميته في بناء الحضارة الإسلامية:

دور الوقف وأهميته في بناء الحضارة الإسلامية:
1- الوقف على المساجد:
المسجد هو مدرسة المسلمين الأولى؛ لاقترانه بالصلاة، والصلاة عماد الدين، ولذا كان المسجد اللبنة الأولى في بناء الجماعة الإسلامية التي وضعها رسول  الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين هاجر إلى المدينة المنورة، ولذا نستطيع القول إن أول وقف إسلامي كان مسجد قباء.
وقد تنافس الخلفاء في توسعة ما أقيم من مساجد، وفي إنشاء المزيد منها([1])، فالمساجد التي في الكوفة، والبصرة، وجامع المنصور في بغداد، وجامع عمرو بن العاص في مدينة الفسطاط، والجامع الأزهر، وجامع ابن طولون، وفي شمال أفريقيا والأندلس "مسجد القيروان، وجامع القرويين، ومسجد قرطبة" وغيرها كثير شاهدة على ذلك.. والحديث عن المساجد بصفتها جزء من ثمرات الأوقاف الخيرية يبعث على الإعجاب والإكبار لما بلغته النزعة الخيرة من أثر كبير في نفوس أمة محمد r.
2- الوقف على الكتاتيب:
الكُتَّاب مؤسسة تربوية إسلامية قديمة، عرفتها المجتمعات الإسلامية، وقد انتشرت في مناطق كثيرة من البلاد الإسلامية. وظهرت الحاجة إليها لتعليم الصبية الصغار الذين لا يتحفظون من النجاسة، ويكثرون العبث. وكان الكتاب يهدف إلى تحفيظ القرآن الكريم، ومباديء الفقه، إلى جانب تعليم الأطفال مباديء القراءة والكتابة والحساب. وغالباً ما يكون الكتاب بجوار المسجد ويشرف عليه إمامه، ويصرف عليه مما يصرف على المسجد، وقد كان الكثير من الأهالي يوقف على حلقات التعليم في المساجد أو الكتاب شيئاً من نخيلهم بحيث تصرف على هذه الحلقات.
3- المدارس والمعاهد والأربطة:
ويمتد بنا الحديث عن دور العلم من المدارس والمعاهد، وقد بلغت هذه المدارس والمعاهد حداً واسعاً شمل كل أنحاء العالم الإسلامي، وحسبنا أن نعلم أنه لا توجد مدينة أو قرية في طول العالم الإسلامي أو عرضه تخلو من مدرسة أو مدارس، أو معهد أو معاهد. ومن أمثلة المدارس الموقوفة:
1-   المدرسة الظاهرية: التي أنشأها الظاهر بيبرس في القاهرة سنة 626هـ.
2-   المدرسة المنصورية في مصر: أنشأها المنصور بن قلاوون سنة 683هـ.
3-   المدرسية المسعودية ببغداد: بناها مسعود الشافعي، وجعلها وقفا على المذاهب الأربعة.
4-   المدرسة الصلاحية بحلب: أوقفها الأمير صلاح الدين يوسف الدوادار.
5-   مدرسة السلطان قايدباي بمكة المكرمة: التي افتتحت سنة884هـ.
6-   مكتبة المدرسة النظامية: التي افتتحت في سنة 954هـ.
7-   المدرسة الغياثية أو مدرسة الملك المنصور بمكة المكرمة: بناها المنصور غياث الدين، إذ أنشئت سنة 813هـ، وأوقف عليها أموالاً جليلة.
8-    المدارس الأربعة بمكة المكرمة: التي بناها السلطان سليمان القانوني سنة 927هـ، وأوقف عليها أموالاً طائلة لتدريس المذاهب الأربعة.
لقد كثرت الأوقاف المرصدة على المدارس والمساجد، حتى إن محمد علي باشا عندما مسح الأرض الزراعية في مصر وجد أنها تبلغ مليوني فدان، من بينها ستمائة ألف فدان أراض موقوفة([2]). لقد حبس الحكام الأثرياء الخيرون – منذ قديم – على قراءة القرآن أوقافاً بلغ من كثرتها أن وزارة الأوقاف المصرية في عام 1370هـ لما أرادت حصر مصروفات الأوقاف ومواردها على اختلاف أنواعها وعهد في ذلك إلى أقسامها الكبرى وقتئذ وهي أقسام الأوقاف والمساجد والنظار فتعذر الحصر؛ لأن ذلك يستدعي الاطلاع على 73 ألف حجة من حجج الأوقاف، ومعظمها يشتمل على استحقاق للمَقَاِريء ولو مالاً([3]).
ولقد أدى الوقف دوره البارز في دفع الحركة التعليمية في البلاد الإسلامية؛ من خلال البذل السخي على بناء المدارس والأربطة، والتنافس الشديد بين أصحاب الوقف في البذل بسخاء، وإقامة هذه الدور والصرف على القائمين عليها بدون حدود، ونشر مذهب من المذاهب الإسلامية من خلال هذه المدارس، بل تعدى الأمر ذلك إلى أن توقف هذه المدارس على تدريس مذهب معين، وإقرار كتب هذا المذهب أو ذاك، وتحديد الأعداد من أتباعه في مدرسة معينة، بل إن بعض المدارس كانت توقف على أبناء المسلمين والأيتام من بلد بعينه. ومن خلال هذا الجو العلمي ازدهرت الحركة العلمية في مكة والمدينة وغيرهما من الأمصار الإسلامية؛ بفضل ما يقدمه الوقف الإسلامي من دعم مادي في إنشاء دور العلم، وتهيئة كل أسباب الحياة المعيشية والدراسية من مرتبات، وسكن، وأماكن للصلاة والعبادة، ومكتبات تضم العديد من المؤلفات المتخصصة في علوم الحديث والفقه والتفسير([4]).
4- في مجال التعليم: الوقف على العلم وطلابه:
وبتأثير واضح للوقف نشطت في الدول الإسلامية وبلاد الأقليات الإسلامية على اتساع رقعتها حركة علمية منقطعة النظير، غير متأثرة بالأحداث السياسية والاجتماعية التي سادت بلاد المسلمين، وأتت بالعجائب في النتاج العلمي، ونشر العلم الشرعي،  والثقافة الإسلامية على أيدي فحول من العلماء الذين لمعوا في تاريخ العالم الإسلامي كله([5]).
ولا شك أن وسائل تلقي العلوم قد تطورت تطوراً كبيراً تبعاً لسنن الحياة والحضارة ـ كما ذكرناه سالفاً؛ فمن حلق الكتاتيب والمساجد إلى المدارس والجامعات والمؤسسات البحثية، والمعامل والمختبرات، إلى غير ذلك مما لا يمكن تشغيله على  الوجه الأتم و الأكمل و الاستفادة منه استفادة مثلى، إلاّ برصد الأموال، ووضع الميزانيات، وإيجاد مصادر ثابتة للتمويل والإنفاق. ومن هنا تتجلى الأهمية العظمى للأوقاف في  الإسلام، وتظهر المكانة السامية لها في المساعدة على نشر العلم الشرعي، ورعاية العلم والعلماء، الأمر الذي له أثره في تقدم الأمة الإسلامية ورفعتها، ولحاقها بمصاف الأمم المتقدمة علمياً و حضارياً، بل وريادتها للعالم أجمع بفضل ما اختصها الله به من مقومات تؤهلها للريادة والقيادة.
أثر الوقف على طلاب العلم: قام الوقف في مختلف العهود الإسلامية بدور فعال، ونهض بدور اجتماعي واقتصادي وثقافي كان له أثره في تخفيف العبء على الأجهزة المسؤولة في الدولة، وتقليل النفقات المالية المتعلقة بالموازنة العامة لها، وكفل للعديد من طلبة العلم والعلماء أرزاقهم كي يتفرغوا لشؤونهم العلمية؛ إذ ينبغي لطالب العلم ألا يشتغل بشيء آخر غير العلم، ولا يعرض عن الفقه. ويروي النباهي في ترجمته للقاضي أبي الربيع سليمان الحميري الكلاعي البلنسي الأندلسي أنه كان" كريم النفس، يطعم فقراء الطلبة، وينشطهم، ويتحّمل مؤونتهم([6]).


5- تحبيس الكتب:
إشاعة العلم والمعرفة مقصد من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية،  إن لم يكن من الضروريات فهو من الحاجيات في التقدير الأدنى. والكتاب أحد أهم أوعية المعرفة، وهو الوسيلة الناجحة لإحراز التقدم والحضارة، والوسائل تأخذ حكم المقاصد فقهاً. والأمة الإسلامية هي أمة الكتاب بالمعنى الخاص والمعنى العام، اهتمت به منذ بزوغ فجر النبوة وإشراق الرسالة المحمدية، فشاع بينها وذاع، وأبدعت في سبل تيسير اقتنائه  والحصول عليه، فأصبح تحبيس الكتب ووقفها في المساجد  والمدارس  والمكتبات العامة مصدراً من مصادر إشاعته، بل إن شعيرة الحج كانت واحدة من أهم الوسائل لتحقيق هذا المقصد الشرعي، فانتشرت الكتب بين الأقطار والشعوب الإسلامية، وعمَّ نفعها عن طريق إقامة هذه الشعيرة.
الكتاب الأندلسي، والمغربي، والمصري، والشامي، والعراقي، واليمني، ومؤلفات علماء ما وراء النهرين تجد طريقها إلى بلاد الحرمين الشريفين: مكة المكرمة، والمدينة المنورة،  فيتلقاها علماؤهما، يتبادلون مع علماء تلك البلاد مؤلفاتهم؛ فينتشر الكتاب الإسلامي بين علماء الشرق والغرب، والشمال والجنوب للبلاد الإسلامية دون حَجْر أو تضييق، يوقف هؤلاء وأولئك على المؤسسات العلمية بالحرمين الشريفين، فأثرت مكتباتهما بنوادر المخطوطات التي تحدثت عنها كتب التاريخ.
لقد حظي الكتاب الإسلامي باهتمام الوقف؛ حيث أوقفت العديد من الكتب سواء عن طريق الشراء أو عن طريق أصحابها، وأودعت في المدارس أو الأربطة، فانتشرت بذلك دائرة التأليف والنشر، لاسيما إذا علمنا أن المدارس والأربطة كانت تختص بعضها برعاية مذهب بعينه، فتوجهت عناية العلماء إلى تأليف المؤلفات العديدة لشرح مذهب من المذاهب، وتدريسه وضمان انتشاره، فكان ذلك أشبه بتنافس شديد في الحركة العلمية في الحرمين الشريفين وانتشار المكتبات. ومكتبة الحرم المكي الشريف كانت نواتها بعض الكتب التي جمعت من هذه المدارس والأربطة، وحفظت في دواليب بالمسجد الحرام.
ومن الملاحظ أن جميع من عمل في هذه المدارس كان من علماء المسلمين من مختلف أقطار العالم الإسلامي؛ مما يدل على أن الحرمين الشريفين استطاعا استقطاب هؤلاء بعد أن هيأ لهم الوقف الإسلامي دور العلم والسكن في الأربطة. وأدت هذه الحركة للكتاب، واتساع الوقف فيه في كل قطر إلى فقه خاص بتحبيس الكتب، ومن ثم إعارتها، والتعامل مع طلابها بما امتلأت به كتب الفتاوى. وفيما يلي نماذج مختارة من هذا الفقه:
  قال البرزلي ـ رحمه الله تعالى ـ في مسائل الحبس:
سئل القابسي عمن حبس كتباً وشرط في تحبيسه أنه لا يُعْطَى إلا كتاب بعد كتاب، فإذا احتاج الطالب إلى كتابين، أو تكون كتباً شتى، فهل يُعْطَى كتابين منها أو لا يأخذ منها إلا كتاباً بعد كتاب؟ فأجاب: إن كان الطالب مأموناً، واحتاج إلى أكثر من كتاب أخذه؛ لأن غرض المحبس أن لا يضيع، فإذا كان الطالب مأموناً أمن هذا، وإن كان غير معروف فلا يُدْفَع إلا كتاب واحد، وإن كان من أنواع العلوم خشية الوقوع في ضياع أكثر من واحد"([7]).
ومن هذه النماذج الكثيرة  المتعددة في مجال وقفية الكتب مسألة([8]) وقعت بتونس: حَبَسَ الأمير أبو الحسن كتباً لمدرسة ابتدأها بالقيروان، وأخرى بتونس، وجعل مقرها بيتاً بجامع الزيتونة، فلما أيس من تمامها قُسمَّت الكتب على  مدارس تونس. إلى غير ذلك من النوازل  والفتاوى الجمّة الكثيرة التي امتلأت بها كتب الفقه والفتاوى، مما يستحق أن يستقل به مؤلف متعدد الأجزاء.
6- الوقف على المجالات الاقتصادية:
يعد الوقف من أهم المؤسسات التي لها دورها الفعال في عملية التطور والنمو الاقتصادي في مختلف عصور الإسلام.. ولم يقتصر تأثير الوقف على المسجد وحده؛ فقد أوقف المسلمون العديد من النشاطات الاقتصادية من أجل تطوير مجتمعاتهم بجعلها أموالاً موقوفة، فأنشأوا المشافي العديدة، وبنوا الأسواق، وأوقفوا الأراضي الزراعية وآلات الزراعة والفلاحة والصناعة التي كانت متوفرة أيامهم .. إلخ.
7-الوقف والإسهام في التطور العمراني للمدينة الإسلامية:
لقد أجمع خلفاء وسلاطين المسلمين على الاهتمام بعمارة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، يدل على ذلك ما أنفقوه عليهما عمارة وترميماً وإصلاحاً، خلافاً لما أنفق على المنشآت الأخرى الدينية، والطرق المؤدية إليها من مختلف الأمصار الإسلامية، ووقف الضياع والمزارع والدور الكبيرة في مصر والشام والعراق وغيرهما([9]).
لقد كانت الأوقاف تجري على المسجد الحرام، وقد شهد المسجد اهتماماً بالغاً في العصور الإسلامية، ولكنه بلغ الذروة في العهد العباسي؛ ففي عام 160هـ عندما قدم الخليفة العباسي المهدي إلى مكة بغرض تأدية فريضة الحج، عقد العزم على عمارة المسجد الحرام وتوسعته، غير أنه واجه مشكلة الدور المحيطة بالمسجد والموقوفة على أصحابها، والتي كان لابد من إزالتها لتتحقق بذلك الزيادة التي أرادها له، وكذلك الحال في المسجد النبوي بالمدينة المنورة والمسجد الأموي بدمشق وقبة الصخرة التي تمثل معلماً حضارياً بارزاً للوقف الإسلامي. وقد لقيت القبة اهتمام خلفاء بني أمية؛ لاسيما الخليفة عبد الملك بن مروان، وأصبحت تمثل تراثاً إسلامياً أموياً هو بحق تحفة إسلامية؛ نظراً لجمالها وإبداع زخارفها ..
8- النهوض بالمستوى الصحي، وتطوير مؤسساته بالوقف على المستشفيات:
لقد كان المحسنون يبنون المستشفيات، ويوقفون عليها الأوقاف، وأنواع الخدمات الأخرى، كالسقاية،والطرق، والمساكن، وغيرها مما يصعب حصره([10]). وكانت الرعاية الطبية في مختلف العهود الإسلامية مصحوبة بإقامة مؤسسات لمداواة المرضى وعلاجهم .. وروى المقريزي أن أول دار أسست لمداواة المرضى في الإسلام بناها في دمشق الخليفة عبدالملك الأموي عام 88هـ، وجعل فيها الأطباء، وأجرى عليهم الأرزاق عن طريق الأوقاف .. في حين أعطي كل مُقعد خادماً يهتم بأمره، وكل ضرير قائداً يسهر على راحته.
9 – مدارس الطب: يروى أن عبدالرحيم بن علي الداخور (الطبيب) أوقف داره في دمشق مدرسة للطب([11]). وأصبحت الأموال الموقوفة سببا في تحقيق إنجازات رئيسة في الفروع المتصلة بعلم الكيمياء والأدوية. وكانت كليات الطب والمستشفيات التعليمية هي المختبرات العلمية لتطور ولتطوير العلوم التجريبية وعلم الطب والصيدلة.
10- الإسهام بجهد كبير في إقامة ما يسمى بالبنية التحتية كتعبيد الطرق وتعديلها: ذكر ابن بطوطة في رحلته عند حديثه عن أوقاف دمشق أن من المصارف أوقافا على تعديل الطريق ورصفها، قال: لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون، ويمر الركبان بين ذلك([12]).
11-رعاية المصابين والمنقطعين:  وفيما يلي إضافة حول دور الأوقاف الاجتماعي في رعاية المصابين والمنقطعين، حيث أشار إلى ذلك الأستاذ التجكاني تحت عنوان: أوقاف الملابس والأغطية والمصابين والمنقطعين، فيقول:" وجد هذا النوع من الأوقاف - الملابس والأغطية- بالمغرب، وبحجم مهم، ويكفي أن بمدينة تطوان وحدها عدة أوقاف بأثلاث متخلف الواقفين منها ثلث اللبادي وثلث بريشة،  وغيرهما كثير وأوقاف الملابس والأغطية ظاهرة عامة في العالم الإسلامي؛ فدمشق مثلاً كان بها الكثير من هذه الأوقاف .."([13]).. وكذلك وجد بفاس -على عهد الوطاسيين- ربض خاص بالمجذومين يحتوي على مئتي منزل، تحت إشراف رئيس الربض المكلف بجمع مداخيل الأوقاف الخاصة بهؤلاء على توفير حاجاتهم المختلفة([14]).
12- الوقف في فكاك الأسرى: كما امتد أثر الوقف في الحضارة الإسلامية ليشمل جانباً إنسانياً مهماً، وهو تخصيص بعض من ريعه لفكاك أسرى المسلمين، وممن اهتموا بهذا الجانب السلطان صلاح الدين الأيوبي؛ الذي وقّف مدينة بلبيس على فك أسرى المسلمين الذين أسرهم الصليبيون في حملتهم على مصر سنة 564هـ (1168م). وقد استمر هذا الوقف حتى تمّ فكاك جميع الأسرى([15]).
13- الوقف على الأيتام: فقد حرص كثير من أهل الخير على وقف الأوقاف الدارّة على الأيتام وكسوتهم، وقد استرعت هذه الظاهرة أنظار الرحالة الأندلسي ابن جبير، فتحدث عن واحد منها رآه في دمشق في العصر الأيوبي، ووصفه بقوله: "وللأيتام من الصبيان محضرة كبيرة بالبلد لها وقف كبير، يأخذ منه المعلم لهم  ما يقوم به، وينفق منه على الصبيان ما يقوم بهم وبكسوتهم"([16]).

14- السقايات (الأسبلة):
كان الحصول على المياه العذبة من المهام الشاقّة في كثير من العصور الإسلامية؛ لذلك أصبح تسبيل الماء العذب، وتسهيل الحصول عليه من وجوه البر التي اهتم بها الواقفون، وهنا جاء الاهتمام بالسقايات التي يطلق عليها أيضاً "السبل" أو "الأسبلة" التي كان الغرض من إقامتها توفير مياه الشرب للمحتاجين في أماكن محددة داخل المدن. وقد اهتمّ السلاطين والموسرون بهذا الجانب سواء للناس أو للحيوانات في مختلف المواضع، وإن كانت هذه السقايات تلحق عادة بالمساجد([17]).
15- المراصد الفلكية: عيّن هولاكو التتري نصير الدين الطوسي على المراصد الفلكية وعلى أوقافها في مختلف البلاد([18]).
16– طريق الحج: فقد أوقف السلطان أحمد بن محمد بن مراد أوقافاً على طريق الحج بين مصر ومكة([19]).
17 – طلاب الأدب: فلقد أوصى مسلمة بن عبد الملك بالثلث من ماله لطلاب الأدب([20]).
18- الوقف على أهل الذمة المعوزين: ومن سماحة الإسلام وإنسانيته أنه أجاز الوقف على غير المسلمين من أهل الذمة، من أصحاب الديانات الأخرى المحتاجين إلى ذلك؛ إشاعة للخير، وإسعادًا للجنس البشري الذي كرمه الله تعالى، وتوفيرًا لمتطلباته الفطرية في حياة كريمة، وثبت أن صفية زوج النبي r  وقفت على أخ لها يهودي([21]).

([1])         ويمكن أن نشير هنا إلى ما أنفقه الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك من أموال طائلة على بناء الجامع الأموي في دمشق.
([2])       محاضرات في الوقف، محمد أبو زهرة ص: 26 والفدان الواحد يساوي (4200 متر مربع).
([3])       عن تقرير لجنة فرعية في وزارة الأوقاف المصرية في سنة 1950م عن كتاب المقاريء والقراء، دراسة إسلامية، للدكتور لبيب السعيد، مطبعة السعادة.
([4])       الدهاس: المدارس في مكة، 52 وما بعدها.
([5])       أحكام الوقف لمصطفى الزرقاء، ص 14.         
([6])       قضاة الأندلس للنباهي، ص119.       
([7])      الحطاب، مواهب الجليل، ج 7، ص 653.
([8])      المرجع السابق، ج7، ص 648.
([9])       القحطاني: أوقاف السلطان شعبان، 31.
([10])      انظر ناجي معروف، أصالة الحضارة العربية ص310، 311.
([11])      فوات الوفيات 2/315. ويظهر أن هذا الوقف الذي سبق ذكره في مصرف (الأطباء) فقد ذُكر في ثلاثة مصادر لكن اختلفت العبارات.
([12])      تحفة النظار 1/118.
([13])     التجكاني، محمد الحبيب. الإحسان الإلزامي في الإسلام (ص557).
([14])     المرجع السابق (ص557).
([15])     ابن الفرات، ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم الحنفي المصري (ت: 807هـ/ 1405م) تاريخ الدول والملوك، نشر: حسن محمد الشماع، البصرة، (1967م). ج4 (صـ23).
([16])     ابن جبير: الرحلة، (ص 245).
([17])     خطط المقريزي  2/309، وقد أورد أمثلة وافرة لهذا الجانب.
([18])      الوافي بالوفيات 1/182، 183 نشر سنة 1962م.
([19])      خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 1/290.
([20])      أخبار مكة 2/38.
([21])      إعلام الموقعين: لابن القيم 5/30، والمبدع: 6/301.


Previous Post Next Post