اعراض التطور والتغيير الدلالي
1- تخصيص الدلالة او تضييق الدلالة:
هو تغيير دلالة الكلمة من معنى عام كلي الى معنى خاص ، دون ان يؤثر ذلك في فصاحة الكلمة ، فهناك الفاظ تدل على العموم ، فاللفظ يمكن ان يتحول الى الخصوص او الى خصوص الخصوص ، و الى ابعد من ذلك فتضيق الكلمة كقولنا مثلاً: كتاب ، فكتاب بما انه نكرة فهو يدل على كلّيِّ اي يشمل كل كتاب ، واذا قلنا كتاب نحو كان اخص من الاول فتحول من العموم الى الخصوص ، واذا قلنا كتاب نحو اللغة العربية تحول الى خصوص الخصوص اي تضيقت المفردة فتضيقت دلالتها. وهذا ما يحصل في كل اللغات الا انه في العربية له نصيب كبير لسعة الفاظ العربية. فكلمة حج عند العرب كانت تعني القصد ، وتحولت بعد ذلك الى خصوص الحج الى بيت الله الحرام ، و من الالفاظ التي تحولت من العموم و اصبحت من الفاظ الخصوص السبت فالسبت يعني الدهر ، وتحولت هذه المفردة الى خاص اذ تعني الان احد ايام الاسبوع. وهناك امثلة كثيرة لالفاظ كثيرة يمكن الرجوع الى معناها في معاجم اللغة العربية.
2- تعميم الدلالة او توسيع المعنى:
هو تعبير دلالة الكلمة من معنى خاص جزئي الى معنى عام كلي وهذا النوع من الدلالة اقل من الاول ، فكلمة (البأس) كانت خاصة بالحرب ثم اصبحت تطلق على كل شدة وكلمة عنترة مثلاً كانت تطلق على شخص واليوم يمكن اطلاقها على كل شجاع ، و كلمة رجل كانت تطلق على المحارب الذي يسير على رجله ، اي غير الفارس ، واليوم تطلق على كل ذكر من بني الانسان. ومن (تعميم
الدلالات ما نلحظه لدى الاطفال حين يطلقون اسم الشيء على كل ما يشبهه لادنى ملابسة او مماثلة و ذلك لقصور محصولهم اللغوي وقلة تجاربهم مع الالفاظ فقد يطلق الطفل لفظ الاب على كل رجل يشبه اباه في زيه وقامته) 1.
3- انتقال الدلالة:
هو تغيير مجال الدلالة بسبب المشابهة بين المدلولين او انتقال اللفظ بسبب عدم المشابهة ، فمثال الاول – اي المشابهة بين المدلولين – لفظ الكفر فهو اما بمعنى التغطية او الكفر او الجحود ، و هذا ما يطلق عليه بالمشابهة المعنوية.
او احمر صارخ مثلاً ، فالصارخ هنا قوة اللون و هو مما يدرك بالحواس ، و لذلك يطلق عليه المشابهة بتبادل الحواس ، او مشابهة شكلية كلفظ اذن مثلاً ، فهي الة حاسة السمع و الاذن من القلب و السهم و النصل و اذن الجرة عروتها.
4- انحطاط الدلالة:
(وهو تغيير دلالي معاكس لرقي الدلالة بحيث يتغيير معنى اللفظ من قوة وسمو و تأثير في الاسماع الى معنى ضعيف و مبتذل) 2.
فقد يكون لكلمة ما معنى ذو اهمية كبيرة فتفقد هذه الكلمة اثرها في نفوس السامعين ، و لذلك تنحط دلالتها ككلمة (الجارية) حيث كانت تطلق على الفتاة الصغيرة ، فاصبحت تطلق على الامة المملوكة ، وكلمة الحاجب التي كانت تطلق على رئيس الوزراء و اصبحت في ما بعد تطلق على الحارس.
و من هذا امثلة كثيرة كطول اليد مثلاً كانت تطلق على الكريم ، فاصبحت تطلق على السارق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- دلالة الالفاظ 159
2- طريقة التغيير الدلالي للدكتور سالم الخماش 9
5- رقي الدلالة:
هو ان يكون للفظ دلالة او معنى منحط ثم تنتقل دلالته المنحطة او المتواضعة الى معنى ارقى ، ككلمة رسول التي كانت تطلق على كل من يرسل ثم شرف معنى هذا اللفظ فاصبحت تدل على من ارسله الله تعالى. او (كلمة السفرة تعني في الاساليب القديمة طعام المسافر و هي الان على السنة تجار الاثاث ذات شأن)
تغيير مجال الاستعمال
و مجال الاستعمال هذا هو ما يطلق عليه ايضاً بالمجاز ، او الانتقال المجازي:
الانتقال المجازي: (هذا النقل من مجال لاخر سواء عن عمد او غير عمد) 1.
والمجاز هذا يختلف عن المجاز البلاغي المتعارف لدى البلاغيين ، فهذا ما يتعلق بدلالة اللفظ و إن كان يتفق احياناً في جانب و لذا اطلق عليه هنا الانتقال المجازي.
(و قد ميز بعضهم بين الانواع الثلاثة الاتية للمجاز) 2.
أ- المجاز الحي:
الذي يطل في عتبة الوعي ويثير الغرابة والدهشة عند السامع.
ب- المجاز الميت:
وهو النوع الذي يفقد مجازيته و يكسب الحقيقة من الالفة و كثرة التردد.
ج- المجاز النائم:
ويحتل مكاناً وسطاً بين النوعين السابقين. والاسباب في تغيير الاستعمال يعزوها الدكتور ابراهيم انيس الى ما يأتي:
1- دلالة الالفاظ 160 2- علم الدلالة 241
1- توضيح الدلالة:
حيث تنتقل الدلالة المجردة الى مجال الدلالات المحسوسة او الملموسة (وهذا ما يلجأ اليه الادباء و الموهوبون من اصحاب المهارة في الكلام كالشعراء ، و الادباء و حاجة الاديب الى توضيح الدلالة او تقوية اثرها في الذهن هي التي تحمله الى الابتداع) 3.
ومن الامثلة المذكورة في دلالة الالفاظ قول الشاعر الذي اراد ان يصف لنا كيف قضى على (ضغن) اقربائه و حشدهم له فقال:
وذي رحمٍ قلّمتُ اظفارَ ضغنهِ بحلمي عنهُ وهو ليس له حلمُ
فقد وصف الضغن بصورة بشعة ، لحيوان له اظفار و مخالب مخيفة. فهذه العملية التي نراها هي عاطفية و غير مقصودة ، ولا تحتاج الى تفكير فلسفي او عقلي و من هذه ايضاً الامثلة (كثرة الرماد) تدل على الكرم و هناك امثلة كثيرة ، في مجال الابتداع الادبي الذي يؤلفه اصحاب مهارة الكلام.
فقد استعان على تجلية ( الضغن ) بصورة بشعة لحيوان له اظفار ومخالب مخيفة.
2- رقي الحياة العقلية 1
الدلالات كما يذكر الباحثون بدأت بالمحسوسات ثم تطورت الى الدلالات المجردة ، وهذا بفعل التطور العقلي وانتقال الدلالة من المجال المحسوس الى المجرد ، ويتم عادة بصورة تدريجية ، و تظل الدلالتان سائدتين جنباً الى جنب لمدة ليست بقصيرة ، خلاله قد تستعمل الدلالة المحسوسة فلا تثير غرابة أو دهشة ، و تستعمل في الوقت نفسه الدلالة المجردة فلا يدهش احد لانها اخذت تألفها الاسماع.
1- دلالة الالفاظ للدكتور ابراهيم انيس بتصرف
ومما يثير الاستغراب أن هناك مبالغة في بعض المعاجم العربية فقد نجد الفاظاً حملت اكثر من طاقتها ، وقد عدها بعضهم من الالفاظ المشتركة. و يورد الدكتور ابراهيم انيس مفردة (الرطانة) مثلاً هي الابل مجتمعة وقد اورد لها الفيروز آبادي معنى اخر (الكلام بالاعجمية) وقد مر عهد على لفظة الرطانة ، وهي تستعمل بالدلالتين المذكورتين وقد غالى بعض الاشتقاقيين من الربط بين الدلالات لمجرد الاشتراك في لفظ من الالفاظ.
و ان الاشتراك في اللفظ قد لا تكون له اي اصالة بل هو مجرد مصادفة نشأت عن التطور الصوتي في احدى الكلمات ، حتى اصبحت مماثلة لكلمة اخرى. ومما غالى به الاشتقاقيون عند ربطهم بين الدلالات لمجرد الاشتراك في الحروف الاصلية ، فعندهم كلمة (ابليس) من ابلس و جهنم من التجهم ، و يرى المحدثون وجوب الحذر والاعتدال في الربط بين الدلالات فكثير من الالفاظ التي تعبر عن دلالات مجردة قد انحدرت الينا من دلالات محسوسة. وقد انحدرت هذه الالفاظ مثل حقد المطر أي احتبس ، و حقدت الناقة أي امتلأت شحماً و الى غيرها من الالفاظ.
مشكلات الدلالة في الترجمة
ان الحاجة الانسانية للاتصال ما بين الشعوب ، و تبادل الثقافات ، و بناء الحياة الاقتصادية ، و التجارة و تبادل السلع كان من الاسباب التي مهدت لعملية الترجمة ، اذ ان الاتصال المباشر يتطلب فهم الطرف الاول للطرف الثاني ، و بما ان اللغات ادوات و وسائل لتفكير المجتمعات ، و هذه الادوات تختلف من امة الى امة فلذا كان من الصعوبة ان تصل وسائل الاتصال الى نتيجة متكاملة من الفهم. و من هنا لو القينا نظرة الى اصول كل لغة من لغات العالم ، للاحظنا ان اللغات قسمت الى عوائل و فصائل ، فبعضها ما هو متقارب في عناصرها أو من اصول منحدرة من عائلة أو فصيلة واحدة. فاللغات السامية يمكن أن نرى اوجه التشابه في بنية الفاظها ، و الهندو اوربية و لغات اوروبا مثلاً كالجرمنية. و نلاحظ أن الوصول الى اي ترجمة تعطي دلالات متقاربة في الفاظها ، هذا ما يحدث في هذه اللغات التي تنتهي الى عائلة واحدة ، أما لو انتقلنا من عائلة الى اخرى والى فصائل مختلفة للاحظنا امر الدلالة عند اهل الترجمة يبدو أكثر تعقيداً.
و الشعوب كانت حاجتها ملحة الى الاتصال فيما بينها ، فاليونانيون كانوا يحاولون ترجمة ما عند البابليين أو السومريين للحاجة الملحة الى اكتساب العلوم والمعرفة ، والشعوب الاخرى تحتاج الى التواصل مع الصين و المصريين و غيرهم من الشعوب. و ما نقله الدكتور ابراهيم أنيس عن كتاب المقابسات لابي حيان التوحيدي بقوله (و جاء العرب فحاولوا نقل فلسفة اليونان و علومهم الى اللغة العربية ، فصادفوا المشقة و العسرة و لم يحقق النجاح منهم الا القليل ، لأن أكثر المترجمين في العصر العربي نقلوا اثار اليونانية عن السريانية لا عن لغتها الاصلية مما جعل السيرافي يشكك في صحة هذا النقل و يثير تلك المحاورة الطريفة التي كانت بينهم و بين ((يوسف بن متى)) في حضرة الوزير المتوفى سنة 320) 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1- دلالة الالفاظ 169
و المشكلات الاساسية التي تواجه الترجمة كثيرة ونلخص منها ما يأتي:
1- اختلاف المجال الدلالي للفظين يبدوان مترادفين و هذا يشمل:
أ- اتساع مدلول الكلمة و ضيقه في لغة اخرى.
ب- استخدام الكلمة في أكثر من معنى في لغة و في معنى واحد في اللغة الاخرى ، و مثال ذلك اللفظ الخاص بالالوان فالازرق مثلاً كان العرب يطلقه على ما نسميه اليوم بالاخضر والازرق. و من الثاني تعبير العرب عن درجات الحمرة بالفاظ مثل (ارجوان) للشديد الحمرة بهرمان لما دونه. و هكذا من الالفاظ ما يحدث صعوبة في الترجمة.
و مما ينظر اليه أن اللفظ قد يكون بالعكس. فالعربية فيها دلالة واحدة للفظ معين و tall, long بالانجليزية اللغات الاخرى لها عدة الفاظ ، مثال ذلك طويل يقابلها ولكل منهما استخدامه الخاص.
تعني مكتبة لبيع الكتب bookshop تعني مكتبة عامة و library أو كلمة مكتبة
و هناك امثلة كثيرة.
2- اختلاف التوزيع السياقي لكلمتين تبدوان مترادفتين و هو أن اللفظين مترادفان في اللغتين في معناهما العام و لكنهما يختلفان في التطبيق و الاستعمال مثل:
و تعني فقير مادياً poor man
وتعني محتاج للشفقة poor boy
صحته رديئة poor helth
فمثل هذه السياقات تختلف باختلاف الاستعمال و قد تكون من عوائق الترجمة لعدم وجود مقابل لها في العربية فمثلاً في اللغة العربية لا يمكن أن نقول ياله من ولد فقير بل نقول ياله من ولد مسكين 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1- علم الدلالة 254
3- الاستخدامات المجازية:
لما كانت اللغات لا تتطابق في الاستخدام المجازي للالفاظ و التعبيرات فان الترجمة لاي استخدام مجازي لا يصح ان تكون حرفية. مثلا:
بالانجليزية لا يصح ان تقابله (مساء العمر) لأن العرب (evening of life)
يستعملون مقابلاً مجازياً و هو (خريف العمر).
4- اختلاف التصنيفات الجزئية:
ان اختلاف التصنيفات الجزئية في كل اللغات امر طبيعي ، فكل اللغات تستخدم الجهاز النطقي بصورة مشابهة و لكنها تختلف في عملية انتقاء الاصوات التي توظفها نتيجة لاختلافها في تحديد اماكن انتاجها و كل اللغات تركب كلمات و مقاطع من الاصوات لكنها تختلف في اختياراتها و في طرق تركيبها تبعا لانتقاءاتها مثال ذلك حقل الحرارة والبرودة و حقل الالوان فالحرارة مثلا :
Hot, brisk, warm.
اما الالوان فتختلف بحسب التدرج اللوني منها ما فيها درجات منخفضة و منها ما فيها موجات عالية.
5- التلطف في التعبير و اللا مساس
هناك الفاظ لا يمكن استعمالها فالتعبير الدلالي لها قد يعني المساس او الحساسية باللغة الانجليزية. (pregnant) ففي اللغة المؤدبة لا تكاد تسمع كلمة
و نظيره في العربية (كلمة حبلى) التي لا نسمعها في الكلمة المؤدبة و استعيض عنها بكلمة حامل.
6- الايحاء و الجرس الصوتي
اللغة العربية من اللغات التي عنيت بموسيقى الفاظها و عباراتها في كل العصور. فلها ما يسمى بالمحسنات اللفظية و هناك شواهد كثيرة في اللغة العربية تعتمد الجرس و العروض فضلاً عن البلاغة و البيان و البديع و من اشهر ما يواكب
اللفظ و الجرس الموسيقي الجناس منه قول رجل يتظلم عند المأمون العباسي (يا امير المؤمنين ما ترك لي فضة الا فضها ، و لا ذهباً الا ذهب به ، ولا غلة الا غلها و لا ضيعة الا اضاعها و لا عرضاً الا عرض له ، و لا ماشية الا امتشها و لا جليلاً اجلاه) 1.
فكيف السبيل الى ترجمة هذا الكلام و هو كثير في اللغة العربية.
والى غير هذا ، ففي النصوص الادبية و بخاصة نصوص اللغة العربية معان كثيرة ، منها المعنى الايحائي و الاسلوبي و النفسي و الى غير ذلك.
و في النصوص الادبية يتضح بان امر الترجمة عسير جداً بما تحمله النصوص الادبية من افكار و معان قد لا يتوصل المترجم فيها الى اصل النص. و من هنا يمكن القول بان المترجم يجب ان تتوافر فيه شروط مهمة ، هي ان يكون ملماً بما يترجم.
فارى ان الذي يترجم ما يتعلق بالعلوم يجب ان يكون ملماً في لغته بجوانبها العلمية و كذلك اللغة الاخرى ، والاديب لا بد ان يكون متمكناً و دقيقاً و له ذوق رفيع في الادب ليتمكن من نقل افكار الاخرين ، ولذا نجد احياناً ترجمات ضعيفة للغاية لا يمكن الاستفادة منها. اما اذا كان المترجم ملماً بلغته و اللغة التي ترجم فيها ، فيستطيع تقديم ابداعه بشكل معقول. فالترجمة من الكتب المقدسة على سبيل المثال يتحرج منها المترجمون لانها ليست سهلة وقد لا يصل المترجم فيها الى المقصود ، فقد لوحظ ان الترجمات الموجودة الان عن القران الكريم يكثر فيها التعقيد بل تترك بعض المعاني و هي ذات اهمية. ويبتعد المترجمون عن ترجمة القران لوجود نصوص اعجازية لا يمكن ضبط مقصودها. ولذلك اعتمد اكثر المترجمين سواء كانوا عربا أومستشرقين ترجمة تفسير القران وليس النص القراني ، وفي مثل هذه الحال قد تضيع الدلالة ، والمعنى يفقد المراد.
فالترجمة فن لا بد ان يراعى فيه دلالة الالفاظ و دقة فهم المعاني فضلاً عن فهم دلالة النصوص بكاملها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1- دلالة الالفاظ نقلاً عن زهر الاداب و ثمر الالباب للنويري 2/208
الامية عند العرب و المساهمة الدلالية
لم تكن لفظة الامية من الالفاظ منحطة الدلالة ، بل ورد انحطاطها في مراحل متأخرة ، فالامية في العصور المتقدمة لا تفسر الا بعدم القراءة والكتابة ، و القراءة والكتابة ليس مما هو كبير الاهمية في العصور المتقدمة مقارنة بواقعنا الحالي ، اذ التعقيد في الحياة الحضارية و التخصص و حفظ العلوم.
و لو كانت الامية من الامور المنحطة او المذمومة في المجتمع لذمها القران الكريم بل نجدها في القران بشكل اخر كقوله تعالى (هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم اياته و يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين) 1.
فقد وصف الرسول بالامي و وصف الناس بالاميين و هذا ليس انتقاصاً لشخصيتهم ، بل اراد ان القران الكريم لم يقرأه الرسول من قبل لانه لا يعرف القراءة و الكتابة و لم يتعلمه من احد من البشر ، و اريد بهذا الامر الاعجاز.
لقد كان اغلب حكماء العرب القدامى من صناع الكلام اميين ، و قد شاركت الامية بتوقد حافظتهم و امكانية تطوير ذهنيتهم.
و دعماً لما تقدم نرى ان الدكتور ابراهيم انيس يقف عند رأي ملفت للنظر و هو ان السبب الرئيس في تطوير اللفظ هو الاهتمام بالصوت اكثر من الاهتمام بالكتابة و هذا الامر مما تتنامى فيه الذاكرة ، و ان الحديث الشفاهي عند الناس ساهم في تطوير الكلام و الدلالة ، فاللغة حيوية و ليست مجرد كتابة ، هب ان شخصاً يريد دراسة لغة و فهم معانيها فما الذي يعمل على تطوير امكانيته اللغوية و دلالة الفاظ تلك اللغة ، بالتأكيد المشافهة و ليس الكتابة ، و لو اننا درسنا ميدانياً و دخلنا الى اماكن و مراكز يتحدث بها الناس باللغة الفصحى ، و بالمقابل جئنا الى مكان اخر و التقينا اناساً يدرسون اللغة نظرياً فبالطبع سيكون نصيب صحة التحدث عند من يمارسون اللغة أوفر ، و هذا مما يساهم ايضاً بالالتفات الى دلالة الالفاظ فالادب الجاهلي دلالته اعمق مما تقدم من العصور لكون المجاز و المشترك و جمال اللفظ و صورة دلالته واسعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1- سورة الجمعة 2
1- تخصيص الدلالة او تضييق الدلالة:
هو تغيير دلالة الكلمة من معنى عام كلي الى معنى خاص ، دون ان يؤثر ذلك في فصاحة الكلمة ، فهناك الفاظ تدل على العموم ، فاللفظ يمكن ان يتحول الى الخصوص او الى خصوص الخصوص ، و الى ابعد من ذلك فتضيق الكلمة كقولنا مثلاً: كتاب ، فكتاب بما انه نكرة فهو يدل على كلّيِّ اي يشمل كل كتاب ، واذا قلنا كتاب نحو كان اخص من الاول فتحول من العموم الى الخصوص ، واذا قلنا كتاب نحو اللغة العربية تحول الى خصوص الخصوص اي تضيقت المفردة فتضيقت دلالتها. وهذا ما يحصل في كل اللغات الا انه في العربية له نصيب كبير لسعة الفاظ العربية. فكلمة حج عند العرب كانت تعني القصد ، وتحولت بعد ذلك الى خصوص الحج الى بيت الله الحرام ، و من الالفاظ التي تحولت من العموم و اصبحت من الفاظ الخصوص السبت فالسبت يعني الدهر ، وتحولت هذه المفردة الى خاص اذ تعني الان احد ايام الاسبوع. وهناك امثلة كثيرة لالفاظ كثيرة يمكن الرجوع الى معناها في معاجم اللغة العربية.
2- تعميم الدلالة او توسيع المعنى:
هو تعبير دلالة الكلمة من معنى خاص جزئي الى معنى عام كلي وهذا النوع من الدلالة اقل من الاول ، فكلمة (البأس) كانت خاصة بالحرب ثم اصبحت تطلق على كل شدة وكلمة عنترة مثلاً كانت تطلق على شخص واليوم يمكن اطلاقها على كل شجاع ، و كلمة رجل كانت تطلق على المحارب الذي يسير على رجله ، اي غير الفارس ، واليوم تطلق على كل ذكر من بني الانسان. ومن (تعميم
الدلالات ما نلحظه لدى الاطفال حين يطلقون اسم الشيء على كل ما يشبهه لادنى ملابسة او مماثلة و ذلك لقصور محصولهم اللغوي وقلة تجاربهم مع الالفاظ فقد يطلق الطفل لفظ الاب على كل رجل يشبه اباه في زيه وقامته) 1.
3- انتقال الدلالة:
هو تغيير مجال الدلالة بسبب المشابهة بين المدلولين او انتقال اللفظ بسبب عدم المشابهة ، فمثال الاول – اي المشابهة بين المدلولين – لفظ الكفر فهو اما بمعنى التغطية او الكفر او الجحود ، و هذا ما يطلق عليه بالمشابهة المعنوية.
او احمر صارخ مثلاً ، فالصارخ هنا قوة اللون و هو مما يدرك بالحواس ، و لذلك يطلق عليه المشابهة بتبادل الحواس ، او مشابهة شكلية كلفظ اذن مثلاً ، فهي الة حاسة السمع و الاذن من القلب و السهم و النصل و اذن الجرة عروتها.
4- انحطاط الدلالة:
(وهو تغيير دلالي معاكس لرقي الدلالة بحيث يتغيير معنى اللفظ من قوة وسمو و تأثير في الاسماع الى معنى ضعيف و مبتذل) 2.
فقد يكون لكلمة ما معنى ذو اهمية كبيرة فتفقد هذه الكلمة اثرها في نفوس السامعين ، و لذلك تنحط دلالتها ككلمة (الجارية) حيث كانت تطلق على الفتاة الصغيرة ، فاصبحت تطلق على الامة المملوكة ، وكلمة الحاجب التي كانت تطلق على رئيس الوزراء و اصبحت في ما بعد تطلق على الحارس.
و من هذا امثلة كثيرة كطول اليد مثلاً كانت تطلق على الكريم ، فاصبحت تطلق على السارق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- دلالة الالفاظ 159
2- طريقة التغيير الدلالي للدكتور سالم الخماش 9
5- رقي الدلالة:
هو ان يكون للفظ دلالة او معنى منحط ثم تنتقل دلالته المنحطة او المتواضعة الى معنى ارقى ، ككلمة رسول التي كانت تطلق على كل من يرسل ثم شرف معنى هذا اللفظ فاصبحت تدل على من ارسله الله تعالى. او (كلمة السفرة تعني في الاساليب القديمة طعام المسافر و هي الان على السنة تجار الاثاث ذات شأن)
تغيير مجال الاستعمال
و مجال الاستعمال هذا هو ما يطلق عليه ايضاً بالمجاز ، او الانتقال المجازي:
الانتقال المجازي: (هذا النقل من مجال لاخر سواء عن عمد او غير عمد) 1.
والمجاز هذا يختلف عن المجاز البلاغي المتعارف لدى البلاغيين ، فهذا ما يتعلق بدلالة اللفظ و إن كان يتفق احياناً في جانب و لذا اطلق عليه هنا الانتقال المجازي.
(و قد ميز بعضهم بين الانواع الثلاثة الاتية للمجاز) 2.
أ- المجاز الحي:
الذي يطل في عتبة الوعي ويثير الغرابة والدهشة عند السامع.
ب- المجاز الميت:
وهو النوع الذي يفقد مجازيته و يكسب الحقيقة من الالفة و كثرة التردد.
ج- المجاز النائم:
ويحتل مكاناً وسطاً بين النوعين السابقين. والاسباب في تغيير الاستعمال يعزوها الدكتور ابراهيم انيس الى ما يأتي:
1- دلالة الالفاظ 160 2- علم الدلالة 241
1- توضيح الدلالة:
حيث تنتقل الدلالة المجردة الى مجال الدلالات المحسوسة او الملموسة (وهذا ما يلجأ اليه الادباء و الموهوبون من اصحاب المهارة في الكلام كالشعراء ، و الادباء و حاجة الاديب الى توضيح الدلالة او تقوية اثرها في الذهن هي التي تحمله الى الابتداع) 3.
ومن الامثلة المذكورة في دلالة الالفاظ قول الشاعر الذي اراد ان يصف لنا كيف قضى على (ضغن) اقربائه و حشدهم له فقال:
وذي رحمٍ قلّمتُ اظفارَ ضغنهِ بحلمي عنهُ وهو ليس له حلمُ
فقد وصف الضغن بصورة بشعة ، لحيوان له اظفار و مخالب مخيفة. فهذه العملية التي نراها هي عاطفية و غير مقصودة ، ولا تحتاج الى تفكير فلسفي او عقلي و من هذه ايضاً الامثلة (كثرة الرماد) تدل على الكرم و هناك امثلة كثيرة ، في مجال الابتداع الادبي الذي يؤلفه اصحاب مهارة الكلام.
فقد استعان على تجلية ( الضغن ) بصورة بشعة لحيوان له اظفار ومخالب مخيفة.
2- رقي الحياة العقلية 1
الدلالات كما يذكر الباحثون بدأت بالمحسوسات ثم تطورت الى الدلالات المجردة ، وهذا بفعل التطور العقلي وانتقال الدلالة من المجال المحسوس الى المجرد ، ويتم عادة بصورة تدريجية ، و تظل الدلالتان سائدتين جنباً الى جنب لمدة ليست بقصيرة ، خلاله قد تستعمل الدلالة المحسوسة فلا تثير غرابة أو دهشة ، و تستعمل في الوقت نفسه الدلالة المجردة فلا يدهش احد لانها اخذت تألفها الاسماع.
1- دلالة الالفاظ للدكتور ابراهيم انيس بتصرف
ومما يثير الاستغراب أن هناك مبالغة في بعض المعاجم العربية فقد نجد الفاظاً حملت اكثر من طاقتها ، وقد عدها بعضهم من الالفاظ المشتركة. و يورد الدكتور ابراهيم انيس مفردة (الرطانة) مثلاً هي الابل مجتمعة وقد اورد لها الفيروز آبادي معنى اخر (الكلام بالاعجمية) وقد مر عهد على لفظة الرطانة ، وهي تستعمل بالدلالتين المذكورتين وقد غالى بعض الاشتقاقيين من الربط بين الدلالات لمجرد الاشتراك في لفظ من الالفاظ.
و ان الاشتراك في اللفظ قد لا تكون له اي اصالة بل هو مجرد مصادفة نشأت عن التطور الصوتي في احدى الكلمات ، حتى اصبحت مماثلة لكلمة اخرى. ومما غالى به الاشتقاقيون عند ربطهم بين الدلالات لمجرد الاشتراك في الحروف الاصلية ، فعندهم كلمة (ابليس) من ابلس و جهنم من التجهم ، و يرى المحدثون وجوب الحذر والاعتدال في الربط بين الدلالات فكثير من الالفاظ التي تعبر عن دلالات مجردة قد انحدرت الينا من دلالات محسوسة. وقد انحدرت هذه الالفاظ مثل حقد المطر أي احتبس ، و حقدت الناقة أي امتلأت شحماً و الى غيرها من الالفاظ.
مشكلات الدلالة في الترجمة
ان الحاجة الانسانية للاتصال ما بين الشعوب ، و تبادل الثقافات ، و بناء الحياة الاقتصادية ، و التجارة و تبادل السلع كان من الاسباب التي مهدت لعملية الترجمة ، اذ ان الاتصال المباشر يتطلب فهم الطرف الاول للطرف الثاني ، و بما ان اللغات ادوات و وسائل لتفكير المجتمعات ، و هذه الادوات تختلف من امة الى امة فلذا كان من الصعوبة ان تصل وسائل الاتصال الى نتيجة متكاملة من الفهم. و من هنا لو القينا نظرة الى اصول كل لغة من لغات العالم ، للاحظنا ان اللغات قسمت الى عوائل و فصائل ، فبعضها ما هو متقارب في عناصرها أو من اصول منحدرة من عائلة أو فصيلة واحدة. فاللغات السامية يمكن أن نرى اوجه التشابه في بنية الفاظها ، و الهندو اوربية و لغات اوروبا مثلاً كالجرمنية. و نلاحظ أن الوصول الى اي ترجمة تعطي دلالات متقاربة في الفاظها ، هذا ما يحدث في هذه اللغات التي تنتهي الى عائلة واحدة ، أما لو انتقلنا من عائلة الى اخرى والى فصائل مختلفة للاحظنا امر الدلالة عند اهل الترجمة يبدو أكثر تعقيداً.
و الشعوب كانت حاجتها ملحة الى الاتصال فيما بينها ، فاليونانيون كانوا يحاولون ترجمة ما عند البابليين أو السومريين للحاجة الملحة الى اكتساب العلوم والمعرفة ، والشعوب الاخرى تحتاج الى التواصل مع الصين و المصريين و غيرهم من الشعوب. و ما نقله الدكتور ابراهيم أنيس عن كتاب المقابسات لابي حيان التوحيدي بقوله (و جاء العرب فحاولوا نقل فلسفة اليونان و علومهم الى اللغة العربية ، فصادفوا المشقة و العسرة و لم يحقق النجاح منهم الا القليل ، لأن أكثر المترجمين في العصر العربي نقلوا اثار اليونانية عن السريانية لا عن لغتها الاصلية مما جعل السيرافي يشكك في صحة هذا النقل و يثير تلك المحاورة الطريفة التي كانت بينهم و بين ((يوسف بن متى)) في حضرة الوزير المتوفى سنة 320) 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1- دلالة الالفاظ 169
و المشكلات الاساسية التي تواجه الترجمة كثيرة ونلخص منها ما يأتي:
1- اختلاف المجال الدلالي للفظين يبدوان مترادفين و هذا يشمل:
أ- اتساع مدلول الكلمة و ضيقه في لغة اخرى.
ب- استخدام الكلمة في أكثر من معنى في لغة و في معنى واحد في اللغة الاخرى ، و مثال ذلك اللفظ الخاص بالالوان فالازرق مثلاً كان العرب يطلقه على ما نسميه اليوم بالاخضر والازرق. و من الثاني تعبير العرب عن درجات الحمرة بالفاظ مثل (ارجوان) للشديد الحمرة بهرمان لما دونه. و هكذا من الالفاظ ما يحدث صعوبة في الترجمة.
و مما ينظر اليه أن اللفظ قد يكون بالعكس. فالعربية فيها دلالة واحدة للفظ معين و tall, long بالانجليزية اللغات الاخرى لها عدة الفاظ ، مثال ذلك طويل يقابلها ولكل منهما استخدامه الخاص.
تعني مكتبة لبيع الكتب bookshop تعني مكتبة عامة و library أو كلمة مكتبة
و هناك امثلة كثيرة.
2- اختلاف التوزيع السياقي لكلمتين تبدوان مترادفتين و هو أن اللفظين مترادفان في اللغتين في معناهما العام و لكنهما يختلفان في التطبيق و الاستعمال مثل:
و تعني فقير مادياً poor man
وتعني محتاج للشفقة poor boy
صحته رديئة poor helth
فمثل هذه السياقات تختلف باختلاف الاستعمال و قد تكون من عوائق الترجمة لعدم وجود مقابل لها في العربية فمثلاً في اللغة العربية لا يمكن أن نقول ياله من ولد فقير بل نقول ياله من ولد مسكين 1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1- علم الدلالة 254
3- الاستخدامات المجازية:
لما كانت اللغات لا تتطابق في الاستخدام المجازي للالفاظ و التعبيرات فان الترجمة لاي استخدام مجازي لا يصح ان تكون حرفية. مثلا:
بالانجليزية لا يصح ان تقابله (مساء العمر) لأن العرب (evening of life)
يستعملون مقابلاً مجازياً و هو (خريف العمر).
4- اختلاف التصنيفات الجزئية:
ان اختلاف التصنيفات الجزئية في كل اللغات امر طبيعي ، فكل اللغات تستخدم الجهاز النطقي بصورة مشابهة و لكنها تختلف في عملية انتقاء الاصوات التي توظفها نتيجة لاختلافها في تحديد اماكن انتاجها و كل اللغات تركب كلمات و مقاطع من الاصوات لكنها تختلف في اختياراتها و في طرق تركيبها تبعا لانتقاءاتها مثال ذلك حقل الحرارة والبرودة و حقل الالوان فالحرارة مثلا :
Hot, brisk, warm.
اما الالوان فتختلف بحسب التدرج اللوني منها ما فيها درجات منخفضة و منها ما فيها موجات عالية.
5- التلطف في التعبير و اللا مساس
هناك الفاظ لا يمكن استعمالها فالتعبير الدلالي لها قد يعني المساس او الحساسية باللغة الانجليزية. (pregnant) ففي اللغة المؤدبة لا تكاد تسمع كلمة
و نظيره في العربية (كلمة حبلى) التي لا نسمعها في الكلمة المؤدبة و استعيض عنها بكلمة حامل.
6- الايحاء و الجرس الصوتي
اللغة العربية من اللغات التي عنيت بموسيقى الفاظها و عباراتها في كل العصور. فلها ما يسمى بالمحسنات اللفظية و هناك شواهد كثيرة في اللغة العربية تعتمد الجرس و العروض فضلاً عن البلاغة و البيان و البديع و من اشهر ما يواكب
اللفظ و الجرس الموسيقي الجناس منه قول رجل يتظلم عند المأمون العباسي (يا امير المؤمنين ما ترك لي فضة الا فضها ، و لا ذهباً الا ذهب به ، ولا غلة الا غلها و لا ضيعة الا اضاعها و لا عرضاً الا عرض له ، و لا ماشية الا امتشها و لا جليلاً اجلاه) 1.
فكيف السبيل الى ترجمة هذا الكلام و هو كثير في اللغة العربية.
والى غير هذا ، ففي النصوص الادبية و بخاصة نصوص اللغة العربية معان كثيرة ، منها المعنى الايحائي و الاسلوبي و النفسي و الى غير ذلك.
و في النصوص الادبية يتضح بان امر الترجمة عسير جداً بما تحمله النصوص الادبية من افكار و معان قد لا يتوصل المترجم فيها الى اصل النص. و من هنا يمكن القول بان المترجم يجب ان تتوافر فيه شروط مهمة ، هي ان يكون ملماً بما يترجم.
فارى ان الذي يترجم ما يتعلق بالعلوم يجب ان يكون ملماً في لغته بجوانبها العلمية و كذلك اللغة الاخرى ، والاديب لا بد ان يكون متمكناً و دقيقاً و له ذوق رفيع في الادب ليتمكن من نقل افكار الاخرين ، ولذا نجد احياناً ترجمات ضعيفة للغاية لا يمكن الاستفادة منها. اما اذا كان المترجم ملماً بلغته و اللغة التي ترجم فيها ، فيستطيع تقديم ابداعه بشكل معقول. فالترجمة من الكتب المقدسة على سبيل المثال يتحرج منها المترجمون لانها ليست سهلة وقد لا يصل المترجم فيها الى المقصود ، فقد لوحظ ان الترجمات الموجودة الان عن القران الكريم يكثر فيها التعقيد بل تترك بعض المعاني و هي ذات اهمية. ويبتعد المترجمون عن ترجمة القران لوجود نصوص اعجازية لا يمكن ضبط مقصودها. ولذلك اعتمد اكثر المترجمين سواء كانوا عربا أومستشرقين ترجمة تفسير القران وليس النص القراني ، وفي مثل هذه الحال قد تضيع الدلالة ، والمعنى يفقد المراد.
فالترجمة فن لا بد ان يراعى فيه دلالة الالفاظ و دقة فهم المعاني فضلاً عن فهم دلالة النصوص بكاملها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1- دلالة الالفاظ نقلاً عن زهر الاداب و ثمر الالباب للنويري 2/208
الامية عند العرب و المساهمة الدلالية
لم تكن لفظة الامية من الالفاظ منحطة الدلالة ، بل ورد انحطاطها في مراحل متأخرة ، فالامية في العصور المتقدمة لا تفسر الا بعدم القراءة والكتابة ، و القراءة والكتابة ليس مما هو كبير الاهمية في العصور المتقدمة مقارنة بواقعنا الحالي ، اذ التعقيد في الحياة الحضارية و التخصص و حفظ العلوم.
و لو كانت الامية من الامور المنحطة او المذمومة في المجتمع لذمها القران الكريم بل نجدها في القران بشكل اخر كقوله تعالى (هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم اياته و يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين) 1.
فقد وصف الرسول بالامي و وصف الناس بالاميين و هذا ليس انتقاصاً لشخصيتهم ، بل اراد ان القران الكريم لم يقرأه الرسول من قبل لانه لا يعرف القراءة و الكتابة و لم يتعلمه من احد من البشر ، و اريد بهذا الامر الاعجاز.
لقد كان اغلب حكماء العرب القدامى من صناع الكلام اميين ، و قد شاركت الامية بتوقد حافظتهم و امكانية تطوير ذهنيتهم.
و دعماً لما تقدم نرى ان الدكتور ابراهيم انيس يقف عند رأي ملفت للنظر و هو ان السبب الرئيس في تطوير اللفظ هو الاهتمام بالصوت اكثر من الاهتمام بالكتابة و هذا الامر مما تتنامى فيه الذاكرة ، و ان الحديث الشفاهي عند الناس ساهم في تطوير الكلام و الدلالة ، فاللغة حيوية و ليست مجرد كتابة ، هب ان شخصاً يريد دراسة لغة و فهم معانيها فما الذي يعمل على تطوير امكانيته اللغوية و دلالة الفاظ تلك اللغة ، بالتأكيد المشافهة و ليس الكتابة ، و لو اننا درسنا ميدانياً و دخلنا الى اماكن و مراكز يتحدث بها الناس باللغة الفصحى ، و بالمقابل جئنا الى مكان اخر و التقينا اناساً يدرسون اللغة نظرياً فبالطبع سيكون نصيب صحة التحدث عند من يمارسون اللغة أوفر ، و هذا مما يساهم ايضاً بالالتفات الى دلالة الالفاظ فالادب الجاهلي دلالته اعمق مما تقدم من العصور لكون المجاز و المشترك و جمال اللفظ و صورة دلالته واسعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1- سورة الجمعة 2