الوصف
يعد الوصف من أهم الأغراض الشعرية التي طرقها الشعراء الجاهليون ، وبرعوا فيها ، فوصفوا كل ما أبصروه ، وشاهدوه وصفا دقيقا ، وكان شعرهم تصويرا صادقا لكل ما وقعت عليه أعينهم (1) ، فقدموا لنا لوحاتٍ فنيةً منقولةً بدقة وبراعة عن البيئة التي عاشوا فيها (2) مما جعلنا وجها لوجه أمام معالم تلك البيئة   نعيش قلبها، ولا نتخيلها تخيلا.(3) وكان الشاعر الجاهلي يستقرئ جميع الموصوف، فلا ينهي لوحة الوصف إلا بعد أن يقدم الصورة بأبهى منظر ، وأدق بيان ، فبدت القصيدة الجاهلية وكأنها شريط مصور تظهر فيه معالم تلك الحياة (4).
        اهتم النقاد القدامى بهذا الفن ، ووضعوا تعريفات عديدة له (5)، لكنها أهملت العلاقة بين الواصف والموصوف، أما النقاد المحدثون فقد التفت كثير منهم إلى هذه العلاقة بين الشاعر وما يصفه، وتنبهوا إلى مشاركته إياه بوجدانه ومشاعره (6) .
        ركز الشعراء الجاهليون عدساتهم الفنية على الطبيعة ، فنقلوها في أشعارهم لوحات فنية ، فيها دقة في الوصف ، وبراعة في التشبيه ، وروعة في التعبير ، حتى ليخيل إلينا أن الشاعر الجاهلي يصور لنا الموصوف ، فنراه رؤيا العين ، ونقل إلينا باللغة ما ينقله الرسام بالريشة ، فتوجه إلى الطبيعة بحواسه ، وخياله ، فوصف أطلالها ، وحيوانها ، ونباتها ، ورياضها ، وكان هذا الجاهلي في ساعات فراغه ينطلق نحو مجالس اللهو والخمر والغناء ، فوصف لنا بأسلوب راق ما كان يدور في تلك المجالس ، واستطاع أن يضعنا في أجوائها .

منطلقات قصيدة الوصف الجاهلية :
1- لوحة الناقة :
اهتم الجاهليون بالناقة اهتماما عظيما ، وملأوا مطولاتهم بأوصافها ، حتى يكاد يتولد إحساس عند المرء أن هذا الشعر هو شعر الإبل وحده (1) . واقرأ في المخصص لإبن سيدة تجد المؤلف قد خصّ الإبل بنحو مائة وسبعين صفحة من صفحات معجمه الكبير (2). تحدث فيها عن أسمائها وصفاتها .
والناقة سفينة البدوي في صحرائه ، يقطع فيها القفار والفيافي . وهي مصدر مهم من مصادر طعامه وشرابه … وبها يقامرون ، ويدفعون الديات ، ويجودون في أوقات الشدائد .
وقد فتنت هذه الناقة الشاعر الجاهلي ، فوقف يتأملها ، ويرد بصره فيها ، وأخذ يصفها عضوا عضوا ، ويصف هيئتها وطباعها ، وما يداخل صدرها من أحاسيس ومشاعر ، ويتحدث عن علاقتها به ، كأنما هو يتغزل بها (3) ، لأنه يرى فيها نواحي الجمال ، وعبقرية الكون التي لا يحيط بها وصف (4) .
ولعل من أهم ما يميز هذا الموروث الشعري الضخم الذي خلفه لنا الجاهليون في وصف الإبل :
1- خشونة اللغة وصعوبتها ، فإنها تخشوشن وتستغلق على الفهم ، بل " يندر أن تنطق الألسنة بها إلا عند الأخصائيين (5) " . وما نحسب أن هذه اللغة شديدة علينا وحدنا ، بل نظنها كانت شديدة على معاصري الشاعر الجاهلي أيضا ، لأنه        ." يصور صورة قوية شديدة فيتخذ لها ألفاظا تحكيها ( ) ".
2- تقارب الصور بحيث يصعب على القارئ أن يفوز بملامح ناقة إنفرد بها هذا الشاعر ، ولم ترد عند سواه ، ويصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل ، " أن نفرق بين شعر هذا الشاعر ، أو ذاك في الناقة ، فأسلوبهم فيها متشابه إلى حد كبير  والصّور التي يلتزمونها ، والأساليب التي يجرون عليها ، تكاد تكون أنماطا ثابتة لا تغيير فيها ولا تبديل إلا في حدود ضيقة (2) .
لقد انتهت لوحة الرحلة إلى شعراء العصر المبكرين ، وهي مستكملة لكثير من عناصرها ، ولعل أوضح تلك العناصر هذه الجسور اللفظية التي تؤدي إليها بعد إنتهاء لوحة الافتتاح ، وتتخذ غالبا صيغة " تسلية الهم (3) " . 
        والناقة هي وسيلة الشاعر وأداته التي يستعين بها على بلوغ الهدف من موقف الصراع ، ولهذا فإنه قد يفرغ لوصفها الذي يستمد عمقه ، وامتداده ، من تحفزه الذاتي ، واستعداده الفني لمتابعة تفاصيل مظهرها الفني، الذي طال تأمله له  وامتزجت له في نفسه عوامل الألفة والإعجاب والمنفعة (4) . 
        ولقد ظل الشاعر الجاهلي يتابع هذه التفاصيل التقليدية ، ويحاول أن يضيف إليها جديدا . وتتجه الأوصاف والتفاصيل الموروثة إلى التركيز على ضخامة الناقة، وشدتها ، وصلابتها ، وسرعتها ، فهي تجسر على السير ، موثقة الخلق ، محكمة ليست مما يلقح ، فلا يدر لبنها ، ولا تضعف بذلك قوتها البدنية ، تشبه العير في صلابتها ، قال الأسود بن يعفر النهشلي (5) (1:
        ولقد تلوت الظاعنين  بجسرة          أجد مهاجرة السقاب جماد
        عيرانة سد الربيع  خصاصها           ما يستبين بها  مقيل قراد
وناقة علقمة الفحل التي حملته إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ناقة نشيطة قوية ، صابرة على الهاجرة ، تواصل الليل بالنهار في سيرها السريع الدؤوب ، وكأن صيادا يلاحقها ، على الرغم من طول الرحلة ، وبعد المسافة التي تفصله عن الممدوح ،  وما يحفّها من أخطار لا تواجه المسافر فقط ، بل تعرض للناقة أيضا ، فالماء الآجن المتغير الطعم ، والجيف المتناثرة التي ظهرت عظامها البيض لنياق ضعيفة لم تستطع أن تكمل المسيرة ، وعلى الرغم من عظم المشاق فان ناقته الجريئة القوية هي القادرة على أن تحمله إلى المكان الذي يريد .
        ولا بد من أن تكون حذرة نشيطة حادة الذهن ، وهي في خشيتها وترقبها وسرعتها تشبه البقرة المذعورة الخائفة من صياد ألم بها يتابعها .
        وقد سبقت هذه البقرة الشبوب نبال الصيادين وكلابهم ، وقد استتروا بشجرة الأرطى ليرموها .
        وهي في شدة سيرها تميل إلى أفياء الظلال لشدة لفح الهاجرة ، تقطع الفلوات المخوفة . وهذه الفلوات لا تقطعها إلا ناقة قوية جلدة .
        وإن كان الشاعر قد عرض لموضوع تقليدي ، وهو وصف ناقته ، إلا أنه حملها من الأوصاف الدقيقة ، ما يخدم غرض القصيدة كلها ، وهو بلوغ الحارث . ذلك البلوغ العظيم الشاق ، الذي نهدت له ناقة قوية ، أناخها أمام القصر .
واستمع إلى هذه الألحان التي عزفها علقمة للحارث (1) ، واصفا الرحلة ، وما كابد فيها من مشقة ، فلم يملك الحارث ، إلا أن يبدي إعجابا شديدا ، ويقول : لقد أتعبت المطي يا ابن عبدة : 
فدعها وسل الهم عنك بجسرة      وعيس بريناها ، كأن عيونها     إلى الحارث الوهـاب أعملت ناقتي تتبع أفياء الظلال عشيــــة  وناجية أفنى ركيب ضلوعها     فأوردتها ماء كأن جمامــه     وتصبح من غب السرى وكأنها   تعفّق بالأرطى لها وأرادها       لتبلغني دار امرىء كان نائيا     إليك أبيت اللعن كان وجيفها      هداني إليك الفرقدان ولاحب      بها جيف الحسرى فأما عظامها     .               كهمك فيها بالرداف خبيـب  قوارير في أذهانهن نضوب  لكلكلها والقصريين وجيـب  على طرق كأنهن سيـوب   وحاركها تهجر فــدؤوب  من الأجن حناء معا وصبيب مولعة تخشى القنيص شبوب   رجال فبذت نبلهم وكليب     فقد قربتني من نداك قروب    بمشتبهات هولهن مهيــب   له فوق أصواء المتان علوب  فبيض وأما جلدها فصليـب   .
        وناقة كعب بن زهير ليست مبتوتة الصلة بلوحة الافتتاح التي تحدث فيها عن سعاد، وأصبحت صورة من همه ، هي الآن مثل العصر البائد أصبحت بعيدة جدا عن المنال … والتوصل إليها ليس سهلا … فهي تقطن في أرض بعيدة نائية . والرحلة إليها طويلة صعبة ، لا تستطيع القيام بها إلا أنواع خاصة من النياق النجيبات المراسيل ، ومن هنا ينطلق الشاعر في وصف طويل دقيق لهذه الناقة العظيمة التي يحتاج إليها الإنسان في رحلة نحو سعاد ، لكي يتوصل في النهاية إلى تأكيد جديد إلى أن سعاد قد فارقته على مستوى الواقع والوجدان ، يقول (1):
        أمست سعاد بأرض لا يبلغهـــا         إلا العتاق النجيبات المراسيــل
        ولن يبلغهــا إلا  عذافــــرة      فيها على الأين إرقال وتبغيــل
        من كل نضاخة الذ فرى إذا عرقت      عرضتها طامس الأعلام مجهول         
ثم يشرع في وصف هذه الناقة وصفا تفصيليا دقيقا لكي يقدم لنا صورة مادية متكاملة للناقة المثال ، وهي صورة لا توجد في ناقة واحدة في وقت واحد ، ولكن عناصرها تقع في الحياة متفرقة ، والشاعر يركب من أحسن هذه العناصر صورة واقعية في أصولها ، مثالية في نهايتها .
        إن الناقة التي يمكن أن تضطلع بهذه المهمة الصعبة لا بد أن تكون شديدة غليظة ، لا يوقفها الإعياء عن السير ، ولا يكتفي الشاعر بهذا التقرير العام عن الناقة …. فيمضي بعد ذلك في تفصيل هذه الشدة والغلظة فيها ، من خلال أوصافها الحسية المحددة ، فمن أشكال هذه الغلظة أنها إذا عرقت فار العرق منها فورانا ، دليلا على عظم الجهد الذي تبذله ، وأن همتها تتجه دائما إلى مجاوزة الآفاق البعيدة المجهولة ، وكأنها تستمد طموحها ، هنا ، من طموح الشاعر .
        ثم يقدم لناقته وصفا حركيا ، يشير إلى نشاطها وقدرتها على طي الأبعاد . فإن هذه الناقة - في الوقت الذي تتوقد فيه رمال الصحراء من لهيب الشمس – تخترق المدى بحدة نظرها ، وبخفة جسمها ، تماما كأنها حمار الوحش ، وسعيا وراء الصورة المثالية لا يكتفي الشاعر بذكر حمار الوحش ، ليشبه به ناقته ، هنا ، فهو ليس حمار الوحش في وصفه العادي ، ولكنه حمار الوحش الذي تأخر عن القطيع ، وأصبح منفردا ، وهو في هذه الحالة يكون في أوج نشاطه لكي يلتحق بالقطيع .
        ويلجأ الشاعر إلى وصف الجزيئات في جسم الناقة لكي يؤكد ضخامتها ، وقوتها وقدرتها على متاعب الطريق .
        وقد دفعه الإعجاب بناقته إلى تحقيق نسبها ، فيعمد إلى متابعة طويلة معقدة، تشكل على القارئ إذ يقول (1) :
        حرف أخوها أبوها من مهجنة          وعمها خالها قوداء شمـليل
ومهما يكن الأمر فإن كعبا لا ينسى في سعيه وراء الصورة المثالية أن يذكر لنا أن هذه الناقة لم تنتج بعد ، لكي يدر لبنها فتضعف بذلك قوتها البدنية .
        وبعد أن يمدّنا الشاعر بفيض من الصور الحسية والجسدية ، يقدم لنا وصفا حركيا لناقته ، فهي تمضي مسرعة على قوائم خفاف ضامرة لكي تكون أقدر على الحركة النشيطة ، فغدت من سرعتها لا تكاد تمس الأرض ، وإنما هي مثل تحلة اليمين ، يعمل الإنسان يسيرا بمقتضاه لكي يتحلل من قسمه ، والناقة ، هنا ، تمس الأرض بسرعة مذهلة كمن يتحلل من عهد أخذه على نفسه . ومثل هذه القوائم لا تحتاج إلى التنعيل ، لكي تقوى على الحصى والتلال ، وإنما هي تنثر الحصى بأخفافها يمينا وشمالا ، لا يوقفها شيء .  
        ويعود الشاعر ليقدم لنا ، مرة أخرى ، صورة حسية حركية متكاملة ، لها طابع مثالي ، للتدليل على سرعة هذه الناقة وخفتها . وهو في هذه الصورة يعطينا شاهدا جديدا على أسلوب الجاهليين في متابعة الصورة وتنقيتها ، ولملمتها… فيلتقط بعدسته الفنية صورة لقوائم ناقته ، وهي في وضع الحركة السريعة في أقسى الظروف ، ليقول لنا : إن هذه القوائم تكون على هذا النحو من السرعة والخفة ، في مثل هذه الظروف الشديدة التي نتوقع معها الخمول والركود من أقوى الأجسام ، فكيف إذن في الظروف العادية أو الحسنة . ففي الوقت الذي تلتهب فيه الدنيا من شدة الحرارة ، ويتوقف فيه الركبان عن السير ، ويقيلون في بعض الظل ، حتى تخف حرارة الهجير …. وينضج خبر الملة بالرمل الساخن… والجنادب لا تقوى على مس الرمال والحصى … في مثل هذه الأحوال تظل ناقة كعب  ترجع يديها عبر الصحراء بسرعة مذهلة مثل يدي امرأة شابة مات بكرها ، فلا تني تحرك يديها تحريك الثاكلة . لقد كان الشاعر في غاية الذكاء حين اختار مثل هذه المرأة ، لكي تكون الموضوع الذي يشبه به يدي ناقته . فقد اختارها شابة لكي تكون قادرة على الحركة الشديدة المستمرة ، وجعلها ثاكلة لبكرها ، لكي يضطرها الحزن إلى التلويح بيديها بكاء وندبا عليه ، وجعلها أما لعدد من الأولاد لكي يكون وقع المصيبة عليها أشد ، فهي لم تفقد البكر فحسب ، بل فقدت المعيل … وستضطرها هذه المصيبة القاسية على المبالغة في بكائها ، وتلويح يديها ، فهي شديدة الحركة واللطم ، كأنها قد فقدت عقلها حين جاءها الخبر بالنعي ….. وهي لا تني تشق الثياب، وتخدش النحر والصدر باللطم .
        هذا كله لكي يدلل لنا على قوة هذه الناقة ، وشدتها وخفتها …. فلا يستطيع أن يقوم بهذه المشقة إلا ضرب معين من النياق . لكي يؤكد مرة أخرى بعد الرحلة عن أرض سعاد ، تلك الأرض البعيدة التي تمتد بينه وبينها آماد مستحيلة ، مثل تلك الآماد التي تمتد الآن بينه وبين الحياة الجاهلية ، التي تهدمت بالمعاول الإسلامية ، فيقول مصورا هذا كله :
1 ترمي الغيوب بعينـي مفـرد لهق    2 ضخم مقلدهـا  فعم  مقيدهـــا   3 حرف أخوها أبوها من مهجنــة     4 يمشي القراد عليها ثم يزلقـــه    5 عيرانة قذفت في اللحم عن عرض   6 كأن ما فات عينيها ومذبحهـــا   7 تمر مثل عسيب النخل ذا  خصل    8 قنواء في حرتيها للبصير بهــــا 9 تخدي على يسرات وهي لاحقـــة 10 سمر العجايات يتركن الحصى زيما  11 يوما يظل به الحرباء مصطخمــا  12 كأن أوب ذراعيها وقد  عرقــت   13 وقال للقوم حاديهم وقد جعلـــت      14 شد النهار ذراعا عيطل  نصــف  15 نواحة رخوة الضبعين ليس لهــا  16 تفري اللبان بكفيها  ومدرعهـــا   .             إذا توقدت الحزان والميـــــل  في خلقها عن بنات الفحل تفضيـل  وعمها خالها قوداء شمليــــل   منها لبان وأقراب زهاليــــل    مرفقها عن بنات الزور مفتـول     من خطمها ومن اللحيين برطيـل   في غارز لم تخونه الأحاليــل     عتق مبين وفي الخدين تسهيــل    ذوا بل وقعهن الأرض تحليــل    لم يقهن رؤوس الأكم تنعيـــل    كأن ضاحيه بالنار مملــــول    وقد تلفع بالقور العساقيـــل       ورق الجنادب يركضن الحصى قيلوا قامت فجاوبهـا نكـد مثاكيـل      لما نعى بكرها الناعون معقــول   مشقق عن تراقيها رعابيـــل      .
وعلى الرغم من أن الشعراء الجاهليين قد تفتقت ألسنتهم بوصف نياقهم وصفا حسيا، أبدعوا فيه إلا أن " قلوبهم قلما خفقت بمشاعر تلك الإبل ، وأحاسيسها  وما يعتري نفوسها الواجفة من حنين وشوق ، وما يتسرب إليها من خوف ، ووجع  وما تشهق به من شكوى دامعة (1)".
        وتفنن المثقب العبدي في وصف ناقته التي شغلت نصف قصيدته تقريبا (2)، وكان هذا الاعتداد بوصفها جزءا من الاعتداد بوصف شخصيته ، حيث خلع عليها جميع الأوصاف التي تحمل صورته .
        والشاعر يتعب ناقته ، ويجهدها لأنه قلق متعب ، فزجها في مسالك صعبة … لقد وجد في ناقته خليلا وأليفا ، يستريح على أنفاسه ، فتقاسمه شطرا من العذاب والعتاب ، وبذلك يدخل الشاعر في تلاحم عضوي مع ناقته ، بصورة لم نعهدها في شعرنا العربي إلا قليلا ، " لقد هدم المثقب جدار العجمة العالي بينه وبين ناقته وقدمها لنا – في غير زيف -  صديقا حميما ، ثقله الحزن ، والمكروه ، وشق عليه الصديق ، فحار في أمره (3) ، يقول(4) :
        إذا ما قمت أرحلهـا بليــل                تأوّه آهة الرّجل الحزين
        تقول إذا درأت لها وضينـي             أهذا دينه أبدا  ودينـي
        أكل الدهر حل  وارتحــال                أما يبقي علي وما يقيني
        فأبقى باطلي  والجد منهــا              كدكان الدرابنة  المطين
        ثنيت زمامها ووضعت رحلي           ونمرقة رفدت بها يميني
وما أمر تأوهها وشكواها إلا أمر الشاعر ، فالشاعر يشكو بلسان ناقته ، وهو الذي يتألم ، ويتأوه ، ويواصل تحمل السفر ، كل ذلك أسقطه على  ناقته .
        ولعل هذا ما دفع المرحوم طه حسين إلى القول : إن هذه الأبيات خليقة بأعظم الإعجاب ، وهي من أروع ما قال الناس ، لا في اللغة العربية وحدها ، بل في غيرها من اللغات أيضا (1) .
        ولا يقل ما قاله سبيع بن الخطيم التيمي في ناقته عما قاله المثقب ، فقد ترك وصفها ، والحديث عما عليها من رحل أو متاع ، ليصور لنا أحاسيسه تجاه أحاسيسها ، وكأن بينهما مناجاة حزينة ، فهي تحن وتمعن في الحنين ، وكأن صدورها مزامير ، لا تفتأ تزمر ، وتصوت ، فيشفق عليها تارة ، ويزجرها أخرى، فتستعيض عن الحنين الاجترار والصّريف بأنيابها ، لأنها لم تستطع أن تكلمه ، ثم تنهال عبراتها ، فيقع في روع الشاعر أنها ضائقة بزجره إياها ، ويعلم أنها إبل كريمة تصبر على الشدائد ، فاستمع إلى ما قاله (2) :
        إما تري إبلي كأن صدورها             قصب بأيدي الزامرين مجوف
        فزجرتها لما أذيت بسجرها             وقفا الحنين تجرر  وصريـف
        فاستعجمت وتتابعت عبراتها           إن الكريم لما ألم عـــروف   
ولم تكن ناقة الحادرة بأوفر حظا من ناقة المثقب ، فهي ناقة ضامرة من شدة التعب، ألحّ عليها بالسفر الطويل ، حتى أحست بالوجع في أيديها ، فأخذت تعرج في سيرها ، فقال ( ) :
 ومسهدين من  الكلال  بعثتهـم        بعد الكلال إلى  سواهم ظلّـع
أودى السفار  برمها  فتخالهــا         هيما  مقطعة حبـال  الأذرع
تخذ الفيافي  بالرحال  وكلهــا يعدو بمنخرق القميص سميدع
ومطية حملت  رحل  مطيــة            حرج تنم من  العثار بدعـدع
وتقي إذا مست مناسمها الحصى              وجعا وان تزجر  به  تترفـع

2- لوحة الثور الوحشي :
        لا يكاد الشاعر الجاهلي يفرغ من وصف ناقته ، التي أطال الوقوف عندها، ودقق النظر في أعضائها ، حتى يعرض علينا لوحة فنية ثانية ،هي لوحة " الثور الوحشي " متخذا من أداة التشبيه " كأن " جسرا لفظيا يربط هاتين اللوحتين الفنيتين، فيفصل القول في المشبه به ، لدرجة أن القارئ ينسى المشّبه لطول التشبيه . وقد وقف أستاذنا محمد النويهي عند هذا التشبيه الذي سماه " التشبيه الاستطرادي " ، وقال : " وهكذا نستطيع الآن أن نفهم ظاهرة من أهم الظواهر في الفن الجاهلي ، وأجدرها بالتفكير الطويل ، وهي إطالة التشبيه والاستطراد فيه إلى حد يبدو فيه مسرفا ، فهذه الظاهرة لا يمكن تعليلها تعليلا مقنعا ما دمنا نصدق إدعاء الشاعر أنه جاء بالتشبيه ليوضح المشبه ، ولم ندرك أن هذا التشبيه الطويل المستطرد ليس إلا حيلة، يحتالها الشاعر للخلاص من موضوع يعتقد أنه وفاه حقه ، إلى موضوع آخر، يريد أن يعطيه عنايته ، فليلتمس هذا الربط المصطنع ، ليبرر انتقاله(1) ".
        وصـورة الثـور الوحشي في عامة التجارب الشعرية قد تشابهت عناصرها (2) " ولا تكاد سيماؤه تختلف إلا في بعض التفاصيل ، لدرجة أن المرء قد يتوهم أحيانا وكأن أمامهم نموذجا معدا ينسخون عنه .
        والثور يواجه صراعه منفردا ، لا يقف إلى جانبه مَنْ يلوذ به ، أو يحتاج إلى حمايته ، وبذلك يتجه المشهد إلى منح الشاعر فرصة الايحاء بمواقف الصراع، ذات الطابع الفردي ، ونراه في عامة التجارب يواجه صراعين : يتمثل مشهد الصراع الأول في مواجهة الثور لأهوال ليلة ، يشتد فيها المطر والريح ، وغالبا ما يكون هذا المطر من نوء الجوزاء (3) ، فيصارع من أجل أن  يحتفر لنفسه مبيتا عند أصول شجرة أرطاة (4) أو غرقد (5).
        وأما مشهد الصراع الثاني فيكون في مفاجأته بنذير الموت ، متمثلا في أصوات كلاب صيد مقبلة ، وعندئذ يفزع إلى قوائمه ، فيستمد منها العزم على الهرب ، ولكن الكلاب تتكاثر عليه ، وتنهش لحمه ولكنه يتذكر كرامته ، فيكر عليها بروقية ( قرنية ) ليطعنها ، فيصرع هذا ، ويجرح ذاك ، وتراجع السليمة منها أنفسها ، وترى أن اليأس أولى بها ، فتعود عنه . ويتجه نحو المجهول …..     والثور ، هو المنتصر غالبا في معركة فرضها عليه قدره ، وهيأ له فيها وسائل النصر ، ما عدا قصائد الرثاء ، فقد كان الهالك فيها ( ) .
        وهذه هي الصورة العامة لهذه اللوحة الفنية في عامة التجارب الشعرية ، ولا يختلف الشعراء إلا في تفاصيل عرضها . ويعد الأسود بن يعفر النهشلي من أوائل الشعراء الذين وقفوا عند هذه اللوحة الفنية وقفة طويلة ، وفصلوا أبعادها ، ودققوا في أجزائها . فقد ركز عدسته الفنية ، " ورسم لوحة فنية رائعة لهذه العملية – عملية الصيد – التي تعاور على إيرادها الشعراء من بعده ، فقد لون الأسود الصورة بألوان زاهية ، ووضح معالمها توضيحا بينا ، وجسد زواياها تجسيدا حيا، فاستدق بأوصافها …. وقد هيأ الشاعر لهذه الصورة مستلزماتها  ومتطلباتها ، وقد احتذى الشعراء بعده حذوه ( ) وقال( ) :
 كأنها ناشط هاج الكلاب  بـه           من وحش خطمة في عرينه خنس
بانت عليه من الجوزاء  أسمية                وقيل بالسبط العامي يمتـــرس      
ثم أتى دفء أرطأة بمحنيــة            من الصريمة أواهٌ لها الدلـــس     
منبوذة بمكان لا شعـار بــه             وقد يصادف في المجهولة اللمـس 
عيرته بين أنقاء حنون  لهــا           من الصريمة أعلى نربها  رهـس  
فاجتابها وهو يخشى أن يلط بها               خوف على أنفه والسمع محتـرس 
يبري عروقا ويبدي عن أسافلها               كما تلين للخرانة الشـــــرس        
حتى إذا ما انجلت ظلماء ليلتـه         عند الصباح ولم يستوعب الغلـس 
ومار ينفض روقيه ومتنته     هاجت به فئة غضف مخرجة  وفاجأته سرايا لا زعيم لها     معصبا من صباح لا طعام له   فكر يحمي بروقيه حقيقته      ما إن قليلا تجلى النقع عن سند ومن دفاف تحيت الجنب نافذة  ثم تولى خفيفات قوائمه         .              كما تهزهز وقف العاجة السلس   مثل القداح على أرزاقها عبس    يقدمن أشعث في مارية طلس     ولا رعية إلا الطوف والعسس    به عليهن إذ أدركنه شمس        وزارع غير ما إن صاد منبجس   حمراء يخرج من حافاتها النفس   بالسهل يطفو وبالصحراء يملس   .
        ونحن أمام قصة ، شخصياتها : الثور الوحشي ، والكلاب الضارية ، والصياد . وقد ركز الشاعر عدسته الفنية على شخصية البطل ( الثور ) فرسمها ، ووضح جوانبها . فإذا به يجوب الفلوات والقفار ، في ليلة ليلاء ، شديدة البرد والمطر، والريح. ضاقت به الدنيا ، فأخذ يبحث عن مأوى يبيت فيه ، ليقيه  البرد ،
فيتجه إلى مكان ناء ، ويهتدي إلى شجرة أرطى ، وهي شجرة منبوذة بمكان لا شعار به ، اختار ذلك المكان القصي ليلتمس فيه الأمن والاستقرار ، وليكون بمنأى عن أي عدو قد يظهر . وظل يتوجس خيفة ، وأرخى سمعه ليلتقط أي صوت مهما كان بعيدا ، فاتسم سلوكه هذا بالحذر ، وحفر لنفسه مكنسا في أصل تلك الشجرة … وفي ساعات الصباح ، وبعد أن أخذ الصبح ينشر خيوطه مار وانتفض ، لينفض عن قرنيه ومتنه ما علق عليه من رمل ….  وكان اهتزازه يدل على خيلاء ، وزهو ، وفرح … وتبدأ الأحداث بالتعقيد …. وتبدأ شخصيات جديدة  بالظهور ، وهي الكلاب الضارية ، التي أضناها الجوع …. فبدت متجهمة عابسة ، ظهرت على شكل سرايا … ليس لها زعيم يتقدمها …. يسير خلفها صائد بائس مكدود ، أشعث أغبر  لشدة ضربه في الأرض بحثا عن رزقه ، يتضور جوعا ، وليس لديه شيء من الطعام ، وليس له مصدر رزق إلا الطوف ليلا ، ومطاردة أوابد الصحراء .
        وتبدأ القصّة بالتعقيد ، وتبدأ الكلاب تطارد الثور مطاردة عنيفة ، استمرت حتى طلوع الشمس …. وكادت الكلاب تتغلب على الثور …. ونرى الثور يفكر في حقيقته ووجوده ، ويدخل معها في قتال ضار ، ويتخذ من قرنيه سلاحا يذود به عن كرامته ، فيبقر بطون هذه الكلاب ….. فإذا بكثير منها تصرع ، وتضرج بالدماء، وتفر الكلاب التي نجت ،  ويستأنف الثور مسيرته ، متجها نحو المجهول .    
أما ثور النابغة فهو مجرس وحد ، يحمل الذعر في داخله ، يستطلع الأصوات ، والأجراس الصغيرة ، بل تنفسات الطبيعة ، ويخشى كل نبأة … فها هو الليل قد أقبل عليه ، يجنه بالظلمة ، وتعصف به الرياح ،  وينهمر عيه سيل المطر ….
فيلجأ إلى شجرة أرطاة ، وينبلج الفجر …… فيواجه صراعا آخر مع مجموعة من الكلاب …. فأقبل يطعنها بقرنيه ، والكلاب أخذت تنهشه … وقد تعارك الثور والكلاب كأنهم ممثلون على مسرح الحياة …. ويأبى النابغة إلا أن يكون ثوره هو المنتصر ، فقال ( ) :  
مجرس  وحد  جون  أطاع لـه نبات غيث من الوسمي مبكـار
سراته  ما  خلا  لبانه  لهــق           وفي القوائم مثل الوشم بالقـار
باتت له  ليلة  شهباء  تسفعــه        بحاصب ذات أشعان وأمطـار
وبات ضيفا  لأرطاة  وألجــأه   مع الظلام إليها  وابل  ســار
حتى إذا ما انجلت ظلماء  ليلتـه        وأسفر الصبح عنه أي  إسفـار
أهوى له قانص يسعى  بأكلبــه عاري الأشاجع من قناص أنمار
محالف الصيد هياش له  لحــم         ما إن عليه ثياب غير أطمــار
يسعى بغضف براها فهي طاوية       طول ارتحال بها منه  وتيــار   
حتى إذا الثور بعد النفر أمكنـه         أشلى وأرسل غضفا  كلها ضار
فكر  محمية  من  أن يفـر كما          كر المحامي حفاظ خشية العار
فشك بالروق منه  صدر أولهـا                 شك المشاعب أعشارا بأعشـار
ثم انثنى بعد للثاني فأقصــده           بذات ثغـر بعيـد القعر نعـار
وأثبت الثالث الباقي  بنافــذة           من باسل عالم بالطعـن  كرار
وظل في سبعة منها لحقن بـه          يكر بالروق فيها كر إســوار
حتى إذا ما قضى منها لبانتـه           وعاد فيها باقبال وادبــــار
انقض كالكوكب الدري منصلتا                 يهوي ويخلط تقريبا  بإحضـار
إن مشاهد الصراع الدامية في هذه اللوحة الفنية ( لوحة الثور الوحشي ) من أشد أنواع الصراع في القصيدة الجاهلية  ، وربما حمل الثور في لوحة الصراع هذه إرثا من القداسة التي كان الأوائل يسبغونها عليه ( ) . وربما كانت هذه القصة معادلا فنيا للصراع الدائر بين الإنسان والأقدار التي يحول حاجزها بين الإنسان وما يتمناه ( ) .
وربما يكون الشاعر الجاهلي قد أراد أن يبرز صورة الصراع الإنساني ، ودور الفرد فيه . فالثور يرعى وحيدا ، ليس مع قطيع . فيدور الصراع بينه وبين الكلاب ، ويكون هو المنتصر ، إلا في نماذج الرثاء ، وقد يكون في هذا الانتصار انتصار لفردية الشاعر على أعدائه بمنأى عن القبيلة ، مخففا بهذا من غلواء قيود الالتزام القبلي ،  تلك القيود التي أدمت معصميه . 
3-  لوحة الحمار الوحشي :
إن التقاليد الشعرية العريقة لا يمكن أن نقبل بتفسيرها تفسيرا ساذجا ، فنقول : إن الشاعر يريد أن يعبر عن خبرة دقيقة بأحوال الصحراء ، والشعر أعمق من أن يكون استعراضا للمعارف ، والشاعر لا يشبه ناقته بحمار الوحش في سرعته وصلابته فقط ، لأن قصة حمار الوحش تحمل معاني أخرى غير السرعة والصلابة ، ففيها حكمة الحمار ، وسداد رأيه ، وعزيمته ، وغيرته ، وتعشقه ، ومعرفته .
والشعراء عندما يكررون هذا المشهد ، يعبرون عن حاجة ملحة في النفس، فيختارون لها هذا الشكل الفني العريق . إن عقل الشاعر الجاهلي لا يظهر ظهورا واضحا في غرض من أغراض شعره -  إذا استثنينا الحكمة – كما يظهر في الحديث عن الحيوان ، ولا سيما الثور الوحشي ، وحمار الوحش ، والظليـم ، " ولعل شغف الشعراء بتصوير هذه الحيوانات تصويرا دقيقا واسعا يتكرر في طائفة عظيمة من هذا الشعر ، يعكس حاجة أو رغبة بين جوانحهم للتعبير عما في نفوسهم وعقولهم " (1) .
وقصة حمار الوحش تبدأ عندما يشبه الشاعر ناقته بهذا الحمار ، وتكاد صور التشبيه تأخذ شكلا فنيا ثابتا ، كقول عبيد بن الأبرص (2) :
حرف كأن الرحل منها على             ذي عانـة مرتعـة عاقل  
وقول النابغة (3) :
        كأن قتودي والنسوع غدا بها           مصل يباري العون جأب معقرب
اشتهر أوس بن حجر بوصف الحمر الوحشية ، فضلا عن وصف القوس ، وشهد له بهذا التفوق ابن قتيبة في ترجمته له فقال : " وهو من أوصفهم للحمر والسلاح ، ولا سيمـا القـوس ، وسبـق إلى دقيـق المعانـي " ( ). وشهـد له بهذا التفوق أيضا إبن الأعرابي ، فقال : " لم يصف أحد قط الخيل إلا احتاج إلى أبي دؤاد ، ولا وصف الحمر إلا احتاج إلى أوس بن حجر " ( ) ( ) .
        وبالرغم من أن مشهد الحمار يبدو مختصرا في أحد الموضعين اللذين يرد فيهما من الديوان (3)(، فإن المشهد الطويل الذي يرد في فائيته يكشف عن عمق فني يسمو بالتفاصيل التقليدية حينا ، ويتجاوزها إلى دروب من الإضافة والتطوير حينا آخر . والمشهد يقع في واحد وثلاثين بيتا ، تنبثق عن تشبيه الناقة ، لتتخذ إطار لوحة فنية ذات أسلوب متميز ، يغلبه الطابع السردي .
        ويبرز مشهد الحمار تعبيرا عن صور صراع متميزة ، تتخذ مجراها عبر أداء فني للتفاصيل المشحونة بالقدرة الإيحائية عبر المشهد كله ، فتبدو الخضرة الربيعية والمياه التي يردها الحمار وأتانه ، أو أتنه ، أول المشهد تشخيصا حيا لمرحلة ما قبل الصراع ، والتي تتمثل في حياة الشاعر نفسه استقرارا وسكنا  إلى مجرى حياته مع الذين تربطه بهم وشائج وجوده الاجتماعي . وعندئذ يواجه الحمار تحدي البحث عن مورد جديد ، وتقف الأتن منتظرة قضاءه ، حتى ينجلي الموقف عن تذكره عينا نائية، يصبح الرحيل إليها رمزا للبحث عن دفء الاطمئنان المفقود. وتتدفق مشاهد الرحيل لتمثل صراع الحمار مع أتنه النافرة ، وهو يزجيها إلى هدفه، حتى إذا لاح له الماء ، أقبل ملهوفا ليلقي أكارعه فيه ، بعد أن تحقق الحلم بالوصول ، ولكنه ما يكاد يطمئن إلى موضعه حتى ينبري له القدر في هيئة صياد جائع ، يرسل سهما ينذره بخطر الموت ، وهنا يفزع هو وأتنه إلى نجاء لا هوادة فيه ، ويكون الشعر عند ذلك قد استوفى صور تجدد صراع الإنسان الذي لا ينتهي إلى غاية حتى يرغمه القدر على رحيل جديد ، إلى حلم جديد .
كأني كسوت الرحل أحقب قاربا                        لـه بجنـوب الشيطين مساوف( )
يقلب قيدودا  كأن  سراتهـــا            صفا مدهن قد  زحلفته الزحالف
يقلب حقباء العجيزة  سمحجــا                بها ندب من  زرهٍ  ومناســف
وأخلفه من كل وقط  ومدهــن          نطاف فمشروب يباب  وناشـف
وحلأها  حتى  إذا  هي أحنقـت         وأشرف فوق  الحالبين الشراسف
وخب  سقـا قريانـه وتوقـدت           عليه من  الصمّانتيـن  الأصالف
فأضحى بقارات الستار  كأنــه          ربيئة جيش  فهو  ظمآن خائـف
يقول له الراؤون : هذاك  راكب                يؤبن شخصا فوق علياء  واقـف
إذا استقبلته الشمس صد  بوجهه                     كما صد  عن  نار المهول حالف
تذكر عينا من غمازة ماؤهــا  له ثأد يهتز  جعد  كأنــــه  فأوردها التقريب  والشد  منهلا  فلاقى عليها من صباح  مدمرا  صـد غائر العينين شقق  لحمه  أزبُّ ظهور الساعدين عظامه أخو قترات قد تيقن أنه        معاود قتل الهاديات شواؤه    قصيٌّ مبيت الليل للصيد مُطعمٌ فيسر سهما راشه بمناكب      على ضالة فرع كأن نذيرها   فأمهله حتى إذا أَنْ كأنه        فأرسله مستيقن الظن أنه       فمر النضي للذراع ونحره     فعضّ بإبهام اليمين ندامة      وجال ولم يعكم وشيع إلفه      فما زال يفري الشد حتى كأنما كأن بجنبيه جنابين من  حصى            له حبب تستـن فيه الزخـارف     مخالط أرجاء العيون القراطـف    قطاه معيد كـرة الورد عاطـف    لناموسه من الصفيـح سقائــف    سمائم قيظ فهو أسود شاســف     على قدر شثن البنان جنادف         إذا لم يصب لحما من الوحش خاسف من اللحم قصرى بادن وطفاطف     لأسهمه غار وبار وراصف          ظهار لؤام فهو أعجف شارف       إذا لم تخفضه عن الوحش عازف    معاطي يد من جمة الماء غارف      مخالط ما تحت الشراسف جائف      وللحيْنِ أحيانا عن النفس صارف     ولهف سرا أُمّه وهو لاهف           بمنقطع الغضراء شدٌ مؤالف         قوائمه في جانبيه الزعانف           إذا عدوه مرّا به متضايف            .

       ولمس لبيد بن ربيعة بإحساس الفنان الأصيل أعمق مشاعر النفس وأخفاها ،
فصور غيرته على أنثاه ، فقد رسم صورة حية للزوج ، وقد انسرب إلى نفسه الشك وخامره ايمان مدخول بزوجه ، واشتدت به الحال ، وضاقت، فخرج بها ينشد
البعد والوحدة ، ويطارد الخوف (1) .
        وقد وقف عند هذا المشهد الأستاذ البهبيتي ، ورأى أنه يحفل بالرموز الإنسانية المتقمصة في تصرف ذلك الحيوان الأصمّ ، وقال ( ) : " فلبيد يفصّل في وصف حال حمار الوحش تفصيلا يطلعك على نوع ما يجري بقلبه من انفعالات الغيرة ، والحرص على أنثاه ، حرصا لا يقاربه فيه إلا الإنسان . وهو إذ يفعل ذلك يتتبع تلك الانفعالات النفسية الطارئة على الذكر في حالته هذه تتبعا دقيقا وافيا ، ويصف من أحواله وأحوال أنثاه ما لا مراء في أن عناصره مستمدة من احساسات صاحب الشعر نفسه وتجاربه . ولو كان محل هذا الحمار إنسان ، لما استطاع الشاعر أن يذهب في تحليل حرصه على أنثاه أكثر من ذهابه في تحليل مشاعر الحمار ( ) " . وقال واصفا هذا المشهد ( ) :
فلها هَباب في  الزمام  كأنهـا           صهباء خفّ مع الجنوب جهامها
أو مُلمعٌ وسَقَتْ لأحقبَ لاحـه           طردُ الفحول وضربُها وكِدامُهـا
يعلو بها حُدَبَ الأكام مسـحّجٌ           قد رابه عصيانهـا ووحامهــا
بأحزة الثلبوت يربأ فوقهـا         حتى إذا سلخا جمادى ستـة        رجعاً بأمرها إلى ذي مـرة        ورمى  دوابرها السفا وتهيجت     فتنازعا سبطا يطير ظلالـه      مشمولة غلثت بنابت عرفج    فمضى وقدمها وكانت عادة    فتوسطا عرض السرى وصدعا محفوفة وسط اليراع يظلها         .                قفر المراقب خوفها آرامهـا     جزءا فطال صيامه وصيامهـا  حصد ونجح صريمة إبرامهـا   ريح المصايف سومها وسهامها  كدخان مشعلة يشب ضرامهــا
كدخان نار ساطع أسنامها      منه إذا هي عردت إقدامها     مسجورة متجاوزا قلامها      منه مصرع غاية وقيامها        .
4- لوحة بقرة الوحش
        تشبه هذه اللوحة الفنية لوحة الثور الوحشي من حيث ملامحها العامة ، وتختلف عنها في بعض التفاصيل ، إذ يبرز الشعراء في هذه اللوحة عنصرين جديدين هما: " السباع التي تتربص بها ( البقرة ) ، والولد الذي تحرص عليه ( ) ".
        ومن أبرز الشعراء الذين وقفوا عند هذا المشهد لبيد بن ربيعة ، الذي خرج من تشبيه استطرادي إلى تشبيه استطرادي آخر ، فبعد أن فرغ من الحديث عن ناقته ، شبهها بالحمار الوحشي ، الذي أضفى عليه مشاعر إنسانية - كما أشرنا إلى ذلك - خرج من ذلك التشبيه الطويل إلى تشبيه آخر طويل، شبه فيه ناقته بالبقرة الوحشية ، مضفيا عليها " أصدق العواطف الإنسانية وأجملها ، عواطف الأمومة الأصيلة النقية ( ) "، مما يدل دلالة قاطعة على أن هذا المشبه به مقصود لذاته ، لا لبيان سرعة المشبه ( ) .
        وفي هذه اللوحة الفنية يصور لبيد بقرة وحشية ، ضاع منها ولدها فتخلف عن القطيع …. فتغافلت عنه بالرعي ، وعندما امتلأ ضرعها باللبن ، استيقظت مشاعر الأمومة في قلبها ووجدانها تجاه وليدها ، فتبحث عنه ، وتصوت في كل اتجاه ، لعله يسمعها ، وتتعرض هذه البقرة لمأساتين متلاحقتين : المأساة الأولى : يجنها الليل ، وتنهمر السماء بالمطر ، وتشتد الريح ، فتلجأ إلى شجرة ضخمة تقضي في أصلها ليلتها ، وتتغلب على قسوة الطبيعة . وفي ساعات الصباح الباكر تعاود البحث عن وليدها من جديد ، فتتعرض لمأساة جديدة ، إذ تستشعر صوتا حفيا، لا تتبين مصدره ، إنه صوت الصياد الذي ألقى في قلبها الخوف والرعب ، فكان عليها أن تختار  بين أمرين  أحلاهما مرّ : إما أن تنجو بنفسها ، وتتخلى عن ابنها ، وإما أن تدخل في معركة مع كلاب الصياد ، ليس الفوز فيها مضمونا …
        إنه موقف، يصعب فيه على الإنسان أن يختار ، لو وضع في الظروف نفسها …. فاختارت البقرة مدفوعة بغريزة الحياة ، النجاة لنفسها …. فأخذت تعدو وكلاب الصياد تعدو خلفها ، حتى نال منها التعب ، وأضناها العدْو ، فأحست باليأس ، فانعطفت إلى هذه الكلاب ، ودارت بين الفريقين معركة حامية أسفرت عن سقوط قتيلين من الكلاب ، بقرت بطنيهما بقرنيها ، فقال لبيد مصورا هذا المشهد بلغة الفنان الماهر (1) :
أفتلك أم وحشية مسبوعة        خنساءُ ضيّعت الفرير فلم يرم     لمعفر قهْد تنازع شلوه            صادفن منها غرة فأصبنها        باتت وأسبل واكف من ديمة      يعلو طريقة متنها متواتر         تجتاف أصلا قالصا متنبذا        وتضيء في وجه الظلام منيرة    حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت  علهت تردد في نهاء صعائد      حتى إذا يئست وأسحق حالق    وتوجست رز الأنيس فراعها     فغدت كلا الفرجين تحسب أنه    حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا     فلحقن واعتكرت لها مدرية       لتذودهن وأيقنت إن لم تذد        فتقصدت منها كساب فضرجت    .          خَذلتْ وهادية الصّوار قوامها     عرض الشقائق طوفها وبغامها    غُبْسٌ كواسبُ لا يُمَنّ طعامها     إن المنايا لا تطيش سهامها       يروي الخمائل دائما تسجامها     في ليلة كفر النجوم غمامها       بعجوب أنقاء يميل هيامها        كجمانة البحري سل نظامها       بكرت تزل عن الثرى أزلامها    سبعا تؤاما كاملا أيامها           لم يبله إرضاعها وفطامها         عن ظهر غيب والأنيس سقامها   مولى المخافة خلفها وأمامها       غضفا دواجن قافلا أعصامها      كالسمهرية حدها وتمامها          أن قد أحم من الحتوف حمامها     بدم وغودر في المكر سخامها     .
       

               
وقـد وقف نجيب البهبيتي،عند هذه اللوحة ، وقفة رائعة ، وقال ( ) : وتلبث ( البقرة ) هناك برهة موزعة بين مطلب الحياة ، ومطلب الأمومة ، في حيرة من أمرها ، أتحمي نفسها ؟ أم تبحث عن طفلها ؟ ولو وضع الشاعر موضع هذه البقرة إنسانا ، فلقي ما لقيت البقرة في تلك اللحظات القصصية الكبرى ، لما وجد في شعره أكثر مما قال .
أما بقرة الوحش في شعر الأعشى فهي أقل استعدادا للاشتباك الدامي من نظيرتها عند لبيد وزهير ( ).
وينقل لنا الأعشى لوحة فنية دقيقة التفاصيل لبقرة تشهد بعينها وحشا يفتك بوليدها ، فيمزقه بالمخالب والأسنان مستمرئا لحم الوليد أمام الوالدة ، فقال ( ) :

أهوى لها ضابيءٌ في الأرض مفتحص  فظل يخدعها عن نفس واحدها       حانت ليفجعها بابن وتطعمه           فظل يأكل منها وهي راتعة           حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت     عجلا إلى المعهد الأدنى ففاجأها      فانصرفت فاقدا ثكلى على حزن       وذاك أن غفلت عنه وما شعرت       .               للحم قدما خفيّ الشخص قد خشعا   في أرض فيء بفعل مثله خدعا    لحما فقد أطعمت لحما وقد فجعا    حد النهار تراعي ثيرة رتعا        جاءت لترضع شق النفس لو رضعا أقطاع مسك وسافت من دم دفعا    كلٌّ دهاها وكلٌّ عندها اجتمعا       أن المنية يوما أرسلت سبعا         .
               
               
               
               
               
               
               
ولم يختتم الأعشى حكاية البقرة بهذا المشهد الذي أدمى قلبها ، نظرا لاستكماله عناصر الحكاية والمأساة ، إلا أنه لاحق هذه البقرة ليخرجها من لوحة حزينة ، ويدخلها في أخرى أشد حزنا ، فهي أمام خطر جديد ، ذرّه قرن الشمس ، إلا أن الشاعر يدع البقرة عند هذا المشهد دون أن يتمه :
حتى إذا ذرّ قرنُ الشّمس صبّحها              ذؤال نبهان يبغي صحبه المتعا
بأكلب  كسراع  النبل  ضاريـة ترى من القد في  أعناقها قطعا

5- لوحة الظليم
تطالعنا قصة الظليم في دواوين كثير من شعراء العصر الجاهلي (1) ، إلا أن علقمة بن عبدة يتفوق عليهم جميعا ، ويبذهم . فقد جاءت هذه اللوحة الفنية عند سواه موجزة مبتسرة  ، لا يكاد الواحد منهم يبتدىء بها حتى يتحول عنها مسرعا  ولعل السبب في ذلك ضآلة قدرة مشهد الظليم على استيعاب الآثار النفسية لمواقف الصراع الأكثر شيوعا في الحياة الجاهلية .
                أما علقمة الفحل فقد دقق في أجزاء هذه الصورة الفنية ، ووقف عندها وقفة متأنية ، ونقلها إلينا بالصوت ، واللون ، والحركة ، مما دفع ابن الأعرابي ليشهد له بالتفوق ، فقال (2)  : " ما من أحد وصف نعامة إلا احتاج إلى علقمة بن عبدة "
وتقع هذه اللوحة الفنية التي تأنق علقمة في رسمها بعد حديثه عن ناقته في قصيدته التي مطلعها :
هل ما علمت وما استودعت مكتوم    أم حبلها اذ نأتك اليوم مصروم
هذه القصيدة الرائعة التي كانت واحدة من ثلاث قصائد نظمهن علقمة، وقال فيهن ابن سلام : " ثلاث روائع جياد لا يفوقهن شعر (3) " ،وقد نال علقمة برائعته التي سنقف طويلا عند لوحة الظليم فيها ، شهادة تقدير من قريش ، حينما قدم عليهم في سوق عكاظ، ووقف منشدا، فقالوا : هذه سمط الدهر (4) ، وهي شهادة يحق لعلقمة أن يفخر بها ، ويزهو .
        وبعد أن فرغ علقمة من وصف ناقته ، اتخذ من أداة التشبيه " كأن " جسرا لفظيا لينقل أحاسيسه ومشاعره وعواطفه الإنسانية السامية . فهذا الظليم الذي أكل الربيع ، فاحمرت قوائمه ، وأطراف ريشه ، وكل شعره ، وأكل التنوم والحنظل … ومن هنا تبدأ رحلة الشاعر مع الظليم ، هذا الظليم الذي لا تكاد تتبين فاه إلا بعد طول تأمل وجهد ، فهو كشق العصا ، في دقته وخفائه ،  أما أذناه فهما صغيرتان وضيقتان ، ومما يوقظ المشاعر هو تلك الألفة التي ربطت الشاعر بالظليم ، فجعلته يبدع في رسم تلك الصورة .
   وقد تذكر الظليم بيضه عندما بدأت نذر العاصفة ، فهب مذعورا وأسرع في عدوه …. إنه حقا ، كما قال وهب روميه (1) : " لا يغني للركب فحسب ، ولكنه ، أيضا ، يغني لهذا الظليم ، وأسرته الصغيرة ، فهذه اللوحة الإنسانية الشائقة العامرة بالحبّ ونبض الحياة ، تنقلنا من هذا الجو الخافق بالعبرات لوداع الأحبة إلى ذلك الجو العبق بود المعاشرة ، إنني أكاد أشعر بذلك الإحساس اللصيق بقلب هذا الشاعر ببؤس الحياة ، وها هو ذا يصرخ في وجوهنا لنلتفت إلى عالم الحيوان ، ويقول لنا : من هنا تعلموا الحياة . فالقيم الأسرية تبرز في هذه الصورة بوضوح ، من حب وحنان ، وحرص وحسن معاشرة ، وتلطف في المعاملة . هذا ما أراد الشاعر لفت نظرنا إليه .
وفجأة يتذكر بيضه بعد أن هيجه يوم ملبد بالغيوم …. فيهب مسرعا ، ويتزيد في سرعته ، ليدرك أدحيّه قبل أن يفسد المطر والبرد بيضه ، ويهلك فراخه.
ونجد علقمة يدخل في تفاصيل حركته ، ينقل لنا بأمانة مشاهد عودته إلى ادحيه ،     وهو من شدة عَدْوه يخفض رأسه ، ويرفع ظفره لدرجة التلامس ، في حركة متوالية ، تكاد تشق مقلته ….
ويصل إلى غايته في الوقت المناسب ، فلا يسرع بالدخول إلى أدحيه ، وانما يطوف حوله مرتين ، فعل الحريص ، ليطمئن إلى أن عدوا أو صيادا لم يدخل مسكنه في أثناء غيابه ، فيفترسه . ويدخل من ثم ، ويلتقي بفراخه ، فيأوي إليها . وما أجمل وأرق لفظة " يأوي " وكأنه في أمس الحاجة إلى هذه الفراخ الصغيرة التي لم ينبت ريش قوادمها بعد .
        يلتفت إلى عرسه ، فتضج الحياة في عروقه ، ويعلن حبه بكل ما في طاقته وقدرته على التعبير عن حالة الفرح العامر بالنشوة . "وانه لمدهش حقا أن يتسع قلب هذا البدوي لكل هذا الحنان والتراحم والود ، وأن يرهف حسه ويستوفز إلى حد يتقمص معه حالات النفس الحيوانية في لحظات الفرح والتوجس والرضا (1)  .
        حقا إنها قصة متكاملة الفصول والمشاهد " عني بها عناية فائقة بوصف الصوت واللون والحركة والهيئة في القرب والبعد وفي الوقوف والعدو ، وأبدع في وصف مشاعر الظليم ، وتتبعها تتبعا دقيقا في كل مراحل القصة . فصورها في أمنه واضطرابه ، وحذره ، وسعادته ، وصور مشاعر النعامة ، ورسم لهذه الأسرة الصغيرة صورة يلونها الحب بلونها الزاهي ، وتضيئها البهجة ، ويظللها إحساس نقي بطمأنينة غامرة (2) " .
وأرجو منك ، أيها القارئ العزيز ، أن تقرأ هذه الأبيات مرات ومرات ، وبصوت عال ، لتتعاطف مع هذا الظليم ، وتتفاعل مع هذه الألحان التي عزفها علقمة للظليم وأسرته  (3) :

         
1كأنها خاضب  زعر  قوادمـه  يظل في الحنظل الخطبان ينقفه   فوه كشق العصا لأيا تبنه       حتى تذكر بيضات وهيجه     فلا تزيده في مشيه نفق         يكاد منسمه يختل مقلته         وضاعة كعصي الشرع جؤجؤه  حتى تلافى وقرن الشمس مرتفع فطاف طوفين بالأدحي يقفره    يأوي إلى حسكل زعر حواصله يوحي إليها بإنقاض ونقنقة      صعل كأن جناحيه وجؤجؤه     تحفه هقلة سطعاء خاضعة       .            أجنى له باللوى شري وتنـوم    ومـا استطف من التنوم مخذوم   أسك ما يسمع الأصوات مصلوم  يوم رذاذ عليه الريح مغيوم      ولا الزفيف دوين الشد مسؤوم   كأنه حاذر للنخس مشهوم        كأنه بتناهي الروض علجوم      أدحي عرسين فيه البيض مركوم كأنه حاذر للنخس مشهوم        كأنهن إذا بركن جرثوم          كما تراطن في أفدانها الروم     بيت أطافت به خرقاء مهجوم    تجيبه بزمار فيه ترنيم    
       


الــوصـــف في الشعر العربي
 الوصف الشعر عن العرب
تعريف غرض الوصف
فن الوصف في الشعر العربي
غرض الوصف في الشعر العربي
الوصف في الشعر العربي
شعر الوصف في العصر الجاهلي
الوصف في الشعر العباسي
شعر الوصف والغزل
فن الوصف في الشعر الجاهلي

Previous Post Next Post