القيمة الكبرى للشّعر الجاهليّ

أثر الشعر الجاهليّ في أدب العصور التالية :

العصر الجاهليّ هو الذي وضع الأساس، الذي قام عليه الشعر العربي كّله، وهو المرحلة التي تجلّت فيها العبقرية العربية الخالصة في حالتها البكر بكلّ مزاياها ، وأبعادها ، وحدودها ، دون تأثير من عبقرية أخرى.
والفن الجاهليّ هو حجر الأساس في بناء الشعر العربي كلّه، وعلى خطوطه سار الشعر العربي بعد ذلك، وقام هذا الهيكل الضخم، الذي تركزت عليه مجهودات العصور التالية  وانبسطتْ فيه مشاعرهم .
إنّ شجرة الأدب العربي، التي نمتْ وازدهرت في عصور مختلفة ، بعد العصر الجاهليّ، لم تستطع أنْ تنفصل تماماً عن جذورها التاريخية في أعماق الأدب الجاهليّ ، مهما تصادف من مؤثرات، وثقافات فنية مختلفة ، لأن الشعر العربي هو الذات العربية نفسها .
وعلينا اليوم من أجل رؤية أشمل لأدبنا العربي في عصوره المختلفة ، بل من أجل فَهْم أفضلَ لأدبنا العربي الحديث نفسه ، أن نقوم بمزيد من التأمل في هذا التراث الفني البعيد الذي يشكل الجذور الشعرية ، والشعورية العميقة لوجداننا الأدبي ، ورؤيتنا الفنية .
إن الأدب العربي في العصر الجاهليّ لا يمكن فهمه ، والوصولُ إلى أسراره، بغير حبّ عميق، واستغراق تامّ في جوانبه ، وتعاطف وجداني جادّ مع أصحابه .

أثر الشّعر الجاهليّ في التفسير :
كان المسلمون في زمن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – يسألونه عمّا خفي عليهم من ألفاظٍ  ومعانٍ، فيوضح لهم ، ويفسّر ، ويشرح المعاني التي تختص بالعقيدة ، والعبادة …. وبعد انتقال الرسول للرفيق الأعلى اجتهد الفقهاء والعلماء في تفسير القرآن الكريم . ولما كان المطلوب تفسيُره {قرآناً عربياً غير ذي عوج}( ) و{بلسان عربيّ مبين}( ) دعت الضرورة إلى الرجوع إلى الشعر، وكان أول من استخدمه ابن عباس – رضي الله عنه – فقال ( ): الشعر ديوان العرب ، فاذا خفي علينا الحرفُ من القرآن، الذي أنزله الله بلغة العرب ، رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك فيه ".
ولقد أدرك هذه القيمة للشعر الجاهليّ ، وحضّ عليها عمرُ بنُ الخطاب، عندما قرأ على المنبر قوله تعالى :{أو يأخذهم على تخوّف}( ) ، فسأل عن التخوّف، فقال له رجل من هُذْيل : التخوّف عندنا : التنقّص، ثم أنشده ( ):

        تخوّف الرّحْلُ منها تامِكاً قِرداً     كما تخوّفَ عودَ النّبعةِ السَّفَنُ

فقال عمر: أيّها الناس: تمسّكوا بديوان شعركم في جاهليتكم ، فإن فيه تفسيرَ كتابكم.( )

أثر الشّعر الجاهليّ في التأديب :
تؤكّد الدراسات الأدبية، التي حاولت دراسة الشعر العربي في العصر الجاهليّ، أن هذا الشعر استطاع أن يرسم الصورة الواقعية لحياة الناس ، ويرصد الاتجاهات النفسيّةَ والاجتماعية َ رصداً دقيقاً ، ويتابع الوضع الانساني متابعة توحي بالقدرة على استيعاب ذلك.
وقد أدرك عبد الملك بن مروان هذه الحقيقة في قوله لمؤدّب ولده : " روّهم بالشّعر ، روّهم بالشعر ، يمجدوا وينجدوا ( ). وقال مرّة لمؤدب ولده : أدّبْهم برواية شعر الأعشى، فإن لكلامه عذوبة( ).
وقال ايضاً : إذا أردتم الشعر الجيّد فعليكم بالزّرق من بني قيس بن ثعلبة – وهم رهط الأعشى-، وبأصحاب النخل من يثرب – الأوس والخزرج- ، وأصحاب الشعف من هذيل( ).
وفي العصر العباسي لم يجد المفضل الضبي ما يؤدب به تلميذه المهديَّ، فاختار هذه المجموعة الشعرية، التي عُرفتْ باسمه، لتكون مادة للتأديب ، ثم توالت بعد ذلك كتب الاختيارات الشعرية ، "وكلها لم تكن في الواقع الاّ المدرسة الكبرى التي تخرج فيها الشعراء المحدثون في العصر العباسي" .( )

أثر الشعر الجاهليّ في دراسة أحوال الجزيرة العربية :
يُعدّ الشعر الجاهليّ مصدراً من مصادر دراسة الجزيرة العربية : الدينية ، والاجتماعية والاقتصادية ، والفكرية . فقد ظلّ الشّعر العربيّ خزانةً كبيرة لوقائع التاريخ وأحداثه ، وقصصه ، وأخبار شعوبه البائدة ، وما صنعته هذه الشعوب ، وما تركته من أحداث ، ولكن يجب علينا ألاّ نأخذ الشعر كما هو ، على انه حقائق تاريخية ، أو حضارية ، لأن " الشاعر قد يبالغ ، وقد يتخيل ، وهو إن تحدث عن حقائق فهو يبرزها لنا من خلال انفعاله الخاص ، ولكن رغم ذلك ، فهناك عدد من الحقائق الثابتة نستطيع أن نستخلصه من الشعر عن أحوال المجتمع ، إذا تخطينا المبالغات ، والانفعالات الخاصة .( )
ومن هنا ندرك أنّ تراثنا الأدبي عميق المدى ، يجب أن نحرص عليه ، ونعتزّ به ، لأنه يحدّد مكانتنا الأولى بين الأمم، ويجب أن نفهم أيضاً أنّ " الشعر الجاهليّ ليس هزلاً من الهزل ، وليس رغاء جماعة من البداوة المتعجرفين ، طابعهم العنجهية ، ونظام حياتهم بدائي، تنعدم فيه مظاهر النظام الاجتماعي ،الذي تتميزُ به حياة الأمم المتحضرة ، وليس مجموعة من هراء القول ، جاشت به صُوَرُ جماعة من الشعراء القوّالين غير الفعّالين ، أرادوا به إزجاء الفراغ، وملهاة النفس ، وليس لعبة مصنوعة مفتعلة صاغها جماعةٌ من منتحلي الشعر ومزيّفيه استجابة لعوامل وقتية ، وانما هو اللّباب الفَذّ من حياة أمة فذّة. هو العمدة التاريخية الأولى في تصوير حياة العرب بأيديهم ، في ذلك العهد تصويراً مباشراً ، إذا عرضته على التاريخ العام استجاب له ، وإنْ عرضته على تاريخ الحضارة استجاب له ".( )

أثر الشّعر الجاهليّ في تصوير الحياة العربية :
قام الشعر الجاهليّ بدور كبيرٍ في تصوير البطولة والفروسية وغيرها من القيم الاجتماعية ، فيما كان من شعر الحماسة التي تضمّنته قصص الحروب بين القبائل، التي تُسمىّ " أيام العرب ".
وقد وصف ابن عبـد ربّه فـي العقـد الفريد هذه الأيام بأنها مآثر الجاهليّة، ( ) ومكارم الأخلاق السنية . وفي ذلك يروي أنه :" قيل لبعض أصحاب الرسول – صلى الله عليه وسلم - : ما كنتم تتحدّثون به إذا خَلَوْتُمْ في مجالسكم ؟ قال : كنا نتناشد الشعر، ونتحدث بأخبار جاهليتنا. وقال بعضهم : وددتُ لو أنّ لنا – مع إسلامنا- كرم أخلاق آبائنا في الجاهليّة . ألا ترى أن عنترة الفوارس جاهلي، لا دين له ، والحسن بن هانئ (أبا نواس) إسلامي، له دين ، فمنع عنترة كرمه ما لم يمنع الحسنَ بن هانئ دينُهُ ، فقال عنترة في ذلك :
       وأغضّ طرفي إن بَدتْ لي جارتي  حتى يواريَ جارتي مثواها

وقال الحسن بن هانئ (أبو نواس ) مع إسلامه :
       كـان الشّبابُ مطيّة الجهل  ومحسّنَ الضّحكات والهزلِ
       والباعثي والنّاسُ  قد رقدوا حتـى أتيـتُ  حليلة البَعْلِ




أهمية الشعر في العصر الجاهلي
الأغراض الشعر الجاهلي
خصائص الشعر الجاهلي
الخصائص اللّفظية
أثر الشعر الجاهليّ
خصائص الشعر في العصر الجاهلي
مقدمة عن الشعر الجاهلي
الشعر في العصر الجاهلي
بحث عن الشعر الجاهلي مع المراجع
الشعر الغزلي في العصر الجاهلي
كتاب الشعر في العصر الجاهلي
خاتمة عن الشعر الجاهلي
اغراض الشعر الجاهلي مع امثلة


Previous Post Next Post