حقوق الملكية الفكرية وطرق حمايتها
حماية الملكية الفكرية في نظر الإسلام :
كان الكلام في العنصر السابق على الوسائل التي سلكتها دول العالم في سبيل حماية الحقوق الفكرية، وما عقدته لأجل ذلك من مؤتمرات واتفاقيات عالمية، وما وضعته لأجل ذلك من  أنظمة وقوانين، فهل نجحت دول العالم قاطبة في تحقيق الحماية المنشودة لهذه الملكيات الفكرية بأنواعها المختلفة ؟؟
إنَّ الذي يرى ويشاهد ويتابع ما يجري في الأسواق العالمية – وبعض دور النشر والطبع -، ومحالِّ الصناعات والمتاجر، ليرى ما يأسف له أشدَّ الأسف من الاعتداء المستشري على الحقوق الفكرية، للجشع الماديِّ، وبحُجَجٍ واهية، وأكاذيب باطلة مزوَّرة، من خلال سرقاتٍ أدبية وفكرية وعلمية لكثير من المؤلفات والابتكارات والإنتاجات العلمية والتجارية، بل وتقليد البضائع والسِّلَع والعلامات التجارية والشعارات، حتَّى إنَّ الواحد لينظر إلى سلعة ما على أنَّها من إنتاج الشركة الفلانية العالمية المشهورة بحسن إنتاجها، وجودة تصنيعها، فلا يكتشف أنَّها مزوَّرة مقلَّدة إلاَّ بعد زَمَنٍ، أو بعد طول تأمُّلٍ وتحقُّقٍ ؛ نظراً للتشابه الكبير – بل التطابق التامِّ الظاهري أحياناً – بين المُنْتَجِ الأصلي، والمُنْتَجِ المُقَلَّدِ ؛ من حيث الشكل، أو العلامة، أو الاسم أحياناً .
أمَّا في مجال التأليف والنشر، فحدِّث ولا حرج عن السَّلْخ التَّامِّ لكثير من المؤلفات من أسماء مؤلِّفيها الأصليين، ونسبتها إلى أسماء أخرى، زوراً وبهتاناً، والتطاول العجيب والغريب على كثير من الأبحاث والمؤلفات، ونسبتها إلى غير أصحابها، والحصول من خلالها – أحياناً – على الدرجات والترقيات والشهادات العلمية، والطبعات التجارية لكثير من المؤلفات، دون الرجوع إلى أصحابها، أو دور النشر المختصَّة بنشرها، في سرقات ممقوتة تنافي الأمانة العلمية، وتقضي على الإنتاج الفكري والأدبي والفني برُّمَّته .
لقد سعت دول العالم إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الحماية للحقوق الفكرية،  وفرضت العقوبات، والأنظمة التي تنظِّم ذلك، وتنسبه إلى أصحابه، وتحميه من الاعتداءات الجشعة، والسرقات الممقوتة، ولكنَّها لم تنجح، أو على الأقل لم تصل إلى المستوى الذي قصدته وسعت إليه من تحقيق الحماية الفكرية والأدبية والفنية لهذه الحقوق .
أمَّا الشريعة الإسلامية السمحة فقد سلكت جانباً تربويَّاً مهمَّاً في هذا المجال، حيث ربطت هذه القضية بالإيمان بالله تعالى، والعقاب الأخروي، والأمانة، وإيقاظ الضمير الإنساني المسلم الحيِّ، في كثير من التوجيهات في هذا المجال، لم يَنْزِع الإسلام إلى فرض العقوبات المؤلمة في الدنيا، بقدر ما نزع إلى تقرير العقاب الأخروي الرادع، وبيان أنَّ ذلك من الغِشِّ المحرَّم الذي يتعارض مع الدين والخلق والأمانة ؛ في كثير من توجيهات الشريعة الإسلامية وأوامرها، قال الله تبارك وتعـــالى : ) لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ((110) .
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَالَ : (( مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا )) (111) .
وقال e : (( الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ )) (112) . وأيُّ تشبُّعٍ أمْقَتْ وأعظمُ إثماً من أن ينسب الإنسان إلى نفسه نِتاجَاً علمياً لغيره ؟
وهذا المَلْحَظُ الدقيق في توجيهات الإسلام للردع والحماية من الوقوع في المحاذير الشرعية أيَّاً كان نوعها، هو ما رَمَتْ إليه الصِّدِّيقة عائشــــة بنت الصِّدِّيق – رضي الله عنهما – حين قالت، وهي تحكي طريقة الإسلام ومنهجه في تربية الناس على الإيمان بالله تعالى، والبُعْد عن المحرَّمات، وتحمُّل التكاليف الشرعية، والقيام بالمسئوليات : (( إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ – يَعْنِي القُرْآَن - سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ، نَزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ : لاَ تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا : لاَ نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدَاً، وَلَوْ نَزَلَ لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا : لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدَاً )) (113) .
إنَّ حقوق الإنسان في الإسلام هي جزءٌ من الدين الإسلامي، جاءت في أحكام إلهيَّة تكليفية، مبنيَّة على الإيمان بالله تعالى، والخوف من أليم عقابه وسخطه، والاستعداد لليوم الآخر، حيث الجزاء العادل، والقصاص الفاصل بين العباد، وهذا ما لم تصل إليه بعد النظم البشرية، والقوانين الوضعية .
ولذلك : فإنَّ أولَّ أساسٍ يجب أن يعتمد عليه في قضيَّة حماية الملكية الفكـــــرية والأدبية والفنية ( والحقوق عموماً ) : هو ربطها بأســــــاس الإيمان بالله تعــــالى، وباليوم الآخــــر ؛ حيث يجد المرءُ ما قدَّمت يداه في كتــــابٍ مُدَوَّن محفــــوظٍ ) لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّك أَحَدً( (114)، وإيقاظ الضمير والشعور بالمسئولية والأمانة في نفوس العباد، ولا شكَّ أنَّ من يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر، إيماناً صادقاً، إذا علم أنَّ أساس حماية حقوق العباد في الإسلام ينبع من الإيمان بالله تعالى، والتقوى والورع والأمانة، فإنَّه سيستجيب لداعي الإيمان، ويسارع إلى حمايتها، والحذر من الاعتداء عليها .
وثاني الأسس المهمَّة التي يجب أن يُعتمد عليها في مجال حماية الملكية الفكرية : التأكيد على أنَّ الإخلال بالحقوق الفكرية وإهدارها وتضييعها على أصحابها يُعَدُّ في الإسلام من المحظورات الشرعية ؛ لأنَّه يدخل في باب الغشِّ، والغَرَر والخِدَاعِ والتدليس، والكذب والسرقة، والإضرار بالآخرين، والتعدِّي على حقوقهم، وكلُّ هذه الأمور في الإسلام من المحرَّمات المنهيِّ عنها، وبعضها معدود في الكبائر المهلكة الموبقة (115) .
ولقد راعى الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان هذا التقدم الحضاري، وجارى دول العالم وأعرافه في النصِّ على حماية الملكية الفكرية ؛ تقديراً لجهود العلماء والمخترعين، والمبدعين، وأصحاب الفكر والتخطيط والإبداع، دون أن يتعارض ذلك مع حق البشرية قاطبة في الاستفادة من ثمرات العلم في مختلف الميادين ؛ ولذلك نصَّ على بيان الحكم الشرعي للملكية الفكرية، وكلَّف الدول الإسلامية – خاصَّة – بالحماية والرعاية لها، وبيَّن أنَّه يقع عليها عبء المسئولية في تنفيذ ذلك بمختلف سلطات الدول : القضائية، والتنفيذية، والتشريعية ؛ حيث جاء في المادة السادسة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
(( لكلِّ إنسانٍ الحقُّ في الانتفاع بثمرة إنتاجه العلمي، أو الأدبي، أو الفني، أو التِّقَنِيِّ، وله الحقُّ في حماية مصالحه الأدبية والمالية الناشئة عنه، على أن يكون هذا الإنتاج غير منافٍ لأحكام الشريعة )) (116) .
ولكنَّه سَمَى عن الأنظمة والقوانين الوضعية حين راعى المصدرون له ما راعاه الإسلام في حماية المال ؛ وهو أن يكون المال محترماً في نظر الإسلام، فشرط لحماية الملكية الفكرية : ألاَّ تكون محرَّمةً ؛ كالمؤلفات الهدَّامة، وصور ذوات الأرواح، والتمتثيل، والآت اللهو المحرَّم، والموسيقا، ونحو ذلك، فهذه كلُّها في نظر الإسلام مُهْدَرَةٌ لا قيمة لها، ولا اعتبار (117) .
وهذا في الأصل مأخوذٌ من تعريف المال في اصطلاح الفقهاء ؛ إذ نصُّوا على أن يكون له قيمة ماديَّةٌ بين الناس، ويجوز الانتفاع به شرعاً في حال السَّعَة والاختيار (118) .
فقيد ( يجوز الانتفاع به شرعاً ) : يُخرج الأعيان والمنافع والحقوق التي لها قيمة بين الناس، ولكن الشريعة أهدرت قيمتها، ومنعت الانتفاع بها في حال السعة والاختيار ؛ كالخمر، والخنزير، ولحم الميتة، ومنفعة الآت التصاوير واللهو المحرَّمة.
إنَّ الملكية الفكرية ترتبط بالفكر الذي يعتبر جوهر الحياة الإنسانية، وهو الذي ترتبط به سلوكيات الإنسان كلِّها، وهو يرتبط بالعقل الذي يُعَدُّ أحد الضرورات الخمس، وإنَّ القواعد الشرعيَّة تقتضي حفظ الحقوق لأصحابها، بل إنَّ ذلك يُعَدُّ من المقاصد الشرعيَّة العالية التي أجمعت الشرائع قاطبة على حفظها ؛ وهي : الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل، ومن ثمَّ أجاز العلماء الاعتياض عن هذا الحق – حق الملكية الفكرية – مستندين على هذه الأسس والقواعد، وحفظاً لهذه الحقوق لأصحابها (119) .
وعرف المسلمون أصول مبدأ حفظ الحقوق الفكرية وحمايتها منذ القِدَم، وإن لم تكن معروفة بهذا المصطلح الشائع الآن، أو بهذه الطرق الحديثة :
أ- فقد نصَّ أهل العلم على الأمانة العلمية في مجال العلوم، ونسبتها لأصحابها، من خلال توثيق النصوص بالإسناد، وهذا يتجلَّى في تراث الإسلام العظيم في كتب السنة والأثر، الدائرة قبولاً وردَّاً على الإسناد الموثَّق بمعاييره الدقيقة المدونة في علم مصطلح الحديث، وتخريج النصوص والنقول بدقة، بمعنى نسبة القول إلى قائله، وذكر المصادر المعتمد عليها، ومن نظر إلى كتاب من كتب أهل العلم المسلمين السابقين – خصوصاً - رأى معاناتهم الدقيقة في ذلك، حتى إنَّ بعضهم إذا نقل نصَّاً يشكُّ أنَّ فيه تصحيفاً أو تحريفاً، نقله كما هو، ونوَّه عنه بقوله : (كذا وجدته، وهو تصحيفٌ، مثلاً، صوابه، كذا ) (120) .
ب- كما نصَّ علماء الإسلام على طرق التحمُّل والأداء في رواية الأحاديث، وشروط ذلك، وشروط رواية الحديث بالمعنى، وبيَّنوا شناعة الكذب والتدليس، خصوصاً في مجال العلم، ونقله، ونسبته إلى أهله، وحذَّروا من سرقة المعلومات والكتب، وانتحالها، وهو ما يعرف باسم ( قرصنة الكتب )، وكشفوا ما وقع من ذلك في عصور الإسلام الماضية، تحذيراً منه، وكشفاً لعوار ذلك، وقبحه، وهذا كلُّه يدلُّ على عناية علماء الإسلام بهذا الأمر، وشدَّة تحذيرهم منه (121) .
ج-كما سبق المسلمون إلى معرفة نظام : التخليد ( الإيداع )، ويعنى : وضع نسخة من المُصنَّف في المكتبات العامة أو دور المحفوظات، للاحتفاظ بمجموعة منه، أو الاحتفاظ به كإثباتٍ لنسبة المُصَنَّف إلى مؤلِّفه، ونشر المُصَنَّف بالفعل أو تاريخ نشره (122) .
وكان أكبر مركز لتخليد الكتب وإيداعها في الإسلام وقتذاك : دار العلم ببغداد، التي بناها الوزير البويهي، سابور بن أردشير ببغداد سنة (382هـ)  وكانت صرحاً رائعاً، ذاع صيتها وطار في الآفاق، وقصدها العلماء والأدباء والشعراء من كل مكانٍ، للتعرُّف على محتوياتها (123) .
إنَّ حقوق الإنسان في الإسلام من الثوابت الشرعية، والركائز الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، فهي ليست حقوقاً دستورية فحسب، وليست نتاجاً فكريَّاً يمثِّل مرحلة من مراحل تطور العقل الإنساني، وليست حقوقاً طبيعيَّة، كما يعبِّر عنها أصحاب القانون الوضعي، ولكنَّها في نظر الإسلام واجبات دينية محمية بالضمانات التشريعية والتنفيذية، وليست وصايا تُدْعَى الدول إلى احترامها والاعتراف بها من غير ضامنٍ لها، بل هي مرتبطة بالإيمان بالله تعالى، وتقواه، يُكَلَّف بها الفرد والمجتمع كلٌّ في نطاقه وحدود المسئولية التي ينهض بها، ويحافظ عليها ؛ لأنَّ في المحافظة عليها أداءً لواجب شرعي، ولا يجوز له أن يفرِّط فيها ؛ لأنَّ التفريط فيها تقصير في أداء هذا الواجب (124) .
والشريعة، وإن كانت تدعو إلى تعميم النفع، ونشر العلم، وتحريم كتمانه، إلاَّ أنَّ ذلك في نظرها لا يُبَرِّر الاعتداء على حقوق الناس، بل إنَّ تعميم المنفعة بما يبتكره الأفراد له قواعده وأصوله التي تحقِّق المصلحة، وتمنع الضرر، ومن أهمِّها الاعتراف بهذه الحقوق، ونسبتها لأصحابها، وتنظيم نشرها، والاستفادة منها بأحكام تنسجم مع طبيعتها وظروف التعامل معها (125) .
هذه باختصار هي نظرة الشريعة الإسلامية إلى الملكية الفكرية، وموقفها من حمايتها، والوسائل التي ركَّزت عليها في هذا المجال ؛ لتحقيق أقصى قدرٍ ممكن من الحماية لحقوق الناس وممتلكاتهم .

الأدلَّة الشرعية على وجوب حماية الملكية الفكرية.
وبجانب هذه الوسائل العامة التي سلكتها الشريعة الإسلامية، والجوانب المهمة التي ركَّزت عليها في حماية الحقوق والممتلكات لأصحابها، فإنَّ هناك أدلَّةً خاصَّةً تدلُّ على حماية الملكيات والحقوق عموماً، وحقُّ الملكية الفكرية – كما سبق – من حقوق الملكية المملوكة لأصحابها، على أساس أنَّها أموالٌ مختصَّة بأصحابها، وذلك يستوجب حمايتها من الاعتداء في نظر الإسلام، والأدلَّةُ على ذلك كثيرة، منها ما يلي :
1- قول الله سبحانه : ) وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ((126).
2- وقوله تعالى : )  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ((127) .
ففي هاتين الآيتين ينهى الله تبارك وتعالى عباده عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل، والحِيَل، مما يدلُّ على أنَّ حقوق الناس وأملاكهم مصونة محفوظة في الإسلام، لا يجوز الاعتداء عليها، ولا أخذها إلاَّ بالحقِّ (128) . 
3- وعن ابن عبَّاسٍ – رضي الله تعالى عنهما – : أَنَّ رَسُولَ اللهِ e خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ )) . قَالُوا : يَوْمٌ حَرَامٌ ! قَالَ : (( فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ )) . قَالُوا : بَلَدٌ حَرَامٌ ! قَالَ : (( فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ ))  قَالُوا : شَهْرٌ حَرَامٌ ! قَالَ : (( فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا )) . فَأَعَادَهَا مِرَارَاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ : (( اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ )) . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - : فَو َالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ : (( فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارَاً ؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ )) (129) .
4- وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسولُ الله e : (( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ ؛ دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ )) (130) .
5- وعن أبي حُرَّة الرَّقَاشِيِّ عن عمِّه – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله e قال : (( لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلاَّ بِطِيْبِ نَفْسٍ مِنْهُ )) (131) .
6- وعن أنس بن مالكٍ – رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e : ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ )) (132) .
والوجه من هذه الأحاديث جميعاً : أنَّها تدلُّ على حرمة مال المسلم، وأنَّه مُصانٌ في الإسلام، لا يجوز الاعتداء عليه، ولا أكله بالباطل (133) .
7- وعن عائشة – رضي الله عنها – : (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ )) (134) . 
قال الإمام ُ أَبُو عِيسَى محمد بن عيسى بن سورة الترمذيُّ (ت : 297هـ ) – رحمه الله - : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ )) (135) .
والوجه منه : أنَّه يدلُّ على أنَّ من ضمن شيئاً، ينتفع به في مقابل الضمان، فالمؤلف والمُنْتِجُ ضامن ومسئول عن كلِّ ما في كتابه أو إنتاجه العلمي والتجاري والصناعي، مسئولية دينية ودنيوية، فله الخراج العائد من هذا الحق في مقابل الضمان، وله حماية هذا الخراج من الاعتداء عليه (136) .
8- حديثُ أبي هُرَيْرَة – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله e قَالَ : (( مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا )) (137) .
فهذا الحديثُ دليلٌ عظيمٌ على تحريم الغِشِّ بجميع أنواعه، وبيان أنَّ الغاشَّ مخالفٌ لأمر النبيِّ j وهديْهِ، وأنَّه بفعلـــه هذا خـــــارجٌ عن صفات المســــلمين وهديــــهم (138) .
9- ما ورد من أدلَّةٍ شرعية تدلُّ على تحريم الإسلام للسرقة والغصب، وإيجاب ردِّ المال لصاحبه، ومعاقبة السارق بالجلد، والغاصب بالتعزير، فهي كلُّها أدلَّةٌ على الحماية التامَّة للملكيَّة في الإسلام، بجميع أنواعها وأشكالها ؛ من مثل قول الحقِّ سبحانه وتعالى : ) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ((139) .
وقوله e : (( عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ )) (140) .
10- القواعد التي نصَّ عليها أهل العلم في هذا الخصوص ؛ ومنها :
   أ- (( لا يجوز لأحدٍ أن يأخذ مال أحدٍ بلا سبب شرعيٍّ )) (141) .
  ب- (( لا يجوز لأحدٍ أن يتصرَّف في ملك الغير بلا إذنه )) (142) .
11- أنَّ من سبق إلى ابتكارٍ أو تأليفٍ أو إنتاجٍ علميٍّ يكون قد سبق إلى أمر مباحٍ، ومن سبق إلى مباحٍ فهو أحقُّ به من غيره، يجوزله التصرُّف فيه، والانتفاع به، وإخراجه إلى السوق من أجل اكتساب الأرباح (143) .
كلُّ هذا يدلُّ على اعتراف الإسلام بالملكية الفكرية، وحمايتها من الاعتداء، وأنَّ من اعتدى عليها فهو ضامنٌ لصاحبها .

Previous Post Next Post