الحرث :

الحَرْثُ  في اللغة تعني ـ فيما تعني ـ  الزراعة ، وتعني شـق الأرض ، أما العزق فلا يختلف معناه كثيرا عن معنى الحرث ، فهو يعني شق الأرض أيضا لاستخراج الماء أو الأعشاب.  والعزق والحرث هما : عملية شق التربة الجافة، تمهيدها لعملية بذر الحبوب أو رمي [ التقاوي] كما يسميها الزارع .  ثم تأتي مرحلة  ريها . أمـا [ التَّطْويش ] فهي تعني في اللغة الإخصاء ، أو إفقاد الذكورة ، ويسمى الحارس الخصي الطواشي من (  طَوَشَ ).

وقد يقول البعض وما علاقة ذلك بالزراعة ؟ من يريد أن يفهم العلاقة عليه أن يتفهم أولا
كيف يفكر الفلاح المصري. الفلاح المصري يرى الأنثى في كل سهل ، ويرى الذكـورة في كـل صعب . فعادة ما نسمع التعبير العامي [ راجل فقره دكر ] لصعوبة التخلص من الفقر . و الأرض الأنثى ـ في عرف الفلاح المصري  ـ لابد وأن تكون ناعمة ، أما إذا تواجد بها ما يمثل صعوبة على السائر أو الزارع ، فهذه أرض تحتاج إلى التنعيم، وعلينا أن نخليها من كل علامات صعوبة  (الذكورة ) ، علينا أن نطوِّشها . ويستخدم الفأس في هذه المهمة .

يستخدم [ المحراث] في عملية الحرث في طـريقة الزراعة بالري الدائم أو الزراعة على الأمطار. يقول المثل الشعبي مشيرا إلى هذا الشكل من أشكال الزراعه : [ حارتْ ومِسْتَنِّي السِّيلْ ..  ] للتدليل على تأهب الإنسان للأمر ويقصد بالسيل هنا الأمطار .


ــــــــــــــــــ
(1)     حمام اللوق : الحمام الذي يتجمع عند الزراعة .
(2)     إدلّلَي : حط على الأرض .
(*) أشكال العديد في صعيد مصر ـ درويش الأسيوطي ـ بكاء الأم ـ هيئة قصور  الثقافة .
أهم الأدوات التي يستخدمُها الفلاحُ في الشَّقِ والتَّسوية  :

(1)     المحراث ... وأغانيه  :

المحراث آلة زراعية قديمة ، عبارة عن زاوية شبه قائمة من الخشـب ، أضيـف إليها الحديد في مرحلة تالية ، ضلعها الأفقي عبارة عن رأس سهم عريض من الحديد  يسمى ( سكة المحراث ) ،  مثبت على قطع خشبية تسمى [ الدفاين ] ، وقد يصل طـول هذا الضلع المتر أو المتر والنصف ، بينما يمثل الضلع الرأسي ، أداة التحكم التي يمسك بها  العامل بكلتا يديه ،  و بها يوجه المحراث يمينا أو يسارا ، أو إلى أعـلى أو إلى أسفل لتحديد زاوية غوص السكة في التربة . ويربط ما بين الضلعين بروابط خشبية متينة . ويركب في الزاوية بين الضلعين ( فرع ) من الخشب لا يزيد عن المترين [ الجرار ] قطره في حدود 15 سنتمترا ، يثبت بطريقة  بطرق عدة  في خشبة قوية ربما (فرع شجرة أقل قطرا) مستعرضة ، بطـول مترين تقريبـا ، تسمى  [ الكَرَبْ ] ، وفيه يثبت [ الحلسـان ] في حالة استخدام حيوانين لجر المحراث . وتكون قصيرة يركب عليها  (حلس) واحد ، في حالة استخدام حيوان واحد لجر المحراث .

ويربط بين رأس الحيوان  ويد التوجيه حبل أو حبلان ، يجذبه العامل ليحدد للحيوان خط سيره . فينصاع له يمينا أو شمالا . ويحفز الحيوان على السير بالصيحات التي يطلقها الحراث ، أو بإحداث فرقعات خلف أذن الحيوان  بما يسمى [ الفِرْقِلَّة ] ، وهي عبارة عن سوط مصنّع من ليف النخيل ، وقد يضطر العامل إلى ضرب الحيوان بها عند الضرورة .

ولا شك أن الحرث عملية مجهدة للحيوان وللإنسان أيضا . فعندما يُميل  العامـل ( سكة المحراث ) لأسفل يغوص طرفها المدبب في التربة أكثر ، ويزداد عمقـا مع حـركة الحيوان إلى الأمام . ويتوقف عمق شق التربة على الزاوية التي يقـدرها الحَرَّاث. وتحتاج العملية إلى دربة وجهد ، حتى ينجح الحراث في إحداث شق في التربة بطول الحقل بعمق يتناسب مع المحصول .           وعادة ما يقوم شخص آخر غير الحرَّاث بنثر البذورفي ذلك الشق السطحي الذي يحدثه المحراث  بينما تساعد فرقعة (الفرقلة) في إبعـاد الطيور عن المكان . وبعد إتمام عمـل الشقوق في كـل المساحة التي ينوى صاحب الأرض زراعتها، وبذر التقاوي بها، يأتي دور [ البغلة ] وهي عبارة عن فرق من جذع شجرة  ، أو جانب من جوانب النورج، يتم ربطه بحبال في [الكرب]  وبتوجيه من الحراث، تسحب الحيوانات البغلة على الأرض المحروثة،فتردم الشقوق التي أحدثها المحراث وتغطي على البذور .


بعدها يأتي دور العمل بالفأس لتقسيم المساحة إلى أحواض  صغيرة ، وشـق القنوات والمسارب اللازمة للري . وتتوقف مدة العمل بالمحـراث على مسـاحة الأرض ، وقد يلجـأ الموسرين وأصحاب الأراضي الواسعة إلى استخدام أكثر من محراث في نفس الوقت  فالزراعة مهنة موقوتة ، لا يصح تقديمها كثيرا عن موعدها ، ولا يستحب تأخيرها كثيرا. وقد يستغـرق العمل بالمحراث يوما أو عدة أيام بالنسبة لصاحب الحقل ، أما إذا كان المحراث مستأجـرا فقد يستمر عمل الحراث لأسابيع . وطوال فترة الحرث الشاقة ، وطوال فترة العزيق ، يهـون الفلاح تعبه، ببعض الأغنيات التي وصل إلينا منها القليل ، نسبة إلى ما يكون قد أبدعه الفلاح المصري منذ عرف الفأس والمحراث .
من الظواهر اللغوية في أغنيات الحرف اليدوية كلها سوف نلاحظ وجود حرف الياء موصولا بروي السطر الشعري أو بقافية البيت. ومرد ذلك إلى طريقة الأداء التي اعتادها المغني فهـو يجرالحرف الأخير جرا طويلا حتى يفرغ صدره من النفس ،  فيزفر نهـاية الياء الممدودة وكأنه الهمزة ، ويسمي البعض هذا الأداء بالإمالة، وهي من أسالـيب الأداء في تلاوة القـرآن الكريم حيث تنطق بعض الحروف بين الفتح والجر .

وظاهرة الجر  منتشرة في الغناء الشعبي بعامة وفي غناء الحرف اليدوية بشكل خاص . حتى أن التنوين الذي تعرفه العربية في اللهجة العامية المصرية يكون بالجر فقط .  ومن أشهر الأمثلة في هذا المجال نطق العامة لتعبير:غصبًا [ أخذت الشئ غصبا ] فيقولونها : [ غصبِنْ ] . ونظرا للتقارب بين إيقاع عمليات الرعي، والسقي بالساقية، والطحن بالطاحون والرحى ، فسوف نجد اختلاطا بين نصوص تلك الأعمال ، في كل الروايات التي تصادفنا، فلا تنسـب الخطأ إلى المدون ولا إلى الراوية ، فالإيقاع الحركي المشترك بين هذه الأعمال يستدعي الغناء بإيقـاع شعــري مشترك أيضا . (*)

من الظواهر اللافتة أيضا ، هو بناء معظم الحرف اليدوية أغنيات على نسق إيقاعي واحد ، يشتمل على مقطع مستقل من بيتين أو من سطرين متحدي القافية ، لكنها تقـوم على الوزن : (/0/0//0 ـ  /0/0//0 ـ //0/0   ) أي[ مستفعلن/ مستفعلن / فعولن ]  وما يدخل عليها من زحافات . تشترك في هذا الشكل الأغنيات التي يستخدم في أعمالها الحيوانات كشريك في العمل مثل غناء المحراث وغناء الساقية وغناء الجمالة وغناء الحمارة .
نحن أمام مقطعين يبدأ كل منهما بكلمة ( لُوبْ  ) وهي مفردة فرعونية ، تعني الجـوع والعطش الشديد ، فيقال للحيوان (ملَوِّبْ) عندما يقبل على العليق بنهم شديد و لا تستطيع أحـد رده  عنه بسهولة. ويشير المقطع إلى ما يفهم منه أن الحراث لا يعمل في أرضه ، فهو يستعجل تعليق المحراث قبل أن يأتي [ الخولي ] أو رئيس العمال الذي يعينه عادة مالك الأرض ، ويطالب المقطع الثاني بأمرين يتعلقان بعملية الحرث : تقطيع (الدهايب) ، وتعليم المراجع . أمـا المرجع فهو نهاية شوط الحرث، أوالنقطة التي يتوقف عندها خط الحرث ليعود المحراث عكس خط سيره الأول.أما [ الدهايب ] فهي المناطق ضعيفة الحرث التي يتركها المحراث في بداية الشوط ونهايته وتكون غير مشقوقة بشكل جيد .
وصيغة فعلان في لهجة أهل الصعيد صيغة شعبية للتعبير عن استغراق المعنى . فيقال  في عاميتنا عن  الجائع بشدة ..  جوعان ، ويقال عن المبتلي شديد الابتلاء .. بليان ، ويقول عن القديم الذاهب .. داهب .. وشديد الضعف ..  دهبان ، وتعني الرقيق الضعيف ، وتجمـع على دهايب ، و(الدهايب) هنا  تدل على المناطق ضعيفة الحرث .

ــــــــــ
(*) أورد جاستون ماسبيرو معظم هذه النصوص ولكن بروايات تختلف أحيانا وتتطابق أحيانا .وقد أضفت إلى ذلك ما اتصل بي من نصوص أغنيات سمعتها في قريتي ، بل وغنيت بعضها صغيرا : انظر [ الأغاني الشعبية في صعيد  مصر ] جاستون ماسبيرو ـ هيئة الكتاب  ـ 2000
يدرك الفلاح المصري المؤمن أن الحرث بيده لكن نماء الزرع بقدرة الله ، لذلك يقبل على الحرث كما يقبل على كل الأعمال بذكر الله ،وبالتوسل بالأنبياء،وبالصالحين من عباد الله . فالعامل في المقطع الأول يدعو الله الفتاح العليم أن يفتح له أبواب الرزق ، فهو الكريم الذي لا يبخل على عباده بالرزق .

يتحدث الحَرَّاث في هذه المقاطع عن نفسه بصيغة الجمع ،ويعد التعبير بصيغةالمتكلمين عن الفرد المتكلم من خصائص بعض اللهجات المحلية ، ولعل أشهر اللهجات التي تبدو فيها هذه السمة واضحة ، لهجة أهل الإسكندرية . فحينما يقول [ إحنا .. أو نحنا ] فهو يقصد نفسه فقط وقرية الهمامية من هذه القرى التي تتوافر في لهجتها هذه السمة .

من المؤكد أن حياة ذلك الحراث لا تبقى على لون واحد ، بل تتبدل به الحال من الضجر والتعب والحزن،إلى الفرح والابتسام والنشوة . وفي المقاطع التي أسلفناها تصوير لحالة من حديث العشق والجنس . في المقطع الأول يحـدث الحراث صاحبه حديث الرضا مبتدئا بقوله يا عم التي تدل على المباسطة بين الأصدقاء ، ثم يقرر أن أحلى أوقات النوم هي النوم في العلالي حيث الهواء الطلق شريطة أن تكون إلى جوارك امرأة جميلة صبوحة الوجه نظيفة حتى أن خدها يلتمع في الليل .

في المقطع الثاني يخاطب الحراث مغنيا امرأة تحمل جرتها وتسندها بيديها وقد انزلق كمي الثوب عن ساعدين أبيضين ، فيصيح بها مستثارا أن تغطي يديها ، فيكفيه عينيها ، فقد قتله السواد الساحر بهما ولم يعد به طاقة على الاحتمال .
ثم يؤكد لها أنه سيصل إليها مهما كانت الظروف ، فلو أغلقوا الأبواب في وجه ، سيأتيها من أعلى البيت ، وسينزل على من يحب ويبل باللقاء شوقه إليه . ثم يميل الغناء نحو الجنس مصرحا هذه المرة ، فيفاخر بأنه خاض تجربة مع بنت المعلم ، ويدلل على ذلك بوصف دقيق لمنطقة حساسة ، فالبنت بيضاء ، وقد نقشت وشما أخضر لصلبان فوق سوتها على اليمين وعلى الشمال . لقد مر من أمام منزلها ، فأطلت عليه من الكوة ، وتأوهت من شوقها إبه قائلة : آه منك يا كحيل العينين ..!!
ـــــــــــــــــــــ
(1)     العلالي :       جمع علية ، وهي ما يبنى أعلى البيت
(2)     بيلالي : يلتمع من البياض والنظافة
(3)     من أعلى البيت
(4)     أبل الشوقي : اقضي حاجتي وأرتوي من محبوبي
(5)  المعلم : لقب يطلق على متعلمي وأغنياء النصارى
(6)   صلباني : جمع صليب
(7) السوة : أعلى العانة من البطن
(8)  الطيقاني : جمع طاقة طيقان وهي كوة تطل على الخارج
(9)   آ ..  منك : آه منك
(10) كحيل لأعياني : كحيل الأعين .
[11]
لا تِنْهَروهم              في العِصِيرْ(1) المَاسي(2)
حتى المراكب           طَالْبَه المَرَاسي (3)
[*]
دخل المسا  يا ابيض(4) وخــشِّ الليلي
دخل المسا       على قليل الحيلي (5)

يقول الحراث بخبرة الرجل المحنك لمن يقومون على الحرث ، ترفقوا بالحيوانات ، ولا تنهروها لتدفعوها للعمل ، لقد دخلنا في العصر المظلم  وبداية المساء ، وكل شيء لا بد له أن يرتاح بعد التعب ، حتى المراكب نفسها التي تجري على الماء ويدفعها الريح،إذا اقترب الليل تطلب المرسى لتستريح فما بالكم بهذا الحيوان المتعب .
يتحول الحوار من الحراث إلى الآخرين إلى حوار بينه وبين ثوره .   يقول الحرّاث المتعبُ لثوره الأبيض المتعب أيضا ، هيا تشجع   لقد اقترب وقت الراحة ، ودخل الليل ، ومن لم تعد لديه طاقة ، لن يتم عمله ، لابد للمتعب أن يستريح .



ـــــــــــــــــــ
(1)     العصير : تصغير العصر أي وقت العصر
(2)     الماسي  الذي يقترب من المساء أو الذي يأخذ الظلام من صفاته.
(3)     طالبه المراسي : تحب أن ترسو على المرسى
(4)     الابض : يا صاحب اللون الأبيض يقصد الحيوان
(5)     قليل الحيلي : صاحب الجهد القليل
(6)    
(2)  الفأس  ... وأغانيه  :
الفؤوس أحجام متعددة ، وكل حجم منها  له استخدام . فبعضها يستخدم لشق التربة، وبعضها يستخدم لتسويتها ، وبعضها يستخدم لقطع أعواد المحاصيل مثل أعواد الذرة، بينما يستخدم آخر( لشك التقاوي) أي لبذر بعض البذور . و تستخدم  [ الفأس ]  للعزق واقتلاع الحشائش الضارة ، التي تجور على النباتات . والفأس عبارة عن صفيحة  من الحديد أشبه ما تكون بالكف ، ويتفاوت عرضها وطولها حسب الغرض منها ، ومركب في معصمها في تجويف خاص ،  يـد خشبية تسمى [ الهراوة ] ، ويعتمد ثقل الفأس على ثقل [ الخُرْص ] الذي به ذلك التجويف المشار إليه والذي هو عبارة عن فراغ دائري تحشر به الهراوة ، وبعض الفؤوس لها خرص واحـد وبعضها لها خرص مزدوج  .

وعادة ما يستخدم الفلاح المصري العزق بالفأس في المساحات الصغيرة ، أو الضيقة التي لا تتسع للعمل بالمحراث ، أو على أطراف الحقول ،  أما المساحات في الكبيرة  فيستخدم المحراث لأنه يشق التربة بشكل أعمق ، وبطريقة أسرع. ويستخدم الفأس الثقيل  في عملية [التطويش] ، وهي تحطيم الكتل الطينية الكبيرة،  لتسهيل عملية التسوية . كما تستخدم أيضا  في تقسيم الحقول إلى أحواض صغيرة و(سرابات)  أو مسارب ، إذا تطلب المحصول ذلك ، و تستخدم أيضا لشق القنوات التي توصل الماء إلى تلك الأحواض إلى جانب استخدامات أخرى.

تختلف بنية غناء العامل بالفأس عن بنية غناء المغنين خلف المحاريث، فالعمل بالفأس عادة ما يكون جماعيا ، بمعنى أن يجتمع مجموعة مستأجرة، أو متعاونة من أهالي القرية لإنجاز (التطويش) أو (عزيق)  الحشائش والأعشاب، لهذا يكون الغناء جماعيا أيضا . ويقوم أحد العمال بدور المغني[ الحادي]، بينما يتحول الباقون إلى جوقة، تردد خلفه ما نسميه بالمرد أو الترديدة .

وعادة ما يختلط هذا الغناء بغناء حرف أخرى مثل : [  معجنة الطوب ] ، وخلط المونة ،
جر المراكب ، أغنيات المحاجر وتكسير الأحجار ، وغـيرها من الأعمـال التي لا يشارك فيها الحيوان ، و التي يتقارب إيقاعها الحركي مع إيقاع العزق السريع ، وعادة ما تكون (التفعيلة)  المتكررة في كل سطرهي : [ (/0//0)  أو ( /0/0  ) ] وما يدخل عليها .

يبدأ العامل بالفأس عمله كما يبدأ المصريون جميعا أي عمل بذكر الله ، تتلـوه الصلاة على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام . والنص الذي نسوقه هنا هو من الأغنيات الافتتاحية التي يبدأ بها العمل في التطويش . ولا أظننا في حاجة إلى التوقف أمام نصوص بسيطة البناء والتركيب مثل هذا النص بالشرح والتأويل ، لكننا ـ  فقط ـ  قد نحتـاج إلى التعرف على ما تعنيه بعض المفردات أحيانا .
هذه المقطوعة الافتتاحية يمكن أن تستخدم منفصلة ، ويمكن أن تمهد لجزء من السيرة ، كسيرة بني هلال ، أو لسرد قصة من القصص الشعري مثل: قصة ( خضرة الشريفة) ، أو قصة  (أحمد البدوي والأسرى)  وقد تكون تلك القصص قد استمع إليها العمال عشرات المرات ، لكن  ييقصها الحـادي عليهم للتسلية . وقد يضيف إلى الحكاية من عنده ما يرى أنه يجب أن يقال .
وقد أورد [ جاستون ماسبيرو] هذه المقاطع في مدخل قصة [ خضرة الشريفة] في كتابه [ الأغاني الشعبية في صعيد مصر ] . (5)


(1)     يبقى سيد : يصبح حرا من عبودية غير الله
(2)     تنقال : تقال أو تنطق
(3)     الفايدة : الفائدة التي تدفع لرأس المال
(4)     رأس المال : الأصل في عملية البيع والشراء
(5)     الأغاني الشعبية في صعيد مصر ـ جاستون ماسبيرو ـ مصدر سابق .

مثل هذه الصلوات والتسليمات تتكرر في كثير من الأعمال ، وبعض جملها مقتطع من مقولات صوفية أو أبيات شعر يتغنى به الصوفية في الحضرات ، فقد يختتم العمال مع انتهاء مقطع من العمل هذ التسليم على النبي بالآتي :

في الأحوال المعتادة يكون عمل الرجال والنساء والأطفال معا ، لكن أحيانا ينفرد الرجال بعملهم بعيدا عن النسوة والأطفال ، حينها تتاح لهم حرية أكبر في استخدام التعابير والصفات الجنسية . وهذه الأغنية من هذه النوعيات التي يتغنى فيها الرجال صراحة بمفاتن النساء .

ملاحظة شكلية أخيرة في هذا الموضوع ، وهي تتعلق بشكل الأغنية . لو تأملنا غناء
كل من الحادي والمجموعة التي ترد عليه ، لوجدنا أن الصوتين يكملان بيتا شعريا واحدا من الناحية العروضية. وفي نفس الوقت يشكلان وحدة مضمونية صغرى . أما الأغنية كلها فتدور حول موضوع واحد .












ــــــــــــــــــ
(1)     الناير : الأبيض المنير
(2)     الفاير  الذي يغلي ويرتفع ، وتقال كاللبن الفاير
(3)     بحر بمداور : نهر بدوامات
(4)     نازل خبايل : متناثر الجدائل
(5)     خشيمها : تصغير خشم للتحسين وهو الفم
(6)     السوة : ما بين العانة والسرة من البطن
(7)     ط... :  عجيزتها
(8)     بطيخ جزاير : ثمار البطيخ الضخمة التى تشتهر بها جزائر النيل
(9)     شيخ بمقام : ضريح له قبة
(10)  بابو : بابه : باب المقام
(11)  يود اللومان :  يوصل إلى السجن : سجن الليمان
(12)  كفاره :  ما يقال للمسجون عند خروجه من السجن .




الريِّ وأدواتُ الري

الري هو المرحلة الثانية في الزراعة ، وكان الفلاح المصري يعتمد على ماء الفيضان في زراعة الأرض ، وربما استفاد من الأرض الرملية الملاصقة لمجرى النيل ، وقام بزراعة بعض المحاصيل السريعة النمو، خاصة الخيار والبطيخ والشمام والفجل والجرجير وغير ذلك من المحاصيل البسيطة التي لا تعد محاصيل رئيسة. وحتى هذه المحاصيل كان لا يأمن عليها النهر المتقلب بين الزيادة والنقصان .

ومع التحول الجزئي للري الدائم ، بعد شق الترع ، والمسارب ، وبناء القناطر ، جمع الفلاح المصري إلى وقت قريب بين الري الدائم والري الموسمي ، فكانت قطع الأرض الطينية والأحواض التي يغمرها الفيضان ، تزرع بها محـاصيل الموسم الشتوي على مياه الفيضـان ، حتى إذا ما جفت الأرض ، تحول الفلاح إلى استخـدام أدوات الري الأخرى ، التي تعتمد على مياه البرك المتخلفة عن الفياضان ، مثل الشادوف  . أمـا المناطق التي تغذيها بالمـاء الترع والمسارب، فيستخدم للري بها : الشواديف ، والسواقي والطنابير ، لرفع المياه مـن الترع و المساقي إلى الأرض التي تم تسويتها وحرثها وعزقها وبذر البذور بها .

وقد مكن الري الدائم الفلاح المصري من زراعة أرضه في العام الواحد أكثر من مرة في العام . فعلى مياه الفيضان المتحكم فيها ، كانت تزرع المحاصيل الشتوية مثل القمح والشعير والبقوليات مثل العدس والشعير والحمص . وتسمى بالمصرية القديمـة [ بَاقْ ] ، ثم يأتي فصل الصيف فتزرع الأرض بعد إخلائها من محاصيل الشتاء بمحاصيل أخرى [ شْمَاهَه ] مثـل الذرة الرفيعة والذرة الشامية وغيرها .

(1)     العود( الشادوف ):  ... وأغنيات العود:
الشادوف أو [ العود ] ـ كما تحلو لنا تسميته في الصعيد ـ يعدُّ من أقدم آلات الري في مصر وربما في العالم ، وهو آلة لرفع المـاء من المناطق المنخفضة إلى الحقول المرتفعة . وتقام الأعواد على شواطئ الترع و المساقي ، والإحسـاء التي يحفرها الفلاحون لتخزين المياه سواء من الفيضان أو المطر  وعلى ضفاف النيل . وقد يلجأ الفلاح المصري إلى إقامة [ رَصِّ ] عودين ، ينقل أحدهما الماء للآخر ، وينقل الأخير الماء إلى الغيط وقد يُرَص أكثر مـن ذلك من العيدان.  وتعد الأغنيات المصاحبة للعمل علي العود ، أقدم أغنيات الفلاحين . 
[عود ينقل الماء من النيل إلى الحقل ]
والتراث الشـعبي على وعي بقدم وجود هذه الآلة ، فتقول واحدة من مقاطع غناء العود :
[ فرعون بناه .. راح وخلاه ]
لكن قبل أن نستطرد ونتناول بعض أغنيات العود التي وصلت إلى أسماعنا وأيدينا ، دعونا نتعرف أولا على الآلة نفسها . لقد أدركت بنفسي في بداية عقد الخمسينات من القرن   العشرين   بعض أهلي وهم يعملون على العود، لري بعض قطع الأرض الصغيرةعلى شواطئ الترع .وكانت الآلة تتكون من مجموعة قطع :
(1)     الأكتاف : وهي عبارة عن دعامتين رأسيتين من الحجارة والطين ، بارتفـاع مـا بين المتر وربع المتر أو المتر وثلاثين سنتيمترا . تقامان على مستوى الأرض المـرغوب في ريها بينما تكون المياه في الأسفل . وتبلغ المسافة بين الكتفين المتر الواحد. تحمل أكتاف العود  ما يسمى بـ (الكَرَبْ)  . بينما بسطت بينهما قطعة من الخشب   تسمى العتبة ليقف فوقها العامل .
(2)     الكَرَبْ :  عبارة عن عارضة خشبية ، في العادة من أفرع الجميز أو السنط  الجافة المتينة لتتحمل الثقل ، توضع فوق أكتاف العود ، ويتدلى في وسطهاما يسمى بالعود .
(3)     العود : هو عبارة عن فرع شجرة جاف ، يبلغ طوله الثلاثة أمتار تقريبا ، يتدلى في منتصف الكرب ، بحيث يرتفع من أسفل عن الأرض ما يقرب من نصف المتر ويكون باقي العود أعلى الكرب .
(4)     الثَّقَّالة : وهي عبارة عن ثقل [ كرة من الطين الجاف أو الحجر]  يثبت في نهاية العود من أسفل . وينبغى أن يتناسب حجمه مع السعة الدلو المستخدم .
(5)     الجبيد : ويتكون من حبل بطول يتناسب مع انخفاض مستوى الماء الذي يمتح منه العود تسمى السَّلَب ، يكمل بساق  خشبية تصل بين السلب والدلو .ويكون الجبيد أطول من العود  بنصف المتر ، أي حوالي ثلاثة أمتار ونصف  .
(6)     الدلو : وهو عبارة عن وعاء ( سفط)  من الخوص أو الجلد ، وقد تستخدم فخارة تسمى القادوس ،  أو يستعاض عن ذلك بـ( صفيحة) لغرف الماء .
والآن .. كيف يعمل العود؟
يعمل على العود اثنان من العمال : الجابد والحوَّال ، وقد يحتاجان لثالث [ الطياز ] (*). لكن في العادة يكتفي بالاثنين ، (الجابد) يعمل على رفع الماء ، و(الحوال) يقوم بتمهيد الطريق أمام الماء ورعايته ليصل إلى الأحواض الصغيرة التي قسم إليها الحقل ، فإذا أخد الحوض كفايته من الماء أغلقه ووجه الماء إلى الحوض التالي وهكذا . ويتبادل العاملان موقعيهما كل ساعتين تقريبا وتسمى ( علقة ) .
يقف (الجابد ) العامل على العود فوق العتبة الخشبية ، ثم يجذب الجبيد إلى أسفل بقوة تتناسب مع الثقل المثبت أسفل العود ، حتى يصل الدلاء إلى المـاء و يغوص به ، حتى يمتلئ بالماء ، ثم يفلت الجابد الجبيد من يديه ، فيسحب الثقل طـرف العود  ليرتفع الطـرف الأعلى بالدلاء بلا جهد إلى أعلى .  عندها يكون الدلو على ارتفاع أقل قليلا من سطح الأرض ، فيقوم العامل بتفريغ  مـاء الدلاء في حوض العود ، الذي تخرج منه قناة توصل الماء إلى الحقـل . وفي بعض الأحيان يكون حجم المـاء في الدلاء أثقل من الثقالة المثبتة أسفل العود ، عندهـا يحتاج العامل [ الجابد]  إلى من يساعده بالضغط على الثقالة لأسفل ، وتسمى هذه العملية بـ (التطييز ) أي الضغط على مؤخرة العود . وعادة ما يُجلس الجابد طفلا فوق الثقالة ، ليزيد من الثقل ، وليستمتع الطفل في نفس الوقت بالأرجحة .
لن تتصور الجهد الذي يبذله الجابد حتى تجربه ، إنه عمل شاق بالفعل ، ويستمر من أول النهار إلى آخره . ويقف الجابد شبه عار إلا ما يستر العورة ، يسيل الماء المتناثر أثناء العمل على جسده فيبلله بشكل مستمر حتى أنه يخرج من العلقة مرتعدا رغم الشمس الحارقة، ليحل محله زميله ، وليتولى هو الحوَّال .  واستعانة على هذا العمل العضلي الشاق ، يصرخ الجابد بالغناء ، شاكيا ، ومتألما ، ومؤملا أيضا .

ـــــــــــــ
(*) [ لاحظ أن الإشارة إلى العجيزة عندنا ليست إشارة جنسية ، فتستخدم المفردة للإشار إلى أسفل كل شيء وآخره . ويعتاد
استخدامها حتى الآن بلا حرج  كاستخدام كلمة قعر في اللغة الفصحى والعامية ]




تعد الساقية من أقدم أنواع أدوات الري ، وقد استخدمت في فترة ري الحياض بماء الفيضان ، واستخدمت في الري الدائم ، كما أنها قد تستخدم على آبار محفورة في الأرض تعتمد على المياه الجوفية في الوادي أو في مناطق زراعية أخرى . وقبل أن تقضي الآلات الحديثة على الساقية ، مرت بعدة تطورات . لكننا نعني هنا بالشكل الذي صـاحب العمـل عليه أغنيات الفلاحين العاملين على السواقي مع حيواناتهم .
مكونات الساقية :
تتركب  الساقية المصرية القديمة والتي تعرف الآن بالساقية النوبية من محورين :
المحور الرأسي :
ويكون على سطح الأرض ، ويستند من أسفل على ألواح خشبية أو جذوع ترتكز عليه عجلة أفقية كبيرة على  محيطها أسنان خشبية على أبعاد متساوية ، يرتكز المحور على صفائح خشبية من أسفل ومن أعلى يثبت بجذع أفقي مرتفع على دعامتين  تسمح بدورانه حول نفسه وبدوران الحيوان حول العجلة الكبيرة [ أنظر الصورة ] . وتدير المحور رافعة يصل بين طرفها والحيوان الذي يجر حبلان يثبتان بـ ( الكرب ) الذي يوضع فوق عاتق الثور أو الثورين فوق الحلس.  ويجر الثور أو الثوران الرافعة .
المحور الأفقي :
يمتد فوق مستوى الماء بقليل الماء وتحت مستوى الأرض ، وتركب على طرفيه  عجلتان : عجلة صغيرة ذات أسنان ( الترس )  ، من الخشب تعشق في العجلة الأفقية التي أشرنا إليها . و الطرف الآخر تركب عجلة كبيرة يغوص جانب من قطرها في الماء ، على محيطها سلم خشبي معلق عليه [ قواديس ] من الفخار أو الخشب بين كل قادوس والآخر نصف المتر تقريبا .
كيف تعمل الساقية ؟
عندما يتحرك الحيوان المعلق بالساقية إلى الأمام ، يدفع الكرب الموضوع على عاتقه ، أو يجره إن كان معلقا أمام الرافعة  ، فيدير العجلة الأفقية ، فتدفع أسنانها أسنان العجلة الأفقية الصغيرة المعشقة بها فتدير المحور الأفقي ، ومعه تدور العجلة الرأسية الكبيرة المثبة بالطرف الآخر من المحور الأفقي ، فترتفع فتدور وفوقها القواديس التي تنغرس تباعا في الماء وترتفع ممتلئة فتصب الماء في حوض الساقية ، و الذي تخرج منه قناة لتوصيل المـاء إلى الأحواض الصغيرة بالحقل . والعمل على الساقية غير مجهد كالعود، ويحتاج العمل على الساقية إلى ثورين أو زوجين من الثيران ، يتم التبديل بينهم كل مناوبة ، وتقـدر بثلاث ساعات من العمل المرهق للحيوانات. وتحتاج الساقية إلى عاملين أحدهما يتابع دوران الحيوان ، وقد يكون طفلا أو رجلا ، ويجلس على الطرف الدوار من الرافعة خلف الحيوان .


[ الساقية المصرية القديمة ( النوبية ) ]

تتشابه الأغنيات المصاحبة للعمل على الساقية في بعض ملامحها مع أغنيات المحراث  وأغنيات الجمالة والحمارة والطاحون ، فكل من الأنواع الثلاثة يتكون من  سطـرين ، وله نفس الإيقاع :  فالأغنية  تشتمل على مقطع مستقل من بيتين ، أو من سطرين متحدي القافية ،  لكنها تقوم على الوزن : (/0/0//0 ـ  /0/0//0 ـ //0/0   ) أي  [ مستفعلن/ مستفعلن / فعولن ]  وما يدخل عليها من علل أو  زحافات .  وكما قلنا من قبل  ـ عند حديثنا عن أغنيات المحراث ـ  تشترك في هذا الشكل الأغنيـات التي يستخدم في أعمالها الحيوانات كشريك في العمل لأن إيقاع الحيوان هو الذي يحدد إيقاع العمل . وقد يعقب البيتين في أغنية الساقية ترديدة أو مَرَدٌّ ، هو زجر أو تشجيع للحيوان الذي يدير الساقية ، أو يكـون المـرد تأوه أو (تلييل)  [ يا ليل ] مثلا من مقام الغناء ،
          الطنبور [ البَدَّالَه ]

تعد [ البدالة ] أو الطنبور الأداة الأساس في الري من المياه الضحلة ، لكنها تصلح لنقل الماء من مكان لا ينخفض كثيرا عن مستوى تربة الحقل . لأنها أكثر كفاءة حينمـا تعمل بشكل شبه أفقي أو ما يسمى بالزاوية الحـادة . وعادة ما تستخد هذه الآلة لرفع الميـاه مـن الترع والمسـارب الصغيرة . وكانت تستخدم بشكل واسع في المناطق البعيدة نوعا عن مجرى نهر النيل.   [ انظر الصورة ]


[ البدالة أو الطنبور ]
مكونات البدالة :
تتكون البدالة من عدة مكونات  :
(1)     اسطوانة من الصاج : مقتوحة من الناحيتين، تصنع بلف لوح الصاج وتثبيته   بمسامير في المراوح التي بداخلها ،وقد تحزم بسيور حديدية رقيقة . وتكون الفتحة الخلفية في شكل مثلثين لغرف الماء من المجرى ، أما الفتحة الأمامية فتكون بشكل دائرة  تصب الماء بحوض البدالة   .
(2)     المراوح: ألواح متساوية في الطول والعرض من الخشب،مثقَّبة في المنتصف ثقبا رباعي الأضلاع ،  يتناسب مع قطر العامود الحـديدي المربع الذي  يمر بها جميعا . وتثيت المراوح في العامود وتشكل بشكل حلزوني .
(3)     عامود البدالة :عمود من الحديد مربع يكون ضلعه في حدود (3) سنتيمترا .   وييبرز العامود الحديدي من الخلف ومن الأمام لمسافة لا تقـل في الخلف عن 25 سنتيمتر وفي الأمام عن 50 سنتيمتر . طرفه العمود الخلفي يثبت البدالة من الخلف والطرف الأمامي تركب عليه يد البدالة وتستند إليه على منيم العارضة  .
(4)     يد  البدالة : يد حديدية ، مصنوعة في شكل زاوية قائمة،أحد ضلعيها قصير وبه فتحة مربعة بقدر يتناسب مع عمود البدالة ، ويكـون الضلع القصير في حدود 20 سنتمترا . أما الضلع الثاني فلا يقل طوله عن نصف المتر .
(5)     المتبت : [ المثبت ] وهو وتد خشبي مناسب ، عادة ما يكون طوله في حدود المتر ونصف المتر ، ويتم دقه في الطين داخل الماء . والمتبت مثقب  ثقوبا مربعة بمعظم طول الوتد المخروطي الشكل ، وبقدر سمك عمود البدالة يدخل به الطرف الخلفي لعامود البدالة  .
(6)     العارضة : وهي عارضة خشبية لا تقل عن متر ونصف ، بها منيم غير عميق في المنتصف ، ينام فيه الجزء البارز من عمود البدالة في الأمام  .
(7)     أكتاف البدالة : كتفين قصيرين في حدود نصف المتر تمدد عليهما العـارضة الخشبية .
(8)     الكراسي : حجران يستندان إلى الكتفين من ناحية الحقل  ، يجلس عليهما من يعمل على البدالة .


كيف تعمل البدالة [ الطنبور ] ؟
وتوضع البدالة بشكل رأسي بين الماء وحوض البدالة أو القناة الموصلة للحقل , ويكون طرفها السفلي  ناحية الماء ، وطرف عمودها الأمامي على العارضة ويدق الوتد على المسافة المناسبة التي تجعل ماء البدالة يصب في القناة  ،ويوضع الطرف الخلفي من عمود البدالة في الثقب المناسب الذي يجعل الماء يدخل الفتحة الخلفية للبدالة .  ثم يقوم العامل بتعشيق اليد الحديدية في الجزء الأمامي من عمود البدالة .

عندما تلف اليد الحديدية  باتجاه عقارب الساعة يدور الطنبور ، و تغرف الفتحة السفلية الماء ومع الدوران يصعد الماء  في الحلزون الخشبي المشكل بالمراوح حتى يصـل إلى الفتحة الأمامية فيصب الماء في حوض صغير تخرج منه قناة الري .
ويعمل على البدالة عامل واحد قوي أو عاملان . لا يستمر العمل على البدالة فترة طويلة في العادة ، لكن في حالة إذا مـا استمر العمل لفترة طويلة قد يحتاج العامل إلى ما يروح به عن نفسه من غناء . وتعد المواوويل من الأغنيات الشائعة التي تغنى أثناء العمل على الطنبور . ولا تخرج أغراض تلك المواويل عن الأغراض التي سمعناها في أغنيات الحرف اليدوية الأخرى مثل شكوى الزمن والغربة والتشبيب بالنساء ومحاسنهن . لكن أهم ما يميز تلك الأغنيات أن إيقاعها أبطأ من الأغنيات التي تصاحب عمل الإنسان وحده ، ولهذا تختار المواوويل كأغنيات مصاحبة للعمل على الطنبور [ البدالة ] ، وايقاعها واحد مهما اختلفت  ألـوان الموال ومهمـا تراوحت أطوالها،  [ /0/0//0 ـ /0//0 ـ/0/0//0 ـ /0//0 ] [ مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن [ أو فعلن]  .
والموال كما يعرف الكثيرون فن ساحر ، خاصة عندما تسمعه ممن يحسنون قوله ، والموال فن شعبي له لغة مراوغة ، يعتمد على التورية ، وعلى تخريج المعنى والمشاكلة ، وهي فنون شفاهية بالدرجة الأولى . والمواوويل من غناء السامر والمحترفين ، لكن الكراو على البدالة يستغير تلك المواوويل ويغنيها بصرف النظر عن نداوة صوته من عدمه .
يسأل المريض الطبيب الذي يداوي [ المبالي ] الأمراض  لم،اذا لم يعد يزوره ، هل تاه عن الدرب ؟ أم أن المرض المصاب به يصيب من يقترب من المريض بالعدوى ؟ لقد مرت بي سنة كامله أرقد على الفراش مريضا ، وأتردد على الأطباء حتى لف الكون كله وداخ من كثرة ما راح وجاء طلبا للعلاج .




ـــــــــــــــــــــــ
(1)     طبيب المبالي : من يطبب المرضى . / تهت : من تاه  أخطأ الطريق / عن دربي : عن الشارع الذي أقيم به
(2)     لهو بلاي: هل بلائي يصيب بالعدوى
(3)     كل من دربي : كل ما دار   بي .. من دخل علي الدار أو اقترب مني أو دار حولي .
(4)     مطروح : ألازم الفراش
(5)     آجي وأروح : أتردد على الأطباء طلباللشفاء
(6)     الكون در بي : دار بي أي لف بي أي أنه داخ من الدوران  على الأطباء .



(1)     حصاد القمح وغناء الحَصَّادَة  :
يطلق لفظ الحصاد على مرحلة تحقيق النتائج . ولدى الفـلاحين في الصعيد ينصرف المعنى إلى نزع أعواد القمح [ الحصاد ] من الأرض ، عن طـريق قطع أعـواد القمح قـرب  الجذور المطمورة تحت التربة . وكانت الآلة التي تستخدم لحصاد القمح : هي[ المنجل ].
و المنجل عبارة عن سكينة مقوسة من الحديد ، مركبة عـلى يـدٍ خشبية . و للمنجل
أسماء متعددة عند الفلاحين من أشهرها الشرشرة . وقد اكتسب المنجل هذه التسمية نظـرا لما على حَـدِّه من نتوءات ( شرشرة ) .
وتتم عملية الحصاد بشكل جماعي ، فالحصاد يحتاج إلى عمال يتوقف عددهم على المساحة واتساع عـرض الحقل ، حيث يمكن لعامـل واحد أن يغطي مسـاحة عرضها متر واحـد بطول الحقل . وخلف الحصادين حملة المناجل ، يتولى أحد العمال [ الرباط ]  تربيط الأعواد في حـزم ا تسمى ( القتايه )، وتربط الحزمة بحبل من الليف طواله في حدود المتر . وفي نهـاية اليوم ، يتم تجميع الحزم ونقلها إلى الجرن . وقد يقام الجرن في الحقل نفسه أو في منطقة مـن القرية تعارف الناس على التجرين فيها . ويفضل الفلاحون التجرين قرب البيوت ، لأسباب كثيرة : منها سهولة حمايتها ، وسهولة الوصول إليها،  لحمل الطعام والماء إلى من يعملون في الجــرون  وسهولة نقل الغلال وغير ذلك .

ويتولى بعض الأطفال حمل المياه للشرب أثناء الحصاد من الآبارالقريبة ، عادة في جرار فخارية صغيرة تسمى [النِّشَّالة] .  ويحتاج الحَصَّاد إلى الماء بكثرة ، نظـرا لأن وقت الحصـاد يحين في وقت ارتفاع درجة الحرارة . كما أن الغبار المتصاعد من عملية الحصاد يتطلب شرب الماء من وقت لآخر .
ويقوم الصبية والبنات الصغيرات بجمع السنابل التي تكسرت وسقطت على الأرض ،أو التي تسقط بفعل عملية الحصاد ويطلق على عملية الجمع هذه [ الصيفة ] أي جمع الصائقة من السنابل من فوق الأرض . وينتهز الشحاذون والبائعون للفاكهة والحلوى الفرصة للحصول على نصيب من سنابل القمح . ويظهر مع الحصاد أصحاب الحرف المعاونة : كالنجارين والحلاقين والمداحين  ,اصحاب البرور ،وحتى قراء الراتب من حفظة القرآن الكريم .  وكلهم  لهم نصيب معلوم من الحصيدة ، يحصلون عليه في شكل حزم من أعوادالقمح  بسنبله . ويتقاضى الحصاد أجره في نهاية اليوم إما نقدا أو في شكل عدد من الحزم ، أو عليه أن ينتظر حتى ينتهي الدرس فيدفع له أجره في شكل كيل محدد من الحبوب . وأثناء عملية الحصاد ترتفع عقيرة الفلاحين بأغنيات مبتهجة،  تهوينا لمشقة العمل واحتفاء بالحصاد .
 (3)    جني القطن وأغانيه :

لأن القطن من المحاصيل الرئيسة والهامة،فإن  المساحة المنزرعة به كبيرة ، لذا يستغرق جني القطن وقتا طويلا ، ويحتاج إلى عدد كبير من الرجال والصبية للإنتهاء منه مبكرا ، خوفا من حلول الفيضان قبل الانتهاء من جمعه . ولذلك تشكل مجموعات مـن العمال متباينة الأعمار من الشيوخ إلى الأطفال ، وتسمى المجموعة [ شَدِّةْ جَنْي القُطْن ] ،أو شلة جمع القطن . وقد لا تكتفي الشدة بجني القطن المزروع في القرية ، فتذهب للعمل في القرى القريبة والمجاورة . وقد يسافر البعض إلى مناطق بعيدة للجمع [ الترحيلة ].وقد شاهدت [ في خمسينات القرن العشرين ] عمالا من قريتي يتركون القرية لأسابيع ، يسافرون عشرات الكيلومترات للعمل في حقول القطن الواسعة لدى بعض الإقطاعيين ، في مقابل الملاليم . فعادة مـا كان يدفع مقابل الجني للكيلو أو [ الرطل] مليمات قليلة العدد  . ولكي نعرف وعورة هذا العمل عليك أن تشاهد الأطفال وهم يخرجون من الحقول ، بسيقان وسواعد دامية من جراء [سنار] القطن الذي يشتبك بجلودهم وثيابهم فيدميها .
وكان الرجل يخرج بأطفاله لا يحمل من الزاد غير خبز الذرة المجفف [ الزلوط ] والجبنة القديمة في مشها. وعند دخول الحقل يتحزم الجامع بحزام [ حبل من الليف ] ويتخذ ما يغطي صدره من ثوبه [ عبه ] وعاء لجمع لوزات القطن ، حتى إذا امتلأ العِبُّ ، ذهـب وأفرغه في جوال يجره خلفه . فإذا انتهى اليوم ، قام بوزن الجوال وما يحويه ليتم الحسـاب على أساس الميزان . أما رئيس الشدة [ مقاول الأنفار ]  فعادة ما يحاسب بأجر يومي فهو لا يقوم بالجني .
ويتم الجمع في وقت الصيف ، ودرجة الحرارة عالية جدا ، لهذا يحتاج العمل إلى أمرين : الماء والغناء .  أمـا الماء فيخصص له من يقومون  به ويشرف عليهم رئيس [ الشدة ] أو الخولي . أما الغناء فيشارك فيه الجميع . ويغني الصبيان والصبايا أغنيات متنوعة ، بعضها يتعلق بالجني وبعضها لا يتعلق به .
و الأمر لا يخلو من المزاح بين البنات والأولاد لتهوين العمل الشاق  . ومن الأغنيات التي تتعلق بالقطن الأغنية التالية ، وهي وتحفز الأولاد والبنات على سرعة الجمع والتقاط لوز القطن [ جمع لوزة ] . فيعد الحادي والمشارك في الجمع عدد اللوزات التي يلتقطها حتى إذا اكتمل ملء اليد ، رفع يده متباهيا  قبل أن يغيبها في عبه .

          التَّجْرين 

المقصود بالتجرين نقل حزم القمح من الحقل إلى موضع الجرن ، ثم بناء الجرن في شكل دائرة من الحزم ، تكون السنابل موجهة إلى الداخل . ويتوقف ارتفاع الجرن على  حجم ومساحة المحصول . ويترك حول الجرن مساحة خاليه من كل الاتجاهات تصلح كمدور للنورج بثيرانها . والحكمة من تكديس الحـزم [ القتاتي ] في شكل دائري  حوله فراغات من كل الاتجاهات ، هو تمكين ألة الدرس وهي [ النورج ] مـن أن تدور حول الجرن بلا عوائق .

وتستخدم الجمال لنقل حزم القمح من الحقول إلى الجرون ، ويحصــل صاحب الجمل أو[ الجمال ] على عدد من حزم القمح يتم الاتفاق عليه كأجر ، وعادة ما تكون حزمة عن كل حمل بعير . وقد تطول المسافة بين الحقل والجرن ، فترتفع عقيرة الجمــال بالغناء  لتسلية نفسه ، ولحث الجمل على المضي بحمله الثقيل .

عادة ما تختلط أغاني الجمالة مع أغاني الساقية وكل الأغنيات التي تشارك في إنجاز عملياتها الحيوانات ، لوحــدة

دقِّ الذُّرة [ المسطاح ] :

رغم أن الذرة الرفيعة كانت الطعام الأساس لمعظم الشعب المصري ، إلاأنها لم تكـن الخبز المحبب للناس ، فلم يكن طعمها لذيذا ، وكان الناس يحاولون أن يضيفوا إليها قيمة غذائية بخلط حبوب الذرة الرفيعة بدقيق حبوب أخرى ، كالحلبة ، والقمح ،والذرة الشامية. أما بالنسبة لحصاد الذرة ويسمى [القطع]  فيتم على مرحلتين : المرحلة الأولى يتم فيها قطع العيدان من على سطح الأرض ، ويقوم بها الرجال، أما المرحلة الثانية فتقوم بها النساء وهي قطع [ قناديل ] الذرة من عيدانها  بالشرشرة ، وحملها في القفف إلى المسطاح ، أو تحميله إذا كان كثيرا على الحمير إذا كانت المساطيح بعيدة .

ويطلق لفظ المسطاح على المكان الذي تكوم في قناديل الذرة  لنجف ، وعلى المحصول القناديل  نفسها . وهناك يترك المحصول حتى يجف . ثم تجمع القناديل في شكل كومة مستطيلة تسمى [ السماط ] . ثم يأتي العمال لدق السماط بالشوم . عندها يصطف العمال ف ي صف مواز للسماط ،  وبأيديهم الشوم ، وفي ملابس العمل ، ثم يقومـون بضرب السماط  بالشوم في شكل منتظم . ويساعد الغناء على انتظام الدق ، ويقود الغناء واحد منهم ، عادة ما يكون أكبرهم سنا ويتولى في نفس الوقت يتولى تنظيم المسطاح وتقليبه بحرفية [ بالمذراة ].

وبالدق تخرج البذور الدائرية من القناديل ، لتتحول القناديل إلى [ قيشة ] وهي القناديل الفارغة من الحب وتستخدم كعيدان الذرة كوقود . وبعزل القيشة من السماط لا يتبقى إلا حـب الذرة ، الذي يذرى لتخليصه من الشوائب ، ثم تحمل الغلال على الحمير إلى البيوت . ويتقاضى الكراوة مقابل عملهم في اليوم ربع الكيلة من الغلال ، يعودون بها في نهاية عملية الدق إلى منازلهم سعداء .
 التذرية والكيل نقل الغلال وأغاني الحمارة :

بعد عملية الدرس أو الدق ، يقوم الدراوة بالتذرية . و[ المقرقرين] بالغربلة والتنظيف ، والتذرية هي نثر الغلال المختلطة بالتبن والقش إلى أعلى في الهواء  ، ليتم عزل الحـب عـن التبن . فتيار الهواء ـأو الريح الرخية كما يسمونها ـ يدفع القش الخفيف جانبا ، بينما تسقط الغلال الأثقل متجمعة في [ سبرة ] واحدة ، وتجرى على الغلال عملية تنقية مبدئية  ، تسـمى بالكربلة أو الغربلة ،  وفيها يتم عزل حبات الغلال عن قطع القش الأكبر [ القصلة ] وعقل أعواد القمح ، وما يماثلها في المحاصيل الأخرى . ولا تستغرق عملية التذرية والتنظيف [ القرقرة ]
وقتا طويلا ، وليس لها أغنيات خاصة .

بعد انتهاء عملة التذرية والقرقرة ، يقوم أحد المقرقرين أو أحد المتخصصين عادة بالكيل ، وتستخدم آنية خاصة بالكيل مصنعة من الخشب والصاج أو النحاس وتسمى بالكيلة المصرية ، ويتم تعبئة الحبوب في أوعية تسمى التلاليس ، وهي تصنع من الشعر والوبر ، وتتسع لثمانية كيلات ولذل تسمى [ المتمنة ] . ويقوم [ الكيال ] بالعد ويردد خلفه من يساعده على الكيل ويتم العدد بطريقة طريفة . يملأ الكيال الكيلة ثم  يبدأ العدد فيقول:

ثم يأتي دور الحمارة لحمل التلاليس إلى البيوت . يقوم الحمارة والجمالة بالعديد من الأعمال ، ومن بينها نقل الغلال والمحاصيل إلى البيوت والأجران والمساطيح.

Previous Post Next Post