النورسية:
في تركيا
التعريف:
النورسية: جماعة دينية إسلامية هي أقرب في تكوينها  إلى الطرق الصوفية منها إلى الحركات المنظمة، ركز مؤسسها على الدعوة إلى حقائق الإيمان والعمل على تهذيب النفوس مُحْدِثًا تيارًا إسلاميًا في محاولة منه للوقوف أمام المد العلماني الماسوني الكمالي الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة العثمانية واستيلاء كمال أتاتورك على دفة الحكم فيها.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
* المؤسس هو الشيخ سعيد النورسي 1873- 1960م: ولد من أبوين كرديين في قرية نورس القريبة من بحيرة "وان" في مقاطعة "هزان" بإقليم بتلس شرقي الأناضول، تلقى تعليمه الأولي في بلدته، ولما شبّ ظهرت عليه علامات الذكاء والنجابة حتى لقب بـ: (بديع الزمان) و(سعيدي مشهور).
- في الثامنة عشر من عمره ألَمَّ بالعلوم الدينية وبجانب كبير من العلوم العقلية، وعرف الرماية والمصارعة وركوب الخيل، فضلًا عن حفظه القرآن الكريم، آخذًا نفسه بالزهد والتقشف.
- عمل مدرسًا لمدة خمسة عشر عامًا في مدينة "وان" وهناك بدأ دعوته الإرشادية التربوية.
- انتقل إلى استانبول لتأسيس الجامعة الزهراء لتكون على شاكلة الجامع الأزهر بمصر، وصادف أن كان هناك الشيخ بخيت شيخ الجامع الأزهر الذي أبدى إعجابه الشديد ببديع الزمان.
- عُين عضوًا في أعلى مجلس علمي في الدولة العثمانية وهو دار الحكمة الإسلامية.
- عندما دخل الحلفاء استانبول محتلين كان في مقدمة المجاهدين ضدهم.
- في عام 1908 م بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد بتآمر من جمعية الاتحاد والترقي التي رفعت شعار "الوحدة - الحرية - الإصلاحية" لتخفي وراءه دسائسها ومؤامراتها على الإسلام والمسلمين، ألّف بديع الزمان جمعية "الاتحاد المحمدي"، واستخدموا نفس شعارات الاتحاديين ولكن بالمفهوم الإسلامي كشفًا لخدعهم التي يتسترون خلفها وتجلية لحقيقتهم الماسونية.
- أرسل الماسونيون (قرّه صو) اليهودي لمقابلته، لكنه ما لبث أن خرج من عنده وهو يقول: "لقد كاد هذا الرجل العجيب أن يزجني في الإسلام بحديثه".
- في الحرب العالمية الأولى التحق بالجيش التركي ضابطًا فيه، وفي الأمسيات كان يلقي على تلاميذه وعساكره علومًا في القرآن.
- قبض عليه الروس ونفوه إلى سيبيريا، لكنه استطاع أن يهرب ويعود إلى استانبول عن طريق ألمانيا فبلغاريا فتركيا.
- حينما أعلن مصطفى كمال أتاتورك (1880-1938م) العصيان بالأناضول حاول استدراج بديع الزمان إلى جانبه؛ إذ عرض عليه قصرًا فخمًا ومناصب عليا، لكنه رفض كل ذلك منصرفًا عن السياسة كليًّا جاعلًا شعاره: "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة"، عاكفًا على العبادة والتربية وصقل النفوس.
- لقد كان العلمانيون الذين حكموا تركيا بعد زوال الخلافة يخشون من دعوته ويعارضونها أشد المعارضة، فما كان منهم إلا أن استغرقوا حياته بالسجن والتعذيب والانتقال من سجن إلى منفى، ومن منفى إلى محاكمة.
- أصدرت المحاكم ضده أحكامًا بالإعدام عدة مرات لكنهم كانوا يعدلون عن تنفيذ هذا الحكم خوفًا من ثورة أتباعه وأنصاره.
- في عام 1327هـ انتقل إلى سوريا وأقام في دمشق وألقى في المسجد الأموي خطبته التي عرفت بالخطبة الشامية وضح فيها أسباب تقدم أوروبا وتخلف المسلمين بما يلي:
1 - اليأس الذي بلغ بالمسلمين مبلغه.
2 - فساد الأخلاق وفقدان الصدق في الحياة الاجتماعية والسياسية.
3 - انتشار العداوة والبغضاء بين صفوف المسلمين.
4 - فقدان روابط الحبة والتعاون والتكافل بين المسلمين.
5 - الاستبداد المنتشر انتشار الأمراض السارية.
6 - تقديم المصالح الشخصية على المصالح العامة.
- عاش آخر عمره في "إسبارطة" منعزلًا عن الناس، وقبل ثلاثة أيام من وفاته اتجه إلى أورفه دون إذن رسمي حيث عاش يومين فقط، فكانت وفاته في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان سنة 1379هـ.
* فكر هذه الجماعة هو ما كتبه المؤسس ذاته، حتى إنك لا تكاد تجد ذِكرًا لآخرين تركوا إضافات مهمة على أفكارها.
* قامت هذه الدعوة لإيقاظ العقيدة الإسلامية في نفوس أتباعها، فكان عليها أن تواجه الظروف القاسية بتكتيك يناسب هذه الظروف التي كان مجرد الانتماء إلى الإسلام فيها يعد جريمة يعاقب عليها القانون.
* كان بديع الزمان متواضعًا زاهدًا يتحرز عن مواطن الشبهة، وكان شعاره الدائم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
* التخلي عن السياسة واعتبرها من وساوس الشيطان، وذلك إثر عدة مواجهات ومصادمات بين بديع الزمان ومصطفى كمال الذي كان يحاول استدراج الشيخ إلى صفه حيث غادر سعيد النورسي أنقره عام 1921م إلى "وان" تاركًا السياسة خلف ظهره ووُصِفَ هذا التاريخ بأنه فاصل بين مرحلتين: سعيد القديم وسعيد الجديد.
* قال بديع الزمان للمحكمة عندما كان مسجونًا في سجن اسكشير: "لقد تساءلتم: هل أنا ممن يشتغل بالطرق الصوفية؟ وإنني أقول لكم: إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة، وإن كثيرين هم أولئك الذين يدخلون الجنة بغير طريقة ولكن أحدًا لا يدخل الجنة بغير إيمان".
* وقال: "أقسم بالله أنني سأكرس نفسي للقرآن باذلًا حياتي مهما كانت مكائد الوزير البريطاني القذرة". ويقصد به وزير المستعمرات البريطاني غلادستون الذي قال آنذاك: "طالما أن القرآن مع المسلمين فسيبقون في طريقنا ولذلك يجب علينا أن نبعده عن حياتهم".
* من أقواله: "لو أن لي ألف روح لما ترددت أن أجعلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق الإسلام.. إنني لا أعترف إلا على ملة الإسلام.. إنني أقول لكم وأنا أقف أمام البرزخ الذي تسمونه السجن إنني في انتظار القطار الذي يمضي بي إلى الآخرة...".
- وله كذلك: "كما أنه لا يناسب الشيخ الوقور أن يلبس لباس الراقصين فكذلك لا يناسب استانبول أن تلبس أخلاق أوروبا".
* إن التهم الرئيسية التي كانت توجه إلى بديع الزمان في المحاكمات يمكن تلخيصها فيما يلي:
- العمل على هدم الدولة العلمانية والثورة الكمالية.
- إثارة روح التدين في تركيا.
- تأليف جمعية سرية.
- التهجم على مصطفى كمال أتاتورك.
لكنه كان يتصدى لهذه التهم بمنطق بليغ من الحجة والبرهان حتى أصبحت هذه المحاكمات مجال دعاية له تزيد في عدد أتباعه.
* لقد كرس المؤسس نشاطه ودعوته على مقاومة المد العلماني الذي تمثل في:
- إلغاء الخلافة العثمانية.
- استبدال القوانين الوضعية -والقانون السويسري المدني تحديدًا- بالشريعة الإسلامية.
- إلغاء التعليم الديني.
- منع الكتابة بالحروف العربية وفرضها بالحروف اللاتينية.
- تغيير الأذان من الكلمات العربية إلى الكلمات التركية.
- فرض النظرية الطورانية: "وأن الترك أصل الحضارات".
- إلزام الناس بوضع القبعة غطاء للرأس.
- جعل يوم الأحد يوم العطلة الرسمية بدلًا من يوم الجمعة.
- ارتداء الجبة السوداء والعمامة البيضاء مقصور على رجال الدين.
- ترجمة القرآن إلى اللغة التركية، وذلك عام 1350هـ/1931م وتوزيعه في المساجد.
- تحريم الاحتفال بعيدي الأضحى والفطر وإلغاء التقويم الهجري وإحداث تغييرات في نظام المواريث.
- الاتجاه نحو الغرب ومحاكاته في عاداته وتقاليده واهتماماته.
- طمس العقيدة الإسلامية في نفوس الناس بعامة والناشئة بخاصة.
* يمتاز شباب هذه الجماعة بالعفة والنظافة، شباب قابض على دينه في عصر شاعت فيه الفتن والإغراءات والانحلال.
* هذا وثمة بعض المآخذ على هذه الجماعة:
- أن هذه الجماعة لم تُعن بنشر عقيدة السلف والتوحيد الخالص بين أتباعها وبين عوام المسلمين ممن يحتاجون إلى تصحيح عقائدهم قبل شغلهم بأمور أخرى.
بل تبنت عقيدة الماتريدية التي كانت تُدعم من قبل الدولة العثمانية ؛ فلم تحاول التخلص من هذه العقيدة البدعية .
- أنهم لم يستطيعوا تأسيس عمل إسلامي منظم يستطيع التصدي للمكر اليهودي الذي كان متغلغلًا في معظم نواحي الحياة السياسية المعادية للإسلام والمسلمين إذ ذاك. لكن الإنصاف يقتضينا أن نقر بأن الظروف المحيطة بنشأة هذه الجماعة لم تكن لتسمح لها بالظهور في غير الشكل الذي ظهرت فيه.
- أن اشتراك بديع الزمان مع آخرين في تأليف جمعية "الاتحاد المحمدي" ليس أكثر من رد فعل سرعان ما انفرطت فضلًا عن استعداء الاتحاديين عليه وتركيزهم الكيد والتآمر للقضاء عليه وعلى دعوته.
- إن تخلي هذه الجماعة عن السياسة واتخاذ سعيد النورسي شعار "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة"، وذلك منذ عام 1921م قد ترك أثرًا سلبيًا على أتباعها إذ وقع بعضهم فريسة لأحزاب علمانية.
- يؤخذ على الشيخ تخليه عن مساندة الشيخ سعيد الكردي الذي قام بثورة ضد مصطفى كمال أتاتورك سنة 1925م واقفًا إلى جانب الخلافة، وقد حدثت معارك رهيبة بينه وبين الكماليين في منطقة "ديار بكر" سقط فيها آلاف من المسلمين.
- ويأتي هذا الموقف انطلاقًا من فكره في وجوب جهاد النفس أولًا ثم الدعوة إلى تنوير الأفكار، وقد نادت الجماعة بإصلاح القلوب وعدم الدخول في معارك داخلية مع المخالفين المسلمين سواء كانوا حكامًا أو محكومين والتزام طريق الدعوة السلمية، والتطور التدريجي، ولا يلجأ إلى الجهاد المسلح إلا ضد العدو الخارجي من الكفار والزنادقة.
- لدى بعض أفراد جماعة النور -مؤخرًا- شعور بالانعزالية والاستعلاء وهذا أفقدهم القدرة على التغلغل بين طبقات الشعب المسلم لدعوته وتوعيته.
* تفرقت هذه الجماعة بعد موت المؤسس وانقسمت إلى ثلاثة أقسام رئيسية متنافرة:
* قسم التحق بحزب السلامة.
* قسم التزم الحياد.
* وقسم ثالث عادى حزب السلامة (حزب الرفاه) متحالفًا مع حزب العدالة الذي يرأسه (ديميريل)، ويملك هذا القسم كل وسائل الدعم والتأييد. وهناك محاولة واسعة لتخريب أفكار شبابه. ومن ذلك مجموعة "يني آسيا جي لر مصدر" وصحيفة (يني آسيا) التي اشتركت مع صحيفة أخرى اسمها (يني نسل) في التشهير بحزب السلامة (حزب الرفاه) وبزعيمه نجم الدين أُربكان.
الجذور الفكرية والعقائدية:
- ليست جماعة النور إلا واحدة من الجماعات الإسلامية؛ لكنها على العقيدة الماتريدية عقيدة تركيا والخلافة العثمانية.
- سلكت الجماعة طريق التربية وعملت على حفظ الإيمان في النفوس، وعليه فإنها تُشَبه بالطرق الصوفية من بعض الوجوه.
- يطلق بعضهم على هذه الجماعة اسم المدرسة اليوسفية؛ أي: التي يتحمل أصحابها في سبيل عقيدتهم السجن والتعذيب دون أن يتصدوا للطغيان إلا بالحجة والمنطق والصبر والمصابرة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
- بدأت جماعة النور في المنطقة الكردية شرقي الأناضول وامتدت إلى أرض روم واسبارطة وما حولها ثم انتقلت إلى استانبول.
- وصلت هذه الدعوة إلى كل الأراضي التركية واكتسحت كل التنظيمات القائمة على أرضها آنذاك.
- بلغ عدد أعضائها أكثر من مليون شخص، يقضي أحدهم عمره في استنساخ رسائل النور وتوزيعها، وكانت الفتيات نشيطات في ذلك كثيرًا.
- لهذه الجماعة أتباع وأنصار في كل من الباكستان والهند. وكذلك لها نشاط في أمريكا يتمثل في الطلاب الأتراك من أتباع هذه المدرسة.

Previous Post Next Post