الميديون :
         تعرضت منطقة الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر ( ق. م ) الى غزو القبائل ( الهندو– أوربية ) بعد أن هجرت موطنها  الأصلي في منطقة ( البونتك )1 ( PontiacAre ) وهي تقع بين كازاخستان ، ونهر الدنستر ، أو من شرق البحر الأسود الى المناطق الجنوبية من الشرق الأوسط  ، نتيجة الحروب الطاحنة بينهم ، وبين الاقوام التي كانت تهاجمهم باستمرار من الصين ، ومن منغوليا ، وغيرها من جهة ، وربما نتيجة القحط ، والجفاف الذي أصاب تلك المناطق أنذاك من جهة أخرى ، ويلوح سبايرز ان الميديين كانوا يضربون في اقليم بخاري ، وسمرقند ، ثم هاجروا ، وسكنوا في باديء الأمر في شرق بحيرة ( أرمية ) ، والبلاد الشرقية ، والشمالية الشرقية لبحر قزوين حوالي عام ( 2500ق.م ) ، وقد أرتحل قسم من هذه العشائر الأرية الى البلاد الهندية ، حيث خلفوا هناك كتاباً مقدساً باللغة السنسكريتية2 يسمى ( فيداس ) ، ويتضمن معلومات هامة عن حياتهم الاولى ، والادوار التاريخية التي مرت بهم ، وكان الشعب الميدي أقوى ، وأكبر شعب بين هؤلاء الأريين الوافدين جماعات ، ثم أعقبتهم في الهجرة الأقوام الآرية الأخرى ( بارس ، ماني  ، بارث ) .
      المجموعة الأولى كانت تسمى بارسيوي ( بارس ) الذين سكنوا في منطقة خراسان ، وتبريز ، وشكلوا فيما بعد أصل الأمة الفارسية بعد أن تحول حرف ( الباء ) الى ( الفاء ) ، ( بارس الى فارس ) .
     المجموعة الثانية من هذه الأقوام هم ( البارثيين ) الذين سكنوا في منطقة ( أرمينيا ) ، ومعهم أقوام ( ماناي ) ، وهم الأرمن الحاليين .
      أما المجموعة الثالثة هم الميديون ، وهؤلاء الميديون أتجهوا الى شمال هضبة أيران الوسطى – نحو الغرب ، والجنوب ، وأستوطنوا في السهول القريبة من جبال ( زاكروس ) مملكة ( كوتيام ) في الاقليم الذي كان يعرف أنذاك بـ( برسة واش )3 بانة الحديثة ، وكان موطنهم بعد اندماجهم مع سكان زاكروس حسب الجغرافية الحالية تشمل ( كوردستان ، وأذربيجان ) الحالية .
      كان الميديين يقطنون في إقليم بخار ، وسمرقند ، ثم توغلوا منه نحو الجنوب شيئاً فشيئاً حتـى وصلوا الى كوردستان الحالية ، فوجدوا النحاس ، والحديد ، والرصاص ، والذهب ، والفضة ، والرخام ، والحجارة الكريمة في الجبال التي إتخذوها موطناً جديداً لهم . ولما كانوا قوماً أشداء ، وبسطاء في معيشتهم فقد أخذوا يفلحون أرض السهول ، وسفوح التلال ، وعاشوا فيها عيشة رخية .ولم يعمدوا الى الى الدخول
في حروب ، ومنازعات أو محاولة أستئصال السكان الأصليين لجبال زاكروس من اللولويين ، والكوتيين ، وغيرهم من سكان المنطقة الأصليين بل أستوطنوا بالقرب من مناطقهم ، وحصل بينهم ود ، وتفاهم ، وعمل ، وتجارة ، وتبادل خبرات ، ومصاهرة وما الى ذلك ، وأخيراً أندمجوا معهم بعد قرون عديدة بعد أن أنصهرت لغتهم ، وحضارتهم ، وديانتهم ، وسماتهم الأنثروبولوجية ، مكونيين معاً شعباً منسجماً واحداً هو الشعب الميدي ، والكوردي الحالي .
     استنادا إلى كتابات هيرودوت3 فإن الميديين كانوا مؤلفين من ستة قبائل رئيسة ، وهي ( البوسين ، بارتاكتين ، سترواخانين ، آريا ، البوديين ، الميكيين ) ، وهذه القبيلة الأخيرة أطلق عليها أسم ( المغان ) ، ومعناها أولئك الذين يتمتعون بالقدرات الخارقة ، ويمارسون الأعمال الروحية ، وأطلق هيرودوت اسم الآريين على هذه القبائل الميدية .
      كانت هذه القبائل في البداية منفردة ثم أسست كل أسرة حكومة محلية أو إمارة صغيرة مستقلة لها ، وكان قسم منها تابعة للسلطة الآشورية ، وبعضها مستقلة نوعاً ما ، وذلك بتأريخ ( 1274 – الى 745 ق.م ) ، ويذكر هيرودت في نفس المصدر التأريخي ، أن الميديين أول من تمردوا على حكومة الأشوريين ، وقد بذلوا مجهودا كبيراً ، وناضلوا نضالاً قوياً في سبيل أستقلالهم  ، وحريتهم .
     أصــل التسمية : أطلق المؤرخ اليوناني الشهير ( هيرودرتس ) أسم الميديين عليهم ، وهكذا أصبح الكورد يعرفون من ذلك التأريخ بأنهم أحفاد الميديين ، والكاتب الأرمني ( أرشاك سافرستيان )4 يحمل المؤرخ اليوناني ( هيرودوس ) مسؤولية ذلك الخطأ التأريخي في التسمية ، ويشير ( سافر ستيان ) الى أن بعض النصوص السومرية المعجمية التي نشرت من قبل الأستاذ ( Chirac.E) جاء فيها أن كلمة ( Media ) مرادفه لعبارة الأرض ، أو البلد مثل ( مادا- كوتيام ) أي أرض الكوتيين ، الأ أن البابليين الذين تأثروا بالأدب السومري مئات السنين أغفلوا الفهم الأصلي للكلمة ، وأعتبروها أسماً لمنطقة ، أو شعب دون تحديد أي موقع لهما لذا أطلق هيرودوس أسم الميديين ( Medis ) على الشعب الكوردي في سلسلة جبال زاغروس ، فشاع الأسم لدى اليونانيين ، ومنهم أنتقل بعد ذلك الى المصادر الأوربية كأسم لسلف الشعب الكوردي الحالي في مرحلة تاريخية محددة ، و ليس في اسماء الميديين الذين ذكرتهم النصوص المسمارية اي جرس ايراني6
   لا يعرف الكثير عن أصل الميديين ، واستنادا على كتاب العهد القديم7، وكذلك الكتاب المقدس ، فإنهم من سلالة يافث بن نوح ، وأول ذكر لهم في المخطوطات الآشورية6 كان في عام 836 قبل الميلاد عندما تم ذكر دفع الميديون الجزية للملك الآشوري شلمنصر الثالث ، وهذه ترجمة النص الاشوري ( رحلت عن ارض بارسوا ، ونزلت أرض اماديا ، أرض أرازياش ، أرض حرحار ) وحرحار هي الارض المعروفة الان بسيروان العليا .
     استنادا إلى د. زيار(7)، فإنه بحلول سنة 1500 قبل الميلاد هاجرت قبيلتان رئيسيتان من الآريين من نهر الفولغا شمال بحر قزوين ، واستقرا في إيران ، وكانت القبيلتان هما البارسيين ، والميديين .
     المؤرخ محمد أمين زكي8 ، يذكر بإن هناك إحتمالاً كبيراً بأن هذه المجموعة  أندمجت مع عدة قبائل مثل " لولو ، و كوتي ، وكاساي ، وسوباري ، وخالدي ، وميتاني ، و هوري ، ونايري ".
        يقول ابن خلدون9 بأن الكورد منحدرون من الميديين ، ويذكر مشبر الدولة حسن بيرنيا بأن الميديين هم من الشعوب الآرية ، وهم أجداد الكورد ، ولغتهم هي نفس لغة الكورد الموكريانيين10 ، وأن لغة الماديين هي لغة كوردية .
   كما يشير مردوخ الى أن السلطان الأول للميديين هو " آراماس " و المعروف عند اليونانيين بـ " ديوكس ". كما يقول دومركان بأن الميديين كانوا موجودين منذ أكثر من 2000 سنة قبل الميلاد ، وأسسوا إمبراطوريات ، وسلطنات كثيرة ، وعرفت العالم عن حروبهم ، وشهرتهم ، وتفوقهم منذ سنة 700 قبل الميلاد.
      يقول المؤرخ اليوناني " كيتزياس " بأنه تعاقب على حكم الإمبراطورية الميدية عشرة سلاطين ، وكان آخرهم ( آستياغ ) وأن الإمبراطورية الميدية دامت لمدة 350 سنة  .
     يتحدث الكتاب المقدس11 كثيراً عن الميديون " وهناك أيضاً الكثير من قصص الكتاب المقدس الرائعة التي جرت أحداثها في كوردستان . قبور الأنبياء العظماء مثل: ناحوم ، يوناه ، هاباكوك ، دانيآل ، ونوح كلها موجودة على هذه الأرض الفسيحة  ، ولقد تنبأ عدد من هؤلاء الأنبياء العظماء بكلمات عن الكورد الذين كانوا يدعون آنذاك بالميديين .  
      عن أهمية الميديين في الكتاب المقدس : مثلاً في ناحوم 3/7 ، تم التنبؤ بانهيار نينوى، وبعدئذ تحقق الأمر على يد الميديين . في أرمياء 5/11، تم التنبؤ مراراً، وبشكل دقيق أن الميديين سيدمرون بابل . في دانيآل 5/28، قال هذا النبي العظيم بنهوض الميديين ، والفرس ، وتأسيسهم إمبراطورية عظيمة .
      كما يذكر الكتاب المقدس ( في السنة التاسعة لهوشع أخذ ملكُ أشّورَ السامرةَ ، وسبي بني إسرائيل إلى أشور ، وأسكنهم في حَلَجَ ، وخابور نهر جوزان ، وفي مدن ماديّ (الميديين)". الملوك الثاني: 17/6 .
    كان الكورد في الكتاب المقدس ، معروفين كقوم شرف يقيمون عالياً كلمة المرء، ويحفظونها عالياً . حين كان الملك الميدي يعطي أمراً، لم يكن مسموحاً لأحد أن يغير ما
كان قد كُتب حسب قانون الميديين ، والفرس  : ( فثبّتِ الآن النهيَ أيها الملك ، وامضِ الكتابة لكي لاتتغير كشريعة مادي ، وفارسَ التي لاتُنسخ . دانيآل: 6/8 ) .    
     استنادا إلى المؤرخ الكوردي محمد أمين زكي (1880 - 1948) إن الميديين ، وإن لم يكونوا النواة الأساسية للشعب الكوردي ، فإنهم إنضموا إلى الكورد ، وشكلوا حسب تعبيره "الأمة الكوردية".
     اندمج الميديون مع الفرس في عهد الاخمينيين ، ويعتبر الكثير من القوميات في يومنا هذا أنفسهم كامتداد للميديين كالكورد ، والاصفهانيون ، والأذريين ، لكن الثابت هو ان الكورد هم من جذور الشعب الميدي ، وتتجسد هذه القناعة في نشيدهم الوطني حيث يوجد في هذا النشيد ، إشارة واضحة إلى إن الكورد هم "أبناء الميديين" .
     يذكر ( برستيد)12 ، أن أطلاق لفظ ( آري )على شعوب ( هندو – أروبي ) من الأخطاء الشهيرة ، والشائعة لحد الأن ، فالصواب قصر استعمال هذا اللفظ الذي أشتق منه لفظا ( أيران – أيراني ) على عشائر ، وقبائل هضبة أيران التي هي جزء من تلك الأقوام المطلق عليها تركيب ( هندو – أوربي )  .    
     يعتقد المؤرخ السوفيتي أباييف13 ، بان اليونانيين القدماء ، والحيثيون ، والأرمن القدماء نزحوا نحو الجنوب الى شبه جزيرة البلقان ، وآسيا الصغرى ، اما الباقون في اوطانهم الاصلية فقد شكلوا مجموعتين من المجتمعات الاصلية في اواسط اوربا ، الاولى  شملت السلاف . البلت ( سكان البلطيق )، التخار ، الكلت ، والايتاليك .
     اما المجموعة الثانية فشملت الجماعة الآرية في جنوب شرق أوربا الذين أصبحت لهم صلات مع عالم (  فين اوكر ) ، واخيراً أنفصلت قبائل هذه المجموعة الآرية في النصف الأول من الالف الثاني قبل الميلاد ، وتوزعت كمجموعتين ، الاولى الهنود القدماء التي يمكن اعتمادها الطبقة السائدة للدولة الميتانية من هذا النوع ، والثانية الآريين القدماء ، جنوب روسيا الحالية بين بحيرة آرال ، ونهر الدانوب ، وانسابت نحو الجنوب14، سواء الى البلقان بعبورها لأرنهار الدنيبر ، والدنيستر ، والدون ، والدانوب ، أو بأختراقها لجبال القفقاس ، فقد ادى هذا الى تغيرات جوهرية للعلاقات اللغوية ، والعرقية لشعوب اليونان ، واسيا الصغرى ، وشمال بلاد ما بين النهرين في بداية الألف الثاني قبل الميلاد ، ويرى أباييف كذلك بأن القبائل الآرية  بعد أنسيابها من شرق أوربا ، ومن خلال القفقاس نحو الشرق الأدنى ، أستمرت من هنا في هجرتها نحو الهند ، وأن وجود العناصر الهندية القديمة في نصوص الأكديين ، والحثيين في الألف الثاني قبل الميلاد15 . على حد تعبيره تدل على هذا الحدث .



حدود بلاد ميديا :
      من الشرق أفغانستان( بل بعض أراضيها ) ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ، ومن الشمال  مناطق كادوس فيما وراء نهر آراس ، ومن الجنوب حتى الخليج العربي , وقد ضمت داخلياً ما يلي : فارس – أرمينيا – آشور – عيلام – هيركاني – جزء من باكستان على المحيط الهندي – شمالي شرقي سوريا ( 16 )
العاصمـــة :
       بنيت العاصمة عام 728 ق.م على يد أول ملك ميدي هو ( دياكو ) وسميت ( جه مه زان ) وتعني باللغة الكوردية  مكان الاجتماع ، وسميت  أحياناً باسم)  هيكمه تانا ( ، ولكنها اشتهرت أخيراً باسم )أكباتانا( 17 وهذه التسمية أطلقها عليها اليونانيون ، وقد تم تثبيتها هكذا بصورة أكثر في المراجع لأن معظمها يونانية كما هي عند زينفون ، وهيرودوتس ، وغيرهما ، وفي الالواح العيلامية أيضاً ، والاشوريون سموها ( بيت دياكو ) نسبة ملكهم باني العاصمة ( دياكو ) ، وفي الروايات الآشورية سميت بـ ( أمدانا )18 ، وفي الروايات الهيخامنشية (هنك متان ) ، ومكانها الآن قريبة من همدان  
 في إيران  حالياً ، وبالتحديد  في غرب ايران شمال نهر نهاوند شرق كرمنشاه .
     يقول المؤرخ اليوناني هيروديتس19 ان مدينة هكمتانة ، في عهد الميديين ( من اواخر القرن الثامن حتى منتصف القرن السادس قبل الميلاد ) كانت مركزاً للامبراطورية الميدية ، ثم اصبحت عاصمة صيفية ـ وربما خزانة ـ للاخمينيين ، بعد سقوط الامبراطورية الميدية .
     بنيت المدينة ، فوق تلة ، وقد عزز ذلك من وظيفتها الدفاعية ، وهي كانت مدينة عظيمة ، ومحصنة تحصيناً قوياً بأسوار مكثفة مخططة بشكل دوائر متتالية يعلو أحدها الأخر بشرفات دفاعية محصنة ، وكانت محاطة بسبعة أسوار دائرية ، وفي السور الداخلي منها اقيم البلاط الملكي ، والأدارة ، والخزينة ، وكانت مدينة كبيرة بحيث وصل محيط سورها الخارجي بقدر محيط  سور مدينة أثينا .
      فبعد ان قرر الملك دياكو ان يتخذ من هكمتانة عاصمة له انصرف الى تجميلها ، وتحصينها حتى أضحت آية في الجمال ، ومنيعة الحصون  ، حقاً اصبحت مدينة جميلة ليس لها أي مثيل من ناحية الجمال ، والفن المعماري البديع ، وفي زينة مبانيها ، وبنى فيها قصراً عظيماً يقال ان عدد غرفه كانت في حدود الالف غرفة ، حيث كان يضاهي في فخامته برج بابل ، وكان القصر منيعاً ، وعلى شكل سبع قلاع ، يقع قصر الملك ، وخزانته في الطابق السابع ، وقرر طلاء تلك القصور ، والقلاع بالوان مختلفة ، على غرار القصور البابلية  . وقصر الملك الذي كان يقع في اعلى الأسوار السبعة ، كان يحوي مائة غرفة .
     دعا دياكو مواطنيه الى بناء بيوتهم خارج القلعة ، وعلى اطرافها ، واختيار دياكو لهذه المنطقة ليبني عليها قصره لم يأت إعتباطياً بل كان اختياراً مبرمجاً نظراً لطبيعة المنطقة الساحرة ، والجميلة من حيث وجود سلسلة جبال الوند المكسوة بالثلوج الى جانب الانهار ، والشلالات الوفيرة ، والمصايف الجميلة . 
   بعد اضمحلال الامبراطورية الميدية ، أصبحت العاصمة الاخمينية ( برسبوليس ) بالقرب من شيراز جنوب بلاد فارس ، ولكن لم تفقد مدينة هكمتانة اهميتها في عهد الاخمينيين ،  وأتخذت كعاصمة صيفية للاخمينيين بعد ربطها بطريق مباشرة مع تخت جمشيد ، او برسبوليس ، عاصمة داريوس ، وكانت أكباتانا خراباً حينماً التحم داريوس مع الاسكندر في معركة كوكميلا( 20) سنة 331 ق.م . 
    عندما اخضع الاسكندر المقدوني21 مدن الامبراطورية الاخمينية ، أحتل هكمتانة ايضاً ، ويقال انه حينما وصل الاسكندر الى هكمتانة توفي احد قادته الكبار ، وهو ( هفايستيون ) حيث امر الاسكندر ببناء ضريح يليق بالقائد العسكري ، ولكن لم يتم  العثور على ضريح هفايستيون من بين اثار مدينة همدان الحالية .
    أكباتانا الآن لا تقع داخل حدود كوردستان بل داخل حدود إيران الحالية ، وقد نجح المنقبون في العثور عليها ، وتمكنوا من إزالة الأتربة عنها ، وهي ضخمة جداً ، وتتميز بسورها النادر الذي يتألف من سبع جدران عالية ، وعريضة بجانب بعضها ، وهي تلتف حول المدينة فالجدار السابع أعلى من السادس ، والسادس أعلى من الخامس ، وبالتدرج هكذا حتى الوصول إلى المدينة  .


الحضارة :
        لقد أستطاع الميديون أصحاب حضارة الحصان ، والعربات القتالية التي تجرها الخيول  السريعة ، والمسلحون بأسلحة حديدية من تأسيس امبراطورية عظيمة ، ولكنهم لم يخلفوا لنا أية كتابة تذكر وان وجد فهو في باطن الارض ، او جيرت لغيرهم كما سنوضح ذلك ، وعلى الرغم من قلة الاثار المتبقية من الحضارة الميدية ، مقارنة بالحضارات الاخرى ، الا ان مدينة همدان التي تبعد 375 كلو متراً عن العاصمة الايرانية طهران ، لا زالت عامرة حتى الان بالعديد من اثار الميديين ، منها تلة ( هكمتانة ) التي تضم تحتها المدينة التأريخية المفقودة فضلاً عن ( الاسد الصخري ) الرابض في احدى الساحات العامة بالمدينة  يا ترى ماذا حل بالحضارة الميدية ..؟ 
      يقول المرحوم الدكتور عبد القادر مارونسي22 (( بعد انتزاع الاخمينيين الحكم من الميديين ، لم يبق أي اثر للحضارة الميدية ، بإستثناء بضع كلمات قليلة علماً ان المتخصصين في هذا المجال يعترفون بوجود حضارة ، وثقافة ، وتراث ميدي ، ويضيف المارونسي الاخمينيون ـ تقمصوا ـ هذا التراث ، وهذه الحضارة ، وهذا ليس رأيي بل رأي اساتذة متخصصين في هذا المجال منهم الدكتور ( احمد تفضلي ) الاستاذ بجامعة طهران ، ويسترسل المارونسي ان تقمص الاخمينيين للحضارة ، والثقافة الميدية شبيه بانتقال الارث الى الورثة ، فمن حيث اللغة ورث الاخمينيون ديوان الادارة ، باللغة ، والكتابة الميدية ، كما ورثوا اساليب الحكم من الميديين ، وورثوا الاعياد ، والمناسبات الرسمية ، والشعبية من الميديين دون اية اشارة ، او اعتراف بذلك .(( 
       من هذا يخلص المارونسي الى ان الاخمينيين هم الذين ( طمسوا ) معالم الحضارة ، والتأريخ الميدي ، وان الامبراطوريات التي تلتها ساهمت في تعميق هذا الطمس ، ولا سيما الامبراطورية الساسانية ، وعن بقايا الميديين في همدان او ( هكمتانة ) يقول المارونسي (ان كثيرا من الاثار الظاهرة للعيان في همدان ، هي اثار ميدية سجلت باسم الاخمينيين ، ويشمل ذلك العديد من المباني ، والكتابات ، والجداريات ، واعتقد ان كل ما ظهر حتى الان في همدان يعود الى الحضارة الميدية ، كما يضيف ( قد قلت هذا الكلام في ايران مراراً وتكراراً ) ، وعندما تنقب في قصور الملوك فستحصل على بقايا الحضارة الميدية . 

تلة هكمتانة : 
      على الرغم من التخريب ، والاهمال المتعمد لهذه التلة العملاقة ، كونها اثار حضارة خاصة تعود الى اسلاف الشعب الكوردي ، والكشف عنها سيكشف عن حضارة الشعب الكوردي الموغلة في القدم ، الا ان اثار المدينة ما زالت باقية ، وهذه المدينة التي ظهر قسمها الشرقي من تحت الارض ، تكشف عن نظام معماري متقدم ، نظام صممه معماريون متخصصون قبل تنفيذه على الارض ، ولا شك ان بناء هكذا مدينة محكمة ، وحصينة ، وجعلها مقرا للحكومة ، وخزينتها ، وعاصمة للامبراطورية ، لا يتم إلا من قبل ملك مقتدر ، ثم ان مدينة بكل هذه القلاع ، وابراج الحماية دليل على اتخاذ الحيطة ، والحذر من الاعداء المتمثلين بالجوار ، وتكمن اهمية تلة هكمتانة كونها تضم تحتها أطلال عاصمة الميديين ، وتلة هكمتانة تلة بيضوية الشكل ، مساحتها في حدود الثلاثين هكتاراً ، اذا ما أستثنينا اكثر من عشرة هكتارات اخرى من اطراف التلة انشأت عليها بيوت سكنية ، ويقسم شارع اكباتان التلة الى قسمين ، شرقي ، وغربي ، وما عدا همدان ، وتلة هكمتانة فإن هناك العديد من الاماكن الاثرية الاخرى التي تؤرخ للامبراطورية الميدية كتلال منطفة ( كودين ) بالقرب من كنكاور في كرماشان ، ونوشيجان في ملاير23 ، وهي بمجملها تعكس حضارة انسانية راقية ، ومتقدمة . 
       
الاسد الصخري :
     من الاثار الميدية المتبقية في همدان ـ رغم عوادي الزمن ، ورغم محاولات الطمس ، والاهمال المتعمد ـ تمثال الاسد الصخري العملاق ، والذي ينسب الى الملك الميدي دياكو ، ويبدو انه مثلما حاول بناء قصوره على غرار القصور ، والجنائن البابلية ، فإن اسد هكمتانة ، هو الاخر ، شبيه باسد بابل . 
      ينتصب الاسد الصخري في احدى الساحات العامة في مركز مدينة همدان ، وهو بطول 5,2 امتار ، وبعرض 1،15 متر ، اما ارتفاع التمثال فهو في حدود الـ 2,1 متر ، وكان يطلق على المنطقة التي يوجد فيها الاسد ، باب الاسد . والملاحظ في الصورة هو كسر اقدام الاسد في مرحلة معينة من مراحل التأريخ ، وتقول بعض المصادر ان لبوة صغيرة كانت موجودة الى جوار الاسد الصخري ، ولكن لم تعد موجودة الان  .
     أما في مجال الفنون فقد عاش الميديون مرحلة متقدمة في الفن إذ شهد هذا العمل أنواعاً مختلفة ، ومجالات متعددة  ,فقد كان على الألواح ، أو الجدران ، أو القبور ، أو الحجارة ، أو الحديد ، أو النسيج كما إنهم عرفوا خياطة الألبسة ، والغزل ، والنسيج ، والنقش على الخشب ، والحديد ، وأيضاً صنعوا التماثيل ، وخاصة للمشاهير منهم ، وللآلهة , وقد دلت اكتشافات ( تل هسار ( على هذا الفن الرائع ، كما تم العثور في كهفين على نوع متقدم من الفن ، أولهما في ( كهف شهرزور)24 في مناطق مدينة السليمانية حالياً في جنوب كردستان ، فقد كان عبارة عن قبر للملك ( كيخسرو ( بالإضافة إلى الرسومات العديدة له في مختلف مناح الحياة السياسية  , كما وجد تمثال ذو أربعة أجنحة ، وهو لشخص محفور على حجر عليه صورة كوكب الزهرة التي تدل على الآلهة أناهيتا ، وللقمر الدال على الآلهة ( ميثرا ( ، وللشمس الدالة على ( أهورامزدا   (إله الخير لدى زرادشت بالإضافة إلى صورة كاهن من الموغ أمام موقد نار ، هنا نتذكر مواقد النار التي كانت عبارة عن حفرة في حجرة أو صخرة , أي ( فرن ) ، وهي وجدت بكثرة في جنوب كوردستان ضمن الكهوف ، والمغارات ، أما الكهف الثاني فيقع في منطقة دوكان  ، وقد عثر فيه على قبر الملك الميدي أسيتاغ , بالإضافة إلى تلك الفنون فقد رسم الميديون ألواناً عن الطبيعة , وأشكالاً لها على الصحون ، والكؤوس عن طريق الزخرفة ، وهي في ذلك موضع الاستغراب بالنسبة للزمن الذي تنتمي إليه ميديا ، عدا القبور التي يوجد واحد منها بالقرب من ساري بول غربي رؤوس سلسلة جبال زاغروس وغيرها في دوكان داور ، ومثلها اثار ( فاهريكا ) جنوبي بحيرة اورمية حيث تبدو قبور الامراء قائمة في جوانب الجبل ، زين اول واحدمنها بنقوش ، وهي تصور شخصاً يقبض على حزمة من الاغصان ، وتدعي يبدو ان الرسوم كانت تستعمل في الاحتفالات الدينية .
     إن المؤرخ الروسي دياكونوف 25يورد قولاً على إن التمثال الذي عثر عليه في تل هسار لشخص عيناه لوزيتان تشبهان سكان زاغروس ، وديالا الحاليين .

 
 



المعتقد والديانة :
     كانت المعبودات القديمة قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين ، والشرق الأدنى، وقبل ظهور الديانات السماوية ، والديانات الأخرى هي  : ( الشمس -  القمر – النجوم –  السماء - الأرض – الجنس – الحيوان – الطوطمية – الأنتقال الى مرحلة الألهه البشرية – عبادة الأشباح – عبادة الأسلاف )25  ، وهناك الألاف من النصوص المسمارية ذات المواضيع المختلفة التي تركها لنا العراقيون القدماء ، فادتنا في فهم جوانب من معتقداتهم الدينية ، ومن هذه النصوص القصص ، والأساطير الدينية ، والملاحم ، والتراتيل ، والصلوات ، وجداول بأسماء الألهة ، والأرواح الشريرة ، والخيرة ، ونصوص الفأل ، وقراءة الطالع ، والنصوص السحرية ، ونصوص خاصة بكيفية أقامة الشعائر ، والطقوس الدينية ، وأخرى خاصة بالأحتفالات ، والأعياد الدينية ، ونصوص الرقي المسمارية المكتشفة ، أفادت في دراسة الديانة القديمة ، وهي تشير الى مدى تغلغل الدين في نفوس القدماء ، وتأثيره على حياتهم الخاصة ، والعامة ، إضافة الى النصوص ، هناك الكثير من المخلفات المادية التي أمدتنا بمعلومات وافية عن المعتقدات الدينية ، كالمعابد ، والزقورات ، والتماثيل ، والنصب ، والألواح الجدارية ، والدكاك ، والمذابح ، وأثاث المعابد ، والمشاهد الدينية الكثيرة المنقوشة على الأختام الأسطوانية ، والأواني الفخارية ، وغيرها .
      كان الشعب الكوردي قديماً ، وثنييناً مثل جيرانه من الشعوب الاخرى ، فكان كبير الهتهم يدعى ( سرياش ) وهو ألهة الشمس ، ومعبوداتهم الأخرى هي ( خارب ، دونياش ، شاخ ، شيباك ، شوكامونا... الخ ) وكان الكيشيون يسمون الأله ( بوغاش ) ، وقبل قيام الإمبراطورية الميدية كانت مبادئ ( أناهيتا (في كوردستان الأكثر انتشاراً ، والتي تمثل نجم الزهرة ثم تلتها معتقدات ( ميثرا (التي تمثل القمر ، وبعدها اختلطتا بالديانة الزرادشتية .
     في كتاب ( تأريخ ايران القديم )26 دراسات قيمة عن معتقدات ، وديانة الجنس الآري في هضبة ايران ، وجيرانهم القدماء من العناصر الأخرى ، وتدل هذه الدراسات على ان معتقدات قدماء الآريين في ايران ، ولغتهم ، كانت متحدة مع ديانة قدماء الآريين في الهند ، ولغتهم ، وانه فيما بين القرن الرابع عشر ، والقرن التاسع قبل الميلاد ، أنفصلوا عن بعضهم ، وصار لكل قوم منهم عقيدة خاصة ، ولغة خاصة مستقلة .
       فالتأريخ التقريبي الأول لظهور ديانة الكورد القدماء ، هو تأريخ وضع ( فيداس ) الكتاب الهندي المقدس باللغة السنسكريتية ، كما يجب ان نعلم هنا ، على خلاف هذه الدراسات ، ان بعض الأقوام الآرية مثل الكوتي ، واللوللو ، والكيشي ، والعيلامي ، والميتاني ، وغيرهم من ( شعوب جبال زاغروس ) قد تأثروا من كل الوجوه تأثراً كبيرا بسبب الأختلاط من فجر التأريخ  بالسومريين ، والبابليين ، والاكاديين ، فلذا لم تخلص معتقداتهم ايضاً من هذا التأثر .
      ثم ظهر المصلح زرادشت سنة ( 606 قبل الميلاد )27 ويقول العالم المستر ( جاكسون ) الأخصائي العظيم في العقيدة الزرادشتية ، ان ( زرادشت ) ولد في النصف الثاني من القرن السابع ( ق.م ) وهذا ليس قطعياً ايضا ً ، ولكن الروايات الزرادشتية نفسها تفيد ان هذا النبي او المصلح زرادشت ولد في القرن السابع قبل الميلاد ، وشرع في بث تعاليمه ، ونشر دعوته على شواطئ بحيرة ( آرومية ) وكانت العبادة موزعة بين ( هرمز ) أله الخير ، و( أهرمن ) أله الشر فأدخل التوحيد لأول مرة في الفكر الديني ، ودعى الى عبادة رب واحد احد ، وهو ( يزدان ) ونشأت الديانة الزرادشتية ، وأنتشرت في ميديا ، وكل أيران .
     الله عند زرادشت موصوف بأكمل الصفات ، وهو يقول ان الله خلق الدنيا على ست مراحل ، السماء ثم الماء ثم الأرض ثم النبات ثم الحيوان ، واخيراً الأنسان ، وكان يؤمن بالبعث بعد الموت ، وبالحساب ، والعقاب ، والثواب .
     كان يقول ان الأخيار يرفعون الى السماء ، والاشرار يقذفون الى الهاوية.. اي الجنة ، والنار وكانت النار تقدس عند زرادشت بأعتبارها أطهر المخلوقات لا باعتبارها الهاً يعبد ، وكان يؤمن بالروح ، وانها تخلق لكل انسان قبل ان يخلق جسده ، وهو الذي حطم الأصنام ، والأوثان بالنسبة للديانة الأيرانية ، ورفع راية التوحيد في ربوعها ، وهكذا كان الكورد على الديانة الزرادشتية حتى صدر الأسلام .
    كان كتاب الابستاق ( آفستا )28 والذي كتبه زرادشت بنفسه ، وبخط يده ، وبماء الذهب على  (12000 ) ألف قطعة من جلد الأبقار المدبوغة التي أهديت له من قبل الملك الميدي ( فرايورتيس – خشاتريتا ) في عام 628 ق.م ، وهي عبارة عن ( 21 ) سورة لم يصلنا منها سوى سورة واحدة ، وبضع آيات من بعض السور الاخرى ، وأن الأسم الصحيح لهذا الكتاب ، او السور الزرادشتية هو ( زند- وآفستا ) ومعناه ( قانون ، وتفسير ) و ( زند ) هو التفسير ، فهذه السور قد ألفت ، وجمعت بمختلف اللهجات الأيرانية في عهود مختلفة ، وفي مناطق عدة ، فمن هنا كانت تسمية هذه الكتاب بلفظ ( آفيستا ) فبناءاً على هذه النظرية ، وما يؤخذ من الأثار المكتشفة الايرانية التي يرجع تأريخها الى القرون الوسطى يجب ان يكون لفظ ( زند ) الذي معناه التفسير من الالفاظ البهلوية .
     أما النار فكانت مقدسة لدى زرادشت ، ولم يدعو زرادشت الى عبادة النار بل قال ان ( الماء ، والتربة ، والهواء ، والنار ) اشياء مقدسة يجب عدم تدنيسها ، هذا وفي عهد الفتوحات الأسلامية عامل المسلمون الزرادشتيين بأمر من سيدنا عمر رضى الله عنه معاملة اهل الكتاب ، مما يدل على ان (الآفيستا ، او الأبستاق ) هذا كان في نظر المسلمين كتاباً مقدساً ، وقريباً من الكتب السماوية  .
     خلاصة القول ان تعاليم زرادشت كانت تنص على الروح اذا كانت خيرة أي حائزة لصفات ثلاث ، تصل ولاشك الى عالم أرقى مما هي فيه ، والصفات الثلاث هي ، النية الحسنة ، والكلام الطيب ، والعمل الصالح ، وهذا العالم الراقي التي تدخل فيه تلك الروح هو مايسمى في اللغات الآرية القديمة ، والحديثة ( ئينوه هيشت –بهشت اي الجنة ) ، والروح التي تكون شريرة او مذنبة تدخل عالم الألام ، والمشاق أي ( جهنم ) وهناك منزلة ثالثة تسمى ( هيمستيكان )29 بين الجنة ، والنار مخصصة للذين تتساوى أعمالهم الطيبة ، والرديئة وزناً ، ومقداراً ، فيبقون فيها منتظرين يوم التناد أي يوم القيامة ، ومن مبادئ الديانة الزرادشتية الأساسية ، ان احسن عمل يقوم به المرء في حياته هو الأشتغال بالامور الزراعية ، والأقتصادية ، والعمل على توفير المال الذي هو عصب الحياة فلهذا كان ( زرادشت ) يحرم الصوم على الزراع لئلا يكونوا ضعافاً خائري القوى ، هذا ، ويرى معتنقوا هذا الدين ، ان زرادشت كان نبياً يكلمه الله سبحانه ، وتعالى ، ويوحي اليه كسائر الانبياء ( كتاب فجر الاسلام )30 ، ويظهر انه في عهد الملك ( داريوس ) الكبير قد تلاشت آثار ، وشعائر ، وطقوس الديانة الزرادشتية ، وحلت محلها ديانة ( مخ - مجوس ) التي تقدس النار ، وتوطد نفوذها في عهد هذا الملك الكبير ، وصارت ديناً رسمياً للدولة ، والأمة الأيرانية جمعاء .
     كان زرادشت في الأمة الآرية القديمة أشبه ما يكون نبياً ، ولكنه لم يرد أسمه في الكتب السماوية ، ومرشداً اجتماعياً فوق العادة ، الف كتابه ( زند آفستا ) ، حتى قتل في أواسط النصف الأول من القرن السادس ( ق.م ) ً، وهو في سن الشيخوخة في حرب دينية كان قد أثارها ضد الشعب الهيوني ، وكان قائد جيوش الهيونيين يدعى ( آرجاسب )
    خلاصة القول ان آريي أيران كانوا مثل آريي الهند يعبدون بعض الظواهر الطبيعية ، والعناصر الكونية ، وأنهم قبل هؤلاء الهنود أرتقوا الى عبادة اله واحد قدير بفضل تعاليم  زرادشت .
     من الجدير ذكره هنا هو أن السيدة المعروفة في تاريخ الشرق الأوسط باسم نفرتيتي  (( ومعناها بالكوردية نفرتي–تي أي المرأة الجميلة قادمة )31 ، زوجة الفرعون المصري امنحوتب الرابع هي ابنة ملك الإمبراطورية الميتانية التي كانت عاصمتها ( واشوكاني -  سري كانيه ) أي رأس العين قرب قامشلو تمتد بأصولها الدينية إلى أناهيتا ، وميثرا لذا عندما تزوجت الفرعون المصري جعلته يغير من معتقداته الدينية التي يعتبر فيها نفسه الإله الحي على الأرض ، بينما الإله الآخر في السماء أي آمون بهذا يكون اعتقاده بإله ثنائي , فعاد يؤمن بإله واحد فقط في السماء ، واسمه  )آتون ( أي الشمس , ومن الجدير قوله إن كلمة آتون مازالت تستخدم في اللغة الكوردية حتى وقتنا الحاضر بمعنى الحرارة الشديدة ، وربما كانت تعني الشمس قديماً ثم أعتبر الفرعون نفسه خادماً لآتون فقد غير من اسمه ، وجعله )آخن- آتون ( أي إخناتون ,وفي اللغة المصرية القديمة تعني خادم آتون أي خادم الله ، أو عبدالله كما هي التسمية الآن .

اللغة ، والكتابة  :
     لكي نتعرف بشكل جيد على اللغة الكوردية الميدية ، لابد ان نتعرف على المدلول اللغوي لمجموعة اللغات ( الهندو – أوربية )32 ، ومدى علاقة اللغة الكوردية بهذه اللغات ، وينبغي ان نعيد الى الأذهان بعض الحقائق التأريخية ، فقد لاحظ الأركولوجين ان هناك سمة مشتركة لحضارة بشرية قديمة أنتشرت عقب انتهاء العصر الحجري الحديث فوق مساحة شاسعة في أراضي العالم القديم ( كرومانيا ، وجنوب روسيا ، وفي سوسه ، وبلوجستان ، والهند ، وتركستان ، وكوروستان ) ، نتيجه لذلك فقد توصل العلماء الى القول بانه لابد ان تكون هذه الحضارة متشابهة في صنع شعب واحد ، ونظراً لأنتشار معالم تلك الحضارة من الهند الى أوربا ، فقد أصطلحوا على تسمية ذلك الشعب بأسم ( الهندو – اوربي ) ، ويعتقد انها كانت سائدة في الالف الخامس قبل الميلاد ، وكان هذا الشعب يتكون من قبائل عديدة كانت تسكن قبل هجرتها ، وتفرقتها في موطنها القديم الواقع في السهول الممتدة الى الشرق ، والشمال الشرقي من بحر قزوين33 .
     لما كان مجموع تلك القبائل يكون شعباً واحداً فأنهم كانوا يتكلمون لغة واحدة تقريباً أصطلح على تسميتها ( اللغة الهندو – أوربية ) ، تفرعت منها اليوم جميع اللغات التي تتكلم بها الشعوب الناطقة باللغات الأرية كما ان لفظ أري أستعمل خطأ ليدل على أسلاف الشعب (الهندو – اوربي ) . ، الحقيقة ان لفظ أري مشتق من الأسم  اليوناني الذي اطلقوه على هضبة أيران الممتدة من جبال زاكروس غرباً ، وحتى نهر السند شرقاً , حيث كانت هذه المنطقة تعرف أنذاك باسم ( أرينا ) ، والتي أشتق منها أسم أيران الحالي .
     يعزي الأكتشاف الأول للسمات المشتركة لمجموعة اللغات (الهندو – أوربية ) للعالم اللغوي الألماني فرانز بوب ( 1791 – 1867 )34 الذي أعتبر اللغه االأرية في فروعها قد تطورت هي بدورها من لغة تأريخية يسميها المختصون بأسم اللغة ( الهندو – أوربية البدائية ) ، يعتقد بأنها كانت سائدة في الألف الخامس قبل الميلاد ، وقد انتشرت هذه اللغة مع هجرات الشعوب ( الهندو – اوربية ) التي أتجهت كل مجموعة منها نحو منطقة من مناطق العالم القديم ، وبخاصة في أسيا ، وأوربا ، فهاجر كل قسم منهم عبر نهر الدانوب الى شبه جزيرة البلقان ، وأوربا الشرقية ، وهم أسلاف اليونان ، والرومان ، وغيرهم من الشعوب الناطقة باللغات الأوربية المعاصرة ، في حين توجه قسم أخر منهم نحو الجنوب الشرقي فوصلوا حدود الهند ، وأستقروا في السند ، والبنجاب ، وهم أريو جنوب أسيا ، وهم الذين يتكلمون اليوم باللغات الهندية من مجموعه اللغات ( الهندو – أيرانية ) في جنوب أسيا ، أما القسم الثالث فقد اتجه نحو أسيا الصغرى ، وجبال زاكروس ، وأنتشروا في أيران ، وكوردستان ، وهم الميديون أسلاف الشعب الكوردي .
    يقول علماء لغات الشرق القديم الغربيون أن لغة ماد هي أساس اللغة الكوردية الحالية ، فاللغة الميدية تشكلت بامتزاج الايرانية مع الكوتية , اللولوية ، والميتانية , الهورية ، والعيلامية ، والكيشية ) وحسب رأي توفيق وهبي35 ان اصل اللغة الكوردية تعود الى اللغة ( الميدية – آفيستا ) وانها مستقلة عن اللغات ( آلهندو – آوربية ) ، وخصص الباحث مبحث عن اللغة الكوردية ، ومكانتها بين اللغات الاخرى ، وذكر ان اللغة الكوردية اقدم اللغات الموجودة في بلاد آسيا الغربية ، ولها صلات نسب باللغه الآفستية ، والبهلوية  .
      يقول مينورسكي ( ان اللغة الكوردية من أسرة اللغات الايرانية )36 ، وهي تتكون كما هو معروف من الفارسية ، والأفغانية ، والبلوجيه ، والاسينينيه ، ولها أسماء اخرى قديمة ، وحديثة ، وهي ليست فارسية محورة ، وانما هي لغة مستقلة لها قوانينها الصوتية ، والصرفية الخاصة ، وعلاقتها بالفارسية كعلاقه الصربية بالروسية ، ويتكلم الكورد كأجدادهم الميديين لغة ( هندو- اوربية ) هو نفس اللغه التي كتب بها كتاب زرادشت ( آفيستا ) وتنحدر هذه اللغه من فرع ( زند آفستا – اللغه الزرادشتية ) من المجموعة الايرانية ، وحافظت على روابط متينة مع اللغة السنكريتية 37، في حين ان اللغه الفارسية تنحدر من العائلة ( المذرية ) .
     صحيح ان اللغة الكوردية تشبه ظاهرياً اللغتين البهلولية ، والفارسية الحديثة ، وفيها مفردات كثير من اللغة الهندية ، والأرمنية ، والقوقاسية ، وهذا بسبب هجرة اقوام الهندو – أوربية من القوقاس ، ومن ثم انقسامها الى ثلاث مجاميع ، كما وضحنا ذلك سابقاً ، وصحيح لها أختلافها ، وتطوراتها عن لغه ( الأفستا ) الا ان الكوردية لها شخصيتها المستقلة كلغة حية ، كما يجب ان لايفهم من عبارة ( اللغات الأيرانية ) بانها تعني اللغات السائدة ضمن حدود جمهورية أيران الحالية ، بل ان اللغات الايرانية مصطلح يرمز الى مجموعة كبيرة من اللغات تتجاوز حدود المتكلمين بها حدود هذه الدولة التي هي فرع من اللغات ( الهندو – ايرانية ) ،على هذا الأساس فان اللغه ( الهندو – أوربية ) تضم اليوم مجموعات لغويه رئيسة ، وفرعية عديدة في قارتي أسيا ، وأوربا  وهي38 :
1-     المجموعة الهندو – أيرانية                           
2-      المجموعة الانضولية                                  
3-       المجموعة الأيطالية
4-      المجموعة الجرمانية
5-       المجموعة الكلتية
6-       المجموعة البلطيقية – السلافية
وبعض اللغات الأخرى ، وهذه المجموعات اللغوية تنقسم بدورها الى عدة لغات ، اومجموعات لغويه ( الهندو – اوربية ) المعاصرة .
تضم المجموعة اللغوية الأيرانية العديد من اللغات .
1        – الكوردية ( الآفيستا )    
2        -  البلوجية     
3 - السوغديانية         
4- البشتوه         
5 - الفارسية القديمة    
لوحظ ان هناك تقارباً واضحاً بين مجموعة اللغات الهندية ، والأيرانية ، وقد دل ذلك على أنحدارها من أرومة لغوية واحدة أصطلح عليها أسم ( اللغه الهندو – أوربية ) يعتقد انها الأصل الذي تفرعت منه المجموعات اللغوية الهندية ، والأيرانية الحالية ، اما المجموعة اللغوية الايرانية التي تنتمي اليها اللغتان الكوردية ، والفارسية ، وغيرها من اللغات التي سبق ذكرها فتقسم الى ثلاث شعب هي :
اللغات الأيرانية الشمالية الغربية .
اللغات الأيرانية الجنوبية الغربية .
اللغات الأيرانية الشرقية  .
وتنتمي اللغة الكوردية الى المجموعة الأولى ، بينما تنتمي الفارسية الى المجموعه الثانية ، وهذا دليل على أستقلالية كل منها عن الأخرى .
      اما فيما يخص الأبجدية الكوردية فقد  أشار ( كيوموكرياني )39 حول وجود أبجديه كوردية ، تطرق اليها ( ابو بكر بن وحشية النبطي )40 ، اما اسماء بعض الأبجديات التي استعملها الكورد في الفترات التاريخية حيث يشير الى ماكتبه ( محمد ملا عبد الكريم المدرس ) والذي قال انه في القرن التاسع قبل الميلاد أخترع شخص كوردي يدعى ( ماسي سورات ) حروفاً حسب المخارج الأبجدية ، ودون بها افكاره ثم اخذ الكورد يستعملونها لأغراضهم الكتابية ، وهذه الحروف تشبة الحروف الأستائية التي أخترعت آبان القرن السادس قبل الميلاد ، وقد ظلت حروف ماسي سورات مستعملة بين الكورد الى حين ظهر الاسلام .
      أما الكتابة فكانت في البداية المسمارية ، وأحياناً هيروغليفية ، واتخذت شكلاً مغايراً نسبياً عندما أصبحت الديانة الزرادشتية الرسمية في البلاد إذ استخدمت حروفاً مشابهة للمسمارية في كتابة زند - آفيستا  فأخذت تحمل اسم اللغة ، والكتابة الزندافستية ، ثم فيما بعد تحولت إلى الفهلوية حتى قبيل مجيء الإسلام ، وقد كان الكورد ، والفرس مشتركين في تلك الكتابة .   

 بعض الكلمات الميدية :
ساخو : كانت تطلق على اسم منطقة ، وهي شبيهة باسم زاخو الحالية .
كيا - كيخا : تطلق هذه التسمية حتى الآن على رئيس القبيلة أو سواه في مناطق من شرقي ، وجنوب كوردستان .
آرتا : الفرن
 أسب : الحصان .
نان : الخبز .
تيغر = تير ) 41 ) لأنه في اللغات اللاتينية لا تلفظ حرف الغين ، وبذلك فهي تعني السهم ، وقد أستمد نهر دجلة اسمه منها كونه يجري كالسهم ، وكان يسمى تيغلات .
خراسان : منطقة من ميديا ، ويعيش فيها الكورد بكثرة ، وهي تقع خارج حدود كوردستان الحالية .
شير : مرتبة دينية زرداشتية ومازالت تستعمل لدى أخوتنا الإيزيديين .
 ميرتا ( مارتا( 42 شجاع متمرد ثائر ، وهي تسمية يطلقها كتاب زندافيستا على ميديا .
زير : الذهب .
نوروز : اسم شهر آذار .  
أسبجي : مربي الحصان .         
     قبل الختام نقول إن مشير الدولة43 يؤكد على إن لغة ميديا كانت الأساس للكورد ، وللغة الكوردية الحالية ، كما أورده العلامة محمد أمين زكي44 .



Previous Post Next Post