أنواع المانع
يتنوع المانع من حيث موضع تأثيره إلى نوعين [1] :
1.               المانع المؤثر في السبب  : وهو الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده عدم السبب .
فهو بذلك كل وصف يخل وجوده بحكمة السبب ، ويترتب على وجوده عدم تحقق السبب ، وبالتالي انتفاء الحكم ، وهو يرجع عند التحقيق إلى انتفاء أو تخلف شرط من شروط السبب .
مثال : الدين بالنسبة لملك النصاب : وملك النصاب سبب موجب للزكاة ، ولكن وجود الدين المعادل للنصاب أو لبعضه بحيث يقل المال عن النصاب يمنع وجود السبب ، فتكون ملكية الشخص له صورية لا يترتب عليها أثر شرعي ، فلا تجب على المالك الزكاة .
وكذلك التوارث : فإن القرابة النسبية أو المصاهرة سبب للإرث ، إذ حكمة ذلك أن تلك القرابة تجعل الوارث امتداداً لحياة المورث ، وذلك يقتضي أن يكون في الوارث نصرة خاصة للمورث ، وولاية مستمرة بينهما ، فلما قتل الوارث مورثه هدم تلك النصرة ، وانقطعت الولاية ، فأثر ذلك في حكم السبب الذي هو القرابة ، وبالتالي قطعها وأدى ذلك إلى عدم ترتب الأثر عليها ثم حرمان القاتل من الميراث .
2.               المانع المؤثر في الحكم : وهو الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من وجوده عدم الحكم .
فالمانع المؤثر في الحكم هو : ما يترتب على وجوده عدم وجود الحكم بالرغم من وجود سببه المستوفي لشروطه .
ومن أمثلته : أبوة القاتل للمقتول : والأبوة وصف ظاهر ترتب عليها عدم وجود الحكم ـ الذي هو القصاص ـ مع وجود السبب الذي هو القتل ، واستيفائه شروطه ، وهي كَونُ القتل عمداً عدواناً .
فالسبب قائم ، ونظراً لوجود المانع فقد حال هذا المانع بين السبب وبين حكمه .
ومن أمثلته أيضاً : النجاسة على بدن المصلي أو ثوبه : فإن ذلك مانع من صحة الصلاة عند من يجعل الطهارة شرطاً في صحتها لا عند من يجعلها واجبة فقط .
ففي هذا المثال : عُدِم شرطٌ ، ووُجِدَ مانعٌ ، وهو النجاسة ، فمنعت الحكمَ وهو صحة الصلاة .
وكذلك : دخول وقت الصلاة وهو سبب ، لكنّ وجود المانع من حيض أو نفاس يترتب عليه عدم الحكم ، فلا وجوب للصلاة مع أن السبب قائم وهو دخول الوقت .
وكذلك :  اختلاف الدين :  مانع من التوارث مع قيام سببه [2] ، وهو القرابة أو الزوجية الصحيحة .
ومما تجدر الإشارة إليه أن المانع سواء تعلق بالسبب أو بغيره فإن ذلك مؤثر في الحكم .
والمانع من حيث هو مانع لا يدخل في خطاب التكليف ، فليس للشارع قصد في تحصيله ولا في عدم تحصيله ، وإنما مقصود الشارع بيان ارتفاع حكم السبب أو بطلان المسبب إذا وجد المانع .
ولا يجوز للمكلف أن يتقصد المانع للتهرب من الأحكام الشرعية ، فهذا من باب الحيل ، ومن الحيل ما لا يصح في شرع الإسلام ، ويأثم صاحبها : كالذي يهب بعض ماله لزوجته تنقيصاً من نصاب الزكاة قبل مرور الحول ، ثم يسترده بعد الحول من زوجته هرباً من الزكاة .

المطلب الثالث  : تقسيم الموانع عند الشاطبي [3] :
يرى الشاطبي أن الموانع تعارض الحكم التكليفي ، ولكنه لم يتعرض للموانع التي تعارض السبب وهي في نظره داخلة في ما يعارض الحكم .
ويقسم الموانع التي تعارض الحكم ثلاثة أقسام :
1.               المانع الذي لا يمكن اجتماعه مع الحكم التكليفي : وهذا يمنع من طلب التكليف جملة : كزوال العقل بنوم أو إغماء ، أو جنون ، وهذه مانعة من أصل أهلية الخطاب التكليفي ، لأنه إلزام يقتضي التزاماً ، وفاقد العقل لا يمكن إلزامه ، كما لا يتصور التزامه .
2.               المانع الذي يتصور اجتماعه مع الحكم التكليفي ، ولكن المانع يرفع التكليف جملة مع إمكان اجتماعه : أي : يمكن حصول التكليف معه .
ومن أمثلة ذلك : الحيض والنفاس بالنسبة للصلاة ، ودخول المسجد ، ومس المصحف وما شابه ذلك . ويمكن أن يدخل فيه الاضطرار إلى أكل الميتة وشرب الخمر.
فإن هذه الموانع وأمثالها رفعت أصل التكليف وهو التحريم ، واعتبر التكليف ساقطاً ، إذ تحول الأكل إلى واجب . وقال فيه الحنفية إنه رخصة إسقاط .
3.               المانع الذي لا يرفع أصل الطلب التكليفي ، بل يرفع اللزوم فيه ، ويحوله من طلب حتمي إلى طلب تخييري : وذلك مثل المرض : فإنه مانع من فرضية صلاة الجمعة ، ولكن إذا صلى المريض الجمعة صحت صلاته وأجزأته .
والأنوثة مانع من فرضية الجمعة ، ومع ذلك إن شهدت الجمعة صحت صلاتها .
والسفر مانع من وجوب الإتمام والصيام وحضور الجمعة ، فإن أتم المسافر وصام وصلى الجمعة فإن ذلك يصح منه .
والمكره على النطق بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان فإن الإكراه مسقط للزوم الامتناع عن النطق بها ، الذي هو محرم أصلاً ، ومع ذلك لم يزل الصبر أفضل من النطق بها وفي ذلك خير ، إلا أنه لو نطق لا بأس عليه .
فكان الإكراه مانعاً من استمرار الإلزام بالترك المقتضي الحرمة .





[1] ) الآمدي ، الإحكام في أصول الاحكام 1 / 185 ، الزركشي ، البحر المحيط 1 / 249 ، المرداوي ، التحبير شرح التحرير 3 / 1073 0 
[2] ) الأصل في ذلك قوله r " لا يتوارث أهل ملتين شتى " ، رواه أحمد ، المسند ـ  مسند عبد الله بن عمرو 13 / 415 ، وأبو داود ، سنن أبي داود ـ باب هل يرث المسلم الكافر 8 / 119 ، والترمذي ، سنن الترمذي ـ باب لا يتوارث أهل ملتين 7 / 765 0
[3] ) الشاطبي ، الموافقات 1 / 193 – 194 0

Previous Post Next Post