تعريف التكليف
ثم إن التكليف إلزام ما فيه كلفة؛ وقيل: طلب ما فيه كلفة؛ فعلى الأول  –وهو الراجح- يكون قاصراً على الوجوب والحرمة دون الندب والكراهة والإباحة إذ لا إلزام فيها، وعلى الثاني يشمل ما عدا الإباحة إذ لا طلب فيها، فالإباحة ليست تكليفاً عليهما. فإن قيل: كيف هذا مع قولهم “ الأحكام الشرعية عشرة: خمسة وضعية: وهي خطاب الله تعالى المتعلق بجعل الشيء سبباً، أو شرطاً أو مانعاً، أو صحيحاً، أو فاسداً. وخمسة تكليفية: هي الإيجاب، والتحريم، والندب، والكراهة، والإباحة “ ؟ أجيب بأن ذلك تغليب، أو أن معنى كونها تكليفية أنها لا تتعلق إلا بالمكلف، كما صرحوا به في أصول الفقه من ان أفعال الصبي ونحوه كالبهائم مهملة؛ ولا يقال إنها مباحة، لأن المباح هو الذي لا إثم له في فعله ولا في تركه، ولا ينفى الشيء إلا حيث صح ثبوته،
 التكليف
وشرط التكليف: البلوغ، والعقل، وبلوغ الدعوة، وسلامة الحواس، فالمكلف هو: البالغ العاقل الذي بلغته الدعوة سليم الحواس[1]، وهذا في الإنس، وأما الجن فهم مكلفون من أصل الخلقة فلا يتوقف تكليفهم على البلوغ، وخرج بالبالغ الصبي فليس مكلفاً، فمن مات قبل البلوغ فهو ناج ولو من أولاد الكفار ولا يعاقب على كفر ولا غيره، خلافاً للحنفية حيث قالوا بتكليف الصبي العاقل بالإيمان لوجود العقل وهو كاف عندهم، فإن اعتقد الإيمان أو الكفر فأمره ظاهر، وإن لم يعتقد واحداً منهما كان من أهل النار لوجوب الإيمان عليه بمجرد العقل؛ وخرج بالعاقل المجنون فليس بمكلف، وكذا السكران غير المتعدي بخلاف المتعدي، لكن محل ذلك إن بلغ مجنوناً أو سكراناً واستمر على ذلك حتى مات، بخلاف ما لو بلغ عاقلاً ثم جن أو سكر وكان غير مؤمن ومات كذلك فهو غير ناج، وخرج بالذي بلغته الدعوة: من لم تبلغه، بأن نشأ في شاهق جبل، فليس بمكلف على الأصح، خلافاً لمن قال بأنه مكلف لوجود العقل الكافي في وجوب المعرفة عندهم وإن لم تبلغه الدعوة،

[1] أي سليم احدى حاستي السمع والبصر فإن فاقدهما معا غير مكلف.

Previous Post Next Post