للتقدم في تكنولوجيا التعليم

شهد هذا العصر تقدما ملحوظا شمل كافة مناحي الحياة ، وقد أثمر هذا التقدم عن اكتشافات  جديدة ، واختراعات أحدثت ثورة هائلة في مجالات متعددة خاصة في مجال  تقنية المعلومات والاتصالات ، و الحاسب الآلي واحدا من إنجازاتها حيث  شاع استخدامه، و استطاعت التقنية المبنية على الحاسب الآلي أن تغير كثيرا من أنماط الحياة وأساليبها في زمن قياسي  اختصر الجهد والوقت ، ورفع درجة الكفاءة والإنتاج، حتى دخل في كل مرفق من مرافق الحياة ، وبالتالي أصبح من ضروراتها.
وقد تغيرت الكثير من المفاهيم وطرق التواصل التعليمي , وظهور التقنيات المستحدثة في مجال التعليم والتعلم ، وزادت المعرفة واستخداماتها في شتى المجالات حتى أصبحنا نعيش أزهي عصور تكنولوجيا التعليم وتوظيف المستحدثات التكنولوجية ( خلف الله , 2001 :1 )
ومن رحم هذه التقنية ولدت شبكة الإنترنت ( الشبكة المعلوماتية ) التي أحدثت طوفانا معلوماتياً، قرّب المسافة وأزال الحدود بين العلم ومن يبحث عنه ، فلا فاصل بينهما إلا مفتاح الجهاز ، ومن هنا فقد أصبح استخدام الحاسب الآلي وتقنياته من المهارات اللازمة لمواكبة التقدم والسير في ركب الحضارة ، فتسابقت الأمم  في النواحي العلمية المختلفة ،  حتى تستطيع مسايرة التغيرات.
ولّد هذا التنافس انفجاراً معرفياً كبيراً انعكس على نواحي الحياة المختلفة خصوصاً في السنوات الماضية التي شهدت  "تحولات علمية وتكنولوجية في شتى مناحي الحياة،وأصبحت صفة التغير من السمات الرئيسة التي تؤثر في حياة الإنسان،وأصبح الحصول على المعلومات والمعرفة العلمية في متناول الجميع من خلال شبكة المعلومات Internet  ،ووصلات الأقمار الصناعية التفاعلية VSTA وأجهزة البث التلفزيوني وغيرها" (الزعانين،1999: 2 ).
لم يتأخر قطاع التعليم عن استثمار هذه التقنية وتوظيفها بما يحقق أهدافه ، فقد دخلت في مفردات مقرراته الدراسية ، وهيأها لمنسوبيه طلابا ومعلمين وإداريين ففي عقد الثمانينيات ظهرت  الأقراص المدمجة CD للتعليم لكن عيبها كان واضحاً وهو افتقارها لميزة التفاعل بين المادة والمدرس والمتعلم ، ثم جاء انتشار الإنترنت مبرراً لاعتماد التعليم الإلكتروني على الإنترنت،الذي يساعد الأستاذ والطالب في توفير بيئة تعليمية جذابة، لا تعتمد على المكان أو الزمان وتساهم في تحسين المستوى العام للتحصيل الدراسي ( غراب و أبو سلطان ، 2006: 2 ).
كما أن التطورات الحديثة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أثرت على تصميم وتقديم البرامج التعليمية في التعليم العالي, وأصبح للتقدم في تكنولوجيا التعليم تأثيراً إيجابياً في تحقيق التواصل الفعال بين المعلم والمتعلم وقد يسر هذا للمعلم سبلاً عديد لتوصيل المعلومات والمهارات بأساليب وطرق متنوعة تثري عملية التعلم وتزيد من فاعليتها وأثرها ( إسماعيل, 2001: 137).
نتج عن ذلك الاتجاه ظهور استراتجيات تعليمية مستحدثة تواجه تلك التحديات على المستوى العالمي ومنها: التعليم بالوسائط المتعددة الكمبيوترية, والتعليم عن بعد, وأكثر أنماطه استخداماً نمط التعليم الإلكتروني والذي يساعد المتعلم على التعلم في المكان والوقت المناسبين له دون الحاجة للحضور إلى قاعة الدراسة ( سالم, 2004:283).
من خلال ما سبق يتضح أن العملية التعليمية في الجامعات خرجت عن الإطار التقليدي ونحت المنحى التقني
وكانت الكلية الجامعية من المؤسسات السباقة لاستخدام التقنيات الحديثة في مجال التعليم والتعلم، وهذا دفع الباحثين للقيام بتقويم هذه التجربة من أجل دعمها وتقويتها واستمرارها على أسس سليمة.

1)  التعليم الإلكتروني:
      يعتبر التعليم الإلكتروني الثورة الحديثة في أساليب وتقنيات التعليم والتي تسخّر أحدث ما تتوصل إليه التقنية من أجهزة و برامج في عمليات التعليم ، بدءًا من استخدام و سائل العرض الإلكترونية لإلقاء الدروس في الفصول التقليدية و استخدام الوسائط المتعددة في عمليات التعليم الفصلي والتعليم الذاتي ، و انتهاء ببناء المدارس الذكية و الفصول الافتراضية التي تتيح للطلاب الحضور والتفاعل مع محاضرات وندوات تقام في دول أخرى من خلال تقنيات الإنترنت والتلفزيون التفاعلي .
وقد مر مفهوم التعليم الإلكتروني أثناء ظهوره وتطوره بثلاثة أجيال منذ الثمانينيات، حتى وصل إلى الشكل الحالي: ( لال ،والجندي، 2010: 18 )
-   الجيل الأول: ظهر هذا الجيل في أوائل الثمانينيات، حيث كان المحتوى الإلكتروني على أقراص مدمجة، وكان التفاعل من خلالها فردياً بين الطالب والمعلم مع التركيز على دور الطالب.
-   الجيل الثاني: ظهر هذا الجيل مع بداية استعمال الإنترنت، حيث تطورت طريقة إيصال المحتوى إلى طريقة شبكية وتطور معها المحتوى إلى حد معين وتطورت عملية التفاعل والتواصل من كونها فردية إلى كونها جماعية، ليشترك فيها عدد من الطلاب مع معلمين محددين.
-   الجيل الثالث: ظهر مع بداية مفهوم التجارة الإلكترونية والأمن الإلكتروني في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وتزامن ذلك مع تطور سريع في تقنيات الوسائط المتعددة وتكنولوجيا الواقع الافتراضي وتكنولوجيا الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، مما أتاح تطور الجيل الثالث من التعليم الإلكتروني حتى وصل إلى المفهوم الحالي الذي يعتمد على استخدام الوسائط الإلكترونية في إيصال واستقبال المعلومات واكتساب المهارات والتفاعل بين الطالب والمدرسة وبين المدرسة والمعلم.
وما زال حتى الآن هناك جدل حول تحديد مصطلح أشمل لمفهوم التعليم الإلكتروني، ويغلب على معظم الاجتهادات في هذا المجال تركيز كل فريق على زاوية التخصص والاهتمام، ومن ثم اختلف الباحثون حول تعريف التعليم الإلكتروني E-Learning وفقاً لوجهات النظر المختلفة.
وقد عرف (الموسى ، 2002 : 5-6 )التعليم الإلكتروني بأنه: " طريقة للتعليم باستخدام آليات الاتصال الحديثة من حاسب وشبكاته و وسائطه المتعددة من صوت وصورة ، ورسومات ، وآليات بحث ، ومكتبات إلكترونية، وكذلك بوابات الإنترنت سواءً كان عن بعد أو في الفصل الدراسي " وبين أن أسلوب وتقنيات التعليم المعتمدة على الإنترنت لتوصيل وتبادل الدروس ومواضيع الأبحاث بين المتعلم والمدرس، والتعليم الإلكتروني مفهوم تدخل فيه الكثير من التقنيات والأساليب.
فالمقصود هو استخدام التقنية بجميع أنواعها في إيصال المعلومة للمتعلم بأقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة. وتجدر الإشارة إلى أن التكنولوجيا مهما تقدمت وتطورت لا يمكن أن تغني عن الطرق التقليدية في التعليم والتعلم، فكما لم يغن الكتاب الإلكتروني عن الكتاب التقليدي، ولم تغن التجارة الالكترونية عن التجارة التقليدية وكما لم يغن البريد الالكتروني عن البريد العادي، فان التعلم الإلكتروني لن يكون بديلا عن التعلم  التقليدي ولا عن المعلم الإنسان ولا الفصل المدرسي والمدرج الجامعي، وكما جاء على لسان رئيسة إحدى الجامعات الكندية تبريرها رفض التحول الكامل بجامعتها من جامعة تقليدية إلى جامعة إلكترونية حيث قالت "لن أستعيض عن أعضاء هيئة التدريس بأجهزة الكمبيوتر"(مصطفى، 2008: 2 ). من هنا ظهر مفهوم التعلم المدمجBlended Learning    أو التعلم المختلط كتطور طبيعي للتعلم الالكتروني ، فهذا النوع من التعلم يجمع بين التعلم الالكتروني والتعلم التقليدي الصفي العادي, فهو تعلم لا يلغي التعلم الالكتروني ولا التعلم التقليدي بل هو مزيج من الاثنين، وكذلك ظهر التعلم المدمج كمحاولة للتغلب على ما للتعلم الإلكتروني من سلبيات، " وأشارت نتائج إحدى الدراسات إلى أن الطلاب في التعلم المدمج والذين أتيحت لهم فرصة التواصل والعمل وجها لوجه استطاعوا القيام بمناقشات وعلاقات أكثر تماسكا من  أقرانهم الذين كانوا في التعليم الإلكتروني فقط (Schweizer, K,  and others:2003) .
وبالرغم من أن ظروف العصر الحاضر توحي بأن التعلم التقليدي سوف يستوعب التعلم الإلكتروني ويعتبره مكملا لما يوجد به من سلبيات، فإن هناك بعض وجهات النظر التي ترى العكس في المستقبل القريب، حيث يتوقع أن يستوعب التعلمُ الإلكتروني التعلمَ التقليدي.
Previous Post Next Post