الإمالة الصوتية :
 ظاهرة صوتية ولهجية، اشتهرت بها طائفة من القبائل العربية، وظهرت جلية في القراءات القرآنية ؛ ولهذا حظيت بعناية علماء العربية على مر الأزمان، وهي في حقيقتها ليست إلا صورة من صور نطق الألف، أو صورة من صور نطق الفتحة ، وسماها الخليل الاجناح في ما روى سيبوبه 76.
لقد ذهب علماء العربية القدماء في تعريفها على ثلاثة مذاهب : فالأول يرى أن الإمالة هي تقريب الألف من الياء 77، والثاني يرى الإمالة أنها تقريب الفتحة من الكسرة 78، أما المذهب الثالث فيرى أن الإمالة هي تقريب الإلف من الياء، والفتحة من الكسرة 79، ونلاحظ من خلال المذهب الأخير أن الإمالة على ضربين : إمالة طويلة، وإمالة قصيرة، وزيادة على انه هو المقصود بتعريف الإمالة عند إطلاقه في كتب اللغة والقراءات.
ويبدو أن علماء العربية من خلال تعريفاتهم السابقة للإمالة لم يميزوا بين الحركات الطويلة والقصيرة، هذا مما جعلهم يرددون الإلف  والياء، والفتحة والكسرة في أثناء تعريفهم للإمالة. فالفرق بين اللف والفتحة القصيرة، وبين الياء والكسرة القصيرة، ليس إلا  فرقا في الكمية.
والإمالة ظاهرة صوتية يجنح إليها اللسان العربي، لتحقيق إحدى الفائدتين الآتيتين 80 :
الأولى : تحقيق التجانس والانسجام بين أصوات المد، ويمكن أن يلاحظ دلك في الحالات التي تجيء فيها الإمالة بسبب وجود الكسرة في سياق الكلمة، كإمالة : عابد، وعماد،ومساجد. وأحيانا من اجل تحقيق الانسجام أمالوا ما أصله ألا يمال ؛ وذلك كأن تكون الألف في كلمة لا تستحق الإمالة، لكنهم أمالوها لوقوعها قرب ألف أخرى ممالة، من ذلك قوله تعالى:((والضحى (1) والليل إذا سجى (2) ما ودّعك ربّك وما قلى(3)))81
 فألف (الضحى) لا تجوز إمالتها ؛ لان أصلها الواو، لقولهم : الضحوة. وإنما أمالوها حين قرنت بـ (سجى) و (قلى) فكلتاهما مما تمال ألفهما ؛ لان الألف فيهما أصلها الياء، فقال ابن يعيش : ((فأرادوا المشاكلة، والمشاكلة بين الألفاظ من مطلوبهم))82.
وقوله تعالى : ((وضحاها والشمس والقمر إذا تلاها (2)))83. فذكر الزمخشري : ((وقد أميل (وضحاها) وهي من الواو لتشاكل (جلاها) و (غشاها))) 84.
والأخرى : التنبيه على أن الألف الممالة منقلبة عن أصل يائي كإمالة : باع، وصاد.                                                                                                              .إن ضد الإمالة الفتح، والفرق بينهما في اختلاف وضع اللسان عند النطق بكل منهما فاللسان مع الفتح يكاد يكون مستويا في قاع الفم ومع الإمالة يأخذ بالصعود نحو الحنك الأعلى 85.
تعد الإمالة ضربا من المماثلة، وصفة لهجية لقبائل وسط الجزيرة وشرقيها مثل : تميم، وقيس، وأسد، وأكثر أهل اليمن يميلون؛ لان الإمالة غالبة في ألسنتهم في أكثر الكلام86.
وقد اختلف القراء في الإمالة ففريق يميل وبعضهم يفتح غير أن قراء الكوفة أكثر ميلا إليها من سواهم لقربهم من مواطن إقامة القبائل التي تجنح إلى الإمالة.
إن البحث الصوتي عند العرب عرف هذه الظاهرة الصوتية وانه تراث غني لمباحث الإمالة وحالاتها وموانعها في أصوات الاستعلاء والإطباق عند مجاورتها الألف، وما إلى ذلك من مباحث الإمالة 87.

Previous Post Next Post