عالمنا العربى قد تأثر سلبا بتلك المعطيات الناتجة عن الأزمة الاقتصادية ، وتأتى فى مقدمتها زيادة معدلات البطالة التى قد تؤدى إلى حدوث كارثة إنسانية قد تعصف بأمن واستقرار المنطقة، خاصة مع انخفاض حجم فرص التشغيل، والسياسات غير الملائمة التى تتبعها بعض الدول تجاه التشغيل والتأهيل والتدريب والتعليم  ، وعدم قدرتها على جذب الاستثمارات الضرورية لخلق فرص العمل وإنعاش عملية التنمية الاقتصادية. حيث تشير الإحصاءات أن هناك أكثر من 20 مليون عاطل معظمهم من الشباب والباحثين عن العمل للمرة الأولى ، كما أن نقص أو عدم تمكين المرأة من حق التأهيل والعمل يعتبر من أحد أهم المشاكل التى تواجه التنمية فى البلدان العربية.
إن قضية الاستخدام ظلت موضع اهتمام منظمتى العمل الدولية والعربية ، فعلاقة الاستخدام فى إطار إعلان المبادئ والحقوق الأساسية فى العمل تهدف إلى توفير العمل اللائق كهدف استراتيجى للتشغيل ولاستخدام العمالة ، ولتوفير فرص ملائمة وفقا لإحصاءات ومعلومات سوق العمل ، ورغبات من يطلبون العمل وهو الأمر الذى سوف يمنع ويحد من عمليات الاستغلال لمتقدمى الوظائف فى غير تخصصاتهم ورغباتهم وفق معايير العمل الدولية.
ولكى تقوم الحكومات بمسئولياتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لابد من توافر كم هائل من الإحصاءات والبيانات والمعلومات عن الإمكانات المادية والبشرية المتاحة ، وعن طموحات وأمال الشعب و كيفية تحقيقها من أجل مستقبل أفضل، مما يستلزم تطوير مصادر متنوعة للبيانات وتطوير أساليب توفيرها.
لقد أوضحت التقارير الدولية أن غياب البيانات والمعلومات الدقيقة والشاملة والحديثة يؤدى إلى عدم وجود دراسات مجدية فى مجالات وقضايا العمل والعمال. كما أن غياب هذه البيانات قد أثر سلبا على مقدرة متخذى القرار فى التعامل مع مشاكل البطالة بطرق فعالة. ويتطلب توفر المعلومات المطلوبة لإدارة سوق العمل والاستفادة منها تضافر الجهود بين جهات متعددة وقدر كبير من التجانس والترابط بينها.
ومن هنا تأتى أهمية مبادرة منظمة العمل العربية فى بناء شبكة معلومات سوق العمل العربية، بهدف توفير البيانات الإحصائية التى تصور واقع القوى البشرية داخل كل دولة ، والمعلومات الدقيقة حول السكان والقوى العاملة وتوزيع هذه القوى وفقا للمهن والنوع وفئات السن والحالة التعليمية ومستوى الأجور لدعم المؤسسات المسئولة عن سوق العمل وتوفير آليات حديثة للعمل بها، بغرض زيادة قدرتها على المساهمة فى تقليل نسب البطالة ، وتحقيق التشغيل الأمثل لليد العاملة ، وتوفير المعلومات الضرورية لمتخذى القرار وأصحاب الأعمال والباحثين عن وظائف.


الثورات العلمية وتحدياتها
إن التقدم العلمي والتقني الذي تجاوز حدود التطور التدريجي أو التراكمي للعلم ، أطلق عليه ثورة علمية ، وهذا التقدم العلمي على الرغم من أنه أفاد البشرية ، إلا أنه ترك آثارًا غير متوقعة سواء علي البيئة أو الإنسان ، وملاحقة هذا التقدم العلمي والتقني يمثل مشكلة للإنسان في دول العالم النامي ، التي لم تتمكن مؤسساتها التعليمية حتى الآن أن تعد الإنسان القادر علي التعامل مع التقدم العلمي .وتتمثل الثورات العملية الحديثة فيما يلى:-


2-1 الثورة المعلوماتية
ترتبط الثورة المعلوماتية بالتقدم التقني الذي بلغته وسائل الاتصال، مما ساعد علي نشر المعلومات وتبادلها بسرعة فائقة ، " وتكنولوجيا المعلومات تختلف اختلافا جوهريا عما سبقها من تكنولوجيات ، وذلك نظرا لتفاعلها مع جميع عناصر المجتمع الإنساني المادية وغير المادية ، وهو ما جعل من تكنولوجيا المعلومات قاسما مشتركا في جميع الأنشطة الإنسانية ، ولقد انصهرت تكنولوجيا المعلومات في كيان المجتمع الإنساني لتتجلى في عولمة اقتصادية وإعلامية ساحقة"[1].
وفي ظل التقدم المعلوماتي والمعرفي والتقني ، تغيرت معايير الثروة والقوة ، وأصبحت المعلومات والمعرفة المعيار لأن"التنمية وزيادة الإنتاج والإنتاجية أصبحت تعتمد علي قيمة المعرفة ، أكثر من اعتمادها علي عوامل الإنتاج المادية، كالأرض ورأس المال ووفرة الثروات الطبيعية، وحتى وفرة القوى العاملة، والواقع أن تكلفة المعرفة تتجاوز في معظم الحالات تكلفة عوامل الإنتاج المادية كلها ، كما أن قيمتها المضافة تمثل أضعافًا مضاعفة لعوائد غيرها من عوائد الإنتاج الأخرى" [2]، ومن ثم أصبحت هذه المعايير الجديدة المبنية علي المعرفة أحد التحديات التي تواجه المجتمعات النامية غير القادرة علي بناء نظام تعليمي يساعد أفرادها على مسايرة هذا التقدم في المعرفة والمعلوماتية.

2-2 الثورة التكنولوجية
إن الارتباط بين مجالات التقدم كافة في العصر الحالى ارتباط وثيق، لدرجة يصعب فيها الفصل بين مجال وأخر فصلا دقيقا ، فالثورة المعلوماتية تؤثر في تقدم الاقتصاد العالمي ، والثورة التكنولوجية تؤثر في تقدم وسائل الاتصال ونقل المعلومات ؛ أي تؤثر في تقدم الثورة المعلوماتية، ومن ثم فهي تؤثر في الاقتصاد العالمي، وهكذا.
وأصبحت الثورة التكنولوجية " المرتكز الأساسي في تكوين حداثة العصر الراهن، وهي التي وسعت نطاقات المعرفة ، وغيرت في علاقات الإنسان بالموجودات ، ومضمون المحيط المعيشي الذي يحيا بداخله"[3]، وهذه الثورة التكنولوجية تعتمد علي المعرفة المتقدمة ،" أي أنها ثورة عقول مبدعة، المهم فيها تملك القدرة علي الاستخدام الأمثل  للقدرات، وليس تملك الثروة" [4].
وهذه الخاصية للثورة التكنولوجية تعد من أهم التحديات التي تواجه مجتمعات الدول النامية، ولأن التكنولوجيا جعلت المعرفة والمهارات المصادر الوحيدة للسوق الاستراتيجي المستدام، فأصبح لزاماً علي هذه الدول رفع مستوى المعرفة والمهارة لدى مواطنيها ، حتى تتمكن من المشاركة التنافسية في السوق العالمي[5].






3-1 مفهوم الإحصاء
يمكن تعريف الإحصاء[6]
"بأنه العلم الذى يساعد على دراسة الظواهر الطبيعية والاجتماعية من خلال توفير أكبر قدر من البيانات لدراسة سلوك الظواهر تاريخيا ، ويساعد على دراسة العوامل المؤثرة أو المسببة لهذا السلوك، بالإضافة إلى تحديد دور وأثر كل عامل عليه مما يساعد على التنبؤ بالسلوك المستقبلى للظاهرة، وبالتالى وضع السياسات الكفيلة واللازمة للتحكم فى هذا السلوك المستقبلى إذا ما استلزم الأمر ذلك".
ولعلم الإحصاء مجموعة من الوظائف والأساليب المتعددة التى يتم تطويرها خاصة فى ظل تطور أساليب تكنولوجيا المعلومات، ومن أهم هذه الوظائف:-
-     توفير البيانات عن الظاهرة محل الدراسة.
-     وصف البيانات التى يتم توفيرها بطريقة يسهل فهمها.
-     تحليل البيانات واستخلاص النتائج.
-     تفسير النتائج واستنباط الحقائق.
والجدير بالذكر أن للإحصاء دور هام فى عملية اتخاذ القرارات ( اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية)، وسواء كانت قرارات متعلقة بسياسات وخطط قومية أو كانت متعلقة بسياسات وخطط مؤسسات الأعمال. فعملية اتخاذ القرار ما هى إلا عملية مفاضلة واختيار بين عدة بدائل باستخدام بعض المعايير والمقاييس، هذه المعايير أو المقاييس التى يمكن تطويرها بناء على بيانات وإحصاءات ومعلومات متعلقة بطبيعة القرار المتخذ ، وأخرى متعلقة بالبيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة التى تعمل فى إطارها المؤسسات الحكومية أو مؤسسات الأعمال، وهذا ما دعى إلى إنشاء إدارات للإحصاء فى المؤسسات المختلفة ، والتى تطورت فى أغلب المؤسسات وأصبحت إدارات أو مراكز للمعلومات مهمتها الأولى توفير البيانات والإحصاءات والمعلومات لمتخذى القرارات، وكذا لمتابعة تنفيذ القرارت وتقييم الأداء.
وفى الواقع فإن الحديث عن الإحصاء وتطوره وأهميته فى عمليات التخطيط يستلزم معرفة أهمية التطور فى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، ودورها فى تطور الأساليب الإحصائية وتعظيم الاستفادة منها فى التخطيط للتنمية، مما دعى خطة مؤتمر قمة المعلومات والذى عقد فى جنيف عام 1993، وأستكمل فى تونس عام 1995 إلى الدعوة لتسخير أساليب تكنولوجيا المعلومات للتنمية ، ودعت المجتمع الدولى إلى تقديم الدعم الفنى والمادى للدول النامية من أجل تحقيق ذلك. ولكى تكون الأهداف والسياسات والخطط الموضوعة قابلة للتنفيذ فلا بد أن تتوفر فى البيانات والإحصاءات والمعلومات التى وضعت على أساسها عدة خصائص لعل من أهمها الحداثة والشمولية والموضوعية والجودة.

3-2 مفهوم التكنولوجيا
     هناك مفاهيم عديدة للتكنولوجيا منها[7]:-
"هى مجموعة المعارف والخبرات والمهارات المتاحة، والمتراكمة والمستنبطة المعنية بالآلات والأدوات والسبل والوسائل والنظم المرتبطة بالإنتاج والخدمات الموجهة من أجل خدمة أغراض محددة للإنسان والمجتمع".
ويتضح من هذا التعريف أن التكنولوجيا ظاهرة جماعية واجتماعية تولدها ظروف مجتمع معين تتوفر لديه سبل العطاء العلمى، والتطور التكنولوجى. أى أن الكنولوجيا تنشأ وفقا لظروف بيئية إجتماعية وإقتصادية وسياسية لتحقيق إحتياجات مجتمع هذه البيئة، ومن ثم فهى تتغير طبقا لاحتياجات المجتمع وقدراته.
إن المفهوم الديناميكى لعملية التطور التكنولوجى تتمثل فى استحداثات جديدة تحددها احتياجات خطة التنمية نفسها، وفق معطيات الظروف الموضوعية لكل بلد نام على حدة، ووفق مصلحة تطور البلدان النامية بصورة عامة - بغض النظر عن مستواها التكنولوجى – تهدف فى مجملها إلى تخفيف التبعية الاقتصادية والتكنولوجية، وتحقق الاستقلال الاقتصادى.

3-3 مفهوم تكنولوجيا المعلومات [8]
   يمكن تعريف تكنولوجيا المعلومات "بأنها ذلك الإطار الذى يحوى علوم الحاسب ونظم المعلومات وشبكات الاتصال وتطبيقاتها فى مختلف العمل الإنسانى المنظم".

   ومن التعريف يمكنا القول بأن تكنولوجيا المعلومات لها بعدين أساسيين هما الآلات التكنولوجية (متضمنة الشبكات) Hardware، والبرمجيات Software اللازمة لتشغيل هذه الآلات. وأنها تعتمد على مجموعة من الأنشطة والإجراءات، هي:
(‌أ)إدخال البياناتData Input  . فجميع أنواع البيانات وبعض المعلومات المسترجعة أحياناً يتم إدخاله للحاسب بغرض التخزين من خلال وسائل إدخال مناسبة وفي مقدمتها لوحة المفاتيح  Keyboard، والفأرة  Mouse، والماسح الضوئيScanner .
(‌ب)                 المعالجةProcessing ، أي معالجة هذه البيانات المدخلة وتحويلها من شكلها الأوليRaw Material، إلى نتائج ومعلومات مفهومة وقابلة للاستخدام. وبالتالى يمثل هذا المعالج الأساس (دماغ) في نظام الحاسب.
(‌ج)                    المخرجاتOutput  من المعلومات المطلوبة، لصناع القرار أو المستخدمين الآخرين. من خلال شاشة الحاسبMonitor or Screen ، أو الطابعةPrinter ، أو وسيلة إخراج مناسبة أخرى.
(‌د)                      التغذية العكسية feedback ، حيث يتم إعادة استخدام المخرجات أو جزء منها كمدخلات للحاسب بغرض إعادة معالجتها للحصول على نتائج جديدة مختلفة.

[1] نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الطبعة الثانية، ٢٠٠١، ص 15.
[2] بدر إسماعيل محمد مخلوف، إدارة المعرفة... آفاق وتحديات، معهد التخطيط القومى، 2009.
[3]  زعابي حسين الزعابي ،" أثر التكنولوجيا في فن التصوير" ، مجلة دراسات تربوية واجتماعية، المجلد٨٢ : الثامن، العدد الرابع، كلية التربية، جامعة حلوان، ٢٠٠٢ ،ص 67
[4]  إبراهيم عصمت مطاوع ، التنمية البشرية بالتعليم والتعلم في الوطن العربي ، القاهرة: دار الفكر العربي ، ٢٠٠٢، ص 35.
[5]  ميتشيو كاكو ، رؤى مستقبلية، ترجمة: سعد الدين خرفان، الكويت: المجلس الوطني للثقافة . والفنون والآداب،عالم المعرفة، ٢٠٠١، ص 172.
[6] خديجة عبد الله، أهم المؤشرات الإحصائية فى التنمية البشرية، المؤتمر الإحصائى العربى الثانى: لاتنمية بدون إحصاء، سرت، ليبيا، 2009.

[7] يعقوب فهد العبيد، التنمية التكنولوجية: مفهومها ومتطلباتها، الدار الدولية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1999.
[8] عبد المنعم يوسف بلال وأخرين، الاتصالات والمعلوماتية فى مصر: الواقع والمستقبل حتى عام 2020، المكتبة الأكاديمية، 2003.

Previous Post Next Post