مناهج البحوث العلمية
نظريتان معتمدتان في تصنيف وتقسيم البحوث العلمية اولاهما  تصنف البحوث وفق معيار هدفي يأخذ بنظر الاعتبار اهداف البحث ودور الباحث ومستوى العمل وقابلية النتائج على التعميم. والثانية تصنف وتقسم البحوث العلمية وفق معيار زمني وفيما يلي تفصيل لهذين النظريتين.
 أولا: تصنيف المعيار الهدفي
وفق نظرية التصنيف الهدفي تندرج البحوث العلمية تحت ثلاثة أنواع : البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية والبحوث التقويمية. وفيما يلي شرح موجز لخصائص وطبيعة كل نوع.
(1) البحوث الأساسية Basic Researches
يرى كيرلنجر (1979) بأن هذا النمط من البحوث يختبر النظريات ويدرس العلاقات بين الظواهر لكي يكون من الممكن استيعابها دون تفكير كبير في تطبيق النتائج في مشكلات عملية. ويهتم البحث الأساسي اهتماما كبيرا بمعرفة وفهم الظواهر الطبيعية والاجتماعية والقدرة على تفسيرها. والمقصود بالتفسير هو عبارة عن تحديد علاقة معينة بظاهرة عادة ما تكون ظاهرة متسعة. ويطلق على البحث الأساس عناوين وتسميات مختلفة منها: البحث النظري أو البحث الأولي أو البحث البحت. وكل هذه التسميات تشير إلى أن هذا النوع من البحوث العلمية يرمي التوصل إلى الحقائق والمباديء الرئيسية والكشف عن النظريات والأصول التي تحكم ظاهرة البحث. أي أن هذا الصنف من البحوث يهتم بالأسس النظرية أكثر من الأسس التطبيقية.
(2) البحوث التطبيقية  Applied Researchs
ترتبط البحوث التطبيقية عند التربوي Worthon (1973) غالبا بالمجالات المهنية.كما أنها تهتم بتطبيق وتطوير نتائج البحوث الأساسية في هذه المجالات. فمجالات الطب والهندسة والخدمة الاجتماعية والتربية ميادين تطبيقية تستخدم المعرفة العلمية التي أوجدتها البحوث الأساسية ولكن ليس كمعرفة بحد ذاتها. فخبراء التربية والتعليم يضعون طرقا تسهل عملية التعلم والتعليم. وبالرغم من أن التفريق بين المجال التطبيقي والعلم أمر عسير إلا أن الغرض لكل منهما مختلف عن الآخر. إذ أن غرض العلم هو فهم الظواهر الطبيعية والآجتماعية والتربوية دون الاهتمام بتطبيقها في مشكلات عملية. بينما المجال التطبيقي موجه نحو التطبيقات العملية للمعرفة. لذلك يرى ورثون (1973) بأن البحث التطبيقي بعكس البحث الأساسي موجه نحو مهمة معينة ويهدف إلى انتاج معرفة مرتبطة بإيجاد حل يمكن تعميمه على مشكلة عامة. وتختبر البحوث التطبيقية قيمة وفائدة النظريات العلمية وتحدد العلاقات الأمبريقية والتحليلية في مجال معين.
ولابد مكن التفريق في البحوث التطبيقية بين الغرض من البحث ووظيفته. وبالرغم من تسمية هذا النوع من البحوث بالبحوث التطبيقية إلا أن نتائج معظم الدراسات التطبيقية لا تستخدم بشكل مباشر في موقع معين. فنتائج البحوث التطبيقية تعتبر معرفة عامة بالنسبة لمجال معين والتوصيات زمضامينها تكون عامة وليست توصيات خاصة قابلة للتنفيذ المباشر. إلا أن البحث التطبيقي يؤثر في طريقة الباحثين في التفكير وفي إدراكهم للمشكلات العامة.
(3) البحوث التقويمية Evaluation Researches
تهتم البحوث التقويمية بالممارسات العملية في موقع عمل معين. وقد تكون هذه الممارسات برنامجا أو انتاجا أو عملية. ووجود الموقع أمر أساسي في البحوث التقويمية حيث يسعى هذا النوع من النوع من البحوث إلى معرفة نواحي القوة والضعف في العمل. وتحديد الصفات التي تتميز بها نواتج العمل في موقع ما. ومدى تحقيق العمل لأهدافه. كما يحدد التقويم فائدة العمل ومدى استحقاقه لنفقات تطويره. أو تنفيذه أو تبنيه على نطاق واسع.
ويقوم بالتقويم في الأغلب باحث في مجال معين أو ممارس في موقع ما. ولابد للقائم ببحوث التقويم من تدريب خاص في طرق وأساليب التقويم. كما يجب ان يكون على معرفة ودراية بطبيعة العمل الذي يبغي تقويمه. ومنظم أنواع التقويم الشامل يحتوي على بيانات كمية وبيانات وصفيةو وتأتي هذه البيانات من سلسلة دراسات جرت على مراحل مختلفة في موقع العمل. كما يجب أن تكون نتائج التقويم قابلة للتطبيق في الموقع الذي يجري العمل فيه. ونتائج التقويم غالبا ما تكون محدودة من حيث قابليتها على التعميم. لأن التقويم يسعى إلى اتخاذ قرارات مباشرة متعلقة بعمل معين.
ويمكن لبحوث التقويم أن تستدعي بحوثا أخرى أو تطور طرقا ومناهج دراسية فكثيرا ما تقوم بحوث التقويم بالتعرف على متغيرات جديدة يمكن استخدامها في دراسات أخرى أو أن تقترح فروضا جديدة لبحث تقويمي آخر أو لبحث تطبيقي.
إن الغرض الأساسي من التقويم هو تحسين العمل وتطوير أساليب تنفيذه في موقع العمل. وكذلك يساهم في زيادة المعرفة وتحسينها في المجالات التطبيقية المرتبطة بالعمل.
إذن التقويم يحتوي على عمليتين هما: القياس وإصدار حكم يتضمن القيمة. بمعنى قياس مدى تحقيق الأهداف التربوية ومعرفة مدى القرب أو البعد من تحقيق الأهداف. لذا فإن تحديد الأهداف يكون سابقا لعملية التقويم.
هناك نوعان من التقويم: أحدهما يهدف إلى مجرد معرفة مدى تحقيق الأهداف ويدعى هذا النمط من التقويم التقويم الأول(Formative Evaluation). أما النمط الثاني فيدعى بالتقويم المتجمع (Summative Evaluation) وهو تقويم يبحث عن الآهداف الآخرى التي تحققت أو المقارنة بين طريقتين للتنفيذ لمعرفة أيهما أفضل في تحقيق الأهداف.
بإيجاز يمكن القول بأن البحوث الأساسية والتطبيقية والتقويمية تختلف من حيث الأساس ذلك بسبب أختلاف أغراض البحث والدراسة وبسبب اختلاف وظائفها ومشكلاتها. فالبحوث الأساسية تختبر النظريات وتفسر العلاقات العملية والتحليلية في العلوم الطبيعية والسلوكية والآجتماعية. ويستخدم البحث الخالص لتطوير المعرفة العلمية للقوانين الأساسية والمباديء العامة.وهذا ما يقود إلى تقدم الاستقصاء العلمي وتطوير مناهج البحث. أما البحوث التطبيقية فإنها تختبر فائدة النظريات في مجال تطبيقي وتبحث في العلاقات العملية المشتركة في مجال معين. ولا يهتم كل من البحث الأساس أو البحث التطبيقي بإيجاد حلول عملية مباشرة لمشكلة خاصة بموقع معين. وكلا النوعين من البحث قد يؤثر بشكل غير مباشر وبعد فترة طويلة من الزمن في طريقة تفكير الباحثين والممارسين حول مشكلاتهم الخاصة ومدى ادراكهم لها. أما بحوث التقويم فإنها تدرس مزايا وقيمة عمل معينة في موقع أو في مواقع متعددة. وذلك باستخدام معيار أو أكثر مستمد من قيمة العمل وأهدافه والتقويم على العكس من البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية يوفر معلومات يمكن استخدامها مباشرة لتطوير العمل وتحسينه.

ثانيا: تصنيف المعيار الزمني
يقسم احمد بدر (1996) البحوث وفق المعيار الزمني إلى بحوث تاريخية وبحوث وصفية وبحوث تجريبية وفيما يلي شرح موجز للأصناف الثلاثة:
أولا: البحث التاريخي
يعرف التاريخ لغة بأنه:(كل ما حدث) ويعرف أيضا بأنه:( رواية وتدوين كل ما حدث) ويعرف اصطلاحا بأنه: فعالية علمية من فعاليات المعرفة البشرية تتسع ساحاتها لكل شؤون الإنسان) كما يعرفه بعض البحاثة اصطاحيا بأنه:( التدوين الموثق للأحداث الماضية) وبأنه:( وصف الحقائق التي حدثت في الماضي بطريقة تحليلية ناقدة). ويعرف التاريخ آخرون بأنه نظام لتصنيف وتنظيم الدلائل والآثار المسجلة للأحداث القديمة. ويكون هذا النظام عادة مصحوبا بتفسير هذه الأحداث وتفسير علاقتها بالظروف والأحداث الراهنة. (احمد سليمان 1993م).
مما تقدم من تعريفات متنوعة لماهية البحث التاريخي يمكن القول بأن علم التاريخ لا يمكن فصله مع المنهج التاريخي في البحث العلمي. وذلك لأن التقصي العلمي هو وسيلة موضوعية الهدف منها الوصول إلى نتائج أو قوانين أو قواعد يمكن تعميميها واستخدامها للتنبؤ بم يحدث في المستقبل ضمن السياق التاريخي.
يعرف منهج البحث التاريخي بأنه:( مجموعة الطرائق والتقنيات التي يتبعها الباحث التاريخي للوصول إلى الحقائق التاريخية وإعادة بناء الماضي بكل وقائعه وكما كان عليه في زمانه ومكانه وبجميع تفاعلات الحياة فيه) وهذه الطرائق قابلة على الدوام للتطور والتكامل مع تطور المعارف والعلوم الانسانية وتكاملها ومنهج اكتسابها.
ظل النقاش والجدل شديدين حول طبيعة المادة التاريخية ومنهجيات تحقيقها والوصول إلى نتائجها العلمية بصيغة علمية مجردة وثابتة. وأصبح لزاما على المؤرخين اثبات الدقة العلمية للحدث التاريخي. وبأن التاريخ معرفة غنية بتجربة زمنية طويلة وأن للتاريخ منهجيات وطرائق في البحث والاستقصاء عن الحقائق لا تقل في أهميتها العلمية وسلامة وسائلها عن مناهج العلوم الوظعية الآخرى. وهكذا بحث الكثير من المؤرخين في طرائق علم التاريخ وأثبتوا من خلال بحوثهم ودراساتهم بأن علم التاريح علم يعود إلى الحقيقة الثابتة الرصينة والمؤكدة. ففي عام(1849م) أصدر البحاثة التاريخي (E. Bernhiem) كتابا جمع فيه ما كتب في المنهج التاريخي. ثم قام المؤرخ (Fustel de Coulanges) بتأليف كتاب حول فيه قواعد  المنهجية التاريخية إلى دساتير دقيقة جدا. وكان كتاب المؤرخان الفرنسيان -(Langglois)  (Seiglbaus) في عام(1898م) والذي يحمل عنوان (Introduction aux etudes Historiques) . والذي ترجمته ( مدخل للدراسات التاريخية أول مؤلف تمّ فيه تبسيط منهجية البحث التاريخي إلى حد ما
Previous Post Next Post