مدى اعتبار السكوت تدليسا
تكمن إلتزامات المهني في "إعلام المستهلك بكل التفاصيل اللازمة لتنوير بصيرته ومساعدته على القيام بالاختيار المعقول قبل الموافقة على إبرام العقد، وفي إطار الالتزام العام بالإعلام فإن المهني يتوجب عليه أن يطلع المستهلك على الثمن الإجمالي للسلعة، ومقابل الخدمة بما في ذلك الرسوم والضريبة على القيمة المضافة وما يرتبط بذلك من أداءات متوقعة"[1].
فهذا يعتبر التزاما ضروريا على المورد يجب أن يلتزم به إلا أنه قد يعمد إلى السكوت عن بعض العيوب التي قد تضر بالمستهلك ولا يخبره بها على الرغم بعلمه بها، فالسكوت يعتبر إخفاء وكتمان كما يعتبر عدم الإعلام، فمن هنا يمكن أن نتساءل هل يعتبر هذا السكوت أو الكتمان بمثابة خطأ تدليسي؟.
يعتبر السكوت أو الكتمان حيث يلزم الإفصاح والبيان نوع من الكذب السلبي فليس الصدق أن يقول المتعاقدان ما هو حق فحسب بل أن يقولا أيضا كل ما يجب أن يفصحا عنه، فالسكوت العادي، كالكذب العادي، لا يرقى إلى مرتبة التدليس إذ الأصل أن المتعاقد لا يجبر قانونا على الإفصاح عن كل ما يتناوله التعاقد من شؤون، أما السكوت حيث يستلزم القانون أو طبيعة المعاملة وفقا لمقتضيات حسن النية ونزاهة التعامل، الإفصاح والبيان فهو يصل إلى مرتبة التدليس الذي يشوب الرضا ويجعل العقد قابلا للإبطال[2].
فالمشرع المغربي اعتبر أن الكتمان مكون من مكونات التدليس الذي يعتبر عيبا من عيوب الرضا ينبغي أن يصل حدا من الجسامة وهذا ما جاءت به المادة 52[3] من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
فالتدليس حسب هذه المادة كي يعتبر عيبا من عيوب الرضا، "أن يبلغ حدا من الجسامة بحيث لولاه لما أبرم المدلس عليه العقد، وبعبارة أخرى يجب أن يكون دافعا إلى إبرام العقد ليتمكن المدلس من المطالبة بإبطال العقد"  [4].
فالتدليس يتم إما بطرق احتيالية إيجابية ويتجلى ذلك من خلال إدلاء المتعاقد المدلس ببيانات خاطئة مخالفة للواقع. فالمدلس لا يكتفي باستخدام الوسائل الإيجابية قد يلجئ إلى وسائل سلبية تتمثل في سكوته عن الإدلاء للمتعاقد الآخر بالمعلومات المهمة عن الشيء محل التعاقد إذ أنه يقوم بإخفاء هذه البيانات ويكتمها وكل ذلك من أجل استدراك الطرف الآخر إلى إبرام العقد[5].
"فمن يلتزم الصمت أو يعمد إلى كتمان واقعة هامة كان يجب الإفضاء بها، ولم يكن بوسع الطرف الآخر معرفتها من خلال مصدر آخر أو بطريقة أخرى، يعد مخلا بالالتزام الملقى على عاتقه بالإدلاء بالمعلومات المتعلقة بالعملية التعاقدية، أي مخلا بالالتزام بالإعلام: فالكتمان يعد خرقا مباشرا للالتزام بالإعلام"[6].
ومن أهم الأركان الضرورية لقيام الكتمان المدلس نجد الركن المعنوي ويتكون من عنصرين عنصرعمدي وآخر نفسي فالعنصر العمدي يتمثل في نية التضليل بهدف مغالطة المتعاقد ودفعه إلى التعاقد وهذه النية تعتبر ضرورية لتحقق التدليس وبهذا نجد أن المدلس يعمد إلى كتم الأمر عن المتعاقد معه من أجل تضليله ودفعه في النهاية إلى التعاقد[7]وهذا ما يؤكده الإجتهاد القضائي المغربي، حيث قضى المجلس الأعلى في قراره الصادر بتاريخ 15 يليوز 1965. "إن مجرد التصريح غير الصحيح أو الكتمان لا يترتب عليه بطلان التأمين الذي يستدعي عدم الضمان بل لابد من إثبات سوء نية المؤمن له، فسوء النية لا يفترض، وأن عبء إثبات سوء النية إنما يقع على عاتق من يدعيه"[8].
فبالإضافة إلى تحقق الركن العمدي لقيام التدليس فلابد من تحقق الركن النفسي المتمثل في علم المدلس بالبيانات المسكوت عنها إضافة إلى علمه بمدى أهمية هذه البيانات بالنسبة للمتعاقد معه أي المدعي أو المدلس عليه.
فإذا كان التدليس يتطلب ركنا معنويا أي الركن الجوهري فإنه يتطلب كذلك الركن المادي ويتجلى ذلك في البيانات التي يقوم المدلس بإخفائها عن المدلس عليه.
فالطابع المتعمد في التدليس يبرر التوسع في الإبطال، فليتمكن المدلس عليه من المطالبة بإبطال العقد يكفي أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد.فالتدليس الدافع، والذي يعتبر تدليسا رئيسيا، هو الذي يدفع المدلس عليه إلى التعاقد أما النوع الثاني من التدليس هو التدليس الثانوي أو التدليس العارض، فهو ينصب على شرط ثانوي في العقد إذ بدون التدليس كان العقد سيبرم على كل حال ولكن بشروط مختلفة فهو يخول الحق في التعويض[9] هذا ما جاءت به المادة 53 من ق.ل.ع وأكدته المادة 53 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
وعليه فالالتزام بالإعلام يعتبر من الأوجه الخاصة بمسألة السكوت في القانون، فإذا تم إلزام شخص بالكلام وأخل بذلك الالتزام فإنه يتم توقيع الجزاء في حقه. فالسكوت ضل دائما من الأمور التي تحير رجال القانون فالفقهاء الذين درسوا مفهوم السكوت اقتصروا التركيز على أثاره القانونية فقط وما ينشأ عنه من التزامات فقاموا بالبحث عما إذا أمكن اعتباره قبولا لعرض ما وكافيا لإنشاء العقد.
فهم من جهة أخرى لم يأخذوا بعين الاعتبار مشكل الالتزام بالإعلام، حول ما إذا أمكن اعتبار السكوت بمثابة عدم تنفيذ التزام موجود هو الالتزام بالإعلام أو اعتباره التزام بالتكلم وبالتالي مصدر للمسؤولية المدنية[10].

[1] - عبد القادر العرعاري: مرجع سابق ص: 194.
[2] - إدريس العلوي العبدلاوي: شرح القانون المدني نظرية العقد مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى 1996 ص: 365.
[3] - تنص المادة 52 من قانون الالتزامات والعقود المغربي "التدليس يخول الإبطال إذا ما كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطئ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لولاها لما تعاقد الطرف الآخر".
[4] - بوعبيد عباسي: الالتزام بالإعلام في العقود "المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش الطبعة الأولى، 2008 ص: 108.
[5] - بوعبيد عباسي: مرجع سابق ص: 102 و 103.
[6] - بوعبيد عباسي: مرجع سابق ص: 104.
[7] - بوعبيد عباسي: مرجع سابق ص: 104 إلى 105.
[8] - قرار عدد 1890 منشور مجموعة قرارات المجلس الأعلى سنوات 1962 و 1965، ص: 350.
[9] - بوعبيد عباسي: مرجع سابق ص: 105-107-108-109.
[10] - بوعبيد عباسي: مرجع سابق ص:

Previous Post Next Post