اقتصاد المعرفة
    يقوم الاقتصاد الحالي المعاصر على توليد القيمة الناجمة عن التجديد والابتكار والإبداع التي أسستها المعرفة المكتسبة عن طريق التعليم والتدريب والممارسة والمعرفة القابلة للترميز. وتحقيق ذلك، يعتمد على مجموعة من الهياكل والمقومات الضرورية التي من أهمها التعليم والتدريب والبحث والتطوير المعتمد على تواجد نظام إبداع وطني كفء.
وينظر إلى اقتصاد المعرفة من عدة أوجه منها:
 1- سرعة التطور التكنولوجي وعلى وجه الخصوص تطور التكنولوجيا التي تشكل اقتصاد المعرفة الحديث مثل تكنولوجيا المعلومات  والاتصالات التي ترتكز علي تطوير نظم المعلومات؛
2- الوجهة الاقتصادية حيث أصبحت كل المجالات الزراعية والصناعية والتعليمية والإدارية، الخ تعتمد بقوة على المعرفة المرتبطة بالمعلومات والبرمجيات المشغلة لهذه المجالات؛
3- الوجهة الاجتماعية التي توضح أن وصول المعرفة وتكنولوجياتها من البرمجيات أصبح ضرورة لكل فئات المجتمع بأفراده ومنظماته ومنشآته ويؤدي إلى تنمية رأس المال البشري الخلاق عن طريق إتاحة التعلم والتدريب المستمر للجميع بجودة عالية، ويعتمد على رأس المال البشري في تطوير وإنتاج البرمجيات بكل أنواعها.
    وعلى ذلك، فإنه بالنظر إلى اقتصاد المعرفة من المنظور السابق، يصبح هذا الاقتصاد وسيلة لتقليل وتقليص الفجوة المعرفية والفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية، وخاصة عندما تتحول المعرفة إلى عنصر أساسي مساعد على النمو والتنمية ويحل محل العناصر التقليدية المتمثلة في المواد الأولية ورأس المال المادي والقوى العاملة غير المؤهلة، حيث يؤكد السلع الذهنية المرتبطة بالفكر والإبداع والمهارة الفائقة التي منها اقتصاد هندسة البرمجيات الحديثة.
     وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تقوم بها مصر وكثير من البلاد العربية نحو الاهتمام بتطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلا أنه ما زال هناك إفراط في الاعتماد على المواد الأولية وافتقار إلى القيمة المضافة والاقتراب من اقتصاد المعرفة المعتمد على صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة وخاصة صناعة البرمجيات التي تشغل هذه التكنولوجيات وتصبح قيمة مضافة لكل قطاعات المجتمع المعاصر.
    ومن الملاحظ أن الاقتصاد الوطني والعالمي كان معتمدا، منذ القرن التاسع عشر وحتى النصف الثاني من القرن العشرين، على الطاقة أو العمل ورأس المال. ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين، أخذ هذا المنحى يتغير بوضوح نحو الاعتماد علي المعلومات والمعرفة، بديلا عن رأس المال والطاقة باعتبارهما العاملين الأساسيين لتوليد وإنتاج الثروة، تماما مثلما حل رأس المال والطاقة محل القوى العاملة اليدوية غير الماهرة والأراضي في نهاية القرن الثامن عشر. وفي القرن العشرين أيضا أدى التطور التكنولوجي إلى التحول من العمل الجسدي إلى العمل القائم على المعرفة لتوليد الثروة. فالتكنولوجيا والمعرفة هما العاملان الرئيسيان في الإنتاج في الوقت الحاضر. ويشير الوضع الاقتصادي الحالي إلى الميزة النسبية الوحيدة التي يمكن أن تتمتع بها شركة أو منظمة أو حتى دولة معينة تكون في قدرتها على الابتكار والتجديد الناجمان من المعرفة المهنية للسوق والتكنولوجيا، إضافة إلى المواهب الخلاقة لعمال المعرفة في التعامل مع قضايا تنافسية متلاحقة. وعملية الابتكاروالإبداع تتطلب تفاعلا عميقا ومكثفا يجري في كل الاتجاهات بين مختلف الأطراف أو القوى المؤثرة من مؤسسات وجامعات ومختبرات أو معامل ومستهلكين. وهكذا يكون الابتكار والإبداع نتيجة لتفاعلات كثيرة بين كيانات أو أطراف أو قوى متعددة تؤلف ما يمكن تسميته "نظام الإبداع الوطني"  الذي سبق الإشارة إليه في المؤتمر العلمي التاسع لنظم المعلومات وتكنولوجيا الحاسبات، عن "الابتكار والإبداع لتطوير صناعة المحتوى الإلكتروني في مصر" الذي عقدته الجمعية المصرية لنظم المعلومات وتكنولوجيا الحاسبات في فبراير عام 2002. (محمد محمد الهادي، 2002)  وفي نظام الإبداع الوطني يتفاعل الصناعة والجامعات ومراكز البحوث والحكومة والقطاع الخاص ضمن إطار تطوير العلم والتكنولوجيا والارتقاء بالتعليم والبحث العلمي والتطوير والاقتصاد المشترك.
ويبين الشكل التالي المسار الذي يتخذه نظام الإبداع الوطني موضحا دور التعليم والتدريب والتعلم باعتبارها من العوامل الرئيسية لهذا النظام:

شكل (1): مكونات نظام الإبداع الوطني

ومن الضروري التمييز بين ما يعرف باقتصاد المعلومات واقتصاد المعرفة.
اقتصاد المعلومات يتعلق بطبيعة القرارات الاقتصادية المبنية على المعلومات التي تكون إما كاملة أو مؤكدة أو احتمالية أو غير ذلك،
اقتصاد المعرفة يرتبط بالابتكار والتجديد والإبداع  والتطوير حيث يصبح اتخاذ القرار الاقتصادي جزءا منه.
والمعرفة تحديدا هي قدرة إدراك وقدرة تعلم، وهذا ما يميزها عن المعلومات وهي تتحسن بالمعلومات التي ليست إلا معطيات مصاغة ومنظمة. وهكذا يصبح الفارق بين المعرفة والمعلومات أن المعرفة يمكن بلوغها أساسا عن طريق التعليم والتدريب والتعلم والخبرة المكتسبة، أما المعلومات فيمكن الحصول عليها عن طريق النسخ.
    والوجهة الاقتصادية في المعلومات تكمن في الكشف عنها وحمايتها، أما الوجهة الاقتصادية في المعرفة فتكمن في إنتاجها وفي أنشطة التعليم والتدريب والتعلم الملحقة بها. وإنتاج المعرفة هو نشاط تلقائي يتبع نشاطا آخر، ولا يكون معتمدا إلا عند ما يأتي نتيجة للبحث والتطوير الذي هو نشاط يقود إلى زيادة المخزون المعرفي، عكس النشاط الاقتصادي الذي لا يمكن أن يجري إلا بطريقة متعمدة. ويكون جزءا من التعلم ضمن النظم التعليمية، وعن طريق التجارب التى تجري في المعامل والشركات عندما يتعلق الأمر بمنتج جديد، وأيضا عن طريق المستهلكين الذين يعبرون عن آرائهم وحاجاتهم. وبذلك أصبحت المعرفة موجهة لخدمة العملية الاقتصادية ولم تعد مجرد عملية تستهدف الحصول على المعرفة للمعرفة ويمثل ذلك الحال في تطوير هندسة البرمجيات.
   وبذلك تؤدي تكنولوجيا المعلومات المتمثلة في هندسة البرمجيات دورا أساسيا في اقتصاد المعرفة، بحيث يصعب التمييز بين اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي القائم على تلاحم تكنولوجيا المعلومات (أجهزة الكمبيوتر، البرمجيات، قواعد البيانات، الخ)، الاتصالات والتليفونات (الصوت، البيانات، الكابلات، الشبكات اللاسلكية، التليفونات، الفاكس وأدوات الإجابة التليفونية، الخ) ووسائل البث (الراديو والتليفزيون كما هو مبين في الشكل التالي:

شكل (2): التلاحم بين التكنولوجيات المؤدي لظهور الاقتصاد الرقمي
   ويمثل ذلك الحدث الأعظم أهمية الذي يشكل المستقبل. ويعتبر تقليل التكاليف وتكنولوجيا الدفع Push Technology والتطبيقات الأكثر قوة جزءا من الاتجاه المتنامي نحو استخدام الحاسبات الآلية في كل مراحل الحياة اليومية المعاصرة وأصبحت تمثل ضرورية ومطلوبة . هذه الحركة أدت إلي بزوغ الاقتصاد الرقمي، حيث أن السرعة المتناهية والقدرة علي الوصول إلى الجماهير في أي مكان وفي أي وقت بالإضافة إلى تطبيق المعرفة من أساسيات السوق التنافسية في حقبة العولمة التي يشهدها العالم المعاصر.
   كما أن هذه التكنولوجيات تسرع إيقاع التجديد والإبداع في تطوير البرمجيات وهي أساس لكل ذلك، في دورة العمل والإنتاج، كما أنها أداة للتفاعل الجماعي الخاص بالمعرفة، وهي عامل هام في زيادة تبادل المعرفة الخاصة بتطوير البرمجيات.
    وفي الأعوام الخمسة عشر الماضية، أدى تسارع انتشار شبكة الإنترنت عالميا إلى نمو كبير في الاقتصاد العالمي. وأحدثت هذه العملية أثرا عميقا وضاغطا على اقتصاديات الدول والمنظمات والمنشآت للتنافس الفعلي في البيئة العالمية الجديدة. وأصبحت المعلومات والمعارف في بيئة العمل والتنافس الجديدة من أهم السلع التي يمكن للدول والمنظمات أن تحوز عليها وتمتلكها. وهنا يكمن دور كبير للحكومات في تشجيع مؤسسات البحث والتطوير، الخاصة والعامة، المجددة والقادرة على استخدام المعرفة. وقد غير التكنولوجيا بوجه عام وتكنولوجيا هندسة البرمجيات بوجه خاص، طريقة التفكير والعمل والطريقة التي تستخدم بها هذه التكنولوجيا لتحسين الظروف الاقتصادية.

Previous Post Next Post