التسوية الودية كصورة للوقاية الخارجية من الصعوبات :
تنص المادة 550 من مدونة التجارة المغربية على انه : «يكون إجراء التسوية الودية مفتوحا أمام كل مقاولة تجارية أو حرفية، من دون أن تكون في وضعية التوقف عن الدفع، تعاني من صعوبات قانونية أو اقتصادية أو مالية أو لها حاجات لا يمكن تغطيتها بواسطة تمويل يناسب إمكانات المقاولة. يتقدم رئيس المقاولة بطلب إلى رئيس المحكمة، يعرض فيه وضعيتها المالية والإقتصادية والإجتماعية والحاجيات التمويلية وكذا وسائل مواجهتها».
يتبين من قراءة المادة 550 الشروط الشكلية والموضوعية التي لا غنى عنها تشريعيا وعملا لإجراء مسطرة التسوية الودية بين رئيس المقاولة المدين وبين الدائنين؛ شروط تتعلق بالصفة التجارية للمقاولة وكذا وضعيتها وذمتها المالية، هذا فضلا عن شرط شكلي آخر يتمثل في تقديم طلب إلى رئيس المحكمة.
وإذا كان شرط الصفة التجارية قد تم التطرق إليه سابقا فان الحديث هنا سيشمل فقط الشرط الشكلي المتمثل في ضرورة تقديم طلب فتح مسطرة التسوية الودية على رئيس المحكمة التجارية وكذا شرط الوضعية المالية للمقاولة.
ò     الشرط المادي المتمثل في الوضعية والذمة المالية للمقاولة : تلجأ المقاولة التجارية إلى مسطرة التسوية الودية لإنقاذها من الصعوبات القانونية كتعديل النظام الأساسي أو الزيادة في رأسمال المقاولة أو تعطل سير أجهزة إدارة الشركة، وكذا الصعوبات المالية والإقتصادية كارتفاع المصاريف وتقهقر النقود المتداولة وصعوبة التزود بالمواد الأولية،  هذا فضلا عن مواجهة الصعوبات الإجتماعية المتمثلة في النزاعات بين المقاولة والأجراء والإضرابات المتكررة والمستمرة.
كما أن المشرع لم يكتف بفتح باب التسوية الودية أمام المقاولة التجارية التي تعاني من صعوبات قانونية أو اقتصادية أو مالية، بل منح لها هذه الإمكانية حتى ولو كانت في حاجة ماسة إلى الأموال لتمويل مشاريع مستقبلية أو لتوسيع أنشطتها لما يكون في ذلك من آثار إيجابية على الإقتصاد والشغل والإنتاج والإستهلاك وموارد الدولة وعلى مصالح الدائنين في استيفاء ديونهم في تاريخ استحقاقها[1].
ولكي تستفيد المقاولة التجارية من مسطرة التسوية الودية، يتعين عليها أن لا تكون متوقفة عن سداد ديونها المستحقة عند الحلول، ولقد عبرت عن هذا الشرط المادي المادة 550 من مدونة التجارة صراحة بقولها : من دون أن تكون في وضعية التوقف عن الدفع، لأن التوقف عن دفع الديون المستحقة عند الحلول يقود حتما ووجوبا إلى تطبيق مساطر المعالجة لا إلى مساطر الوقاية.
ò     الشرط الشكلي المتمثل في تقديم الطلب وتعيين المصالح : طبقا للمادة 550 من مدونة التجارة، يتعين على رئيس المقاولة أن يقدم طلبا بفتح مسطرة التسوية الودية إلى رئيس المحكمة التجارية التابعة لها المؤسسة الرئيسية للتاجر أو المقر الإجتماعي للشركة التجارية أو للمجموعة ذات النفع الإقتصادي التي يكون لها غرض تجاري، ذلك أن رئيس المقاولة هو الذي يحق له وحده دون أي شخص آخر مهما كانت صفته طلب إجراء التسوية الودية[2].
وللإشارة فإن تقديم الطلب من طرف رئيس المقاولة إلى رئيس المحكمة التجارية المختصة محليا لفتح مسطرة التسوية الودية يعتبر إجراء يميز مسطرة التسوية الودية عن مسطرة الوقاية الخارجية[3]؛ إذ أن هاته الأخيرة يمكن أن تتم ولو بدون أن يطلب المدين أي رئيس المقاولة ذلك[4].
وبعد أن يتلقى رئيس المحكمة التجارية الطلب من طرف المدين، يقوم الأول بتعيين مصالح لمباشرة الإجراءات والقيام بالتدابير الضرورية لبلوغ مسطرة التسوية مداها لتدليل صعوبات المقاولة؛ وعلى خلاف الوكيل الخاص فإن المادة 553 من مدونة التجارة حددت مدة قيام المصالح بمهمته حيث قضت بأنه : «إذا تبين لرئيس المحكمة أن اقتراحات رئيس المقاولة من شأنها أن تسهل تصحيح وضعية المقاولة، فتح إجراء التسوية وعين مصالح لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر قابلة للتمديد شهرا على الأكثر بطلب من هذا الأخير».
ويعتبر تعيين المصالح من قبل رئيس المحكمة إعلانا عن بداية الإجراءات الخاصة بالتسوية الودية، إذ تتلازم هذه الأخيرة بتعيين الوكيل الخاص كتوطئة لتعيين المصالح، لكن تعيين الأول ليس من مستلزمات ومتعلقات التسوية الودية، فقد يعمل رئيس المحكمة إلى تعيين المصالح دون الحاجة إلى تعيين الوكيل الخاص، كلما ارتأى أن ظروف إبرام صلح ودي جاهزة، حيث يعتبر ذلك من باب اختصار عامل الزمن وتحصينا لأصول المقاولة عبر تجنيبها أتعاب ومصاريف تعيين هذا الأخير[5].
ويبدو أن ثمة مسوغات كانت وراء تحديد السقف الزمني لتحديد مهمة المصالح التي لا يجب أن تتجاوز كحد أقصى أربعة أشهر، حيث تعتبر من النظام العام، لا يجوز تجاوزها سواء بأمر من رئيس المحكمة أو باتفاق بين المدين والدائنين.
فقد يترتب على تعيين المصالح، وحتى يتمكن من النجاح في مهمته، استصدار أمر بطلب منه إلى رئيس المحكمة بوقف المتابعات الفردية ضد الدائنين طبقا لأحكام المادة 555 من مدونة التجارة[6]؛ هكذا لا يمكن أن يستمر هذا الوقف لمدة أطول لأن فيه مساس بحقوق الدائنين، والحال أن التسوية الودية مسطرة غير تنازعية.
ويترتب عن الأمر الصادر بالوقف المؤقت للإجراءات حسب الفقرة الثانية من المادة 555 من مدونة التجارة ما يلي :
«يوقف الأمر ويمنع كل دعوى قضائية يقيمها جميع الدائنين ذوي دين سابق للأمر المشار إليه تكون غايتها :
-       الحكم على المدين بسداد مبلغ مالي.
-       فسخ عقد لعدم سداد مبلغ مالي...».
هكذا إذن يبدو أنه باستثناء الديون المرتبطة بعقود العمل، فإن باقي الديون الأخرى يتم الوقف المؤقت لها أداء أو تنفيذا أو إجراء فسخ جراء عدم التنفيذ لذلك[7].
وقد ينجم عن مجهودات المصالح التوصل إلى إقناع الدائنين جميعهم بجدوى الإنضمام إلى اتفاق التسوية الودية، حيث يكون رئيس المحكمة في هذه الحالة مجبرا على أن يصادق عليه[8]. أما إذا انضم إليه مجرد الدائنين الرئيسيين أو بعضهم فإن للرئيس أن يصادق عليه من عدمه[9].
ومضمون التسوية الودية يتمثل في منح المدين آجالا جديدة للوفاء وكذا التخفيض من نسبة الدين الموجود بذمته.

[1] - أحمد شكري السباعي : الجزء الأول، مرجع سابق، ص: 255.
[2] - محمد لفروجي : مرجع سابق، ص: 114.
[3] - نور الدين لعرج : مرجع سابق، ص: 45.
[4] - تنص المادة 548 من مدونة التجارة المغربية على أنه : «يستدعي رئيس المحكمة رئيس المقاولة في الحالة المنصوص عليها في المادة 547 أو في الحالة التي يتبين من كل عقد أو وثيقة أو إجراء أن شركة تجارية أو مقاولة فردية تجارية أو حرفية تواجه صعوبات من شأنها أن تخل باستمرارية استغلالها، قصد النظر في الإجراءات الكفيلة بتصحيح الوضعية».
[5] - عبد الرحيم شميعة : مرجع سابق، ص: 66.
[6] - تنص الفقرة الأولى من المادة 555 من مدونة التجارة : «إذا رأى المصالح أن الوقف المؤقت للإجراءات من شأنه تسهيل إبرام الإتفاق، أمكنه أن يعرض الأمر على رئيس المحكمة. ويمكن لهذا الأخير بعد الإستماع لرأي الدائنين الرئيسيين، أن يصدر أمرا يحدد مدة الوقف في أجل لا يتعدى مدة قيام المصالح بمهمته».
[7] - عبد الرحيم شميعة : مرجع سابق، ص: 73.
[8] - راجع المادة 556 من مدونة التجارة المغربية.
[9] - على الرغم من كون اتفاق الصلح الودي يبقى تصرفا إداريا لكل من المدين والدائنين المنضمين إليه، فإنه لا يسمى كذلك – تسوية ودية – إلا بمخاطبة رئيس المحكمة عليه، وإلا سمي صلحا طبقا للقواعد العامة.

Previous Post Next Post