المدة التي
يتعين خلالها الطعن على القرار الإداري:
يشترط لقبول دعوى إلغاء القرارات الإدارية في القوانين الإدارية المقارنة
أن ترفع خلال مدة معينة تعرف بميعاد رفع الدعوى. وهي عادة ما تكون مدة توفيقية
يراعي المشرع في تقريرها مصلحتان متعارضتان. مصلحة ذوو الشأن في إتاحة الفرصة
الكافية للطعن في قرار الإدارة التي تمس مباشرة مراكزهم القانونية والإدارية،
ومصلحة المجتمع في تحقيق الاستقرار للقرارات الإدارية وعدم تركها لفترة طويلة
مهددة بالإلغاء. وتوفيقاً بين هاتين المصلحتين، تنص معظم التشريعات على تحديد هذه
المدة بستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعلانه أو العلم اليقيني به.
ونظراً لخلو التشريع الاماراتي من نص عام يحدد ميعاد رفع دعوى إلغاء القرار
الإداري، إلا ما شرّعته بعض القوانين أو نظم إنشاء أو تأسيس بعض الهيئات أو
المؤسسات العامة من مواعيد خاصة للطعن على بعض القرارات الإدارية الصادرة عنها، لذا
فقد لجأت المحاكم إلى النصوص الناظمة لمواعيد تقادم سماع بعض الدعاوى المنصوص
عليها في قانون المعاملات المدنية، الأمر الذي أدى إلى اضطراب أحكام المحاكم في
هذا الشأن، إذ أخذت بعضها بالتقادم الطويل المقدّر بخمسة عشر عاماً، فيما أخذت
بعضها الآخر بالتقادم الخمسي تارة، والتقادم الثلاثي تارة أخرى، وساد هذا الاضطراب
لبعض الوقت دوائر النقض المدنية بالمحكمة الاتحادية العليا قبل أن تستقر على اخضاع
ميعاد رفع دعوى الإلغاء للتقادم الطويل عملاً بالمادة (473) من قانون المعاملات
المدنية الاتحادي[1].
1- الأصل أن القانون الإماراتي لم يشرع مدة محددة للطعن على القرار
الإداري، فهو يخضع لمدة التقادم الطويلة.
وهذا ما أكّدته المحكمة الاتحادية العليا في حكمها الصادر في 29 مارس سنة
2010 في الطعن رقم 244 لسنة 2009 إداري (مقيدة 4 لسنة 2009 هيئة عامة) حين قضت بأنه: " لما كان قضاء المحكمة
الاتحادية العليا قد اضطرد على أنه وإن كانت قواعد القانون المدني قد وضعت أصلاً
لتحكم روابط القانون الخاص، إلا أن القضاء الإداري له أن يطبق من تلك القواعد مع
ما يتلاءم مع هذه الروابط ويتفق مع طبيعتها، اللهم إلا إذا وجد النص التشريعي
الخاص لمسألة معينة، فحينئذ يتوجب التزام النص. وقد خلى التشريع الاتحادي من أي نص
عام يحدد ميعاداً معيناً لرفع دعاوى المنازعات الإدارية ومنها دعاوى إلغاء القرار
الإداري _ عدا ما نصت عليه المادة (116) من قانون الموارد البشرية في الحكومة
الاتحادية _ التي يجوز لذوي الشأن رفعها متى كان دعوى سماعها لم تسقط بمرور الزمان
المسقط طبقاً لقواعد قانون المعاملات المدنية الاتحادي، بحسبان أن فكرة مرور
الزمان (التقادم)، المسقط للدعوى لا تتعارض في طبيعتها ومفهومها مع روابط القانون
العام.
لما كان قانون المعاملات المدنية الاتحادي، تكفل
في المواد من 473 حتى 488 ببيان أنواع وأحكام مرور الزمان المسقط للدعوى، حينما
قرر مواعيد محددة لسماع بعض الدعاوى، ورتب على عدم مراعاتها جزاء عدم السماع فحّدد
ميعاد سنتين لحقوق التجار والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون في هذه
الأشياء، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام، وحقوق العمال
والخدم والأُجراء .... (م/476). وميعاد ثلاث سنوات لسماع دعوى الضمان الناشئة عن
الفعل الضار والنافع ودعوى عدم نفاذ التصرف (م/298/1، 336، 400). وخمس سنوات لسماع
دعاوى المطالبة بالحقوق الدورية المتجددة، ودعاوى حقوق الأطباء والصيادلة
والمحامين والمهندسين والخبراء والأساتذة والمعلمين والوسطاء. وكذلك دعاوى رد ما
يستحق رده من الضرائب والرسوم إذا دفعت بغير حق (م484، 475). وخمس عشرة سنة لسماع
باقي الدعاوى التي لم يحدد المشرع لها ميعاداً خاصاً بها، ومنها دعوى إلغاء القرار
الإداري، الأمر الذي يتعين بشأنها الرجوع إلى الميعاد العام الطويل باعتباره
هو الأصل لميعاد سماع الدعاوى.
ولئن كانت المادة (75) من قانون إنشاء المحكمة الاتحادية العليا رقم 10
لسنة 1973، أعطت للمحكمة صلاحية تطبيق القانون المقارن في حال عدم وجود قانون أو
تشريع اتحادي أو محلي يحكم المسألة المعروضة عليها، إلا أن حدّ هذه الصلاحية إكمال
نقص أوسدَّ فراغ في التشريع الوطني، دون أن ترقى تلك الصلاحية إلى حدّ استحداث
مواعيد وآجال لسقوط الدعاوى أو لعدم سماعها أو تقرير تقادم مسقط أو مكسب أو رسم طرق
طعن في الأحكام ، لاتصال كل ذلك بالنظام العام. ولما كان تحديد ميعاد معين لسماع
دعوى إلغاء القرار الإداري، يؤدي تفويته إلى تحصن القرار من رقابة القضاء، هو
استحداث لأجل إجرائي جديد لم يرد في تشريع وطني، وليس هو سدَّ لنقص أو إكمال لفراغ
في تشريع قائم، ومن ثم فان الاستعانة بالقانون المقارن لاستحداث هذا الإجراء غير
جائز.
كما أكّدت ذلك المحكمة بحكمها
الصادر في 21 أبريل سنة 2010 في الطعون أرقام 245 و247 و313 لسنة 2009 إداري،
بأن: " .....قضاء هذه المحكمة جرى على أن ... لئن كانت المادة (75) من قانون
إنشاء المحكمة الاتحادية العليا رقم (10) لسنة 1973، أجازت للمحكمة صلاحية تطبيق
القانون المقارن في حال عدم وجود قانون أو تشريع اتحادي أو محلي يحكم المسألة
المعروضة عليها، إلا أن حد هذه الإجازة إكمال نقص أو سد فراغ في التشريع الوطني، دون
أن ترقى تلك الصلاحية إلى حد استحداث مواعيد وآجال لسقوط الدعاوى أو لعدم سماعها،
أو تقرير تقادم مسقط أو مكسب، أو رسم طرق طعن في الأحكام. لاتصال كل ذلك
بالنظام العام. ولما كان تحديد ميعاد معين لسماع دعوى إلغاء القرار الإداري يؤدي
تفويته إلى تحصن القرار الإداري من رقابة القضاء، وهو استحداث لأجل إجرائي جديد لم
يرد في التشريع الوطني الإماراتي، وليس سد لنقص أو إكمال لفراغ في تشريع قائم، ومن
ثم فإن الاستعانة بالقانون المقارن لاستحداث هذا الإجراء غير جائز، مما يغدو معه
النعي واجب الرفض.
2- استثناءً من التقادم الطويل، فهناك قوانين اتحادية، ومحلية حددت ميعاداً
معيناً للطعن على القرار الإداري، ومنها:
- قانون الموارد البشرية الاتحادي الذي حدد مدة لا تسمع
بعدها دعوى إلغاء القرار الإداري وهي ستون يوماً تسري فقط على القرارات الإدارية التي
تصدر وفقاً لأحكام هذا القانون، وعلى الجهات الخاضعة له، حيث نصت المادة (116) منه
على أن: " لا تسمع الدعوى المتعلقة بالقرارات الإدارية الصادرة بالتطبيق
لأحكام هذا المرسوم بقانون بعد انقضاء مدة ستين يوماً من تاريخ العلم اليقيني
بالقرار"، وبموجب هذا النص فإن المدة التي حددها المشرع لسماع دعوى الطعن
بإلغاء القرار الإداري ينحصر نطاق تطبيقها في القرارات الإدارية الصادرة وفقاً
لأحكام هذا القانون فقط، وبالنسبة للجهات الخاضعة لهذا القانون.
ومن ذلك: ما قضت به المحكمة
الاتحادية العليا في جلسة 9 مايو 2012 في الطعن رقم 38 لسنة 2012 إداري: " .......... حيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنون بأولهما على
الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون حينما قضى بعدم سماع الدعوى لمرور
الزمان استناداً إلى المادة (116) من قانون الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية
التي حددت ميعاد سماع دعوى الإلغاء بستين يوماً من تاريخ العلم اليقيني بالقرار. حال
أن ميعاد الطعن على القرارات الإدارية الصادرة تطبيقاً لقانون قوة الشرطة
والأمن لا تخضع تلك القرارات للميعاد سالف البيان، باعتبار أن ميعاد
الستين يوماً هو خاص بالقرارات الصادرة تطبيقاً لأحكام قانون الموارد سالف
الذكر. وهو ما خالفه الحكم المطعون فيه وأخطأ في تطبيقه، الأمر الذي يتعين معه
نقضه، وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه ولئن كانت
القوانين تكمل بعضها البعض، وكانت الإحالة من قانون خاص إلى قانون عام جائز ومقبول
وفق النظرية العامة للقانون. إلا أنه يشترط لصحة هذه الإحالة ألا يكون حكم النص
المحال إليه خاص بالقانون المحال ذاته لا بغيره من القوانين. لما كان ذلك وكان
النص في المادة (116) من مرسوم بقانون اتحادي رقم (11) لسنة 2008 بشأن الموارد البشرية
في الحكومة الاتحادية على أن: " لا تسمع الدعوى المتعلقة بالقرارات
الإدارية الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا المرسوم بقانون بعد انقضاء مدة ستين يوماً
من تاريخ العلم اليقيني بالقرار " يدل على أن خطاب هذه المادة ينصرف
إلى القرارات الإدارية التي تصدر تطبيقاً لأحكام هذا المرسوم بقانون وحده دون
القوانين الأخرى التي قد يقتضي تطبيقها إصدار قرارات إدارية من الإدارة المعنية.
وإذ انحرف الحكم المطعون فيه بمعنى النص الوارد في المادة (116) من المرسوم بقانون
آنف البيان عن مراد الشارع منه، وصرف ألفاظه عن ظاهره بغير دليل، حينما خلص إلى
انطباق النص على النزاع وقضى بعدم سماع دعوى الإلغاء مؤيداً الحكم المستأنف،
فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه، وقاده هذا الخطأ إلى
عدم بحث طلبات الطاعنين ليقول فيها كلمته، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه نقضاً
كلياً دونما حاجة لبحث السبب الثاني، على أن يكون مع النقض الإحالة.
وهو أيضاً ما أكّدته ذات المحكمة في الطعن رقم 290 لسنة 2013
إداري والذي سبق الإشارة إليه بأن المدعي قد تجاوز ميعاد الستين يوماً للطعن
بإلغاء القرار عملاً بالمادة (116) من قانون الموارد البشرية وهو ما انتهى إليه
الحكم المطعون فيه صحيحاً إذ اعتبر أن علم الطاعن بقرار إنهاء خدمته وعدم
الطعن عليه في الميعاد يعتبر مانعاً من سماع دعواه فإنه صادف صحيح القانون. والذي
بموجبه أعمل مدة الستين يوماً المقررة للطعن على القرار بإنهاء خدمة الموظف نظراً
لأن الجهة الإدارية خاضعة لقانون الموارد البشرية الاتحادي، وقرارها بإنهاء الخدمة
كان وفقاً لأحكام هذا القانون.
- القانون الذي أصدرته إمارة الشارقة رقم (5) لسنة 2001
بشأن الخدمة المدنية، والذي
شرّعت من خلال مدة (5) سنوات بالنسبة للمطالبة بالمستحقات المالية الناشئة عن
تطبيق أحكام القانون، بما يفيد عدم قبول تلك الدعوى بعد مرور (5) سنوات بالمخالفة
للمدد التي حددّها المشرع الاتحادي.
[1]
عبد الوهاب عبدول، رئيس المحكمة
الاتحادية العليا، الامارات العربية المتحدة، دور المحكمة الاتحادية العليا في تعزيز
وتطوير القانون الإداري الإماراتي، " نموذج القرار الإداري "، ورقة بحث مقدمة
إلى المؤتمر الأول لرؤساء المحاكم العليا الإدارية في الدول العربية، بيروت/ لبنان،
بتاريخ 21-22/6/2011.