إن نظام الإفلاس قديم قدم الإنسان وإن اختلفت طرق المعالجة باختلاف المراحل والعصور، وباختلاف الشعوب ومذاهبهم، حيث كان الإنسان تهدر كرامته، إذ كان من حق الدائن أن يلاحق مدينه، وأن يحبسه وأن يشهر به وأن يمتلك شخصه كما يمتلك البضائع ويبيعه في الأسواق، وإن لم يقع البيع جاز له أن يقتله وأن يمزق جسده أشلاء بمقدار الدين، إلى أن جاءت مدونة نابليون حيث نظم الإفلاس واعتمد على أسس جنائية.  وكان هذا النظام اللبنة الأولى لبناء مدونة التجارة الفرنسية سنة 1807.
في حين تناولت التشريعات الإسلامية نظام التفليس[1] أو التوقف عن الدفع برأفة وحكمة وتنظيم وحزم حيث ميزت بين الغني والفقير والموسر والمعسر. ويتجسد هذا من خلال تأجيل المعسر أو نظرة إلى ميسرة وذلك تفاديا للإضرار به في انتظار تبدل السوق أو التصدق عليه لمساعدته على الوفاء. وإذا لم ينفع فلا مناص من توزيع المال على الغرماء لقوله تعالى : p وإذا كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون i[2].
وهو بمثابة قفل عمليات التصفية في مدونة التجارة الجديدة،
كما جاء في التحفة.
           أو معسر قضاءه أضرار    فينبغي في شأنه الإنتظار[3]
 الأمر الذي جعل من مؤسسة الإفلاس الإسلامية رائدة اقتبست منها التشريعات الأوروبية الكثير من القواعد.
في حين لم ينتبه المشرع المغربي إلى أهمية الإفلاس كنظام يسلط على التجار المتوقفين عن دفع ديونهم وكوسيلة فعالة لحماية الإئتمان واستقرار المعاملات التجارية إلا في سنة 1913، وخصص له الكتاب الثاني الذي عنونه في «الإفلاس والتفالس في التصفية القضائية ورد الإعتبار». إلا أنه في ظل التحديات الإقتصادية التي تعيشها المغرب والتي كان من آثارها صدور تشريعات أساسية في ميادين متعددة الإقتصادية منها والمالية.
وحفاظا على استمرارية استغلال المقاولات والحفاظ على مناصب الشغيلة فرض على المشرع المغربي هجر نظام الإفلاس والتصفية القضائية الذي كان معمول به في ظل قانون سنة 1913. والذي كان يركز على معاقبة التاجر الذي أخل بالتزاماته وإقصائه من الحياة التجارية عوضا من البحث عن تدابير لمساعدته، وإحلال مكانه نظاما للإجراءات الجماعية يرتكز في جوهره على مساطر وقائية وعلاجية أكثر ارتكازا على تصفية أموال المدين. ومن هنا تم صدور قانون 15.95 الصادر في غشت سنة 1996 يتمثل أساسا فيما ورد من مقتضيات الكتاب الخامس والمتعلق بصعوبات المقاولة ومساطر الوقاية ومساطر المعالجة. ولا يمكننا القول بأن هذا القانون قد تخلى على سائر القواعد والمبادئ التي كانت تحكم نظام الإفلاس على الرغم من مساطره الجديدة فلازالت بعض مبادئ الإفلاس التقليدي تطبعه.
إلا أنه استطاع بفعل ما جاء به من آليات جديدة وإجراءات ومساطر تحقيق النجاح في استمرار نشاط المقاولة، إلا أن هذا النجاح يبقى نسبيا بفعل مظاهر التضخم والمنافسة والإحتيال وضعف القدرة الشرائية وأنانية الدائنين، كل هذا يؤدي إلى فشل مساطر الوقاية والمعالجة.
إن استبدال صعوبة المقاولة بنظام الإفلاس ذو الطابع الجنائي الذي كان يحكمه , فإن التوقف عن الدفع بقي من أساسيات فتح مسطرة المعالجة لما يكتسبه التوقف عن الدفع من أهمية كبرى.
من هنا يمكننا أن نتساءل :
ما هي الصعوبات والإختلالات التي من شأنها أن تؤثر على المقاولة حتى تصل إلى درجة التوقف عن دفع ديونها؟

[1] - التفليس : هو خلع الرجل من ماله للغرماء (الدائنين)، ابن جزي : القوانين الفقهية، ص: 272.
[2] - سورة البقرة : الآية 280.
[3] - وردت في كتاب أحمد شكري السباعي بواسطة مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولات ومساطر معالجتها، الجزء الثاني، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الثانية 2007، ص: 134.

Previous Post Next Post