السياسات المالية في الجزائر و أثرها في التنمية
انتهجت الجزائر بعد الاستقلال استراتيجية تنموية تعتمد على التخطيط المركزي كوسيلة للتخطيط الاقتصادي، وعلى قطاع عمومي ذو كثافة رأسمالية ويشكل حصة الأسد من النشاط الإقتصادي. و كانت الغاية منها تكمن في تحقيق هدفين اثنين هما:
·        الاستجابة للحاجات الاجتماعية الأكثر استعجالا( من توظيف وتدريس...إلخ).
·        التحرر التدريجي لتبعية الاقتصاد لتوسيع الطاقة البشرية والمالية وحل مشكل التوظيف.
  فمن المعلوم أنّ نجاح مثل هذه السياسة الاقتصادية كان يخضع للتحكم من طرف الدولة في توجيه الاقتصاد الكفيل بدفع أعمال التنمية وتنظيمها. لقد تأكدّ تفوق دور الدولة في المجال الإقتصادي من خلال إستعاد الثروات الوطنية والأخذ بزمام الاقتصاد الوطني وإنشاء وتطوير مؤسسات عمومية بكافة قطاعات النشاط وإقامة جهاز تأسيسي وتنظيمي من شأنه ضمان تدخل الدولة بشكل مباشر في كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وقد مر المسار التنموي في الجزائر منذ الاستقلال إلى غاية بداية الألفية الثالثة بالمراحل التالية:
المرحلة الأولى: 62- 1965 اعتبرت كمرحلة إنتقالية إنحصرت في حالة وطبيعة الإقتصاد الوطني غداة الإستقلال وقد أتخذت فيها الخطوات الأولى لبناء الإشتراكية؛
المرحلة الثانية: 67- 1979 تميزت هذه الفترة بالإقتصاد الموجه مركزيا وقد نفذت خلالها برامج طموحة في المجالين الإقتصادي والإجتماعي أهمها تأميم الثروات الوطنية وبناء قاعدة إقتصادية ترتكز على التصنيع؛
المرحلة الثالثة 80-1989 ويطلق على هذه الفترة مرحلة التنمية اللامركزية وشهدت الجزائر خلالها عدة إصلاحات إقتصادية؛
المرحلة الرابعة 90- 2000 تميزت هذه المرحلة بالإنتاقل من تنظيم إقتصادي مخطط إلى تنظيم إقتصادي آخر خاضع لقوى السوق، كما عرفت الجزائر خلال هذه الفترة عدة إصلاحات جوهرية، كما لجأت إلى المؤسسات المالية الدولية بهدف تحقيق الإستقرار الإقتصادي.
و قد قامت الجزائر بمجموعة من الخطط الخماسية التنموية و التي تعددت أهدافها حسب كل مرحله مع مراعاة القيود الخاصة بالمرحلة الراهنة والوسائل الممكن تعبئتها من جهة، وإدراجه في منظور تنموي طويل الأمد من جهة أخرى، وخاصة أن صورة الجزائر التنموية تتوقف على ما أنجز خلال هذه المخططات المتتابعة و كانت الاهداف كما يلي:
·        تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المتزايّد عددهم بوتيرة عالية
·        المحافظة على الاستقلال الاقتصادي، وذلك بالتحكم في التوازنات المالية الخارجية؛
·        تدعيم المكتسبات المحققة خاصة على صعيد تنظيم الاقتصاد
·        المحافظة على موارد البلاد غير القابلة للتجديد
·        تخفيض التكاليف وآجال إنجاز الاستثمارات في جميع القطاعات
·        تحسين فعالية جهاز الإنتاج والتنمية المكثفة لكافة الطاقات البشرية والمادية المتوفرة
اعتمدت هذه الإصلاحات مجموعة من العناصر واعتبرتها مبادئ أساسيةلإنجاح عملياتها وتحقيق الأهداف المنتظرة منها ويمكن حصر هذه العناصر فيما يلي:
·        الاعتماد على الذات: إنّ التنمية الناجحة هي التي تعتمد على الذات عوضا عن التنمية التي تعتمد على جهود خارجية.
·        الإنسان مصدر العملية التنموية: إنّ التنمية الاقتصادية في الجزائر عبر الإصلاحات تؤكّد بأنّ نجاحها مرهون بالإنسان الذي هو عماد هذه التنمية؛
·        الأخذ بتجارب السنوات السابقة: إنّ الإصلاحات الجديدة تؤكّد أنّه على النخبة الحاكمة في المجتمع أن تقاوم الضغوطات الناتجة عن أفراد المجتمع وتجنب الوعود التي يصعب تحقيقها؛
·        التركيز على الأسس الحقيقية للتنمية: إنّ هذه الإصلاحات ترمي إلى عملية مراجعة تركيز جهود المجتمع على تشيّد شواهد ومعالم كان يظن بأنّها حضارية لأنّ إقامة مثل هذه المظاهر غالبا ما يكون على حساب أمور كثيرة لها أولوية في تنمية المجتمع.
        
وأخيرا يمكن القول أنّ عملية الانتقال تتمثل في التحوّل من نظام اقتصادي مركزي- موجه إلى نظام يستند إلى السوق- حر- من خلال قواعد تسيير السوق، وتسهيل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج أي الاعتماد على سياسة اقتصادية كلية من النوع الليبرالي. و لقد اعتمدت الجزائر ابتداء من سنة 1988 برنامجا تصحيحيا بغية تحقيق اللامركزية تدريجيا في عملية صنع القرار وتطوير آليات السوق هذا من جهة ومن جهة أخرى إزالة الإختلالات التي تعاني منها مالية الدولة والناتجة عن الفترة السابقة في ظل النظام الاقتصادي الموجه.
مما سبق عرضه يؤكد على أهمية و دور السياسة المالية في إنجاح الجهود التنموية المبذولة من طرف الدولة بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتوازن الكلي. و مشكلة التوازن الاقتصادي العام في الجزائر كما أبرزت أهمية السياسة المالية في الحياة الاقتصادية و معرفة السياسة المالية المثلى لتحقيق التوازن الاقتصادي, و عند معالجة أدوات السياسة المالية تبين لنا أن الإيرادات العامة والإنفاق العام بالإضافة إلى الموازنة العامة لها دور فعال في تعديل كل من الهيكل الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع فضلا عن قدرتها على ترشيد استخدام الأموال العامة وتحقيق أقصى إنتاجية منها بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه هذه الأدوات في التأثير على حجم العمالة والدخل ومستويات الأسعار ومن ثم التوازن الاقتصادي العام.  
و من هذه اللمحة الموجزة يمكن القول أن السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية تشكل بتكاملها وتحقيق التناسق بين أدواتها تشكل منظومة للاستقرار الاقتصادي، وفى الوقت الذي يتحقق فيه هذا الاستقرار الاقتصادي فى المجتمع، فان ذلك يمثل دعماً ذاتياً لمسيرة هذه السياسات فى طريق تحقيق أهداف التنمية، رفعاً لمستوى المعيشة فى كل المجالات، وتدعيماً لقوة الاقتصاد القومي فى إطار التحديات الكبيرة التى يواجهها داخلياً وخارجياً.

المراجع:
1- د.مصطفى حسين المتوكل ,الخصخصة خلق أفاق جديدة إمام القطاع الخاص ,المركز الوطني للمعلومات ,مجلة المعلومات ,العدد 2, 2001 شبكة الانترنيت , ص 2-3
2- د.نائل موسى ,الخصخصة تفاحة الأغنياء حنظلة الفقراء ,إسلام اون لاين ,شبكة الانترنيت,2003, ص1-3.
3- العطية، عبد الحسين، الخصخصة في البلدان النامية: سلبياتـها وإيجابياتـها، مجلة دراسات، المجلد(25) - العدد 1، كانون الثاني 1998م.
4- عجلان، صبري، التخصصية، مجلة المصارف العربية، العدد 221، آيار 1999م.
5-  مرزوق، نبيل، الخصخصة وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية في كتاب الخصخصة أفاقعا وأبعادها للدكتور محمد رياض الأبرش والدكتور مرزوق، دار الفكر – دمشق، ط1، 1999م.
6- عفيفي، صديق محمد، التخصصية والإصلاح الاقتصادي المصري، القاهرة، مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، 1991م.
Previous Post Next Post