بعد الاستقلال، وجدت الجزائر آنذاك نفسها أمام هياكل سياحية فقيرة، وعاجزة عن تلبية الطلب السياحي من حيث عدم كفايتها أو مواكبتها لما تزخر به بلادنا من تنوع سياحي كبير، إلا أن الدولة بادرت إلى إنشاء برنامج يهدف إلى تهيئة مناطق التوسع السياحي، وذلك في الفترة ما بين سنة 1962 و 1966 من أجل بناء مرافق للأعمال والمؤتمرات، والملتقيات المختلفة. وحددت في ثلاث مناطق كبرى هي ([i]):
1- الجهة الغربية للجزائر العاصمة: مركب موريتي، سيدي فرج، مركب تيبازة.
2- الجهة الشرقية: سرايدي لعنابة، فندق بالقالة.
3- الجهة الغربية للوطن: الأندلسيات بوهران.
      وابتداءً من سنة 1966، ومع صدور أول وثيقة رسمية يوم: 26 مارس 1966، التي تعتبر بداية الاهتمام الحقيقي بالسياحة من قبل الدولة، فبعد تقييم شامل وعام للمشاكل التي كان يعاني منها القطاع السياحي، وحصر مجمل الثروات السياحية عبر الوطن من طرف وزارة السياحة، اعتمادًا على هذا تم تحديد سياسة الدولة في هذا القطاع، في وثيقة صادرة عن الحكومة سنة 1966 سميت ميثاق السياحة، وفيها حددت التوجيهات الأساسية للقطاع السياحي، والمتمثلة في ([ii]):
1- توجيه النشاط السياحي نحو السياحة الدولية، أي الخارجية من أجل جلب العملة الصعبة، وذلك لحاجة الجزائر لموارد مالية معتبرة لتغطية وتمويل برامج التنمية المختلفة.
2- خلق مناصب شغل، من خلال توسيع هياكل هذا القطاع مع إدماج الجزائر في السوق الدولية للسياحة، ومن أجل بلوغ تلك الأهداف تم تحديد استراتيجية لتنمية القطاع كما يلي:
أ- الشروع في تطوير الصناعة الفندقية، حيث برمج إنشاء 11 ألف سرير عند نهاية المخطط الثلاثي، مع اختيار الفنادق والمطاعم والمقاهي ذات الطابع السياحي وإصلاحها وإعادة تهيئتها، مما يجعلها تتماشى وتنوع الزبائن المقصودين "السواح الأجانب".
ب- إصلاح كل المرافق المخصصة للسياحة عبر الشواطئ، الصحراء، والمناطق السياحية الجبلية والريفية.
ت- إحصاء كل الآثار السياحية والتاريخية وتحسينها، مع تنمية الجوانب الثقافية والفنية، وخلق تقاليد وثقافة سياحية لدى المواطن الجزائري.
ث- الشروع في إقامة الهياكل اللازمة لتكوين الإطارات السياحية المختصة واليد العاملة المؤهلة.
ج- تسهيل عملية الدخول عبر الحدود والمطارات، وإنشاء الوكالات السياحية في الداخل والخارج، بغرض الدعاية والإشهار للمنتَج الجزائري([iii]).
1- السياحة ضمن المخطط الثلاثي: بعدما حددت الحكومة أهدافها من التنمية السياحية، وحددت نوع السياحة التي ترغب في تطويرها، حاولت ترجمة ذلك في المخطط الثلاثي، حيث سجلت السياحة ضمن الاستثمارات الوطنية التي ترصدها الدولة للمشاريع التنموية بمختلف القطاعات الاقتصادية، وكان الهدف من وراء ذلك هو جعل القطاع السياحي يساهم في عملية التنمية الوطنية، ولكن هل برامج تنمية القطاع السياحي حظيت بنفس العناية اللازمة، مثل بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى (القطاع الصناعي، الزراعي، التعليم،...الخ). وهذا ما سوف نراه، من خلال الاعتمادات المالية المخصصة لمختلف القطاعات الاقتصادية في الجدول التالي:
جدول رقم 01: توزيع الاستثمارات على القطاعات الاقتصادية خلال المخطط الثلاثي 1967-1969
الوحدة: مليون دينار جزائري
القطاعات
المبالغ المخصصة لكل قطاع
النسبة المئوية
الصناعة
5400
48.74
الزراعة
1869
16.87
الهياكل الأساسية
1124
10.14
التريبة
912
08.23
السكن
413
03.72
السياحة
282
02.54
التكوين
127
01.14
الضمان الاجتماعي
295
02.66
الإدارة
441
03.68
متفرقات
215
01.94
المجموع
11078
100%
المصدر: وزارة التخطيط والتهيئة العمرانية أثناء المخطط الثلاثي 67/69.
       من خلال الجدول أعلاه، نلاحظ أن القطاع السياحي رتب في آخر الاهتمامات من حيث المبالغ المالية المخصصة له، وذلك بمبلغ لا يتجاوز 282 مليون دينار جزائري، أي نسبة 02.54% من الاعتمادات الكلية المخصصة لهذا المخطط، والمقدرة بـ 11078 مليون دينار جزائري ، ونستنتج من هذا التوزيع أن الدولة كانت حذرةً في التعامل مع هذا القطاع، من حيث المساهمة التي يمكن أن تقدمها للتنمية، وخاصةً المردود من العملة الصعبة مقارنةً مع القطاعات الأخرى، مثل القطاع الصناعي الذي كانت الدولة تعول عليه كثيرًا، وهذا يظهر من خلال الاعتماد المالي المخصص له، والمقدر بـ 5400 مليون دينار جزائري، أي نسبة 48.74% من إجمالي الاستثمارات المخصصة لهذا المخطط، وفي هذا المخطط بدأ بإنشاء بعض الفنادق، وإنشاء معاهد التكوين المهني السياحي، وإنجاز 11308 سرير([iv])، والجدول التالي يوضح ذلك:
جدول رقم 02: حصيلة برنامج المخطط الثلاثي بين سنتي 1967-1969
العمليات المقررة
عدد الأسرة المبرمجة       
النسبة المئوية
عدد الأسرة المنجزة
النسبة المئوية
العجز
ع. الأسرة
النسبة المئوية
محطات شاطئية
6766
51.7
2406
35.5
4360
64.5
محطات حضرية
1650
12.6
254
15.4
1396
84.6
محطات صحراوية
1818
13.9
286
15.7
1532
84.3
حمامات معدنية
2847
21.8
00
00
2847
76.2
المجموع
13081
100%
2946
22.5%
10135
77.5%
Source : Bilan du développement du secteur touristique, ministère du tourisme, 1977, P27.
       من خلال الجدول أعلاه، يتضح أنه إلى غاية نهاية هذه السنة 1969، سجل عجز فادح قدر بـ 10135 سرير، أي نسبة 77.5%، وهذا مرده إلى ضعف قدرات الإنجاز، وسوء تحديد المسؤولية الإدارية.
2- السياحة ضمن المخطط الرباعي الأول: جاء هذا المخطط بنفس أهداف المخطط السابق تقريبًا، وهي العمل على بناء مرافق سياحية موجهة بالدرجة الأولى للسياحة الخارجية، حيث ترمي الأهداف المسطرة في هذا البرنامج إلى استقبال أكثر من مليون سائح مع نهاية العشرية، ولاستقبال هذا العدد وحسب تقديرات المختصين، فإنه يجب رفع قدرات الاستقبال إلى 700000 و 900000 سرير مع نهاية العشرية ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف برمج إنجاز 35000 سرير خلال نهاية المخطط الرباعي الأول و المقرر تطبيقه في الفترة 1970-1973 وذلك من أجل تلبية الحاجيات السياحية الداخلية و الخارجية حيث رصد لهذا البرنامج 700 مليون دينار اي نسبة 02.5% من إجمالي الاستثمارات المقدرة بحوالي 28 مليون دينار و الموزعة حسب الجدول التالي:
جدول رقم 03: توزيع الاستثمارات على مختلف القطاعات خلال الرباعي الأول
القطاعات التنموية
المبلغ المخصص لكل قطاع
النسبة
الصناعة
12400
40
الزراعة
4140
15
الهياكل الساسية
2307
08
السكن
1520
05
التربية
2718
10
السياحة
700
02.5
التكوين
585
02
الضمان الاجتماعي
934
03.5
الإدارة
870
03.2
متفرقات
800
03
النقل
760
03.1
المجموع
27736
100
المصدر: وزارة التخطيط والتهيئة العمرانية أثناء المخطط الرباعي الأول 70/73 سنة 1970.
       من خلال الجدول أعلاه، يتضح أن القطاع السياحي مازال يحتل المراتب الأخيرة بين القطاعات الاقتصادية، رغم أن الميزانية المخصصة لهذا القطاع زادت إلى أكثر من نصف بالنسبة للمخطط الثلاثي السابق، وللأسف هذا لا يدل على إعطاء العناية اللازمة للقطاع السياحي، بل هو ناتج عن الزيادة الكلية في ميزانية المخطط الرباعي الأول.
ويظهر أيضًا في الجدول أعلاه، أن الأهمية الكبرى أعطيت للمشاريع المتبقية من المخطط الثلاثي السابق، وهذا ما يبين عدم القدرة على الإنجاز في الفترة المحددة، وعدم تقدير ميزانية المشاريع بطريقة ناجحة أدى إلى تداخل المشاريع المتبقية على حساب المشاريع الجديدة، وهي من بين الأسباب التي أدت إلى عدم تطور القطاع السياحي بالشكل المناسب، وبعد نهاية فترة المخططين الثلاثي والرباعي الأول الممتدة من سنة 1967 إلى 1973، وصل عدد الأسرة المنجزة إلى 9230 سرير بعجز يقارب 26000 سرير عما كان مقررًا إنجازه، حيث تم إنجاز 6860 سرير فقط من البرنامج المقرر في المخطط الرباعي الأول، أي تسجيل عجز تقدر نسبته بـ 65.55% عما كان مقررًا، وبالتالي نقول أن المخطط الرباعي الأول في المجال السياحي كان كسابقه من حيث العجز المسجل في الإنجاز، وعدم بلوغ الأهداف المسطرة في هذا المخطط، وهي بوجه خاص:
أ- زيادة الدخول من العملة الصعبة عن طريق السياحة الخارجية.
ب- خلق مناصب شغل جديدة من خلال توسيع هياكل الاستقبال والهياكل المرافقة لها.
3- السياحة ضمن المخطط الرباعي الثاني (1974-1977): عرفت هذه الفترة عدة تغيرات تمثلت فيما يلي ([v]):
أ- إلحاق المصالح التجارية التابعة لـ: (SONATOUR) بالوكالة التجارية للسياحة(ATA)  لكن هذه الأخيرة أثبتت عدم نجاعتها، ولم تدم العملية سوى سنتين.
ب- في سنة 1976، أنشئت الشركة الوطنية للسياحة(SAN-ALTOUR)  التي أسندت إليها مهمة تسويق المنتوج السياحي الجزائري.
ت- إنشاء مؤسسة الأعمال السياحية الجزائرية(ETT)  التي تولت مهمة إنجاز مشاريع التنمية السياحية، لكن هي الأخرى فشلت، فمن بين 50000 سرير المبرمج إنجازها، لم ينجز سوى 18000 سرير، وفي هذا المخطط وصل حجم الاستثمارات المرصودة لهذه الفترة حوالي 1230 مليون دينار جزائري، أي بزيادة تفوق 100% عما كان عليه الحجم في المخطط الرباعي الأول، غير أن ذلك لا يعني أن القطاع ارتفع في سلم أولويات التنمية الوطنية، لأن مقدار الزيادة المقررة في هذا المخطط كانت نفسها بالنسبة لجميع القطاعات الأخرى، وذلك بسبب زيادة حجم الميزانية العامة، وارتفاع تكاليف الاستثمار في جميع القطاعات، مما يجعل مكانة السياحة ثابتة في السياسة التنموية للدولة الجزائرية عبر المخططات الثلاثة. والجدول التالي يبين كيفية توزيع الاستثمارات على مختلف القطاعات التنموية، في المخطط الرباعي الثاني من 1974 إلى 1977 زائد برنامج خاص بقطاع السياحة لسنة 1978:
جدول رقم 04: توزيع الاستثمارات على مختلف القطاعات التنموية خلال المخطط الرباعي الثاني
الوحدة: مليون دينار جزائري
القطاعات التنموية
المبلغ المخصص لكل قطاع
النسبة
الصناعة
48000
43.5
الزراعة
12005
10
المياه
4600
04.2
السياحة
1500
01.4
الصيد
155
01
البنية الاقتصادية
15500
14
التربية والتكوين
9947
09
الشؤون الاجتماعية
14610
13.3
الإدارة
1399
01.3
دراسات مختلفة
2520
02.3
المجموع
110236
100
المصدر: وزارة التخطيط والتهيئة العمرانية أثناء المخطط الرباعي الثاني 74/79 سنة 1974.
       من ملاحظتنا للجدول أعلاه، فإن حصة السياحة في توزيع الاستثمارات الإجمالية، والمقدرة بـ 110236 مليون دينار جزائري، قد انخفضت عما كانت عليه في المخطط الرباعي الأول، وذلك من نسبة 02.5% إلى 01.4%، ورغم هذه الزيادة الرقمية في الاستثمار لهذا القطاع والمقدرة بـ 1500 مليون دينار. أما الشيء الذي تم تأكيده في هذا المخطط، هو الاهتمام بالسياحة الداخلية التي كانت مهملة من قبل، وهذا ما أكده المخطط الرباعي الثاني الذي جاء فيه:"في إطار المبادرات الجديدة للمخطط الرباعي الثاني يجب أن نشرع في ترقية السياحة الداخلية، التي توجه من الآن فصاعدًا إلى تلبية حاجيات الراحة المنتظمة، التي أدى إليها ارتفاع مستوى المعيشة ونمو الدخل. وعليه، فإنه تقرر إنجاز مركزين سياحيين في هذا المجال"، وتتمثل هذه المراكز في الحمامات المعدنية، والخدمات الصيفية والقرى صيفية...إلخ.
4- السياحة ضمن المخطط الخماسي الأول (1980-1984): إن ما يميز هذا المخطط، هو بلوغ الوعي لدى المسيرين بضرورة إحداث التوازن الجهوي، والأولوية التي أعطيت للسياحة الحضرية دون سواها في المخططات السابقة، فقد خصص مبلغ: 34000 مليون دينار ([vi])، لتغطية التكاليف الخاصة بتطوير ثلاثة مناطق سياحية نموذجية، في شرق وغرب ووسط البلاد، والموجهة أساسًا نحو السياحة الداخلية، والتي توافق التقاليد الجزائرية، ووزعت هذه المبالغ كما يلي: 01.6 مليار سنتيم جزائري، مخصصة للمشاريع الجديدة قيد الإنجاز، و 01.8 ميار سنتيم جزائري، مخصصة للمشاريع الجديدة. وكان هدف هذا المخطط الوصول إلى طاقة إيواء تقدر بـ 50880 سرير سنة 1985، وعليه برمج 89 مشروع، وزعت كما يلي:
جدول رقم 05: المشاريع المبرمجة في المخطط الخماسي الأول
النوع
ساحلي
صحراوي
مناخي
حضري
تخييم
حمامات
المجموع
عدد المشاريع
02
01
05
32
40
09
89
عدد الأسرة       
3300
2350
1150
6900
1200
1650
16550
المصدر: وزارة السياحة، 1986.
       ما يلاحظ من الجدول أعلاه، أنه لم يتم انطلاق أي مشروع من المشروعات الجديدة التي وضعت في إطار المخطط، هذا رغم انتهاء الدراسات الخاصة بها، بسبب الأزمة الاقتصادية للدولة، والتوجهات السياسية والاقتصادية الجديدة.
 5- السياحة ضمن المخطط الخماسي الثاني: أدركت الدولة الجزائرية في هذا المخطط، أهمية السياحة في تفعيل النشاط الاقتصادي، لذا ([vii]) خصصت برنامجًا ماليًا كبيرًا هدفه متابعة سياسة التهيئة السياحية، وتطوير الحمامات المعدنية والمناخية، وكذا تنويع المتعاملين كالجماعات المحلية والقطاع الخاص، والعمل على لامركزية الاستثمار، والتحكم في الطلب السياحي. ولهذا الغرض، خصصت الدولة غلافًا ماليًا قدره 1800 مليون دينار جزائري، لتحقيق هذه المشاريع فقد وصلت طاقات الاستقبال في نهاية 1989 إلى ما يلي:
جدول رقم 06: طاقة الاستقبال نهاية 1989
القطاع
النوع
العام
الخاص
المجموع
النسبة
البحري
12182
1145
13327
27.60
الصحراوي
3731
2250
6331
13.10
الحمامات
3588
1528
5116
10.60
الإقليمي
954
76
1030
02.13
الحضري
5337
17161
22498
46.57
المجموع
25842
22460
48302
100
النسبة
53.5
46.5
100
//
المصدر: وزارة السياحة والصناعات التقليدية، تقرير حول المخطط الخماسي الأول، 1986.
      إذا ما قارنا الفترات السابقة أي من سنة 1966 إلى 1980 مع الفترة الممتدة بين 1980 إلى 1989، نلاحظ أن طاقات الإيواء قد ارتفعت خلال هذه الفترة بحوالي 30539 سرير بنسبة 46.57% للقطاع الخاص، كما نلاحظ أن الفنادق الحضرية تحتل المرتبة الأولى، بينما نسبة الفنادق الإقليمية تبقى ضئيلة، أي بنسبة 02.13%.     أما التدفقات السياحية بقيت مستقرة مقارنة بالفترة السابقة، إذ تراوحت بين 250000 و 400000 سائح حسب السنوات، وبمعدل سنوي يقدر بـ 324000 سائح ([viii]).

[i]- Ahmed Houari, OPU, P07.
[ii]- ميثاق السياحة، 1966، ص 04.
[iii]- Bilan du développement du secteur touristique, 62/77 ministère du tourisme, P67.
[iv]- تقرير صادر عن وزارة السياحة، سنة 2001.
[v]- نفس المرجع السابق.
[vi]- Ministère de planification et de l’aménagement du territoire général du plan pentagonal, 1980-1984.
[vii]- وزارة السياحة والصناعات التقليدية، تقرير حول المخطط الخماسي الأول، 1980.
[viii]- Cnes contribution pour la redéfinition de la politique nationale du tourisme, novembre 2002.
Previous Post Next Post